الغير متوقع و العولمة المتقدمة

 

 

يتطابق القرن الواحد والعشرو ن مع «المرحلة القصوى» للعولمة عبر كل أبعادها في مجالات الإنتاج و التبادل والتكنولوجيا و الثقافة. و مع تقدمها السريع أصبحت العولمة أكثر «تعقيدا» و محملة بكثير من «اللايقين». هكذا أصبح غير المتوقع السمة الغالبة للتطورات الجيوسياسية والاقتصادية في عهدنا.
لقد عرف العالم منذ بداية القرن، أي خلال عشرين سنة فقط ثلاث هزات قوية وغير متوقعة:
أولها تمثل في حدث جيوسياسي غير مسبوق عبر اعتداءات 11 شتنبر 2001 التي ضربت مدينة نيويورك،و الثانية تمثلت في الأزمة الاقتصادية لسنة 2008 والتي انطلقت من المركب التمويلي الأمريكي، والثالثة اندلعت سنة 2020 في شكل أزمة صحية انطلقت من الصين الشعبية و تحولت إلى جائحة انتشرت عبر العالم فارضة على ساكنته حجرا صحيا معولما و إثره انكماشا جديدا للحياة الاقتصادية.
إن توالي هذه الصدمات الثلاث دون سابق إنذار، ساهم في الحد من الهيمنة المطلقة للغرب (الولايات المتحدة) لصالح البلدان الأسيوية التي أصبحت أكثر فعالية (الصين).
هكذا عجل العهد العالمي لغير المتوقع بإدخال تغييرات في توازن القوى الجيواقتصادية، رغم أن بوادر توزيع جديد للأوراق ظهرت منذ تسعينات القرن الماضي. فهل أصبح غير المتوقع وليد تسريع العولمة في معمور يسير الآن بدون بوصلة.
للتذكير، شيدت أسس الحكامة العالمية غداة نهاية الحرب الثانية. على المستوى السياسي وضعت القوتان الأساسيتان المنتصرتان (الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي) ضوابط منظومة تعددية الأطراف عبر مؤسسة الأمم المتحدة. وعلى المستوى الاقتصادي تكلفت الولايات المتحدة و معها الغرب كله بإحداث منظومات التدبير و الضبط ماليا (صندوق النقد الدولي) واقتصاديا (البنك العالمي) و تجاريا (الغاط و بعده المنظمة العالمية للتجارة). فيما انخرطت شعوب المستعمرات في كفاحها من أجل الاستقلال واجتمعت بعد ذلك انطلاقا من مؤتمر باندونغ (1955) حول مفهوم العالم الثالث.
هكذا أصبح كل شيء مؤطرا. وفرضت ثنائية القطبية استراتيجية ستعينها على تدبير العالم. فلم يكن هناك حدث غير منتظر أو غير محتمل.
عرف العالم قبل نهاية القرن العشرين تحولات كبيرة : الانهيار (غيرالمتوقع) للمنظومة السوفياتية، صعود الاقتصاديات المنبثقة وعلى رأسها الصين، تراكم الثروات الريعية لدى البلدان النفطية. كل ذلك ساهم في تلاشي الوحدة الشكلية للعالم الثالث.
منذ 1973 بدأت بوادر تراكم الاختلالات على مستوى المالية العمومية والأداءات الخارجية تؤشر إلى أول إجهاض للاقتصاد الأمريكي في ذات الوقت الذي تأكدت فيه طفرة الاقتصاد الياباني و الأوروبي. لكن انخراط الولايات المتحدة سنة 1981 في التوجهات النيوليبرالية و انهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1991 سمحا للطرف الأمريكي بأخذ المبادرة من جديد وتثبيت موقعه الريادي اقتصاديا وجيوسياسيا فارضا على العالم «هيمنته المطلقة» (فيدرين). هكذا أصبح العالم لمدة عقدين خاضعا لقطبية أحادية.

