خبراء «النموذج التنموي الجديد» يقترحون إجراءات اقتصادية للخروج من الأزمة

أي سياسات للإنعاش الاقتصادي
على المديين القريب و البعيد بالنسبة للمغرب؟

 

في إطار حلقات الندوات الإفتراضية، التي تنظمها لجنة النموذج التنموي الجديد، في صفحتها على موقع «فيسبوك»، تأتي الجلسة الافتراضية الأخيرة، لتناقش موضوع «الآثار الاقتصادية للأزمة الصحية: أي سياسات للإنعاش الاقتصادي، على المديين القريب و البعيد بالنسبة للمغرب؟»، رفقة خبراء وشخصيات بارزة، محلية ودولية تشتغل في عدة مجالات حياتية.
تستضيف الجلسة الجديدة، التي يشرف على إعدادها شكيب بنموسى، كل من الاقتصادي «حسن بن عبد الرزاق»، والسفير السابق «محمد الشفيقي»، والاقتصادي «كريستيان دو بواسيو»، والمدير الإقليمي للبنك الدولي في المغرب العربي «جيسكو هينتشيل».

شكيب بنموسى:
لا بد من إعداد مخطط يستند إلى آليات مبتكرة لإعادة إقلاع الاقتصاد المغربي

إستهل شكيب بنموسى، رئيس لجنة النموذج التنموي الجديد، فعاليات الجلسة، بالتذكير بفحوى الجلسات السابقة للنموذج، والمواضيع التي تناقش حولها الخبراء وهي «الأبعاد الجيوسياسية والسياسية لأزمة كورونا»، و «الماء والفلاحة»، «النماذج التنموية في ظل جائحة كورونا- تغيير في التفكير؟»، و «تأثير الأزمة الصحية لفيروس كورونا، على التوازنات الجيوسياسية والجغرافية والاقتصادية العالمية»، ملخصا ما جاء في كل واحدة منها، بشكل سريع ومقتضب، داعيا إلى وضع خطط للإقلاع، تتماشى مع ما جاءت به خلاصات هذه اللقاءات، ومع الرؤى المتوسطة وبعيدة الأمد، وما يلحقها من أسئلة حول الإصلاحات المقررة والتمويلات المالية الخاصة بها وكيفية دعمها على المدى الطويل.

الأسئلة الغائبة

العربي الجعيدي:
لا نملك حاليا إجابات عن الأزمة في ظل عدم قدرتنا على قياس آثار ما بعد الخروج

تناول الكلمة العربي الجعيدي، بصفته المشرف على تسيير الجلسة الافتراضية، الذي لخص مشاركته فيما يلي: «لمست الأزمة الوبائية العالمية، اقتصادنا الداخلي على غرار باقي دول العالم، مكلفة إيانا خسائر مالية، لا علم لنا بالتحديد بحجمها الاقتصادي، لاسيما في حربنا الصحية في مواجهة الجائحة. إن السؤال الأبرز حاليا، يحوم حول إعادة إقتصاد البلاد إلى طريق التنمية، وعن الوسائل والسيناريوهات والرافعات، التي ستساعدنا على إتمام هذا الواجب.
إن إجماعنا على اختلاف هذه الأزمة، سيحيلنا إلى لتفكير في وسائل مبتكرة للخروج منها. فبالرغم من سرعة وقوة الإجابات المقترحة، حاليا بالنسبة للمغرب، إلا أن أسئلة عديدة لازالت تطرح نفسها، من قبيل الاختيارات الواجب تنفيذها على المدى القصير؟ وتأثيرها على النموذج التنموي المغربي؟ وعن الطرق الأمثل لرفع حالة الحجر الصحي، دون تكبد خسائر مالية كبيرة؟
إن ما يمكننا التأكيد عليه، يقول الجعيدي، هو أن النمو في المغرب حاليا وبعد كورونا، سيسير إلى منحى سلبي جدا، ناهيك أننا لازلنا في دائرة الحجر الصحي، ما يعني إننا لن نخرج منه بسهولة أو بشكل أوتوماتيكي، وأن الازمة الحالية ستترك آثار واضحة على القروض العامة والخاصة، ومدى الأضرار التي ستلحقها بالاقتصاد الوطني، وعن الطريقة الأمثل للتعامل معها بعد الازمة الوبائية. ومنه، فإن السؤال الأمثل سيكون «ما المخرج الأفضل لإعادة تحريك عجلة النمو؟» وغيرها من التساؤلات ستكون محط نقاش قادة الغد، هؤلاء الأشبه بقائد الطائرة في منطقة ذات رياح عاتية، أو بالغواص تحت الماء في مواجهة وحش بحري، الباحثين عن توفيق المساعدات المالية، وتوزيعها بشكل ينصف العائلات كما المقاولات، ويجنبنا الأخطاء المالية لدول أخرى على غرار «إنجلترا».
تحدث العربي الجعيدي، عن الدور المتوسط وبعيد المدى للسلطات العمومية، في تنظيم الخروج من حالة الحجر الصحي، وكيفية الحفاظ على أسلوب التعاون الاجتماعي، الذي شهده المغرب إبان الحجر الصحي، الساعي لدعم الفئات الهشة والمتضررة من تداعيات الازمة الصحية، معيدا النظر في نظام الحماية أو الضمان الاجتماعي المغربي، وأهمية الدفاع عن نظامنا الاقتصادي مع الحفاظ على استقلالنا الاقتصادي، في مواجهة سلسلة الإنتاج الدولية وما تعرفه من تحولات واضحة.
تدارس العربي الجعيدي أيضا، الطرق الأمثل للعودة إلى النظام المغربي، وعن ماهيته المستقبلية بعد فترة الحجر الصحي، دون العودة إلى شكله الماضي قبل الأزمة الصحية، وسبل دفاعه عن القيم الوطنية، ودعمه للاقتصاد الوطني. كل هذه تساؤلات، لا ندري لها إجابة حاليا كما ذكر، في ظل عدم قدرتنا على قياس آثار ما بعد الخروج من الأزمة الصحية، إلا أننا في وسط طريق لاختيار، الإستراتيجيات المستقبلية الآمنة، و الاستناد إلى الكفاءات والفاعلين الوطنيين، دون أن نغفل عن الدور المهم للمواطن في النموذج التنموي الجديد.

تعديلات السلوك

حسن بنعبد الرازق:
لتجنب مخاطر الأزمة علينا السعي وراء حماية «الإطار الاقتصادي الكلي»

