في الورقة التوجيهية للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي: من دروس جائحة كورونا أولوية الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي

طرح الأخ إدريس لشكر، من موقعه على رأس أكبر هيئة قيادية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المتمثلة في مؤسسة الكتابة الأولى، ورقة توجيهية لإغناء النقاش الوطني، على المستويات السياسية والتحليلية لمغرب ما بعد جائحة كورونا، تتضمن عناوين كبرى للملفات الآنية المستعجلة وللأفق الاستراتيجي الذي يجب أن تتوجه صوبه بلادنا من موقع الوحدة الوطنية، الضامنة للانتصار على كل ملامح المخاطر التي تسببت فيها هذه الجائحة وطنيا وعالميا. مع تسجيل أنها أول ورقة سياسية مكتوبة ينتجها المشهد الحزبي الوطني والتقدمي بالمغرب، تفعيلا للدور التاريخي الذي كان دوما للحركة الاتحادية في فتح أوراش النقاش الوطني بعمق ومسؤولية، في كل لحظات المحطات المصيرية الكبرى التي تواجه بلدنا ومجتمعنا.

هكذا، فإنه انطلاقا مما أكدته تلك الورقة التوجيهية من «أننا لا نستطيع القيام بتقييم موضوعي نهائي لجائحة مازالت ملامحها العامة لم تتشكل بالوضوح اللازم، ومازالت آثارها ومضاعفاتها الاجتماعية والاقتصادية تزداد بين الفينة والأخرى. غير أننا، كاشتراكيين ديمقراطيين يستحضرون منطق العلم ويعتمدون التحليل الملموس للواقع الملموس، يمكن أن ندلي ببعض الملاحظات الأولى ونحن في خضم هذه المعركة التي لا نعرف متى ستنتهي». انطلاقا من ذلك، تمة عناوين مركزية هامة أشارت الوثيقة إلى ضرورة التوقف عندها، من ضمنها تلك المتعلقة بالشق الاجتماعي تنمويا، المحددة في مجالات الصحة والتضامن الاجتماعي والتعليم. من موقع انخراط الاتحاد الاشتراكي في الدفاع عن الحقوق الاجتماعية للمواطنين الذي «ليس وليد هذه الأزمة بل إنه مترسخ في ثقافتنا ومرجعتينا الاشتراكية الديموقراطية وأبننا عنه في ممارستنا للشأن العام وواظبنا على تضمينه في برامجنا الانتخابية واعتبرناه مدخلا أساسيا لمنظورنا للنموذج التنموي الجديد».

المنظومة الصحية

شكلت جائحة كورونا فرصة لامتحان قدراتنا الصحية بشكل غير مسبوق، تجهيزا وكفاءات طبية وقدرات مادية وكفاءة في سرعة التدخل. حيث اتضح أنه ورش كبير يستوجب خطة استثنائية سريعة، بمنهجية المشاريع الوطنية الجبارة الكبرى. لأن بلادنا (كما تقول وثيقة الكاتب الأول للحزب)، ليست في وضعية الدول التي تتوفر على أنظمة صحية قوية والتي لا تحتاج إلا لتقوية إمكانياتها أو الرفع من طاقتها الاستيعابية لمواجهة أزمة “عابرة”. وبالتالي فإن هذه الجائحة ما هي الا حافز يضعنا أمام مسؤولياتنا جميعا للنهوض بهذا القطاع وطي صفحة الماضي المتجاهلة للاختلالات في الخريطة الطبية وقلة الموارد البشرية وضعف الإمكانيات المادية وغياب التغطية الاجتماعية الشاملة.
في هذا الإطار حري بنا أن نستغل هذه الفرصة لتوسيع قاعدة المنخرطين في نظام الضمان الاجتماعي من جهة ولتسجيل كل الفئات الأخرى في نظام “راميد”. هذا الأخير محتاج لعملية تبسيط مساطر التسجيل وتحيين المعلومات لتدبيره بسلاسة بما يخدم مصلحة المواطنين ويصون كرامتهم وكذا بتوعية المستفيدين منه بحقوقهم وتوعية المستشفيات وأطقمها بواجباتهم تجاه هذه الفئة المجتمعية.