الحضور المستمر لغير المتوقع

جاءت اعتداءات 11 شتنبر 2001 بكارثة عنيفة و غير متوقعة و لا مسبوقة و كرست بزوغ راديكالية اعتبرت نفسها كجواب احتجاجي ضد الهيمنة المطلقة للولايات المتحدة وكل ما أفرزته من إهانات (القضية الفلسطينية) ومن تفاقم اللامساواة بالعالم على كل المستويات.
ثم جاءت الازمة الاقتصادية لسنة 2008 دون أن تكون منتظرة. ففضحت انحرافات العولمة بسبب «الأمولة» المسرفة للحياة الاقتصادية وتفاقم الفوارق الاجتماعية بفعل انتصار توجهات نيوليبرالية عالميا.
وجاءت أزمة 2020 التي أفرزتها جائحة كفيد 19 دون أن تكون بدورها منتظرة. فركعت العالم و ابرزت بوضوح مدى هشاشة الانسان خلال المرحلة المتقدمة للعولمة. وكسرت سلسلة القيم العالمية منذ ميلادها لأنها انطلقت من قلب إحدى المعامل الكبرى بالعالم (هويان) ثم فرضت حجرا صحيا معولما و تجميدا للنشاط الاقتصادي العالمي.
هكذا نرى أن اللامتوقع أصبح يطبع مسار العالم منذ عقدين ويفرض نفسه على حياة البشر في عالم معولم و في ذات الوقت هش وعاجز على استباق المستقبل.

