صورة المغربي المسلم في المخيال الجماعي الإسباني : 3- المغرب و طنجة من خلال رواية «مطالب الكونط ضون خوليان»

تتميز الأعمال الأدبية، الإبداعية منها والتحليلية، للكاتب الإسباني المعاصر خوان غوتيصولو بأنها تستغل الفضاء والإنسان المغربي في إشكالية البحث عن الهوية الإسبانية من منظور خاص. ماهي يا ترى التمثلات العامة للمغربي المسلم في الوعي الجماعي الإسباني؟ وكيف يرد خوان غويتيصولو Juan Goytisolo على مجموعة من الطروحات العنصرية والإقصائية للعنصر المغربي، العربي والمسلم في تكوين تاريخ وحضارة إسبانيا؟

كتب خوان غويتيصولو هذه الرواية سنة 1970. يطرح الكاتب من خلال هذا النص مواضيع ذاتية و تاريخية انطلاقا من فضاء مغربي يتمثل في مدينة طنجة.

غويتيصولو و طنجة
حل خوان غويتيصولو بطنجة سنة 1965 ومكث بها لمدة خمس سنوات قبل أن يرحل إلى مراكش. كان اختيار المدينة المغربية يرجع لأسباب سياسية وذاتية. فقد قرر الكاتب آنذاك وضع قطيعة بينه وبين الماضي؛ فتخلى عن الحزب الشيوعي الإسباني وبدأ مشروعا أدبيا جديدا لايمت بصلة إلى كل ما نشره قبل 1964. يتمحور هذا المشروع الأدبي الجديد حول فكرة قراءة التراث الإسباني بعين ناقذة ومن مسافة جغرافية تسمح بذلك. وقد بين الكاتب أكثر من مرة سبب استقراره بالمغرب كما جاء في مقال صدر باللغة بالفرنسية سنة 1969 تحت عنوان «Pourquoi le Maroc?» (لماذا المغرب؟) يبين فيه مدى حبه لهذا البلد وكيف تبناه كبلده الأصلي.
ضون خوليان بين الأسطورة والطرح التاريخي
رغم أن “مطالب الكونط ضون خوليان” ليست رواية تاريخية، فإن خوان غويتيصولو يستغل في هذا النص شخصية أسطورية وتاريخية : ضون خوليان. إنه حاكم مسيحي لمدينة سبتة (682-715م). تتضارب حول هذه الشخصية الروايات التاريخية والأسطورية التي تتغذى من الأشعار والذاكرة الشعبية. يُحكى أن بنته الحسناء فلوريندا تعرضت لمضايقات جنسية من طرف الملك ضون رودريقو بطليطلة. فراسلت أباها واشتكت من ذلك الأمر مما دفع الكونط إلى الانتقام لشرف بنته بأن ساعد موسى بن نصير وطارق بن زياد على غزو الأندلس والإطاحة بمملكة القوطيين. وهناك رواية أخرى تقول إن ضون خوليان لم يكن إسبانيا بل بربريا من قبائل غمارة الريفية ويدعى أوليان الغماري.
لكن الكاتب يتبنى الرواية الإسبانية لأنها مشحونة بدلالات رمزية كالشرف والجنس والخيانة التي تخدم مشروعه النقدي تجاه المجتمع الإسباني. فالراوي والكاتب يتموقعان في الفضاء الذي ارتكب فيه ضون خوليان خيانته العظمى. لذا تتحول طنجة إلى زاوية رؤية خاصة. ويصير النص تعبيرا عن نظرة طنجية وإفريقية للمجتمع الإسباني.
ترجع كل الروايات الشعبية والرسمية في إسبانيا المسيحية سبب سقوطها في قبضة المسلمين إلى زلة جنسية: العلاقة غير الشرعية بين الملك القوطي وفلورندا بنت الكونط ضون خوليان. هذا الإصرار على التفسير الميتافيزيقي للكارثة الوطنية الإسبانية هو في الواقع، وكما نستشف من تعليقات الراوي، إدانة صريحة لكل علاقة جنسية وممارسة عاشقة. إن الحب المتهور واللامسؤول، المجرد من كل رابطة دينية وأخلاقية، يعتبر السبب الحقيقي لسقوط إسبانيا.
هذا التفسير للواقعة التاريخية يقودنا إلى التأويل الآتي: إنه عبارة عن صياغة تاريخية لواقعة دينية تتمثل في واقعة الخطيئة الأصلية وما تبعها من طرد من الجنة حسب الرواية المسيحية. فالشيطان هو فلورندا الفاتنة وآدم المغلوب على أمره ليس سوى صاحب الجلالة الملك ضون رودريقو الذي انساق وراء أهوائه ونزواته الجنسية. أما المورو، أي المسلم المغربي فهو الخطيئة والشر معا، أي تلك المصيبة التي حلت بإسبانيا. هذا الطرح رسخ في ذهنية الإسباني العادي والمثقف، الحاكم والمحكوم، صورة شيطانية وعدوانية للمورو، ذلك الإنسان الذي يرتبط ذكره بممارسة الاغتصاب والوحشية.
إن الراوي شخص مجهول يتأمل السواحل الإسبانية من طنجة ويتقمص شخصية ضون خوليان. هرب من صفوف الجيش الفرنكاوي وعمره 40 سنة ويرغب في إعادة احتلال إسبانيا لمدة ثمانية قرون أخرى. هذا المشروع المعادي للمصالح الوطنية والقومية الإسبانية يضفي طابع الخيانة على شخصية الراوي وينزله منزلة الخائن التاريخي ضون خوليان.
يقوم الراوي الكاتب في هذا النص بعملية هدم ممنهجة لكل رموز النظام الفرنكاوي القائم على النقاء العرقي المسيحي ومعاداة الآخر، وخصوصا المغربي المسلم (المورو). و تشمل هذه العملية عدة مستويات:
المستوى اللغوي وقواعد الكتابة: يستعمل الراوي قاموسا لغويا خاصا يخترق من خلاله كل قواعد ومفردات اللغة الأكاديمية. ويتهكم أحيانا من تحجرالأكاديمية اللغوية الإسبانية ورفضها للانفتاح والتجديد حيث يصفها أحيانا وهو يتهكم بالقديسة. من جهة أخرى، يحررالكاتب نصه الروائي بشكل فوضوي حيث تتداخل الفقرات مثلا، أو ينعدم استعمال الحروف الكبرى عند بداية أي جملة، الخ …
المستوى الأخلاقي: يتهكم الراوي من كل المعايير الأخلاقية المسيحية ويضعها في خانة النفاق الممنهج. و يدافع عن قيم التسامح والفطرة التي يتحلى بها المغاربة المسلمون. في هذا الإطار يصبح الجنس أمرا طبيعيا وليس عملا شيطانيا كما تصوره محاكم التفتيش والأساطير الإسبانية المفسرة لنكبة 711 م.
المستوى التاريخي: تتمثل الرغبة القصوى للراوي في إعادة احتلال إسبانيا وقلب مجرى التاريخ.
في الصفحات الأخيرة من الرواية يتوجه الراوي بنداء مباشر إلى كل المغاربة ليعيدوا فتح إسبانيا من جديد. لكن هذا الخطاب ليس موجها في الحقيقة إلى مغاربة القرن العشرين وإنما لأولئك المغاربة المسلمين الذين فتحوا الأندلس في بداية القرن الثامن الميلادي. إنه نداء ذو طابع استفزازي للذاكرة الجماعية الإسبانية. إنه موجه بالأساس ضد النظام الفرنكاوي المتسلط ولكل العقول المستلبة التي تكن العداء التاريخي للمسلمين المغاربة.


الكاتب : سعيد بنعبد الواحد

  

بتاريخ : 23/05/2020