انتقلت الكلمة، بحسب الترتيب المقرر، إلى الاقتصادي «حسن بنعبد الرازق»، ليفيدنا بخبرته في مجال عمله، والتي ستساعد المغرب في حربه ضد الفيروس المستجد، بإعتباره كاتبا عاما سابقا لدى وزير الفلاحة. شكر حسن بنعبد الرازق، القائمين على الجلسة لدعوته إلى المشاركة فيها، مذكرا بالدور المهم لأعضاء اللجنة في مرحلة التحول الحالية للمغرب.
ابتدأ حسن بنعبد الرازق، حديثه حول المغرب ودخوله الجريء، في سنة 2020 إلى الموجة العالمية للأحداث، ابتداء بالأزمة الوبائية الصحية المنطلقة من مدينة ووهان الصينية، لتتحول بمرور الوقت إلى أزمة اقتصادية، وتكتمل بالركود الاقتصادي الذي يهدد بالتحول إلى أزمة اجتماعية، مؤكدا أن المغرب سيعود مختلفا بعد الأزمة، لاسيما مع تراكمات خبراتنا بعد الأزمات على غرار سنوات 80، وما إتخذناه من تدابير إقتصادية، وجهتنا لما يربو من ثلاثة إلى أربعة عقود التالية.
إن المغرب المستقبلي، بحسب حسن بنعبد الرازق، سيكون ثمرة النتائج التي ستتخذها الحكومة اليوم، وستطبقها على وجه السرعة في الغد، وبالتالي ستؤثر على المسارات المستقبلية للبلاد. كما سيترسخ الوجه الجديد للمغرب، عبر التعديلات على سلوك المستهلكين المغاربة، وما سيتبعها من حذر وتفكير مسبق، من قبل المستهلك المغربي، خصيصا مع الاكراهات الصحية الحالية وتأثيرها على عدة قطاعات تنشط في المجال، كما سنشهد تغييرا في السلوك العام للمجتمع المغربي، الذي يعيش على مبدأ «التكافل الاجتماعي»، في ظل الأزمة الوبائية الداخلية. سيعرف المغرب، كما ذكرنا مسبقا، تحولا ملحوظا وسريعا إبان وبعد الأزمة الصحية، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، على غرار ما أوضحته «المندوبية السامية للتخطيط»، بخصوص البطالة ومرونة المقاولات و الأداء الاقتصادي في مواجهة الأزمة، التي لم نشهد ضربة قاسية مشابهة على الاقتصاد الوطني.
سعت الحكومة بالنسبة إليه، إلى تبني إجراءات مشابهة، لما طبقته في سنوات الثمانينات، للتصدي لأزمة سنة 2020 الصحية، عبر تطبيق مجموعة من الإجراءات الاقتصادية السريعة، كتوفير تغطية مالية للأجراء العاطلين جزئيا عن العمل، وتحمل التغطية الدوائية للمغاربة لعلاج كوفيد-19، إلا أن هذا التحول في طريقة تعامل الحكومة، مع التغيرات الداخلية لاسيما مع جائحة كورونا المستجد، لا تمكننا من توقع مآل المغرب بالتحديد، وذلك لتنوع السيناريوهات التي سيكون عليها «مغرب المستقبل». ولذلك، يبدو أن علينا أن نعمل، على اختيار القرارات الملائمة والأفضل، لقدرتنا على دمج القرارات قصيرة الأمد مع رؤى بعيدة الأمد، وأن على قراراتنا قصيرة الأمد أن تعدنا للتغير الضروري، وأن تشركنا في منظور واضح لهذا التحول، يمكنا ليس فقط من تكبد مشقة التغيير، ولكن من تحمله و توجيهه بشكل جيد، أي كما ذكر مسبقا العربي «قائد الطائرة في منطقة ذات رياح عاتية»، قائدا على دراية بكيفية توجيه، و تثبيت الطائرة على الطريق الصحيح، قد يكون طريقا قصير الأمد حاليا، لكنه سيمكن المغرب من تدبير جيد لتوجهاته المستقبلية.
إذا ما الذي نواجهه؟ ما هي المقومات التي نمتلكها، وما الذي علينا فعله؟ هذه هي الأسئلة الثلاثة المفتاحية التي يجب الإجابة عليها. يعتقد اليوم، بأننا سنعيش ثلاثة أزمنة رئيسية، الأول يكمن في «التحرك السريع»، الثاني يتمثل في «فترة التعافي» والاستعانة بمقتضيات (الصفقة الجديدة)، والثالث يتجلى في «زمن الإصلاحات». يملك المغرب، في حوزته مؤهلات محترمة، لتكون القيادة موجهة نحو تحول بلدنا العميق، مغرب نسعى لبنائه من أجل أبنائنا، لكن يتوجب أن نركز على بضعة نقاط أساسية. أولا، ما يرتبط بـ»السيادة»، التي ساهمت في تقرير قرارات جريئة وصعبة، وتنفيذها بسرعة وبطريقة ممتازة، يمكنني القول أيضا إنها كانت «تمهيدية»، يضاف لهذا التأسيس للجنة النموذج التنموي الجديد، ومواكبة الأخيرة لتداعيات الأزمة الصحية على المغرب، عمل يجب احترامه والتسطير تحته.
ثانيا، ما يتعلق بـ»التنافسية»، التي تعكس ما قام به المغرب، خلال الحيز الزمني لأزمة الوبائية، إذ أننا دفعنا ثمنا غاليا فيما يخص مقاولاتنا وتبادلاتنا الخارجية، محتفظين فقط بالقطاعات التنافسية، لما عرفناه من منافسة مباشرة، لتكون فطاعاتنا القاعدة الأساسية، لقيادة اندماجنا بيد أننا غير قادرين على المشاركة في «سلاسل القيمة» العالمية، إن بقينا منتمين لـ «الأنظمة الحمائية» التي تمنع الولوج إلى التدخلات اللازمة، من أجل تقوية كفاءة هذه السلاسل التنافسية، المستقلة و المكتفية ذاتيا.
ثالثا، يجب التركيز على انتقالنا لـ»التحول الرقمي»، وقدرتنا على توفير معدات جديدة، لمختلف فئات المجتمع وقطاعاته من «العالم الرقمي»، بغية إنتاج و تسويق وتواصل أكثر كفاءة، علاوة على «الإطار الاقتصادي الكلي»، كرد فعل لأزمة 1980-1981، يتمتع بالعصرنة وبوضعية قيادية سليمة إلى غاية اليوم، علاوة على تقبلنا الاجتماعي للوضعية الحالية، وللسيادة المالية الداخلية الحكيمة، تمكننا من بناء ثقة صلبة و اتخاذ قرارات جريئة، لمواجهة تداعيات الأزمة و الحفاظ على آليات الإنتاج، وضمان آليات التحول الاجتماعي، من منظور موثوق ودون إضاعة مكانتنا في «المؤشر الاستثماري»، ودون أن تؤدي تحركاتنا في هذه الظرفية الإستثنائية، إلى الخفض من سمعتنا في إدارة الأزمة، التضخم و مخزوننا من احتياطي التبادلات.
يقول بنعبد الرازق، لدينا سؤال هنا: «كيف لنا أن نتحرك في هذه الأزمة أو بعدها؟». يبدو لي ان الحكومة، قد بادرت إلى تنفيذ خطوتها الأولى، فيما يخص المرحلة الثانية لحركتها المقبلة، مستندة إلى الحفاظ على آلية الإنتاج، كون الأزمة الحالية لها قدرة رهيبة على إغلاق المقاولات، وإحالة عديد من الفئات الشعبية على البطالة، لعدة أسباب ترتبط بشكل مباشر بالأزمة. من جهة أخرى، بادرت الحكومة الحالية، إلى التخفيف من وطأة النفقات الاجتماعية، في مواجهة حرب من ثلاثة جبهات، على غرار ما ذكره صديقي العربي، وعدم تدبير هذه الجبهات، سيحيلنا للتأسيس لعوامل «الأزمة الاجتماعية» والوقوع في «خطر كساد عام»، لتجنب هذه المخاطر، علينا السعي وراء حماية «الإطار الاقتصادي الكلي».