شبكات الأمان الاجتماعي

من الملفات التي ظل حزب القوات الشعبية يلح في طرحها لحيويتها ملف «المساعدة الاجتماعية» والتوفر على «بنك معلومات وطني» مدقق للنسيج الاجتماعي المغربي، حتى يسهل التدخل مؤسساتيا لمحاربة كل أسباب الهشاشة الاجتماعية ببلادنا وضمان الكرامة لكافة أبنائه. حيث أكدت الوثيقة أن حلول هذه الجائحة قد فكت “عقدة” المساعدة الاجتماعية المباشرة التي نطالب بها من عقود. اليوم ورغم عدم جاهزية السجل الوطني ولا الوكالة الوطنية للسجلات إلا أن وزارتي المالية والداخلية أبانتا عن قدرة كبيرة للتجاوب مع الظرفية وتوزيع إعانات مالية (بمتوسط 1000 درهم) على أزيد من أربعة ملايين أسرة. الشيء الذي يطمئننا على قابلية العمل بنظام شبكات الأمان الاجتماعي التي تستهدف الفئات المعوزة أو الفئات التي تعيش في وضعية هشاشة. حتى على مستوى التمويل تُظهر الأرقام أن المبالغ المطلوبة معقولة في حدود ميزانية الدولة إذا تمت معالجة صندوق المقاصة، ودمج الصناديق التي توفر إعانات تدخل في نفس الباب وتدقيق وضعية المستفيدين وتحيينها.

المنظومة التربوية

 

يعتبر هذا الملف حجر الزاوية في كل تنمية حقيقية للمغرب، وهو واحد من الملفات التي أنتجت المدرسة الاتحادية بخصوصه العشرات من الدراسات والخطط الملموسة، التي لم يكن يؤخذ بها حينها، للأسف، كما يجب. ولقد أبانت جائحة كورونا عن أهميتها اليوم، من خلال ما أشارت إليه الوثيقة التوجيهية من أن الحجر الصحي قد وضع المنظومة التربوية أمام تحديات جديدة تضاف إلى مهامها المعتادة كالتعليم عن بعد، أو البحث العلمي في الميادين المرتبطة بالوباء ومخلفاته. مما بين بالملموس الدور المحوري لمنظومة التعليم العمومي من جهة ومحدودية الاختيارات النيو- ليبرالية في السنوات الأخيرة من جهة أخرى. وبغض النظر عن التشويش الذي جاء من بعض أرباب المدارس الخاصة وعن إشكاليات تكافؤ الفرص أمام الولوج للإنترنت والحواسيب، فإن أسرة التعليم المغربية كانت في مستوى اللحظة سواء من حيث اتخاذ القرار في الوقت المناسب أو تجنيد كل الإمكانيات التقنية لمباشرة الدراسة عن بعد وأخيرا قرار جدولة الامتحانات والدخول المدرسي المقبل.
مما يدل على أن الإصلاح ممكن وأننا لا نحتاج إلا للإرادة السياسية القوية واللحمة الوطنية واستحضار مسؤوليتنا تجاه الجيل الصاعد. هذه الوضعية الصعبة برهنت كذلك أن التعليم العالي العمومي ليس مجرد قمة لهرم المنظومة التعليمية، بل يجب اعتباره الدعامة الأساسية التي تساهم في تقدم البلاد وفي دمقرطة مؤسساتها وفي بناء مجتمع حداثي تسود فيه العدالة الاجتماعية. فالتعليم العالي العمومي هو الذي ينتج المعرفة الجديدة اللازمة لتكوين الكفاءات الضرورية التي تحتاج إليها البلاد كالأطباء والممرضين والمهندسين والتقنيين والأساتذة والمفكرين والموظفين والمقاولين والفنانين وغيرهم.
من هنا وجب التذكير بمنظورنا في الاتحاد الاشتراكي لمنظومة التربية التي نعتبرها الوسيلة الأساسية لبناء المواطن. لذلك نعتبر أن مجانية التعليم حق للشعب المغربي والتزام وتعاقد من طرف الدولة مع المجتمع، ونشدد على ضرورة توفير العدالة الرقمية واللغوية لكافة فئات الشعب المغربي. وبخصوص مسألة اللغة فإننا مع تعزيز الوضعية الثقافية والاعتبارية للغتين: العربية والأمازيغية، وفي نفس الوقت الانفتاح على اللغات الأخرى التي تعتبر مفتاح العلوم في عالم اليوم.
إن محو الفوارق الطبقية يمر عبر تكافؤ الفرص في التعليم لتمكين كل أبناء الشعب من الحصول على أدوات المعرفة ذاتها وبنفس الطريقة والوسيلة، مع اعتماد برامج ومناهج لتملك أدوات الفكر العقلاني والنقدي ووضع بين أيدي الجيل الجديد الوسائل والمفاتيح لانخراطه في الثورة العلمية راهنا ومستقبلا.


الكاتب : الاتحاد الاشتراكي

  

بتاريخ : 22/05/2020