«القصبة الإسماعيلية» بتادلة.. كنز أثري يتعرض للتآكل يوما بعد يوم

رفعت بشأنها مذكرات مطلبية عديدة

 

شكلت «القصبة الإسماعيلية»، التي شيدها السلطان مولاي إسماعيل على الضفة اليمنى لوادي أم الربيع سنة 1687، النواة الأولى التي تطورت من خلالها مدينة «قصبة تادلة» الحالية عبر فترات مديدة من تاريخ المغرب. وتشير العديد من المصادر التاريخية، إلى أن بلاد تادلة، التي تحتضن القصبة الإسماعيلية، كانت ضمن مجال حكم العديد من المماليك البربرية والدول التي تعاقبت على المغرب في العصر الوسيط ، بدءا من الأدارسة ، مرورا بالمرابطين والموحدين والمرينيين والوطاسيين والسعديين، وصولا إلى الدولة العلوية.
وتبرز هذه المصادر أن القصبة الإسماعيلية، التي تقع عند نقطة اجتياز الطريق الرئيسية الرابطة بين بني ملال والدار البيضاء وربطت على الدوام بين حاضرتي فاس ومراكش، كانت مركزا دينيا باحتضانها لمسجدين كانا محجين للمسلمين المغاربة، ومركزا إداريا وعمرانيا ومعماريا وعسكريا لحماية المنطقة والتدخل السريع في حل نزاعات القبائل، ومقرا لخليفة السلطان بها.
ويصف شارل دوفوكو، القسيس الكاثوليكي الفرنسي، القصبة الإسماعيلية التي زارها في شتنبر 1883، قائلا: «يحيط بها سوران لايزالان في حالة جيدة: سور خارجي يبلغ سمكه 1.20 م ويناهز ارتفاعه 12 م، وسور داخلي أقل ارتفاعا بحوالي 6 أمتار ، لكنه أكثر سمكا من الأول 1.50 م، ويفصل بينها ممر يناهز عرضه 6 م. وتخترق أسوارها ثلاثة أبواب: بابان من الجهة الشمالية، وباب ثالث من الجهة الشرقية، أما في الناحية الجنوبية فقد بني + بستيون + (حصن) يفضي إلى النهر، قد تدعو الضرورة إلى استعماله كمنفذ في الأوقات الحرجة. وتنقسم القصبة إلى قسمين: في الشرق ينتصب الجامع بجوار دار المخزن، وفي الغرب تمتد منطقة سكنية، حيث تبدو المنازل آيلة إلى الخراب…».
وإذا كانت الفترة المرينية لم تشهد ذكرا متواترا لأخبار القصبة، التي آلت إلى الخراب نتيجة الصراعات السياسية ، فإنها ستسترجع أهميتها في عهد السعديين حين عمد المنصور السعدي إلى تعيين ابنه زيدان واليا عليها سنة 1584 ، حيث اتخذها مقرا له إلى حين بناء القصبة الزيدانية (التابعة حاليا إلى إقليم الفقيه بن صالح) القاعدة السياسية لإقليم تادلة. غير أن الأضواء ستسطع بقوة على القصبة خلال فترة حكم السلطان المولى إسماعيل، الذي أنزل بها حامية تتكون من ألف فارس من فرسان العبيد، حيث صارت قاعدة عسكرية تنطلق منها الحركات السلطانية لتطويع قبائل الأطلس، وتحصيل الضرائب، وتقيم بها حامية عسكرية دائمة تعمل على تأمين الطريق السلطانية. فكانت المحلات السلطانية تضرب بها من أجل الاستراحة، ويتوقف بها السلطان لينظر في شؤون قبائل المنطقة. ولما وزع السلطان مولاي إسماعيل حكم الأقاليم على أولاده سنة 1700، ولى ولي عهده أحمد الذهبي (العلوي) على تادلا، وزوده بثلاثة آلاف جندي، فأقام هذا الأخير بقصبتها وشرع في توسيعها من خلال بناء قصبة أكبر من قصبة والده ، ومسجدا جديدا بنفس المكان، كما تشير إلى ذلك مختلف المصادر.وتعزز تحصينها بتكوين حزام بشري أحاط بالقصبة من جهتي الجنوب والشرق، حيث نقل السلطان مولاي إسماعيل عدة قبائل من الجبل وأنزلها بضواحيها، فكونت «كيش آيت الربع»، لتغدو القصبة مركزا لهذا الأخير.