يرغب أيضا في التذكير، بالرهانات على المدى القصير و الطويل للأشهر القادمة، منها الطلب و الحاجة لتمويلات استثمارية، تشمل جميع الفاعلين الإقتصاديين الوطنيين. يتعلق الأمر أيضا، بالأسر و ما ستواجهه من صعوبات مالية مستقبلا، من بينها تراجع مستوى دخلهم، واستنزاف مدخراتهم المالية، والمخاطر غير المحلولة بخصوص قروضهم الإستهلاكية. علينا أيضا، مواكبة حاجيات المقاولات، الطامحة للمحافظة على نسيجها الداخلي، وما بين المعدات و الكفاءات البشرية، وتمديد آجال مستحقاتهم من القروض، لذلك علينا تمويل مشاريعهم، ليتسع لهم المجال للتنفس بعد الأزمة.
على الدولة أيضا، باعتبارها الجبهة الأولى، في مواجهة الأزمة الوبائية الحالية، أن تبحث عن تامين موارد جديدة، لكونها ضرورة حتمية خلال الازمة او بعدها، من اجل تلبية احتياجات الاقتصاد في «حالة السبات» كما سماها دانييل كوهين مسبقا، وتأمين الارتباطات والحماية الاجتماعية، في سياق الركود ونتائجه السلبية على الموارد المالية الضريبية، والزيادة في النفقات العامة و العجز العام. إذا، كيف يسعنا التصرف الآن؟. يتحتم علينا من وجهة نظري، أن يتحرك البنك المركزي (بنك المغرب) ويخفض من أسعار الفائدة إلى ادنى مستوى ممكن، لأنها ستخفض من نفقات إعادة تمويل المقاولات و الدولة والأسر، كما يجب عليه تأمين سيولة مالية دائمة في القطاع البنكي، وإعادة شراء ضخمة للسندات، حركة أقدم عليها مؤخرا وتحسب له، للحفاظ على سيادتنا المالية مع وقف الأبناك عن مضاعفة «الأثر الاستثماري»، للخزانة العامة في هذه الوضعية الاستثنائية، علاوة على دعم الميزانيات العمومية للنظام المالي، وتشجيع الأبناك على إعادة الاستثمار في السيولة، المقاولات و المدخرات الأسرية.
بالنسبة للشطر الثاني، المتعلق بالروابط الاجتماعية، نحن لا نشهد لها أي تحول من ناحية الشكل، وذلك لأننا لسنا سوى في مرحلة التدابير العاجلة، الممولة من قبل «صندوق تدبير جائحة كورونا»، المؤسس له تخت قيادة صاحب الجلالة، والموجه لتعزيز مبادرات التضامن الإجتماعي، بالرغم من كونه ليس إلا أداة غير مستدامة، ومنه فعلينا دعم روابطنا الإجتماعية، سواء على مستوى البطالة أو دعم الأسر المتضررة. على تحركاتنا الأولية، أن تحفظ آليات العمل خاصتنا، و أن تؤمن الإدماج و التضامن، عبر وضع بذور التحول في المستقبل، بغية التعامل مع حاجيات الفئات الهشة، والحاجيات المستقبلية للإندماج الاستثماري. يجب علينا أيضا التحضير للإصلاحات ما بعد الأزمة، سواء الاجتماعية أو للخدمات العامة، ضحية لتدخلات قديمة وعتيقة مضت، مستندة على آليات تشوبها عيوب كثيرة، تمنعنا من «التحديث الإقتصادي» للمغرب.
سأكون صريحا جدا، يقول بعبد الرازق؛ اليوم يجب علينا تثبيت التحويلات المالية الاجتماعية نقدا، والاستعداد لتفكيك صندوق المقاصة في نفس الوقت، ودعم المواد التي كان يدعمها، من بينها «غاز البوتان» الذي تستهلكه الأسر المغربية بكثرة، وكيفية إيجاد حلول بديلة و مستدامة له، كما علينا أن نحافظ وننمي قدرتنا الفلاحية في المستقبل، بشكل يمكن المغرب من الاكتفاء الذاتي في القمح، ويساعد الفلاحين الوطنيين على تعزيز أرباحهم المادية، مستعينين بتقنية «الدمج في السوق الداخلي». بالنسبة للسكر الأبيض، الذي ما زال يثير اندهاشي، لارتفاع ثمنه منذ عام ونصف بالسوق العالمي، مقارنة بالسوق المغربي بثمن مدعم من قبل الدولة، لا يتجاوز سقف 5 آلاف درهم للطن، ويباع بثمن 3.5 درهم. من الواضح، أن هذه التدابير، تعمل على حماية الفلاحين في المجال، لكن يجب أن تستند التدابير التي ذكرتها مسبقا.
إن عملية فوتره الماء و الكهرباء، المدعومين كليهما من قبل الدولة، المستندة على منطق «التسعير بالقسط»، أي ان الطبقات العليا تمول تلك السفلى، ما يحيلنا إلى مساعدة اجتماعية، مبنية على تسعير الماء والكهرباء، تبدو بالنسبة إلي اليوم، غير قادرة على مواجهة متطلبات التحول الطاقي، أو الاستثمارات المنشودة في المجال، لتجنب أزمة الماء بالمغرب. بخصوص أزمة الماء، يلاحظ بأن مدينة الدار البيضاء، على سبيل المثال، تعاني من تسرب للمياه، يقرب من 30% بالعديد من نقاطها الحيوية، بالرغم من إشراف إحدى أشهر الشركات الدولية، على إدارة أنابيب المياه بها. بالنسبة للمجال الطاقي، فمن غير المعقول لبلد مثل المغرب، يحتوي على كم لا بأس به من موارد الطاقات المتجددة، يمكن للفاعلين في المجال توفير طاقة كافية منها للجميع بثمن منخفض، مقارنة بالطاقة المستخرجة من الموارد الاحفورية، لازال يتعايش مع نماذج طاقية، لا تشجع على التحول الطاقي، يستند على الموارد المتجددة مكان الطاقات الاحفورية المستوردة، لما ستخففه من ضغط على المصاريف الطاقية للأسر المغربية.
يمتلك بلدنا، إجابات واضحة لما يخص المدى القصير، منها ما يرتبط بتحويل مدخرات الأسر، إلى وسيلة لإصلاح الاقتصاد والخدمات العامة، تستند على منطق تعزيز المنافسة و الكفاءة الاقتصادية الداخلية، وهذا تحدي سيواجهه المغرب في السنوات المقبلة. ينبغي ان نتخلى، عن العوائق القانونية التي تمنعنا، من الرفع من الاستثمارات الأجنبية في المغرب، والتي تثقل كاهل الأسر المغربية. إن تطبيقنا للتوصيات السابقة، سيمكننا من تعزيز قطاعنا الفلاحي، وتمكين الروابط الاجتماعية من مرونة إجتماعية اكبر، على ان تصبح خدمات الضمان الإجتماعي، أكثر صلابة في مواجهة الصدمات غير المتوقعة، لتسهل علينا الإستفادة من خطط إقلاع تنموية دولية، تساهم في زيادة مستوى التشغيل بالبلاد، و إغناء القطاع الصناعي بالمغرب.

