ذهبنا إلى الصين، وعدنا …من المستقبل! 19 : حديث عن التصنيع والتصدير إلى المغرب، وحادثة مسرح سحرية…

من الصعب أن تعود من الصين كما ذهبت إليها، ومن الصعب أن يقتصر الذهاب إليها، على حالة فرح مصاحبة لسفر كالأسفار الأخرى. الصين بقعة من العالم القادم، ولغة سميكة، قادمة من التاريخ أيضا. بلاد تستمر  من التاريخ العريق إلى الغد المذهل.

ركبنا السيارة بدون سائق، وكان بعضنا يتساءل: كيف سيتم احتساب الغرامات في حال اصطدمت السيارة بسيارة بها سائق؟ وبدأنا في تأويل الحكاية، أحدنا حسم النقاش: المهم، في هذه السيارة، لا يوجد سائق يمكن أن ينزل منها ويخاصمك …بالسب والضرب!عدنا إلى قاعة فسيحة، قاعة اجتماعات بخشب لامع صقيل لونه بني، وبداخلها أعلام الحزب الشيوعي الحمراء، تم عرض شريط فيديو مؤسساتي عن الشركة، يبدأ بقدم إنسان يجري، ثم قائمة فرس، وعجلات خشبية، ثم ينتقل إلى كل أنواع السيارات والحافلات التي تصنعها الشركة، «كينغ لونغ».الإشارات واضحة، نحن نحرث حركة الطبيعة من أقدم إنسان إلى الآن..تكلم ممثل الشركة، «ابولو»، التي تمثل فرعا من فروع «كينغ لونغ»، وقال إنهم يصنعون 30 ألف سيارة في السنة، وأن رقم المبيعات يبلغ 7 ملايير يوان أي قرابة 2 مليار دولار وأن السوق الأساسية هي السوق الخليجية ولا سيما السعودية والإمارات، دون ذكر أمريكا اللاتينية..وعن السيارات الذاتية، التي تسير بدون سائق قالوا إن تصديرها إلى خارج الصين سيبدأ في سنتين من الآن..كان طبيعيا أن نتحدث عن علاقة الشركة مع المغرب، التي كان أحد ممثليها عائدا منه. أعربوا لنا عن ارتفاع الضريبة بالنسبة للصادرات الصينية واعتبروا أن نظامنا الجمركي إزاءهم صعب للغاية، بالرغم من العلاقات الجيدة الآن مع المغرب، فإن الضريبة على التصدير تبلغ 2 % مقابل 0% مع أوروبا.شرح الوفد أن المغرب يتعلق باتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي وبلدانه، وأن الصين يمكنها أن تستفيد من المناطق الحرة، التي عقدت اتفاقيات بشأنها مع دول أوروبية وأمريكية، كما يمكن الاستفادة من المناطق الصناعية في كل من طنجة والقنيطرة والدار البيضاء.عبروا عن اهتمامهم بالنقل السياحي في كل من أكادير ومراكش ..ولما سألناهم: ماذا عن العشر سنوات القادمة؟ابتسم ممثل الشركة وأجاب بغير قليل من التلغيز: ننتظركم!عند العودة إلى الفندق، لاحظنا وجود أربعة جسور طويلة طوييييلة، مبنية فوق الحجر، في هذه الجزيرة الثرية، شيامن البديعة..كانت دوختنا مضاعفة، ما بين السياحة في جزيرة غو لا ن يو، ومتاحف البيانو وحديقة زوهانتشونغ، التي تحمل الصيف الاستوائي إلى البصيرة، وهذا الاندفاع المجنون نحو المستقبل والإقامة فيه قبل الآخرين…هو ذا الليل يصل في موعده تماما، يتسلل في الظلام الدافئ إلى عظامنا في الحافلة المتراخية في العودة، قدمي تؤلمني، ربما كان علي أن احتاط  من شهوة التقدم في جمال جزيرة كو لانغ يو..في المساء نعد أنفسنا بلحظة سحرية في المسرح .كانت البناية وسط المدينة فارعة، عند دخول القاعة نجد أنفسنا أمام قاعة فسيحة للغاية، كراس عادية من الخشب بصوفا حمراء، حضوركبير للأطفال مع عائلاتهم. هو ذا الدرس الأول، كل أسرة، بما فيها الأسر القادمة من الخارج مع أبنائها، في مسرحية سحرية.. ثلاثة طوابق بالكون في المسرح تعطي فكرة عن كثافة الحضور، الذي كان أغلبه من الأطفال.يبدأ الحفل بكوريغرافيا لنساء ورجال بأجساد طيعة، مرنة تكاد تكون بلاستيكية، ببذلات وقفاطين سوداء..بقينا ما قدر لنا أن نبقى، ثم غادرنا عندما بدأت حصص الأطفال وسيادة اللغة الصينية بدون مترجم نتحلق حوله..لكن خرجنا بدرس واحد: إذا كانت الحياة الثقافية بهذه القوة في صين متقدمة اقتصاديا، فلأن العائلات تربي أبناءها على حب المسرح، وألعاب السحر والكوريغرافيا منذ الصغر.انتهى الكلام ولم يعد أمامنا من موضوع سوى هذه الحكاية..غدا السبت، سيكون علينا أن نغادر شيامن، وفندقها الجميل، نحو مدينة شيوانتشو……السبت سابع دجنبر 2019…، هذا يوم سنعرف أن له تاريخا من بعد.استيقظنا صباح ذلك اليوم، على شمس بهية.جمعت السماء غيمتها، وتركت لنا مدينة شيامن فارعة الخضرة، إيه كذلك، خضرتها بقامة طويلة… فارعة الضوء أيضا.من شرفة الفندق الذي نغادره يلوح البحر أكثر زرقة…نركب الحافلة، جميعا باتجاه مدينة منذور يومها للسياحة…في مؤخرة الحافلة يدور حديث ثنائي يين الخلفي والمسعودي لا يتركني محايدا. أسجل بأنه حديث عن إلى الأمام، وإشبيلية الإسلامية وقضية الصحراء..وعن الحل الأممي والإسلامي للقضية، وعن الحل الوطني..أتساءل وأسجل: من يستنطق من…؟ وابتسم…

 

 


الكاتب :  عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 07/01/2020