الخرافات والأساطير مجرد اعتقادات أو أفكار قائمة على مجرد تخيلات دون وجود مسبب عقلاني أو منطقي مبني على العلم أو المعرفة، وترتبط هذه الاعتقادات بفلكلور الشعوب أو بالأنماط العليا للتفكير، حسب التحديد الذي وضعه لها جيلبيرت دوران، حيث إنها عادة تمثل إرثًا تاريخيًا تتناقله الأجيال وقد تكون دينية أو أسطورية، أو ثقافية أو اجتماعية، وقد تكون شخصية ترتبط ببعض الأفراد الذين يصنعون خرافاتهم بأنفسهم، أو يدفعون الآخرين المحيطين بهم إلى صنعها والتكتل حولها.
– هناك بعض المناطق على هذا الكوكب، تبدو وكأنها مغناطيس يجذب الناس إلى اللامكان.. يذهب الناس إلى هذه الاماكن ويختفون ببساطة، ولا يعودون أبداً. ومن أشهر الأماكن التي اكتسبت تلك السمعة السيئة، مثلت برمودا الشهير، ولكن هناك مناطق شاذة أخرى حول العالم لها نفس السمعة، مثل آلاسكا، التي تبدو جائعة للمزيد من الأرواح، فهناك مكان بارد قاحل يمتد على مساحة شاسعة من البرية في ولاية ألاسكا، في أقصى شمال الولايات المتحدة له القدرة على جذب الناس ومن ثم منعهم من العودة منه مرة أخرى …
فوسط ذلك الجمال والطبيعة المتباينة الممتدة على أراضي ألاسكا الثلجية، ثمة لغز غامض، فداخل هذه المنطقة توجد مساحات شاسعة غير مستكشفة إلى حد كبير حتى الآن، بما في ذلك الغابات المترامية الأطراف، والقمم الجبلية الصخرية، وغابات التندرا الجرداء المقفرة، وعلى الرغم من ذلك يزورها أعداد كبيرة من الناس سواء من السياح أو من السكان المحليين، الذين يفقدون حياتهم كل عام كما لو كانوا اختفوا من على وجه الأرض، يتلاشون بلا أثر، بالإضافة إلى العديد من الطائرات التي اختفت أو تحطمت على نحو غير مفهوم .
يقال إنه منذ عام 1988 ، تلاشى عدد مذهل من الناس في تلك البقعة، حيث وصل عدد المفقودين إلى 16000 شخص في منطقة عُرفت باسم “مثلث آلاسكا” ، ولم يسمع أحداً عنهم شيئاً حتى الآن !
ومن أبرز حالات الاختفاء الغامضة داخل مثلث آلاسكا، تلك التي وقعت أحداثها في أكتوبر 1972، عندما كانت طائرة من طراز سيسنا 310 تقل اثنين من السياسيين البارزين- زعيم الأغلبية في مجلس النواب (هيل بوغز) ، والنائب (نيك بيغيتش) ، إلى جانب مساعديه، والطيار دون جونز- حيث اختفت الطائرة في ظروف غامضة في تلك المنطقة ، بينما كانت في طريقها من أنوريج إلى جونو .
وقد أثار اختفاء هذه الشخصيات العامة المرموقة بحثاً مكثفاً استمر لمدة 39 يوماً، وشمل أكثر من 400 طائرة بحث وإنقاذ، بما في ذلك طائرة لسلاح الجو SR – 71 المتطورة، وعشرات من القوارب، بما في ذلك 12 قاربا من خفر السواحل، ومع ذلك لم يتم العثور على أي دليل يفسر ما حدث للطائرة ومن كانوا على متنها ، حتى أعلنت السلطات في نهاية الأمر وفاة طاقمها.
بالطبع ظهرت بعض نظريات المؤامرة لتفسير ما حدث للطائرة، منها أن سقوط الطائرة كان مدبّراً من رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية في ذلك الوقت إدجار هوفر، وأنه قد قام بالتغطية على آثار الحادث، ولكن حتى يومنا هذا لم يتم العثور على أي أثر للطاقم أو الطائرة، بل لم يتم العثور حتى على مسمار واحد، أو حتى قصاصة من جسم الطائرة، مما يجعل تفسير الحدث وفقاً لنظرية المؤامرة أمراً بعيداً .
أين يقع مثلث ألاسكا بالضبط ؟
يتألف مثلث12كا من أربعة أقاليم في الولاية، من البرية الجنوبية الشرقية والمضايق إلى التندرا الداخلية، وصولاً إلى سلاسل الجبال القطبية الشمالية، ويشمل مساحة كبيرة من جونو وياكوتات في الجنوب الشرقي، وسلسلة جبال بارو في الشمال، وأنكوراج في وسط الولاية.