الأدوات اللازمة للمصالحة

محمد الشفيقي:
علينا أن نسعى وراء إنقاذ النظام الإنتاجي وتحديد خطوتنا المستقبلية بشكل مسبق

إنتقلت الكلمة، إلى «محمد الشفيقي»، أستاذ سابق للاقتصاد بجامعة محمد الخامس منذ سنة 1977، والسفير السابق للمغرب، بكل من الولايات المتحدة والمكسيك، كما شغل منصب مدير الدراسات والتوقعات المالية، لدى وزارة الاقتصاد والمالية، علاوة على عمله في مجال حقوق الإنسان، وحصوله على عدة جوائز و تكريمات محلية و دولية.
ابتدأ محمد الشفيقي، بشكر الجميع على إتاحة الفرصة له، للمشاركة في إحدى جلسات النموذج التنموي الجديد، مشاطرا ما ذكره العربي الجعيدي، بخصوص الرؤى قصيرة وطويلة الأمد، ومتشاركا مع باقة المشاركين بعضا من آرائهم بخصوص الموضوع.
انتقل الشفيقي، للإشادة بما حققه المغرب حاليا، وتحديدا بتحركات جلالة الملك، والتدابير المتخدة التي تعكس ذكاء المسؤولين، على شؤون البلاد الداخلية والخارجية، ومنها احترام حق الإنسان في الحياة.
وقال الشفيقي «أود أيضا الإشادة بتنوع التدابير، المنتمية لتوجه واضح وصارم، يدعم الأوامر والرؤية الملكية، ومنها تنظيم الوقت وحشد الإمكانات الوطنية بشكل جيد، متجاوزة بعضا من سلوكاتنا غير المحسوبة في إدارة الشأن الداخلي، التي لا تقارن بأي وجه كان مع التضامن و الدعم الإجتماعي للمغاربة.
وقد تطرق الشفيقي، إلى التدابير المتخدة لمواجهة الازمة، من وجهة نظره، دون الرجوع إلى ما ذكر مسبقا، مذكرا بأهمية التوعية بخصوص نقاط ضعفنا وقوتنا الحالية، العودة إلى الماضي كما التفكير في المستقبل، وتقييم ما تعلمناه لإستنباط العبرة من تجاربنا. إن إنجازات المغرب، من ناحية الإستثمارات في البنيات التحتية، منحتنا طموح السير نحو الأمام، لتحقيق نموذج تنموي مستدام و قوي و دائم.
إنتقل محمد الشفيقي، للحديث بعجالة عن «الديناميات الهيكلية»، التي تتحكم في حركية النظام ، أي «نموذج التراكم» الإقتصادي، وأيضا على المستوى السياسي. وقال: لا يسعني سوى إلقاء الضوء، على بعض من المكتسبات في المجال القطاعي، متجاوزا التقسيم الدولي لسوق الشغل، متمكنين من عدد من القطاعات الجديدة، أو ما يصطلح عليه ب»المهن الدولية للمغرب». لدينا مكتسبات أخرى منها «المكانية الجديدة لمصادر النمو»، وعلاقتها بالحركية التنموية بالمغرب، في إطار حركية النظم الإنتاجية الكلاسيكية، المركزة في وسط البلاد ودمج مناطق جديدة في التنمية، و في النظام العام لإنتاج الثروات منذ سنة 2001، في إطار التحول والانفتاح على الذات للنظام المغربي، من بين نتائجه مصنع طنجة للسيارات.
على المغرب أيضا، الانفتاح بشكل اكبر على الشركاء المتوسطيين، تمكنا من تجاوز حدود الشراكة الخارجية، ومنه خطونا خطوة إقتصادية لم يسبق لنا مثيل فيها، بالرغم من خسارتنا لمدينتي «سبتة» و»مليلية». الآن، يمكننا الافتخار بحركيتنا التكنولوجية، ومسيرتها التصاعدية منذ سنة 2004، إلى حدود سنة 2011 حيث بدأت تظهر عيوب في هذا النموذج، منها عدم التشبث بالاستمرارية في النموذج، وتراجع مستوى «النمو المحتمل»، يعني بان النموذج في حد ذاته، لم يعد قادرا على المحافظة، على إلتزامه بمعدل نمو يتراوح ما بين 5% إلى 6%، وعدم التكافؤ والمساواة في مستويات التنمية، أخدين بعين الاعتبار حالة مدينة الدار البيضاء، لان المخطط الحضري للمدينة، لم يركز على عدة نقاط مهمة، من بينها النقل و الاهتمام بأجور النساء، ما يؤذي بالأسر المغربية إلى التخلي عن تشغيل النساء، لينتج عن هذا بقائهن في المنزل، ما أذى بهذا النموذج السابق لفشله في حل المشاكل الفئات الهشة و الفقيرة.
على النموذج الجديد، ان يمكن من ولوج إقتصادي مستقر، يمكن هؤلاء المنتمين إلى الفئات الهشة، وتكثيف محاولات توفير الشغل، التي انخفضت مقارنة بسنوات 1980 و 1990 و 2000 وغيرها. لكن ما يهمني هنا، هو التكوين القطاعي بالمغرب، الذي يسبب فجوة كبيرة في منظومة فرص الشغل، فجوة تبلغ 0.86 بينه و بين قطاع البناء، و ب0.07 نقطة للقطاع الاولي، وب0.02 بالنسبة للإدارة، و ب0.50 للخدمات و ب0.70 للتجارة. وذلك، بالرغم من المرونة، التي تعطي النظام إمكانية التعبئة داخل الدولة، في القطاعات التي لم تطالب، بيد عاملة كفئة وشابة، بل لأن النظام التكافلي يمول ويحرك، التكوين المهني ذي الجودة ناهيك عن تحديثه. إذا فمع غيابه، يصعب على القطاعات المرتبطة بالنمو الاقتصادي، الاستمرار في مواكبة مسيرتها التنموية الخاصة.
على العموم، يجب تسليط الضوء أيضا، على نظام الحوافز و الفاعلين الإقتصاديين، الذين يبحثون في هذا الوسط المفتوح، عن إرباحهم وهذا أمر قانوني. يكمن المشكل، في حالة نظام تحفيزي، يفضل قطاعات بعينها، كالأشغال العامة و البناء، كما يمكن إستنتاجه من خلال قراءة جدول النفقات الضريبية، لدرجة ان بعض العائلات العريقة، المشتغلة في القطاع الصناعي، تتوجه للإستثمار في الأشغال العامة و البناء. إن النظام الحالي، يحتاج لنفس جديد شاب، يسمح بتكوين و الولوج إلى سوق شغل مرن، لاسيما ان مرونة السوق منذ سنة 2000، لم تتجاوز عتبة 6.36% بالنسبة للأشخاص 25-43، مقارنة ب1.9 % للأشخاص بين 45-59 سنة، بغية معالجة مشكل التشغيل المجالي.
بالرغم من الجهود المبذولة، لتجاوز إكراهات الزمن الحالي، إلا أننا لازلنا نقع في خطاء الماضي و زلاته، من بينها الاتكال بشكل كلي على التحركات السياسية، ولهذا لازلنا ننادي بضرورة التوفيق بين المنظورات الاستشرافية. علينا إنطلاقا من الآن، ان نسعى وراء إنقاذ النظام الإنتاجي، كما يتوجب ان نحدد بشكل مسبق خطوتنا المستقبلية سريعا، لان نوافذ الفرص بدأت في الإنفتاح، على غرار ما تفعله الأزمات مع الفرص، خاصة على مستوى الإستثمار و سلاسل الإنتاج، تحديدا المتموقعة على نطاق دول البحر الأبيض المتوسط، وعلاقتها المتوجهة بها للقارة السمراء، تجنب تبعات الازمة الوبائية على الإقتصاد، وتحل من المشاكل المحلية على رأسها الجل الإجتماعي الموحد.
إن الإجراءات، التي نحن بصدد تنفيذها مهمة جدا ومصيرية، إذ ستجعلنا قادرين على توفير الأدوات اللازمة للمصالحة، ما بين مكونات الوسط الإقتصادي، و تلقيح الحركية الإقتصادية للدولة بإختيارات مسئولة و واضحة إنطلاقا من دستورنا، تساهم بدورها في بلورة خارطة طريق إقتصادية، تحترم بشكل خاص الحقوق العمالية و المدنية، وتمكن الأخيرة من تفعيل افضل لقرارتها النهائية. علينا الخروج أيضا، رفقة الحجر الصحي من الحجر الفكري، وما يشابهه من المشاكل لبيئية و الإجتماعية، مستعينين بالأفكار المستقصاة من النقاش الوطني، بناء إقتصاد قوي ودائم وحاضر عالميا.
يتوجب علينا دعم النظام البنكي، لدوره المهم في دعم الأسر المغربية، من خلال المدخرات الدولية المالية، التي تساهم في تمويل نشاط المقاولات الصغرى والمتوسطة، وفتح الباب للمستثمرين الأجانب لتعزيز المقاولات المحلية، ولما لا التحرر شيئا ما من تمويل الدولة، علينا مناقشة السياسة المالية، وعلاقتنا بالبنك الدولي، لان لهذه العلاقة آثارها، فيما يرتبط بسوق الشغل بالمغرب. بالعودة إلى السياسة التمويلية، ينبغي مراجعة الأدوات والإستراتيجيات، التي ستمكننا من مراجعة الاستثمارات و قوانينها، وتوجيهها لقطاعات أخرى ذات الأولوية، على غرار التعليم والتغطية الطاقية، وترسيخ عملنا في تمكين الجميع من حقوقهم، ودعم السياسات المندمجة.
إن الحاجيات تختلف ما بين المغاربة، باختلاف الجهات و المناطق المغربية، إلا إنها تلتقي في المركزية الإدارية، القادرة على تنمية مجالات عديدة، بشكل متوازي و عادل من خلال إعادة مراجعة الإصلاحات، وتسوية الجهات ذات الأغلبية الإقتصادية، بغيرها من المناطق المغربية الصغيرة، أمر لن يتم إلا بقانون مالية جهوي يمكن من الولوج لحقوق و إمكانيات استثمارية، تساعدها على تنمية أنفسها كالإقتصادات المحلية الموحدة. في كل مرة تحدث أزمة عالمية، يتوجب علينا مراجعة إمكانياتنا في الإبتكار الدستوري، ومزامنتها مع التطور التكنولوجي في نفس الزمن، ومع المصلحة العامة على المستوى المحلي، تلتف حول القدرة على الاقتراح والابتكار، في حالة بلدنا مع الطرح حول المشاكل أسلوب العمل والأدوات المستعملة، من قبل الدولة في تعاملها مع الفاعلين في المجال، لتفادي معضلات الفقر وقلة الحاجة، لدى المجتمع المغربي.
لقد حان الوقت، لنعمل على «الاكتفاء الذاتي الغذائي» على محمل الجد، لاسيما مع الأسئلة المتعلقة بهشاشة نظامنا الزراعي، والمشاكل المرتبطة بالتغيرات المناخية المحلية و الدولية، بيد أنها الستار الذي يخفي الشطر الأكبر من المشكلة، وذلك لأن النظام التحفيزي يوفر امتيازات اكثر للمستوردين، ويحرم المنتجين المحليين بالرغم من تطور بحثنا العلمي في المجال، و توفرنا على فصائل نباتية ذات قدرة تحمل كبيرة، ولأن سلاسل الإنتاج الذاتية، لها القدرة على تكييف الإنتاج مع حاجياتنا المحلية. على النظرة الخارجية الدولية، ان تأخذ في الاعتبار جميع مناحي سلاسل الإنتاج الإقتصادية، والاهتمام بالمجالات الاجتماعية والثقافية، مؤطرة تحت إشراف مؤسساتي، يعيد ابتكار سبل نجاعة الدولة، ومشاركة الشعب في الديمقراطية، والولوج إلى حقوق الإنسان.

