أشعر أني حزين هذا المساء

«ربما يتحدد مكاني داخل قشرة جوز ولكني أعد نفسي ملكا بلا حدود»
شكسبير في «هاملت»

أشعر أني حزين هذا المساء.
لا رائحة الثوم توقد حصة التعب في دمي، ولا قطعة موسيقى تنشر في خلاياي أثر حياة.
أحس أني كتلة من الغم، مساحة من غبار متكوم على نافذة مهملة.. صدأ يشل وهج سيف، لمعانه كان ينافس رقصة الشمس، معطف خشن مهمل في عز الشتاء، تجاعيد تغزو وجه امرأة هادئة تنتصب كواحة للنسيان.
بسمة مهملة أنا.. لقطة من حنين ورائحة زعفران..
عالة على هامش عالم ضيق مثل علبة كبريت!
قطرة ماء لا تروي عطش رمل مصاب بالسهاد.. ورقة مكومة في قاع سلة مهملة.
أشعر أني حزين هذا المساء.
جذع نخلة منخورة أنا، رائحة مستنقع يغوص في قيعان الصمت، عصا آلة عود منكسر، ناي مبحوح موضوع على رف من غبار، بيانو صدئ على مرمى البحار أو ماندولين عار من سرير حلمه.. أحس بالتعفن كما لو نمت زمنا في كهف وسط عازل طبي لزج.
برغم أن الحياة خذلتني.. أستمر في السير كمن يحمل على رأسه تاجا مجيدا ويقين الأنبياء.
استوحشت أصابعي أنامل رقيقة، لا تصلح لغير العزف على أوتار قلبي.
لا اللعب يوقد وهج الروح، ولا ما تبقى من جمر تحت الرماد.. كم يلزمني من ريح؟
يا الريح المبعثر لنثار هواء الكلمات من فمي .. ولما تبقى من أحرف تخجل أن ترسمني عاريا.
يا الريح المثير لنقع الغبار من حولي، ليظللني باسم الوضوح الشفيف مثل نسمة برد.. رفقا بالقوارير !
يا النسيم العليل بي، وبما تبقي في من عبث..
أنا ما يختلف في.. ما ينشق عني عنوة، ظلي حين يعاكس اتجاه خطوي الأول.. ما يزاحمني في مدخل الباب، أنا ما يسمح للحياة بالاعتراف بأنها ليست نقيضا للموت، وأن بهجتها مجرد حاشية على متن الوهم.


الكاتب : عبد العزيز كوكاس

  

بتاريخ : 24/04/2020