اختبار محفز

بقدر ما هي مهولة، بقدر ما يمكن أن تصبح هذه الأزمة محفزة، و بقدر ما يمكن أن تحول إلى فرصة للدفع تدريجيا بميلاد منظومة عالمية جديدة، وهو ما لم يحدث بعد انقراض الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينات، و لم يحدث كذلك غداة أزمة 2008 رغم إنشاء مجموعة العشرين.
إن منظومة جديدة لا تعني إدخال تغييرات في نمط الحكامة العالمية فقط، بل تعني كذلك و بالأساس إعادة بناء من أجل إعطاء الاعتبار لأسبقيات جديدة : إنقاذ حياة الناس و اقتسام الموارد و حماية البيئة.
إن الخروج من الأزمة الصحية، يمنح العالم فرصة جديدة و إمكانية للتفكير في المستقبل عبر تدبير مخلفاتها على المدى القصير وبعد ذلك العمل على بعث الجديد. هكذا يمكن أن تصبح هذه المحنة و معها هذا الاختبار الذي عاشته البشرية مصدر تحفيز من أجل التغيير الايجابي. إن ذلك يتطلب القيام بتحكيمات عبر تقاطع الرهانات و التحديات و كذا الطموحات (المثالية) و الامكانيات (الواقعية).
إن الخروج من الأزمة الصحية يفرض على مستوى السياسة الاقتصادية الرجوع إلى الزمن «الكينزي» (ارتباطا باسم الاقتصادي الانجليزي كينز) كما كان الحال سنة 1930 و 1945. و هنا يطرح سؤال كبير. كيف يمكن تحقيق انطلاقة جديدة للمنظومات الانتاجية و تدبير المديونيات خاصة في ظرف يتسم بتواضع معدلات الفائدة المديرية ؟ إذا كانت بلدان الاتحاد الأوروبي تسعى لإحداث آلية لتعاضدية ديونها في إطار تضامن إقليمي، سيكون من المفيد تنظيم مشاورات دولية من أجل تحقيق توافق حول إشكال تسديد الديون مع إعطاء عناية قصوى لأوضاع البلدان النامية و الفقيرة. ذلك أن كل بلدان العالم ستجد نفسها في مأزق حول تسديد الديون : صعوبة رفع الضغط الضريبي أو الرجوع إلى السياسات التقنينية في مجال الإنفاق العمومي أو البحث على سبل إعادة جدولة الديون. لاشك أن العودة المنتظرة لاستهلاك بعض العائلات التي رفعت من مستوى مدخراتها خلال فترة الحجر سيساهم في إعطاء نفس جديد للحياة الاقتصادية. في هذه الحالة قد تتحقق طفرة اقتصادية نسبية بعد 2021 إذا نجحت الأقطار في عملية مغادرة الحجر الصحي. ذلك أن هذه الأزمة الاقتصادية تتسم بخصوصية لافتة. فمصدرها لا يرتبط باختلال للعرض أو بتقليص للطلب كما حدث سنة 2008. فهي وليدة للحجر الصحي، كما أن وضعية البنوك بقيت منيعة و بقي معدل الفائدة منخفضا و معدل الادخار الاحتياطي مرتفعا.
قد تستغل بعض الأنظمة السياسية القطرية مرحلة الخروج من الاحتقان الصحي لتدير ظهرها للممارسات الديمقراطية بل لتسعى لترسيخ مزيد من السلطوية و المركزية و الشعبوية. فكما يذكرنا ادكار موران بأن «الوباء مغامرة الللايقين» فهو قادر على أن يفرز الأسوأ أو الأفضل. لذا فإن ظرفية الخروج من الكارثة الصحية قد يؤدي لاختيارات بين الخير و الشر. فأزمة 1929 أنتجت في قلب أوروبا التوجهات الفاشية و بعدها الحرب العالمية الثانية. كما أن أزمة 2008 ساهمت في صعود الشعبوية و اليمين المتطرف وأحيانا العنف وكذا تراجعات مجتمعية و ثقافية. و على عكس ذلك ساعد الخروج من الحرب العالمية الثانية انتشار التعددية السياسية و الاقتصادية غربا وعلى تحفيز النضالات التحررية ضد الظاهرة الاستعمارية.
لقد طرحت عدة تساؤلات خلال الأزمة الصحية للفيروس التاجي حول احتمال إدخال مراجعات في اختيارات السياسات الاقتصادية من خلال التخلي عن الأنانية و البحث المستمر عن الربح السريع و استعظام المدى القصير و كذا إعطاء العناية إلى الحاجيات الأساسية للمجتمعات ( الصحة و التعليم مثلا) و مكافحة الاحتباس الحراري وتحقيق مزيد من التكافؤ الاجتماعي عالميا و قطريا. أو على العكس من ذلك قد يؤدي تجاوز المخاطر إلى تراخ جديد وإلى الرجوع إلى الممارسات السائدة سابقا.
من المهم متابعة تطور العلاقات بين الولايات المتحدة و الصين بعد مغادرة العالم للحجر الصحي الذي فرضته الجائحة، وهي العلاقات التي تأثرت باندلاع حرب تجارية بين الطرفين. لقد بادرت الادارة الأمريكية لإعلان مواجهة جديدة في شكل حرب صحية عندما أشارت لمسؤولية الصين في تفشي الوباء عالميا، في حين تعمل السلطات الصينية على إبراز مناعة و مصداقية نموذجها من خلال نجاحها في تطويق آثار الوباء.