دروس الأزمة الحالية

كريستيان دو بواسيو:
على بنك المغرب أن يخفض من معدل الفائدة ويتبع سياسية نقدية اتفاقية

انتقلت الكلمة إلى الاقتصادي «كريستيان دو بواسيو»، في مشاركته الثانية خلال سلسلة الجلسات، الذي شغل منصب الرئيس السابق للمجلس الإقتصادي ، وأستاذ فخري في مادة الاقتصاد بجامعة باريس 1، ونائب رئيس لـ»دائرة الاقتصاديين» بفرنسا، ومستشار اقتصادي بغرفة التجارة في باريس.، علاوة على كونه محبا للمغرب، ولديه العديد من المؤلفات، والكتابات حول الأزمات الاقتصادية الدولية.
يبتدئ كريستيان دو بواسيو، كلمته على غرار من سبقه من الحضور، بشكر الجميع على إتاحة الفرصة له، للمشاركة في الجلسة الحالية، آملا ألا تكون هذه المشاركة هي الأخيرة له.
يمضي كريستيان بالحديث عن صعوبة الوضعية الحالية وتعقيدها، وعلاقتها بالأمنين الاقتصادي و الصحي، منوها بالتدابير المغربية في المجال الصحي، مقارنة بالتحرك الثقيل لبلده فرنسا، من ناحية الولوج إلى الأقنعة الواقية والاختبارات التحليلية… وأن على فرنسا، ان تتعلم من المغرب الكثير كما العادة.
يردف بضرورة التركيز على مجموعة من النقاط المهمة، في الحيز الزمني المخصص له في النقاش. بالنسبة للنقطة الأولى، المرتبطة باختلاف الازمة الحالية عن سابقتها، لكونها أزمة منهجية ومتناظرة تتعلق بالعالم بأسره، إلا أن ما استغربه هو التحاق بعض دول إفريقيا، بركب المصابين مبكرا مقارنة بدول العالم أو معظمها التي بدأت تتعافى منه، وتستعد لازمة الركود الإقتصادي العالمي لسنة 2020، متفائلا بخصوصها و حول نسبة النمو المقررة في -3%، مقارنة بسنة 2009 ب-0.6%.
على صعيد آخر، يلاحظ تراجع في الحكامة الدولية، على حد سواء في البلدان النامية والمتقدمة، كما الحال للسياسات العامة في البلدان المتقدمة، التي أدت إلى تفاقم الازمة وليس لصدها. إن هذا الجانب التعويضي في الأزمة، للسياسات المالية والميزانية والضريبية، في بلدان العالم اليوم، قد يحد من الازمة إلا انها ستبقى ذات صدى قوي، سيتأزم لا محالة بعد الازمة ومع عملية تقييم الخسائر خلالها وبعد سنة 2020.
بالنسبة للنقطة الثانية، المتعلقة بالتفاعل في مواجهة الازمة، لكونها كما ذكرنا مسبقا، أزمة منهجية ومتناظرة تتعلق بالعالم بأسره، لأثر الازمة المختلف من بلد إلى آخر. من جهة السياسات المالية، خصيصا ما يحدث في المغرب، على غرار ما ذكره المشاركون السابقون، بخصوص بنك المغرب الذي يقوم بعمله، على غرار الكيانات المشابهة له دوليا، في ضخ السيولة المالية دون سقف محدود. اتفق مع اقتراح حسن بنعبد الرازق، بعد مشاركتي في اللجنة أياما قبل انطلاق أزمة فيروس كورونا، دون أن أتوقع ما قد يحصل آنفا، إذ قلت بأن معدل الفائدة عال جدا في المغرب مقارنة بمعدل التضخم. وعليه، فإن اعتقد بان على بنك المغرب، في مواجهة الصدمة الحالية، أن يخفض من معدل الفائدة، ويتبع سياسية نقدية اتفاقية، عبر الشراء الضخم للسندات، كما ذكر حسن مسبقا.
إن الاختلاف، ما بين المؤسسات البنكية الوطنية وتلك في أوروبا، هو توجيه سياسة الشراء الضخم للسندات، لتشمل السندات الخاصة والعامة، أمر قد يكون صعبا بالنسبة لبنك المغرب، خاصة مع صعوبة الإقلاع التي تعرفها بورصة الدار البيضاء. لذلك سيكون على بنك المغرب أن يشتري السندات العمومية بالقدر الممكن، لأن الدولة المغربية سيكون محتما عليها، ان ترفع من العجز العام، الممول من قبل القروض الخارجية، مقارنة بما يفرضه القانون المالي الأوروبي. وعليه، فإن للمغرب مجالا للتحرك واسع، سواء في السياسات المالية أو الاتفاقية، عبر الخفض من معدلات الفائدة، قد تعاند الالتزامات العمومية، وذلك لتراجع الالتزامات الخصوصية. «بالنسبة للسياسات المالية والضريبية، فإنني أرى ضرورة التخفيف من الحمل المالي لها، وليس لأن على المغرب التشبه بأوروبا، لأن الحياة في اعتقادي، أهم من القواعد المالية، على المدى القصير، على غرار ما قاله أندريه مارلو « في مكان ما توجد الحياة. إن الحياة لا تساوي شيئا، ولاشيء يساوي الحياة»، لذلك أتمنى من الجهة الفرنسية أو المغربية، أن لا يغامروا فيما يخص تدابير الحجر الصحي، لان الكابوس الحقيقي سينطلق، مع تضاعف قوة ضربة الأزمة الوبائية الصحية، ما يعني موجة ثانية من انتشار الجائحة، تجبركم على إعادة تفعيل إجراء الحجر الصحي.
إن النقاشات، بخصوص التسويات البنكية والمصرفية، أو ما يصطلح عليه ب»المكون الاحترازي»، لاسيما فيما يرتبط بالتخلي عن كل شيء في السياسات المالية، كانت محور جلساتي مع وزير المالية بفرنسا، وحديثي الدائم عن التسويات البنكية والمصرفية الصارمة، المؤثرة على مناحي مالية حياتية، كتوزيع القروض من قبل الأبناك للمقاولات، وتأثيرها على النسيج المقاولة المتوسطة والصغرى، المهم بالنسبة لفرنسا و المغرب، لأنها المؤسسات المسئولة عن التوظيف و النمو المحليين، اكثر من المؤسسات الكبيرة.
ما أقصد قوله، من خلال مداخلتي هنا، ليس نسيان ما أنجزتاه على مدى 10 سنوات، لقد كنا على حق في تصليب القوانين، وعلى حق في تشديد العرض المصرفي، لما حصدتاه من عبر منذ أزمة سنة 2008، ولا أدعو من جهة أخرى إلى تليين كل شيء. ما أود ان أقوله، أنني أشجع تحركات بنك المغرب، المستندة حول السياستين المالية و الحذرة، لان لا وجود للسياسة المالية مقلعة، وسياسة حذرة متوقفة. على سبيل المثال، وبالرغم من الضمان الذي توفره الدولة للقروض، بما بين 80% إلى 90% إلا ان بعض البنوك الفرنسية لازالت توفر قروضا، ما يعني أن الفوارق صارخة، بين أرض الواقع والمعلن عنه، قد تنتج إفلاس المؤسسات المالية المقترضة.
أعتقد بان الأزمة الحالية، ستورثنا أربعة قضايا مستقبلية، تتمثل الأولى في الموروث الاقتصادي، حيث ان عددا لا باس به من القطاعات الاقتصادية لن تسترجع أدائها الاقتصادي بسرعة، يشمل الأمر كل من المغرب وفرنسا، من بينها مجال الطيران الذي سيعاني الأمرين، في إستعادة ثقة المسافرين في الرحلات الجوية دون ثقة صحية واضحة، علاوة على قطاعي المطاعم والسياحة، والتغيير في الجسم الاستثماري و الإقتصادي للسياحة، في عالم سيشهد انقسامات واضحة المعالم الآن إقتصاديا، لها انعكاساتها على بلد سياحي كالمغرب، لذلك وجب على البلدين، كخطوة استباقية تأميم اكبر قدر من الشركات والفاعلين في قطاع الطيران.
