«سبينا بيفيدا» مرض قاتل يشلّ الأطراف ويتهدد مرضاه بتداعيات صحية وخيمة

عدد المصابين المعروفين يقدّر بـ 3600 مريض في غياب أرقام مضبوطة

 

«سبينا بيفيدا»، أو مايصطلح عليه بـ «السنسنة المشقوقة»، هو أحد الأمراض المصنّفة ضمن خانة العلل النادرة، يكتشف سواء في المراحل الأخيرة من حمل النساء أو خلال ولادة الرضيع مباشرة، من خلال معاينة بثرة «حبوبة» منتفخة في ظهر المولود، عل مستوى العمود الفقري، التي تتطلب تدخلا جراحيا مستعجلا لإزالتها ومحتواها، ولايقف الأمر عند هذا الحدّ، بل يكون لزاما إخضاع المصاب لسلسلة من الفحوصات المتواصلة التي قد تمتد لبضعة سنوات، حتى يتسنى له وضع قدميه على سكة الحياة بعيدا عن المضاعفات التي يكون عرضة لها في مراحل عمره الأولى، التي قد تكون معدودة، إذا لم يكن هناك علاج منتظم يجنبه الشلل، تشوه الأطراف، علما أن الوضع قد يتطور ليصل إلى حدّ الوفاة.

مرضى «معلومون» وآخرون «مجهولون»

أكّد هشام موهدي، رئيس جمعية «سبينا بيفيدا» والإعاقات المرتبطة بها في المغرب، أن عدد المرضى الذين تم جردهم اليوم هو يبلغ حوالي 3600 مريض، علما بأنه رقم تقريبي في غياب إحصائيات رسمية عن أعداد المرضى، مبرزا أن هؤلاء المرضى هم يتمركزون بشكل كبير في الدارالبيضاء، الرباط، ومراكش، مع بعض الحالات المعدودة في أكادير وغيرها، مشيرا إلى أن أغلب الحالات المجهولة هي بكل تأكيد تفتقد لتتبع طبي، بعضها قد يكون خضع لعمليات جراحية وتُرك لمصيره، والبعض الآخر قد يكون فارق الحياة في ظل غياب المعلومة الكافية بشأن المرض، وصعوبة الولوج إلى العلاج خاصة في المناطق النائية التي تفتقد للبنيات التحتية.
وشدّد موهدي على أن الجهل بالمرض، الذي يشمل عددا من الأنواع وكل نوع له مخلفات مختلفة على أعضاء جسم المولود، وعدم الإلمام بتفاصيله هو أحد اكبر العوائق التي تعترض الأسر خاصة بالمناطق النائية، والتي تقدم فيها النساء على وضع مواليدهن بشكل طبيعي بعيدا عن أي إشراف طبي، مبرزا أن المولود المريض يتعين إجراء عملية جراحية له بشكل مستعجل، والتي تكون في اليوم الموالي ليوم ولادته، فضلا عن تدخلات جراحية أخرى في عدد من الحالات تفاديا لمضاعفات صحية يكون لها مابعدها، وهو ماقد ينتفي فيكون الرضيع ضحية لها.

مرض متعدد الآلام

أبرز البروفسور مصطفى أبومعروف، أن مرض «سبينا بيفيدا» هو مرض مزمن، يتمثل في «بثرة» في الظهر، تتطلب تدخلا جراحيا في الأيام الأولى للولادة، تكون له عدد من العواقب على الأطراف السفلى، العمود الفقري، الجهاز الهضمي، والجهاز البولي، ويتعين إخضاع المريض لتتبع طبي طول العمر، على الأقل إلى غاية وصول الطفل إلى سن المراهقة، من طرف اختصاصيين في جراحة العظام عند الأطفال، جراحة المسالك البولية والجهاز الهضمي عند الأطفال، جراحة العظام، وجراحة العمود الفقري والدماغ، ومختصين في الترويض.
وأوضح البروفسور أبو معروف، في لقاء صحفي سبق وأن أجريناه معه، أن التتبع الصحي لوضعية المريض، مرة كل 6 أشهر على الأقلّ، هو أمر ضروري، لتفادي مشاكل واعوجاجات العمود الفقري والأطراف، وكذا الجراحة، مبرزا أن الترويض الطبي له أهمية قصوى في العلاجات، إضافة إلى النوم في وضعية سليمة تفاديا لمضاعفات يكون علاجها صعبا، علما أنه حتى بعض العلاجات في هذه الحالة لاتكون ناجعة بالكيفية المرجوة، محذرا من إمكانية تعرض المرضى على الرغم من خضوعهم للتدخل الجراحي لحالات شلل نصفي من الورك فما أسفل، وتداعيات تطال المسالك البولية والجهاز الهضمي وغيرها، وهو مايستوجب تتبعا منتظما للمريض وبصفة مستمرة.