من المفيد أن نبرز أن حدة الاحتقان بين الطرفين حول هذا الموضوع لم يمنعهما من التأكيد (8 مايو2020) على ضرورة تطبيق الاتفاق التجاري الأولي الذي وصلا إليه (15 يناير 2020) و الذي يروم التقليل من حدة الخلاف التجاري بينهما. هكذا يتجلى أن الترابط القوي بين أنسجتهما الإنتاجية يجعل من مصلحتهما المشتركة العمل على إطفاء حريق التناقض التجاري و المساهمة في تحقيق انطلاقة جديدة للاقتصاد العالمي الموبوء بفعل الحجر الصحي.
إن ما بعد كوفيد 19 سيتيح للأقطار التي أبانت عن مزيد من التماسك و الفعالية في تدبير الأزمة الصحية بأن تحتل مواقع متقدمة في تشييد عالم الغد : الصين و كوريا الجنوبية و سنغافورة و لحد ما اليابان، أسيويا، ألمانيا و جاراتها بلدان شمال أوروبا. كما اتضح أن الاتحاد الأوروبي قد نجح إلى حد لافت هذه المرة في تكوين جبهة موحدة من خلال سعيه نحو خلق آلية تعاضد لتدبير مديونية الدول و كذا المساهمة في تطوير البحث العلمي الصحي. في هذا الإطار جاءت مبادرة ماكرون و ميركل (فرنسا- ألمانيا) باقتراح برنامج لانطلاق الاقتصاد الأوروبي في حدود 500 مليار اورو ستتكلف اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي باقتراضها لدى السوق العالمية.
لاشك أن تطور ميزان القوى عالميا بعد الخروج من الأزمة سيمكن القطب الاسيوي من تجويد موقعه الذي بدأ يكتسبه بعد 2008. فهل سنسير إلى مزيد من المواجهات، وهل سيسعى الفاعلون الكبار ضمن مجموعة السبع و مجموعة العشرين إلى الاستفادة من قوة الترابط أو التبعية المتبادلة بين مركباتها الإنتاجية للوصول إلى مشاورات قصد تحقيق الإنطلاقة الاقتصادية المنشودة، كما تطرح ملحاحية فتح نقاش ايجابي بين الأقطار الدائمة العضوية في مجلس الأمن من أجل خلق مزيد من التماسك للتقليل من حدة الخلافات التي تخترق العالم و التي تهم الشرق الأوسط وجنوب المتوسط و قلب إفريقيا.
في مجال تدبير الملفات الطاقوية سيكون على كبريات الأقطار المنتجة للنفط (الولايات المتحدة، روسيا، العربية السعودية) و كذا الشركات العملاقة العالمية في القطاع بأن تأخذ بعين الاعتبار وجود إرادة في المعمور من أجل تطوير الاقتصاد الأخضر و حماية البيئة من الاحتباس الحراري. هكذا سيكون على السياسات العمومية غدا القيام بتحكيم بين مستلزمات المدى القصير و المدى البعيد و المستلزمات الاقتصادية و الاجتماعية وفي نفس الوقت المستلزمات البيئية…أي في آخر الأمر الاهتمام كما يقال «بنهاية الشهر و نهاية العالم في نفس الوقت».
إن العالم يحتاج إلى نوع من السكينة و إلى منظومة جديدة و تناسق جديد و إعادة بناء أنماط الحكامة و توجيه الاهتمام بشكل غير مسبوق إلى مفاهيم و ملفات جديدة. وهذا يتطلب تنظيم مشاورات عبر العالم حول قضايا الصحة و الاقتصاد و التكافؤ و البيئة. كما يفرض إعطاء نفس جديد لمقاربة تعددية الأطراف التي تأثرت سلبا بالضربات التي وجهت لها في السنوات الأخيرة بسبب عواقب أزمة 2008 (الترامبية، الأنانية، و الشعبوية) و كذا بسبب التحولات في توازن القوى(صعود الصين) و تناسي مفعول تفاقم الفوارق اجتماعيا، وتجاوز قيم العدالة سياسيا (القضية الفلسطينية).
هذا ما يفرض على كل الأطراف الاعتراف بأن عالم الغد لابد أن يكون عالما متعدد الأطراف و أن تدبيره يجب أن يأخذ بعين الاعتبار عطاءات كل الأقطار بل كل الحضارات و الثقافات، عالم تقاسم و تضامن و توازن ليصبح أكثر سكينة و أكثر قدرة على الاستباق و التحكم في غير المتوقع.
لاشك أن الانخراط في مقاربة التعاون لا تعني زوال مقاربة المنافسة و التباري. فعالم الغد سيكتبه الذين سيتحكمون في المعطيات الكبرى (BIG DATA) و في الرقمنة و الذكاء الاصطناعي. لقد أعطى الحجر الصحي دفعة قوية للرقميات و لكبريات الشركات الأمريكية كافام ( أمازون، كوكل، ايبل، ميكرسوفت) Gafam (Amazon, Google, Apple, Microsoft) ، والصينية بادز (بايدو،علبابا، تانسينت، كسياومي ) Bathx (Baido, AliBaba, Tencent Xiaomi) ستخرج من اختبار كوفيد 19 أكثر مناعة و طموحا.