بالنسبة للقضية الثانية، سيكون على علاقة بالثقل المفروض، على بعض من القطاعات الصحية والحياتية الأساسية، لاسيما قطاع الأدوية والصيدلة، التي ستعيد تجديد تموقعها المحلي او الدولي، خاصة لدى الدول المتقدمة. بالنسبة لفرنسا، فان النقاش اليوم قائم على الولوج للأدوية، إذ من المؤسف اعتمادنا الدائم على الصين في مجال الأدوية والأقنعة. اعتقد بان المغرب، ليس أول من سيواجه هذا المشكل، مشكل قطاع السيارات و ما ستخلفه الأزمة العالمية، من تداعيات صعبة عليه، وعلى إعادة تموقع سلاسل الإنتاج، الذي يجب ان تهتم به لجنة النموذج التنموي كموضوع مستقبلي.
تتعلق القضية الثالثة، بالنسيج الاجتماعي الذي يقلقني في المغرب، كما الحال في دول أخرى و ارتباطه بتزايد وتيرة البطالة، لاسيما في دول كفرنسا والولايات المتحدة، التي ستنتقل من معدل بطالة يبلغ 3.5% قبل أزمة فيروس كورونا، إلى ما بين 10% أو 12% خلالها و بعدها، بالرغم من سوق الشغل النشط لديهم. من جهة فرنسا والمغرب. لا اعتقد بان الموضوع الرئيسي، سيكون حول «مخاطر التضخم» على المديين القصير و الطويل، على قدر ما سيرتبط بـ»ارتفاع نسب البطالة»، ناهيك عن الصعوبات في ولوج الشباب، من حاملي الشهادات إلى فرصة عملهم الأولى، بإعتباره موضوعا حقيقيا، ولتزامنه مع الدخول الدراسي لشتنبر أو أكتوبر 2021، شبابا سيعاني كثيرا لإيجاد فرصة تكوين، وسيعاني أكثر في بحثه عن وظيفة خلال فضل الصيف.
أعتقد بكل صراحة، بأن بلداننا ستعيش أزمة حقيقية، بسبب «الخطر الإجتماعي»، زيادة نسب البطالة و العاطلين عن العمل، وما يلحقها من إرتفاع في نسب عدم المساواة، و إرتفاع معدل الفقر بين الفئات المتدنية، لهذا فهو موضوع مهم، بالنسبة للمغرب، لفرنسا و لسائر دول العالم.
بالنسبة للقضية الرابعة، المرتبطة بـ»التمويل» و «مشكل الديون»، والذي لمواجهته سيتحتم علينا، كما ذكر زملائي مسبقا أن نترك العجز و القروض العمومية، علاوة على القروض الخاصة أيضا، دون ان نغفل عن موضوع «المديونية المتضخمة» للقطاع الخاص، وعددا لا باس به من مقاولاته، و لأن السنوات الثلاثة القادمة، لن تحمل معها مشاكل لها علاقة فقط بالمديونية المتضخمة العمومية، بالرغم من استفادتهما من سعر فائدة تفضيلي. يعتقد رجل الإقتصاد الفرنسي، «أوليفيي بلانشارد» خلال ورقة بحثية، نشرها في سنة 2019 بشكل مختصر، بأن «الديون ليست بالمهمة، لأنه وقبل سنة ونصف من الآن، كنا نعيش في عالم، حيث ان نسب النمو فيه أعلى أسعار الفائدة الحقيقية. وفي هذا العالم، لن يحدث أي انفجار». اليوم، وفي ظل الركود الاقتصادي العالمي، الجميع معني دون تفريق بهذه الازمة، فإن أخذنا فرنسا، على سبيل المثال، التي سجلت تراجعا ب-8% في نسب تراجع النمو في 2020، ما يعني ان «أسعار الفائدة الإسمية» الحقيقية سواء بها أو في أوروبا، أو بإختلاف بسيط بالنسبة للمغرب، ستكون اعلي من نسب النمو وسالبة بشكل واضح، أي ان المشكل الأبرز والمقلق هو «دينامية الديون».
من وجهتي نظري، فإن مشكل الديون، سيرتبط بالديون و التضخم، وان سيناريوهات الخروج من الازمة، سواء للمغرب أو فرنسا أو أوروبا و في العالم، بالرغم من تسريع تحركات البنوك المركزية، ليس سيناريو «تسارع التضخم»، وذلك لسببين رئيسين. قبل 10 سنوات، تركت البنوك كل شيء، مؤذية إلى تضخم الميزانيات العمومية للبنوك المركزية، ولينخفض منحنى التضخم في المغرب و منطقة اليورو، بما يقرب من 1% بكل من المنطقتين، أي أسفل أهداف البنك المركزي الأوروبي. إن النظام النقدي حاليا، يختلف كثيرا عما سبق، ولم يعد مفتاحا لفهم العالم، إذ اصبح الرابط بينهما ممتدا جدا، تحديدا بعد ارتفاع نسب البطالة، ما يخلق أثرا متباطئا للتضخم، معوضا جزءا من الزخم النقدي.
من جهة أخرى، يظهر مشكل «نقل أو عدم نقل السيولة، من قبل الأبناك المركزية نحو الإقتصاد الحقيقي، فحين جمع تمويل للمقاولات الصغيرة و المتوسطة، فهي لا تصل إلى تلك المقاولات، بسبب مشاكل أو عراقيل تقع للأبناك، أو لأن جزءا من السيولة المالية في مواجهة الأزمة الحالية، قد وجهت نحو تنشيط المضاربة في بعض الأسواق النشطة، وبعض الفقاعات العقارية في الأسواق العامة في الولايات المتحدة.
ما يعنيه الأمر، ان «استحداث النقود» ليس بالقرار الصائب، لأنه سينتهي بإعادة إحياء التضخم، خصوصا عند تحليل أسباب التضخم، كالتضخم في البترول على مدى السنتين القادمتين في مستوى الصفر، من جهة فهو أمر جيد بالنسبة للمغرب وفرنسا، أن تسقط ثامنة البترول عالميا لكن بحدود معقولة، وذلك لأسباب جيوسياسية، ناهيك عن تجنب التضخم في الأجور والطاقة، خلال سنوات 2020 و 2021، بسبب زيادة مستوى البطالة (منحنى فيليبس)، كما أن الدرهم المغربي لن يتراجع لعدم تواجد التضخم الخارجي، أو لأن بنك المغرب سيرفع من سيولة الدرهم.
وتابع دو بواسيو: أكاد اجزم، سنعيش السنتين أو الثلاثة القادمة، متمسكين بعض الشيء بنفس النموذج، الذي عهدتاه منذ ما يزيد عن 10 سنوات، اي مع كثير من عمليات «استحداث النقود»، ومع مشاكل جمة في تضخم في أسعار بعض الأصول، لان التضخم لن يخفف من الإفراط من المديونية، ما يحيلني إلى تشجيع الدول على توفير سندات على المدى الطويل وبأسعار فائدة ثابتة.
يتعلق الموروث الخامس، بالإصلاحات الهيكلية و التدابير التحفيزية. أولا، بالنسبة للخطط التحفيزية على المدى القصير. وثانيا، حول الإصلاحات الهيكلية على المدى الطويل. بالنسبة للنقطة الاولى، فهي لا تمثل مشكلة بالنسبة للمغرب، لكن قد تكون عقبة لفرنسا، بسبب الحجر الصحي والضغط على مدخرات الأسر، بدأت الأسر في تقنين مصاريفها، ما نتج عنه «الإدخار الإجباري» و «المدخرات الإحترازية»، كانت مسبقا مع إرتفاع البطالة ومخاطر التقاعد، لكن يجب علينا ان نلعب على الطرفين لاسيما في أوروبا، لإعادة إطلاق الاقتصاد، في ظل النقاشات في أوروبا حول الموضوع.
بالنسبة للأسئلة الهيكلية، فبالنسبة لي فإن المغرب بلد تنافسي، وعليه أن يستمر على هذا المنوال، إذ لديه القدرة على الاستمرار في هذا المسار، مستعينا بمواهبه وقدراته، بالرغم من المشاكل التي ذكرها صديقي محمد مسبقا، علاوة على مشاكل مشتركة بيننا، كانخفاض أجور الأطر الطبية، وأجور المعلمين والعاملين في مجال التربية. إن واحدا من أهم الدروس المستنبطة من الأزمة الحالية، ضرورة وضع النقاط على الحروف و الأشياء في أماكنها، بسلوك ملتزم و سليم من قبل القادة الإقتصاديين و الإداريين و غيرهم، أن يستعينوا بتسلسل هرمي لقيم الأجور في القطاعين الصحي والتعليمي، لأهميتهما في تكوين مستقبل واضح لبلداننا.