لماذا يختفي الناس هناك ؟
يبلغ معدل الأشخاص الذين تم الإبلاغ عن فقدهم في ألاسكا ضعف متوسط عدد المواطنين في الولاية، وفي حين أن هناك العديد من الحالات التي شملت الهاربين والأشخاص الذين عادوا إلى أوطانهم، إلا أن ألاسكا لديها أعلى نسبة من الأشخاص المفقودين الذين لم يتم العثور عليهم أبداً . ففي عام 2007، كان هناك 8333 إشعاراً لإناس مفقودين في ألاسكا ، وذلك في دولة يبلغ عدد سكانها أكثر من 670،000 نسمة، أي حوالي 4 أشخاص مفقوين من كل 1000 شخص.
وفقاً للمعتقدات الدينية لسكان آلاسكا الأصليين وهم جماعات الـ Tlingit (التلينجيون) والذين يعيشون بالقرب من جونو، فإن الروح الشريرة المسماهكاشتاكا Kushtaka – وهو عبارة عن مخلوق له جسد نصف رجل ونصف قضاعة (ثعلب الماء)، لديه القدرة على جذب الناس الأبرياء ومن ثم خطفهم وإخفاءهم إلى الأبد، فهو يخدع البحارة من السكان المحليين ليجذبهم بعيداً عن الشاطيء حتى يلقوا حتفهم، او يقوم بتقليد صرخات الرضيع أو صراخ إمرأة، لجذب الضحايا تعساء الحظ إلى الأنهار، أو إفتراس الأطفال الصغار .
الطبيعة القاسية
في يوليو عام 1993، انطلق كريس ماكوندليس، البالغ من العمر 24 عاماً، إلى الحياة البرية في ألاسكا، وبعد 112 يوماً ، مات من الجوع، وبعد أربعة أشهر، عثر صياداً لحيوان الموس مصادفةً على جسده .
جدير بالذكر.. أن موضوع روايةInto the Wild الأكثر مبيعاً، تناولت قصة ماكاندليس، وعلى الرغم من محاولات ماكاندليس تجنب معظم الأخطار التقليدية التي عادة ما تكون مرتبطة بالوفاة المبكرة في تلك الرحلات، إلا أن الأمر لم يستغرق طويلاً حتى إستسلم لتهديد أكبر.. وهو البيئة !
ترتبط العديد من حالات الإختفاء الدائم في ألاسكا بالظروف الطبيعية، فتلك الطبيعة غالباً ما تكون محفوفة بالمخاطر .
هذا المشهد الطبيعي القاسي مليء بجميع أنواع المخاطر، بما في ذلك الطقس الذي لا يرحم، والتضاريس الخطرة ، والحيوانات البرية المفترسة، والمخاطر الجيولوجية المروعة، كما أن ألاسكا موطناً لحوالي 100 بركان نشط.
تلك المناطق البرية من ألاسكا يحدها ما يصل إلى 33 ألف ميل من السواحل، وأكثر من ثلاثة ملايين بحيرة، وحياة برية بِكر لم يمسها بشر، وشتاء قارس البرودة، يحمل الثلوج والجليد لمساحات شاسعة من الولاية، ومن بين مئات عمليات البحث والإنقاذ التي تقوم بها السلطات كل عام، فإن الغالبية من الناس يُفقدون حرفياً في وسط اللامكان !
وتعد الإصابات العرضية ثالث أكبر سبب للوفاة في ألاسكا، بالإضافة إلى حوادث السيارات، ويشمل ذلك أيضاً الأشخاص الذين يسقطون في الجبال أو ينزلقون في الصدوع الموجودة بين الأنهار الجليدية، ومن بين هذه الوفيات العرضية، يعدّ الغرق أعلى سبب للوفاة بينهم، ففي كثير من الأحيان تتسبب درجة الحرارة الباردة في غرق الجثث في قاع الماء بدلاً من أن تطفو إلى الأعلى، مما يضيف تحدياً آخر في العثور على الأشخاص المفقودي.