وظلت هذه القصبة مقرا لسكنى ممثلي المخزن، في حين انتقل عامة السكان إلى ضواحيها، وظل الأمر كذلك حتى استولت عليها الجيوش الفرنسية بزعامة الكولونيل مانجان يوم 7 أبريل 1913، واتخذها المحتلون قاعدة للاستيلاء على باقي الإقليم، وإخضاع القبائل الجبلية المجاورة، ومنها تصدوا للانتفاضة القبلية التي انطلقت من بني ملال يوم 15 ماي 1915، وانطلاقا منها زحفت القوات الغازية في اتجاه بني ملال التي تم احتلالها سنة 1916.
وفي تصريح للوكالة أوضح المحافظ الجهوي للتراث الثقافي لجهة بني ملال خنيفرة محمد شكري، «أن القصبة الإسماعيلية اضطلعت بأدوار عسكرية وقضائية وإدارية في مرحلة السلطان مولاي إسماعيل، حيث بنيت في إطار تشييد 70 قصبة إسماعيلية، لتبقى شاهدا معماريا وعسكريا»، مشيرا إلى «أنها تضم مؤسسات دينية كالمسجد الذي بناه المولى إسماعيل والمسجد الثاني الذي بناه ابنه الأمير أحمد الذهبي (العلوي) ، حين كان واليا لأبيه على بلاد تادلا، وشيد معالم أخرى بها». ودعا إلى رد الاعتبار لهذه القصبة ضمن منظور يدمجها في الدورة الاقتصادية على مستوى جهة بني ملال-خنيفرة، بهدف تثمين هذا الموروث الثقافي والتاريخي الهام.
وبدوره اعتبر» أحمد .ب «رئيس جمعية «المدينة العتيقة للتنمية والثقافة»، القصبة الإسماعيلية أحد الكنوز الأثرية والتاريخية لمدينة قصبة تادلة، حيث تم تصنيفها تراثا وطنيا منذ 1916، مشيرا إلى أن بعض المصادر التاريخية تقول إنها أحد حصون المرابطين، مشددا على أن القصبة، التي عرفت أوجها خلال فترة حكم السلطان مولاي إسماعيل، كانت تضم مجموعة من المرافق الدينية والإدارية والقضائية (دار الحكم) التي تنظر في النزاعات وتصدر الأحكام، وعددا من المخازن لتخزين المؤن، وحصن «البستيل» الذي من خلاله يتم جلب الماء ويفضي مباشرة إلى نهر أم الربيع، و20 برجا موزعة بين الجهات الأربع، وعددا من الأبواب على مستوى الجهة الشرقية والشمالية الشرقية، وقنطرة كانت تربط بين ضفتي أم الربيع وبالتالي بين عاصمة الشمال فاس وعاصمة الجنوب مراكش ، وضمان الطريق التجارية والعسكرية مفتوحة على الدوام بين العاصمتين، وممرا للجيش السلطاني، مطالبا «بإعادة الاعتبار إلى القصبة وتفعيل قانون 80/22 المتعلق بحماية المباني التاريخية» ، مذكرا بأن الجمعية» تقدمت بالعديد من المذكرات المطلبية لتحقيق هذا المسعى، وإحداث متحف وطني وترميم هذا الكنز الأثري الذي يتعرض للتآكل يوما عن يوم….».


الكاتب : عبد العزيز لمسيح «وم.ع»

  

بتاريخ : 19/05/2020