تعديل السياسات العمومية

جيسكو هينتشيل:
سؤال الثقة سيكون من أبرز التحديات في وجه لجنة النموذج التنموي الجديد

تناول الكلمة جيسكو هينتشيل، المدير الإقليمي للبنك الدولي في المغرب العربي، الذي شغل العديد من المناصب، في مختلف بقاع العالم، لاسيما في أمريكا اللاتينية و منطقة البحر الكاريبي، المختص في الأسئلة حول «التنمية البشرية» و»التمويلات العمومية»، علاوة على حيازته لدبلومات في «العوم السياسية»، وله إطلاع واسع بالتحديات، التي سيواجهها المغرب خلال و بعد الأزمة.
إستهل جيسكو هينتشيل، حديثه كغيره من المشاركين، بشكر القائمين على الجلسة الإفتراضية، لإتاحة الفرصة له ولدعوته للمشاركة فيها، وأعرب عن سعادته بما جاء في الجلسة، مقدرا كم المعلومات المقدمة بصدر رحب من قبل المشاركين بها.
يذكر جيسكو هينتشيل، مساره العملي في الأرجنتين، ذاكرا أمله في تجاوز ذلك البلد لمشاكله المالية، المرتبطة بالتضخم و السياسة المالية غير الحكيمة، التي أدت بالأرجنتين إلى ما يحمد عقباه، مؤثرة على الأسر والقطاعات الاقتصادية الداخلية، إضافة إلى مشاكل الحكامة الداخلية والديون. بالنسبة لي حاليا، يختلف الوضع في المغرب، بدرجة واضحة عن دولة الأرجنتين، إذ يمتلك المغرب الآن المقومات الأساسية، لحكامة وتسيير أفضل لديونه الداخلية، بالرغم من ارتفاع «العجز المالي» في حدود 7%، إلا ان الأمر بالنسبة للدينامية في المستقبل، خصوصا مع تجويد النفقات العمومية والاستثمارات، في قطاع البنيات التحتية، سيكون عاملا يجب أن يركز المغرب عليه.
ولم يفت جيسكو هينتشيل، التذكير بما قاله، كل من «حسن بنعبد الرازق» و»محمد الشفيقي»، حول ما بحوزة المغرب من مقومات وركائز، استند عليها لمواجهة تداعيات الأزمة الوبائية عليه، علاوة على قيادة عالية المستوى و قوية، تشمل حتى علاقة «التضامن الاجتماعي» المتينة، والثقة في المؤسسات الأساسية. يمتلك المغرب كذلك، بحسب هينتشيل ثباتا في «الاقتصاد الكلي» جيدا، مؤسسات مالية وضريبية قوية، إدارة على مستوى مهم من الاستقرار، وتاريخا مدهشا في النقص من نسب الفقر، وتاريخا مشرفا في الرفع من التنمية بالبلاد، ورؤية منفتحة على مجالات إقتصادية جديدة (صناعة الطيران، السيارات، السياحة، صناعة الألبسة…)، عبر التأسيس للمنطقة الصناعية بطنجة مثلا، إنجازات مهمة يجب أن يفتخر بها المغرب.
من جهة أخرى، لدى المغرب كبقية جيرانه من العالم، تحديات مهمة عليه مواجهتها والبحث عن حلول لها، من بينها إنعدام الثقة في المؤسسات العامة، على غرار ما ذكره مؤشر «عرب باروميتر»، الذي يرى نوعا من نقصان الثقة في بعض المؤسسات، خاصة لدى الشباب المغربي، أمر مهم يجب احترامه في حال الرغبة في بناء سياسي صلب، وفي خلق جو من الثقة لدى الشباب، الباحثين عن مستقبل تشغيلي واقتصادي مستقر. على المغرب أيضا، أن يواجه تحدي «التفاوت الاجتماعي»، تحديدا نظام «دولة الرفاهية» المنقسمة، بين قطاع مهيكل يسجل نسب نمو لا بأس بها، وحضور وازن للدولة عبر استثماراتها المختلفة، يعيبها قلة الاستثمارات في الرأسمال البشري.
بالنسبة للنقطة التالية، تحدث جيسكو هينتشيل، عن سوق الشغل و علاقة حاملي الشهادات أو عامة الأفراد به، والذي لازال سوقا ضعيفا لاسيما للشباب المغربي و النساء، إذ أن البلدان التي لا تولي أهمية لسوق الشغل الوطني الداخلي، ستعاني الكثير لزيادة نسب النمو أو الرفع منها، لا سيما فيما يتعلق بفرص الشغل ومشاركة النساء.
انتقل جيسكو، للحديث عن الطاقات المتجددة، بإعتبارها مصادر طاقية غير مستدامة، كالماء المستخدم للحصول على الطاقة، يكون محليا في معظم الوقت.
عند مقارنة معطيات مؤشر «عرب باروميتر»، فإنها تشير إلى أن سياسة إعادة الثقة لازالت ضعيفة بالمغرب، في عدة جوانب للثقة. أولا، الثقة العامة في الحكومة، انخفضت من قبل العموم، بنسبة 29% في سنة 2019، وهو معطى يجب التركيز عليه. ثانيا، نسبة رضا الشعب بخصوص الخدمات العامة (التعليم و الصحة)، في نقص بنسبة تتراوح ما بين20% غلى 30%، مقارنة بدول منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا. ثالثا، بالنسبة لثقة الشعب في الخدمات البنكية، كانت مرتفعة مقارنة بالأرقام السابقة، لتقرب من 44% من متوسط المنطقة.
تطرق جيسكو أيضا، لمعدل الثقة المنخفض في القطاع الخاص، بيد ان ربع الأشخاص المشاركين في إحدى الدراسات، قد أبان على ثقة اتجاه القطاع الخاص.
إن المسافة بين رأي الشباب وكبار السن، تعكس مدى أتساع فجوة التواصل بين الفئتين العمريتين، تحديدا في مواضيع الساعة كالإقتصاد و الصحة، أو خلال بحثهم عن فرص عمل محتملة، وبالرغم من الإيجابية بخصوص الإقتصاد، إلا نسبة كبيرة من الشباب المغربي، قد أعربت عن سخطها قبل الازمة الوبائية، وهي نسبة كبيرة مقارنة ببلدان المنطقة، ونتيجة لهذا شهدت سنة 2019، تعبير نصف الشباب بالمغرب عن رغبتهم في الهجرة خارج المغرب، وذلك لخوفهم على مستقبلهم المهني في البلاد.
إنني على يقين، يقول المتحدث، بأن هذه المعطيات، لها أهمية كبيرة على عدة أصعدة، لا سيما لتحليل الأحداث التي وقعت خلال الازمة، واستنتاج السياسات العمومية الأمثل والأكثر كفاءة، سواء خلال الازمة أو بعدها، التي تبني أساس هذه الثقة.
إن سؤال الثقة، سيكون من أبرز التحديات، في وجه لجنة النموذج التنموي الجديد، التي سيتعين عليها البحث عن مخزون للثقة، لا سيما لدى الشباب المغربي، يمكن استغلاله بشكل جيد، لذلك يصلح التساؤل، عن الأدوات التي ستعمل بها اللجنة، بغية إستخدام رأسمال الثقة، في تعزيز النموذج التنموي الجديد، بجميع مناحيه الحياتية؟.
أعتقد بان المستقبل، سينقسم لطريقين بالنسبة للمغرب، وكيف للسياسات العامة على المديين القصير و المتوسط، ان تساعد المغرب على تحديد مساره التنموي مستقبلا، حتى مع توفير هذه السياسات، لنسب متفاوتة من الليونة او المرونة في السياسات العامة. على المغرب أيضا، أن يعمل على تحسين جودة الخدمات العامة، وفي نفس الوقت إعادة النظر في دور هذه الخدمات. يحب عليه كذلك، تمكين مشاركة الفئات العمرية المختلفة، والإنصات لصوتها إبان تطبيق هذه السياسات، في حوارات تكون إما محلية، جهوية أو وطنية. وأخيرا، العمل على تعزيز العدالة و دولة الحق.
لعل هذه الاقتراحات، تنفع لجنة النموذج التنموي الجديد، في تطوير نظرة شاملة وموضوعية، تسلط الضوء على ما تطرقت له، هنا في حديثي عن بناء الثقة ما بين الدولة والمواطن، وتعديل السياسات العمومية، لتتوافق مع متطلبات جميع الفئات العمرية. على ان تكون هذه الاقتراحات، أساسا كافيا لصناعة أدوات و توفير آليات، قادرة على تمكين لجنة النموذج، من نماذج لسياسات تنفع للاستخدام على المديين القصير و المتوسط، لأجل الإجابة كذلك على تحديات الازمة و ما بعدها.
إن العمل، على توزيع الأضرار ونفقاتها، بشكل لا يثقل كاهل الطرفين في الازمة، اي الدولة و الفئات الإجتماعية، هو من أولويات القائمين على السياسات العمومية بالمغرب، إما عبر خوصصة بعض الأضرار التي خلفتها الازمة الحالية، أو عبر إيجاد طرق جديدة لمساهمة الجميع، في تحمل الضرر الذي خلفته الازمة الوبائية، على غرار ما قامت به بعض الدول، أو باستخدام قاعدة خدمات إجتماعية على غرار «الراميد»، لتقويض الأضرار المالية التي تلقتها بعض المقاولات (الصغرى و المتوسطة)، القطاع المهيكل والشركات، مستعينين بالثقة و الشفافية التامة، في التعاملات و الحصول على المعلومة، ما سيمكننا من بناء قواعد و ركائز صلبة، لمواجهة أية أزمة مهما كانت صعبة.