وبالنسبة إلى هذا الكم الهائل من الحياة البرية الوعرة في ألاسكا، فهناك بالتأكيد أخطار محتملة لا تحصى، لذا فليس من المستغرب أن يضيع عدد كبير من السياح والسكان المحليين هناك، فقد يواجهون بعض المخاطر تمنعهم من العودة إلى المدن، أو ببساطة يتم قتلهم من قِبل الحيوانات البرية، ولكن الغريب ان حالات الإختفاء تحدث بشكل أكبر واكثر تركيزاً في تلك البقعة المسماة بـمثلث ألاسكا، أكثر من أي مكان آخر في الولاية، فما السبب؟
دوامات الطاقة الغامضة
هناك نظرية أخرى تتمثل في ان مثلث ألاسكا يقع في نظاق بعض المناطق الجغرافية حول الكوكب، والتي تُظهر شذوذات كهربائية ومغناطيسية وكهرومغناطيسية متطرفة، فضلاً عن دومات طاقة غريبة ، وذلك كما إفترض الباحث الأمريكي إيفان ت. ساندرسون، وتسمى تلك المناطق جغرافياً بخطوط لاley ، ومن أشهر تلك الأماكن مثلث برمودا الشهير، ومنطقة أحجار المغليث في الجزائر، وإلى الجنوب من تمبكتو، ووادي إندس في باكستان، ثم بركان هاماكوليا في هاواي، وبحر الشيطان بالقرب من اليابان، وجنوب المحيط الأطلسي، وكلا القطبين الشمالي والجنوبي، كما يقال إن العديد من الأماكن الأثرية المشهورة مثل ستونهنج، وجزيرة إيستر، والأهرامات في مصر تقع على تلك الخطوط الجغرافية الشاذة، وفي الواقع فإن البعض يعتقد أن ذلك هو السبب في بناء القدماء لتلك الآثار في تلك البقاع، وأنهم كانوا يعرفون عن هذا الشذوذ الغريب.
ويعتقد الباحثون أن تلك الدوامات من الطاقة التي تحدث في تلك المناطق حول العالم، تخلق نوعاً من الظواهر الغريبة، فيُعتقد انها تؤثر على البشر من الناحية العقلية والجسدية والعاطفية، مثل أن تتسبب في رؤية السراب، أو ظهور قوى شفاء خارقة، أو توليد طفرات معينة مثل القدرة على الإبداع أو الوعي الخارق بشكل مفاجيء .
ويعتقد الكثير من الناس أن بإمكانهم الشعور بذواتهم الداخلية عندما يكونون في تلك الدوامات الشاذة، ويمكن أن تؤدي تلك الأماكن إلى الشعور بالارتباك والهلوسة البصرية والصوتية، فضلاً عن التسبب في تعطيل الأجهزة الكهربائية الدقيقة أو التسبب في قصورها عن العمل.
كما أن هناك نظريات قد تكون أبعد من ذلك.. ترجح أن دوامات الطاقة لتلك المناطق ما هي إلا مداخل إلى أبعاد روحية، أو بوابات إلى عوالم أخرى، وبالتالي فإن كل هذه الأشياء يمكنها أن تتسبب في اختفاء الأشخاص والمركبات مثل السفن والطائرات في هذه المناطق بمعدلات مذهلة .
وهناك بعض الأشياء المثيرة للاهتمام والتي تدعم فكرة أن مثلث ألاسكا يقع ضمن مناطق تلك الدوامات الشاذة، حيث تغطي ألاسكا مساحة كبيرة من الشذوذات المغناطيسية، والتي يمكنها أن تعمل على تعطيل البوصلات لتصل درجة الخطأ إلى 30 درجة، بالإضافة إلى ذلك، أفاد بعض عمال البحث والإنقاذ في المنطقة عن وجود هلاوس صوتية هناك، وغالباً ما يصفون تلك الأصوات كصوت سرب غاضب من النحل، كما أفادوا أنهم شعروا بالضيق والدوخة بشكل غير عادي.
فهل يمكن أن يكون لذلك علاقة بالاختفاء؟ على الرغم من أن تأثير تلك الدوامات الشاذة مازالت مجرد نظرية تحمل قدراً كبيراً من الشك .
في كل عام يزور عشرات السائحين ألاسكا لرؤية تلك الأرض العذراء التي لم تلوثها أيادي البشر، وتحث إدارة الحدائق والترفية في ألاسكا أولئك الذين يزورون تلك المناطق النائية على الإستعداد للعوامل الطبيعية، وتفادي قبضة كاشتاكا.
كيف يمكن لتلك الأرض المدهشة ذات الجمال البكر أن تبتلع بشراهة الكثير من الناس دون ترك أثر ؟
سواء أكانت تلك الاختفاءات ناتجة عن مخاطر طبيعية، أو دوامات طاقة غريبة، أو أرواح شريرة قديمة، فهي بالتأكيد تنذر بالخطر، ومن المحتمل أننا لن نصل أبداً إلى فهم هذا اللغز بشكل كامل، لإن الأشخاص الوحيدين الذين يعرفون ما حدث بالضبط لم يعودوا أبداً ليخبرونا القصة !