فيتامين « ب 9 »

أكّد بومهدي، في تصريح لـ «الاتحاد الاشتراكي» أن الأمهات تعانين وبشدة مع مرض أبنائهن، وتتكبّدن المشاق والصعاب، لهذا تحرص الجمعية على تقديم المساعدة المادية والمعنوية وفق المستطاع، خاصة لمن يتعذر عليهم الولوج إلى العلاج، وذلك بمساهمة وزارة الصحة وأطرها وجملة الفاعلين، مشددا على دور الجمعية في المساهمة في التوعية للوقاية من المرض وتوفير المعلومة بخصوص الداء، خاصة للنساء، اللواتي يجب أن ينتبهن إلى إمكانية ضعف معدلات فيتامين « ب 9 « الذي تشير الدراسات إلى أنه أحد أسباب الإصابة بالمرض، الأمر الذي يتطلّب قيامهن بتحاليل قبل الزواج، وإذا تعذر إبانه وقبل أو عند الدخول في مرحلة الحمل، للوقوف على معدلات هذا الفيتامين في الجسم وتدارك الخصاص وتعويضه وفقا لوصفات الطبيب المعالج.
وأوضح بومهدي، أن الجمعية تقوم بمساعي لدى وزارة الصحة لكي تعمل على إدخال هذا الفيتامين في الدقيق، كما هو الحال بالنسبة للخطوة التي سبق وان أقدمت عليها المتمثلة في تزويد الملح بمادة اليود، مبرزا أن من شأن هذه المبادرة تعزيز البعد الوقائي بشكل كبير.

معاناة أمّهات

خلال بوحهن لـ «الاتحاد الاشتراكي»، سردت عدد من الأمهات حكايتهن مع المرض الذي لم يكنّ يعرفن عنه شيئا يوما، والذي تفاجئن بإصابة فلذات أكبادهن به، وبضرورة خضوع هؤلاء الرضع لعمليات جراحية في اليوم الموالي لولادتهم.
«أ.م»، إحدى الأمهات تقول «لم أكن اعرف هذا المرض إلى أن ازداد ابني واكتشف الأطباء إصابته، وتطلب الوضع خضوعه لعملية جراحية في اليوم الثاني بعد الولادة، بعدها خضع للفحص بالصدى للبحث إن كان هناك ماء في الرأس، وهو ماتبيّن وجوده فخضع لعملية ثانية للشفط، ثم ثالثة بعد أسبوع، وتطلب الأمر وضع قسطرات له، يتم تغييرها، خوفا من ارتفاع درجات الحرارة وإصابته بالمينانجيت، والانتباه حتى لايصاب بتعفنات بولية او يتعرض لتداعيات على مستوى الكلي».
من جهتها «ف.ع»، أبرزت أن المعاناة هي القاسم المشترك بين أسر المرضى خاصة المعوزين، مصرّحة « نعيش معاناة شديدة، من له إمكانيات راه شوية، واللي معندوش راه يعاني لتوفير مصاريف العلاجات والترويض، وشراء الحفاظات، ومعدات لقضاء الحاجة الطبيعية وغيرها». وعلى نفس المنوال سارت «خ.ش»، «المصاريف لاطاقة لي بها، أنا من سيدي مومن، ولي طفل آخر يعاني من الصرع، ننتظر عناية من المسؤولين فنحن نقاسي ولانريد أن نخسر أبنائنا».

تحسيس وتوعية

شهد مستشفى الأطفال عبد الرحيم الهاروشي بالدارالبيضاء، أمس الأربعاء 25 أكتوبر 2017، تنظيم الأبواب المفتوحة بشراكة مع المستشفى الجامعي ابن رشد، تحت شعار»جميعا من أجل تحمل أفضل» للتعريف بمرض «سبينا بيفيدا»، أسبابه، أنواعه، وكيفية تحمله والوقاية منه، بمشاركة مجموعة من المتخصصين وبحضور مرضى وأسرهم، مع تقديم شهادات حيّة عن تجربة العديد منهم، الذين لم يمرّ عليهم المرض مرور الكرام.
تجربة بطعم الألم بالنسبة للعديد منهم، توزّع مابين العضوي والنفسي، وهو ماحتّم برمجة ورشة خاصة بالدعم النفسي للمرضى المصابين بهذا المرض وكذا عائلاتهم، خاصة في الشق المرتبط بالإدماج في المحيط العام للمريض وفي المحيط المدرسي على الخصوص.


بتاريخ : 26/10/2017