الخلاصات

إختتم العربي الجعيدي، بتلخيص ما قاله lجيسكو وبقية المتدخلين، مؤكدا على غنى هذه الجلسة من ناحية المعلومات، الأرقام و المعطيات الموفرة فيها، علاوة على مشاركة الجميع، ثيمة أساسية و موحدة، وهي ثيمة «الثقة» وكيفية تطبيقها على ارض الواقع، بإعتبارها إحدى الركائز المهمة، التي سيستند عليها مغر ما بعد كورونا، علاوة بطبيعة الحال، على الاختيارات الصائبة و الحكيمة، والتعقيبات التي نوقشت خلال هذه الجلسة الإفتراضية، لا سيما ما يرتبط بالنقاشات العمومية، وكيفية إشراك كافة فئات الشعب في القرارات المصيرية، لبناء الثقة و العقد الاجتماعي كذلك. يذكر كذلك، بأن المجتمع المغربي، خصوصا خلال أزمة فيروس كورونا، قد ابان على تضامن و توحد إجتماعي لا نظير له، وان مستقبلنا سيستخدم هذه القيمة، كحجر أساس لبناء مستقبل قوي بعد الجائحة، وعلى المدى القريب و المتوسط.
في نفس السياق، أعقب شكيب بنموسى، في نهاية الجلسة الإفتراضية، التي حملت عنوان « الآثار الإقتصادية للازمة الصحية: أي سياسات للإنعاش الإقتصادي، على المديين القريب و البعيد بالنسبة للمغرب؟»، بشكر المشرف على الجلسة الإفتراضية، السيد العربي الجعيدي، ناهيك عن إعرابه لإمتنانه و شكره لمجموع المتدخلين في الجلسة، وهم على التوالي: «حسن بنعبد الرازق»، «محمد الشفيقي»، «كريستيان دو بواسيو»، و»جيسكو هينتشيل»، عن ما أفادوا به الحاضرين و عموم الجمهور، الذين تابعوا حديث الضيوف على مدى الأربع ساعات الماضية.
أردف أيضا وبعجالة، عما جاء في هذه الجلسة الافتراضية، مثنيا على التحركات السريعة و القيادة الرشيدة، خلال الأزمة الوبائية الحالية، لجلالة الملك محمد السادس، علاوة على ضرورة إعداد، مخطط لإعادة إقلاع الإقتصاد المغربي، مستندا على ادوات آليات مبتكرة، سواء في المجال المالي او بالنسبة لميزانية الدولة، مطلقا العنان لاقتصاد تنافسي قوي ومستدام، زيادة على ضرورة إعادة الإقلاع بالمدى البعيد و بمستويات النمو، المتصلة بدورها بالإصلاحات الهيكلية و الإدارية المهمة.
وعرج بنموسى بعجالة، على ضرورة الإهتمام برأس المال البشري، و الإستماع لصوت الشباب و الفئات الهشة في البلاد، وإحكام إصلاحات عميقة على علاقة بالمجتمع، و الثقافية و الترابية، كما أكد على ضرورة الإطلاع على تطلعات جميع فئات المجتمع، وتحديث الآليات الإجتماعية التقليدية، على غرار تحديث طرق الدفع، لتصبح إلكترونية اكثر منها ورقية، كل هذا في إطار من الثقة و الشفافية و الإنصاف، لخلق حركية ضخمة لدى ومع جميع الفاعلين، وإنجاح عملية الإصلاحات العميقة و الكبيرة، التي سيمضي فيها المغرب قدما.


الكاتب : ترجمة: المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 20/05/2020

أخبار مرتبطة

  بالنسبة لقارئ غير دروب بالمسافات التي قطعها الشعر المغربي الحديث، فإنّه سيتجشم بعض العناء في تلقّي متن القصائد الّتي

« القصة القصيرة الجيدة تنتزعني من نفسي ثم تعيدني إليها بصعوبة ، لأن مقياسي قد تغير ، ولم أعد مرتاحا

أكد على أن تعامل الحكومة مع القطاع ومهنييه يساهم في اتساع دائرة الغموض والقلق   أكد ائتلاف يضم عشر جمعيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *