أحمد المديني: آن الأوان للأدب والرواية ليمزقا قماط التحديث المفترض
ليصبح حديثا بذاته وفي ذاته وليحقق تحديثيته وحداثته
عرفت فعاليات المعرض الدولي للكتاب في أيامها الأخيرة، ندوة حول الأبعاد الجمالية والإنسانية في الرواية المغربية، شارك فيها الروائيون أحمد المديني، طارق بكاري،عبد الإله بنعرفة، وإسماعيل غزالي.
شدد الروائي المغربي أحمد المديني، خلال الندوة التي سيرها الكاتب إدريس الصغير، على أن الروائي مطالب دائما بأن يجدد الصلة بالحياة وأن يكسر أغلال التقليد، ولا يجب عليه الركون إلى الجمود بإعادة النظر في بعض التصورات. وأضاف «نحن معشر الدارسين لابد أن نتوافق في ما بيننا على مواقيت ومحطات نتخذها منطلقا ضروريا لضبط رقاص الساعة التاريخية، إجمالا، على مواضيع وأساليب وأجناس وتجارب وأحداث أيضا مما يؤلف تربة التجربة الأدبية وسمادها»، مشيرا الى أن تجربة الأدب الحديث بالمغرب تؤهله، بمنازعه المختلفة، لكي يتمرد على النسق الزمني المغلق. فبالنسبة له من اللازم الارتقاء بالموضوع من صيغة الوجود البدهي إلى مستوى الحدوث الكيفي، ووضع مقولة التحديث في إطارها الواسع، لأن لهذا الأخير صيرورة انخرط فيها الأدب المغربي منذ عقود، إنه بناء كامل متين وفسيح من الأعمال المتوفرة. فالأدب المغربي وأجناسه المختلفة تنضد في قوالب واحتذى تقاليد واتبع سننا لآداب أخرى غربية وشرقية.
وأشار المديني إلى أن عمر الأدب المغربي الحديث يمتد على مدى 65عاما، أي أنه ابتدأ منذ استقلال المغرب، لذا فهو لا يزال فتيا ويحتاج إلى إبقاء زمنيته مفتوحة حتى يتسنى إعادة النظر في بعض التصورات والتصنيفات وأنماط التقويم المختلفة، مؤكدا أن مكونات التحديث هي قواعد متسقة وأنساق ومفاهيم وطرائق مختلفة، رغم تنوعها وتباين جوهرها، معتبرا أن المعيارية هي التي تحكمت في بلورة مظاهر التحديث في الأدب المغربي وروايته، داعيا في الختام، إلى أنه آن الأوان للأدب والرواية بأن يمزقا قماط التحديث المفترض ليصبح حديثا بذاته وفي ذاته وليحقق تحديثيته ومنها إلى حداثته.
الروائي المغربي عبد الإله بن عرفة تحدث عن مشروعه الروائي قائلا إن الموضوع الذي اختاره المنظمون حول السياقات الإنسانية الجمالية للرواية، يستدعي أن يقدم كل واحد تصوره للرواية كما يكتبها، وبالنسبة إليه فهو لا يكتب رواية منفصلة بل مشروعا روائيا، مضيفا أن الروايات التي كتبها هي لبنات مؤسسة لحائط ولجدار هذا المشروع، وبالتالي هي تُقرأ كسلسلة، مؤكدا أنه ليس من المفروض أن يكون لكل روائي مشروع روائي، فالرواية قد تستقل بذاتها كما تستقل القصيدة بذاتها، لكن حينما يعيد روائي تشكيل التاريخ العربي الإسلامي روائيا فهو مطالب، يقول، بمشروع روائي، مسترسلا أن هناك حدودا زمانية ومكانية لمشروعه الذي يستغرق 14 قرنا، وكل رواية من رواياته مخصصة لقرن ولقامة فكرية، وأضاف أن مشروعه تحضر فيه أيضا الفواتح النورانية، معتبرا أن المسافة الزمنية لم تعد فيصلا بين القارئ والمبدع واللحظة التي يكتب عنها، ومن ناحية البحث والتقصي عن التاريخ والشخصيات المتناولة في رواياته أكد أن مشروعه مكلف بحثيا لأن الروائي عليه أن يطالع مخطوطات ومصادر ليعيد تشكيل التاريخ لأنه يكتب رواية. وعن الجمالية قال إنه اشتغل على عدة مدن تاريخية كبغداد وفاس وتونس وإسطنبول بنظرة الجغرافي والدليل السياحي، وهذا توثيق للمادة الروائية في اللباس والعمارة، وبالنسبة إليه يعتبر ذلك من الجماليات، ولم يغفل بنعرفة الحديث عن بعض شخصيات رواياته كلسان الدين بن الخطيب كمثال على التقلبات النفسية التي تعيشها هذه الشخصيات داخل كتاباته.