الأقلمة و موقع إفريقيا في إعادة البناء

ستبقى العولمة حاضرة في جدول الأعمال بفعل تقدم التكنولوجيا. فليس هناك مؤشر يدل على إمكانية تراجعها. فالمحطة المتقدمة للتكنولوجيا و التبعية المتبادلة بين المركبات الانتاجية سيحولان دون الرجوع إلى الوراء. لكن من المهم و الملح اليوم بداية تصحيح و إصلاح هذه العولمة.
لعل الحاجة لتقليص التبعية إزاء الفضاءات البعيدة ستكون من الدروس الأساسية التي يجب استخراجها من هذه الأزمة في أبعادها الصحية و الاقتصادية. هكذا ستفرض الأقلمة نفسها وستسعى إلى تملك سلاسل القيم. إن ذلك سيمنح القارة الأوروبية فرصة للانفتاح على مجال قربها جنوب المتوسط و إفريقيا بهدف إنشاء قطب ذي مصداقية يتمركز حول البحر الأبيض المتوسط. هكذا ستمثل إفريقيا فرصة (وليس عائقا) لصالح إعادة بناء المنظومة العالمية. لحسن الحظ لم تتأثر لحد الآن إفريقيا كثيرا بجائحة كوفيد 19، هي التي ليست مسلحة صحيا لمواجهتها بالنظر لهشاشتها البنيوية. لكنها تحملت عواقب الانكماش العالمي الناتج عن انهيار الطلب على المواد الأولية و المحروقات و تهاوي مداخيل السياحة و تحويلات المهاجرين.
لقد أصبحت القارة الإفريقية منذ بداية القرن مطمع كل القوى الاقتصادية الكبرى بعد أن أصبحت الصين أول مستورد للمواد الأولية و أول متعامل اقتصادي مع البلدان الإفريقية، كما اصبحت إفريقيا وسيطا مهما في مسار الإستراتيجية الصينية «الحزام و الطريق» نحو أوروبا عبر منفذها البحري.
بعد أن كانت اشكالية تخلف إفريقيا وليدة مسار العولمة، أصبحت ترتبط خلال القرن 21 بخصوصية لافتة بسبب الدينامية الديمغرافية التي تعرفها القارة. فخلال هذا القرن ستكون إفريقيا القارة الوحيدة التي سيتزايد عدد ساكنتها التي ستمثل 40% من ساكنة العالم سنة 2100 حسب الديمغرافيين. سيكون هذا المعطى الديمغرافي مصدر تحد كبير للبلدان الإفريقية بل للعالم كله اعتبارا لنتائجه المتمثلة في ارتفاع مستوى التحضر و تفاقم الفقر و تزايد ضغط الهجرة.
لكن قد يصبح كذلك هذا المعطى عنصر قوة يتجلى في آفاق توسيع مساحة الفئات الوسطى و بروز فرص جديدة للأفارقة لتملك أدوات الثورة التكنولوجية الجديدة.
سيطرح ما بعد كوفيد 19 في المدى القصير إشكالية مديونية الأقطار الإفريقية التي يجب حلها عبر مشاورات دولية بين مانحي التمويلات الخارجية بالغرب و الصين (نذكر أن مجموعة العشرين كانت قد أوصت بتوقيف استرجاع خدمات الدين خلال سنة). على المدى المتوسط من الضروري أن تعمل إفريقيا على تجويد امكانياتها في المجال الزراعي و أن تسعى لتوسيع أسواقها المحلية (عبر تحقيق مشروع منطقة التبادل الحر القاري) و تطوير كهربة تجهيزاتها و تحقيق تقدم في مجال التكوين و التعليم. كل هذا يفرض بالضرورة تحقيق تطور ملحوظ في مجال الحكامة السياسية داخل القارة الإفريقية. إن الرهان الأساسي المطروح على الاقتصاد الإفريقي يرتبط بمدى تنويع أنسجته الانتاجية من أجل تجويد الموقع التفاوضي لكل مناطق القارة داخل سلاسل القيم العالمية.
كما أن نجاح إعادة بناء العولمة يقضي أن تصبح إفريقيا في قلب الاهتمامات الجديدة للسياسات العمومية وهي المتعلقة بالصحة و البيئة و التكافؤ. هكذا يمكن لإفريقيا أن تساهم في بناء قطبية متعددة و أن تتحكم في علاقتها مع كل كبريات القوى، و أن تشارك أوروبا جارتها في بناء منطقة إنتاج مشترك متضامن في شكل خط عمودي أفروأوروبي يستند على مركزية البحر الأبيض المتوسط.
وسيكون على المغرب الذي ينتمي للفضاء الأفرو أورو متوسطي أن يلعب دوره كاملا ضمن هذه المقاربة الإقليمية.

باحث مصاحب لمركز الأبحاثPCNS
مؤلف «نحن و العولمة جواب الجنوب»
المركز الثقافي للكتاب
الدار البيضاء، بيروت 2020


الكاتب : فتح الله ولعلو

  

بتاريخ : 22/05/2020