تحت سقف المركز الثقافي الفرنسي بالدار البيضاء .. الفلاسفة يحيون ليلتهم هاته السنة باللغتين الفرنسية والعربية

شهد فضاء المركز الثقافي الفرنسي بالدار البيضاء مساء يوم السبت 9 نونبر الجاري، الدورة السادسة لـ» ليلة الفلاسفة»، التي عرفت مدينة الرباط مثيلتها الليلة السابقة.
وقد تميزت دورة هاته السنة، المنظمة من طرف المركز الثقافي الفرنسي بالمغرب بشكل عام، والمركز الثقافي الفرنسي بالدار البيضاء، بشكل خاص، بتقديم محاضرات باللغتين العربية والفرنسية حول تيمات مختلفة تتمحور حول سؤال رئيسي «كيف نعيش التقاسم في مجتمعنا الحالي؟» حاول مجموعة من المتدخلين، من أساتذة ومفكرين وفلاسفة، الأجوبة عن أسئلتها الفرعية ،التي تم تقسيمها إلى أربعة محاور:المحور الأول «تقاسم الأرض»، المحور الثاني «تقاسم العمل، الراحة و التسلية»، المحور الثالث «تقاسم السلطة والثروات»، ثم المحور الرابع «تقاسم المعرفة».
وقد حضر هذه التظاهرة الثقافية، العديد من المهتمين على اختلاف أعمارهم واختصاصاتهم وانتشروا داخل هذا الفضاء في شكل شبه حلقات، للاستفادة والمشاركة في نقاشات توزعت بين مختلف القاعات، وخيمة للنقاش الحر ومقابلة مع الفلاسفة لفائدة الطلبة ..
وعرفت المحاضرة الافتتاحية تقديما عاما للمحاور من طرف ممثلة المركز الثقافي الفرنسي، تلاها عرضان لكل من الأستاذ الجامعي محمد الدوكالي، والفيلسوف بيير كايي، اللذين ركزا على مفهوم التقاسم من الناحية الفلسفية وتحدثا عن مختلف الفلاسفة الذين تطرقوا إليه، فضلا على التساؤلات التي يطرحها هذا المفهوم في العصر الحالي.
وخلال المحاضرة التي عالجت محور» تقاسم الفن والموسيقى»،صرح برونو نسيم أبودرار، أستاذ الجمالية والنظرية بالسوربون ، أثناء مداخلته، التي اختار لها موضوع اقتسام المشاعر الجمالية(أو المشاعر الفنية)، أن أوروبا خاصة في فترة العهد الكلاسيكي، اقتربت إلى مفهوم التقاسم بشكل عادل للإبداعات الفنية، بحيث تم حينها وضع قواعد بالنسبة لتقاسم المشاعر الإستيتيقية ما بين المتلقين، استمر ذلك إلى حدود القرن العشرين،بعدها تم تحطيم هاته البنية التي تقنن نظام تقاسم المشاعر الفنية سواء في الموسيقى أو في الفنون المرئية من لوحات أو غيرها..
ومن جهته استهل يوسف مريمي، الأستاذ الباحث في الفلسفة والفكر المعاصر، مداخلته، التي ألقاها باللغة العربية بتحديد علاقة الفلسفة بالفن، من خلال تقديم آراء مجموعة من الفلاسفة قبل أن يطرح السؤال: ماذا يمكن للفن أن يتقاسم معنا، ويقدم إجابات لمختلف آراء الفلاسفة حول الموضوع، مثل أفلاطون الذي كان يعتبر أن الفنان يقدم الوهم، ،وأنه عدو للمدينة الفاضلة التي كان يدافع عنها في «الجمهورية» ، أما أرسطو، فاعتبر أنه لا يمكن محاربة الفن لأنه فطري لدى الإنسان. واسترسل مريمي موضحا آراء بعض الفلاسفة حول»الوضع البشري» ومسألة الوجود الإنساني، و أكد أن أغلبيتهم تناولوا الجواب الديني ، وأهم هؤلاء ابن رشد، أما «نيتشه» فاتبع طريق الفن ولديه قولة شهيرة تقول:»هناك الفن وليس إلا الفن، لدينا الفن لكي لانموت من الحقيقة «، كما أن الفلسفة المعاصرة كلها تتوجه إلى الفن كأفق لتجاوز المرحلة الراهنة.ولذلك حمل صفة الفنان تعد صعبة، بالنسبة لمريمي، لأنها تفترض خلق الفنان لنوع من عدم التوافق ما بينه وما بين العصر الذي يعيش فيه.
في موضوع سلطة الأنترنيت والشبكات الإجتماعية، قدم صلاح الدين العريني أستاذ جامعي وباحث في علم الإجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، عرضه ، مذكرا بأن المجتمعات على مر العصور عرفت عدة ثورات أهمها الثورة التكنولوجية (اكتشاف الطباعة، الكتابة..)، مركزا على كون الشبكات الاجتماعية تعد من بينها، في العصر الحالي، حيث أن المجتمع الآن أصبح تحت تأثير العالم الافتراضي، وبالتالي فإن الشبكات الإجتماعية قوت الروابط الافتراضية وأضعفت التقليدية، وخلقت إعلاما جديدا منفلتا من الرقابة، بديلا عن الإعلام التقليدي وأنجبت «الصحفي المواطن»، كما لعبت دورسلطة بديلة مكنت من قيام عدة ثورات في العالم الواقعي بمختلف البلدان، الشيء الذي جعل العديد من الفلاسفة والسوسيولوجيين يلقبون هذا الفضاء ب «الواقع الافتراضي».