من جانبه، دعا طارق البكاري الروائيين المغاربة إلى الكف عن جلد النفس والتوقف عن النظر إليها باحتقار مقارنة بالمشرق، وبالنسبة له فهو يراهن في كتابته على التشبث بالجذور المغربية وأن يبقى على اتصال بها، قائلا إنه ينبغي أن نحتفي بكوننا مغاربة وأن نقتنص جانبا من مكوناتنا العديدة والمختلفة من أمازيغية ويهودية وعربية، والتي يمكن أن ينطلق منها الروائي كنوع من الوفاء للأمومة، مضيفا أنه يكتب بالعربية بذاكرة أمازيغية. فكتاباته، يقول ، تحتفي بالرمز الأمازيغي وبالوشم الأمازيغي، كما يحتفي في كتاباته بالحياة النفسية لأبطاله متعمقا في شخصياتهم لأن الكتابة في نظره تؤدي وظيفة الاستشفاء.
أهم علامة جمالية لافتة يمكن الوقوف عندها بالنسبة لإسماعيل غزالي هي الخروج على عروض تخييل الأمكنة للذهاب بعيدا إلى أقصى الهامش، إلى تخييل أمكنة وجغرافيات وخرائط منسية مقصية ومهمشة عمليا، وهذا ينسحب على تخييل ما يسميه بالحلقة الأولى من تجربته الروائية التي تضم روايات :»موسم صيد الزنجور» و»النهر يعض على ذيله» و»عزلة الثلج»، مؤكدا أنه عند انتهائه من كتابة «عزلة الثلج» كان يميل إلى التفكير بأن يصنفها بأنها هامش أو ملحق اختتم به حلقة روائية ولم يكن في حسبانه أنها سوف تكون متوالية أو ثلاثية، المشترك فيها هو الاشتغال على تخييل الأطلس المتوسط بالإضافة إلى النزوع الفنتازي والأصوات والحكايا والأشكال والتكتيك البوليسي المعروف بالرواية السوداء، مشيرا إلى أن الكتابة في»موسم صيد الزنجور»تعبر عن الهوية الخلاسية، وهي الهوية المغربية بشقيها الأمازيغي والعربي، التي جاءت كهاجس جمالي صرف تقوم من جهة على إثنوغرافية وأنتربولوجية ومن جهة ثانية على بعد جمالي آخر يتشكل استعاريا وأيقونيا وشعريا، مؤكدا أن «موسم صيد الزنجور» هو كتاب في الرياضيات والهندسة أكثر منه كتابا أدبيا، بل إن النظرة الأوفى إليه هو أنه كتاب في الموسيقى، معتبرا أنها «مخطوطة روائية»، أما رواية «النهر يعض على ذيله» فتظهر جمالية اللذة أو لذة الجسد والمسرح والسينما والقراءة بالإضافة إلى لذة العيش على ضفة نهر، مشيرا إلى أنها تكتب مصائر سوداوية ومأساوية والتي ترسمها قدرية الولع بالكتب والغرام بالمكتبات، مضيفا أن خلف كل ذلك هناك الاشتغال على الكينونة المتوسطية المغربية. أما بالنسبة لروايته «عزلة الثلج» فقد كان الاشتغال المركزي فيها على حبكة الزربية مقابل استعارة الغابة، لكن يقف خلفها سؤال وهاجس مركزي له علاقة بالموت أو جمالية الانتحار، مؤكدا أن كتاباته مولعة باللعب كفلسفة حياة، وبالتجريب، فالكتابة إما أن تكون، يقول غزالي، مغامرة ومجازفة أو لا تكون، والتجريب هو الابتعاد عن المألوف والعادي والمكرر والنمطي لخلق رجة داخل مفهوم الكتابة ككل.
وخلص إلى القول إن أعماله تتميز بخيال مفرط يمكن أن يتخطى الحدود المرسومة سلفا، ويذهب نحو الانفتاح على السرد الفنتازي العالمي أو المتوسطي، مؤكدا أن معرفة الشخص لا تستقيم بمعرفة هويته أو اسمه أو بلده بل بمعرفة خياله، خاتما تدخله بمقولة : «أخبرني عن خيالك أخبرك من أنت».