محمد الناجي، الاقتصادي المؤرخ والباحث في علوم الاجتماع ، سطر خلال عرضه ، على كون بعض المصطلحات قد تؤدي إلى الفهم الخاطئ للأشياء، مثل مفهوم «العيش المشترك «، فبالنسبة للإقتصاديين، مثلا، فهو اقتسام الثروات أو عند فرنسا ، مؤخرا، فهو اقتسام القيم المجتمعية مقدما مثالا بـ «مشكل الحجاب» ، قبل أن يعرج للحديث عن الشبكات الاجتماعية والتأكيد على كونها بالرغم مما تبدو عليه من سلطة إلا أنها تبقى افتراضية، و لا يمكن أن يكون لها تأثير قوي،لأنه يوجد رقيب وسلطة التنفيذ على أرض الواقع، وهي بمثابة هروب من واقع غير متقبل فهي افتراضية لكنها متواجدة في واقعنا الحالي، نتعايش معها دون أن تكون لها سلطة فعلية .
ومن بين النقط التي تطرق إليها نسيم القبلي، أستاذ الفلسفة بفرنسا،خلال مداخلته في موضوع «تقاسم المعرفة لفائدة التقدم والتجديد»، أخلاقيات انتقال وتبادل المعرفة، مشيرا إلى ضرورة توضيح أن الاقتسام يتطلب أولا القدرة الإنسانية على التفكير، وثانيا القدرة على ربط العلاقات، كما عرج في تحليله إلى القول أن اقتسام هاته المعارف أصبح بعينه يشكل مشكلا في حد ذاته يهدد محتوى المعرفة وبالتالي نقلها، في عصرنا الحالي مع التطور الذي عرفته التكنولوجيا في مجال طرق التواصل بحيث أولا أصبحت متوفرة بشكل كبير ولا نستطيع إحاطتها كليا وثانيا لا نستطيع الحسم في مصداقياتها.
مصصفى العريصة من جهته، وهو أستاذ بشعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامة القاضي عياض بمراكش، حرص في بداية مداخلته، أن يشير إلى أن الفلسفة كمعرفة، في حد ذاتها، اقتسام، وأنها أفادت عدة حضارات عبر التاريخ الإنساني حتى صرنا نتحدث عن مفهوم «المعرفة الفلسفية»، و أن الفلسفة من واجبها أن تسائل المصطلحات، وبالتالي وجب إخضاع كل من «التجديد»، «التقدم» و»ااقتسام»، للمساءلة، لإعادة فهمها. واسترسل العريصة في تحليله، منبها لضرورة عدم السقوط في خطأ تبريء مفهوم «تقاسم المعرفة»، لأنه يجب تقاسم المعرفة، لكن أي نوع من المعرفة، كما أن المعرفة اليوم في حد ذاتها «سلطة»، وكذاك هو «التجديد» و التقاسم» و التقدم». هناك «تقدم يقتل التقدم الإنساني»، فليس من الأكيد أننا في عصرنا الحالي أكثر حرية ممن سبقونا ، وختم بالقول بأنه يجب التفكير في إعادة قيم مثل «تقاسم الصداقة» و»تقاسم الحب» و»الاحترام المتبادل» ومسألة «التضامن»، التي تخدم فعليا الإنسان .


الكاتب : سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 20/11/2019