قصص قصيرة : لعب

(من مجموعة أضع سري بين يديك)

كان يتأمل وجهه في المرآة، يلمس ذقنه ويلتفت قليلا إلى اليمين، قليلا إلى اليسار. كانت تضع الكريما المرطبة على وجهها مركزة على المنطقة المحيطة بعينيها. لم يتبادلا الحديث فلم تكن هناك مناسبة لذلك، لا الطفل يبكي ولا مخزون الحليب انتهى ولم يطرق الجار على الجدار فرحا بفوز فريق البارصا فيقول الزوج جملته المعتادة:
فازت البارصا.
ووقتها كانت ستنظر قليلا إليه وستبتسم كأنها تهتم وكأنها تعرف كل قواعد لعبة الكرة.
لكن كل شيء كان مرتبا وجميلا في البيت ذي الغرفتين وقاعة جلوس ومطبخ صغير وحمام بزليج أزرق حيث كانا واقفين يستعدان للعبة الزوج والزوجة. تذكرت قليلا صديقتها الصغيرة التي كانت تحب هذه اللعبة تحديدا وكانت تلعب دور الزوج وتمد إصبعها بينهما بينما تستلقيان على طرف السطح وتقول لها «الآن نامي» وكانت تمثل دور النائمة جيدا فيما صديقتها تلامسها فلا تستطيع تحديد ما تشعر به لكنها لا تهرب من اللعبة. الآن أيضا هي تلاعب زوجها حين يطلب منها أن تفعل ما يريد، في الصباح تستقبل وقد مثلت جيدا، قبلة زوجها على خدها، تخبره عن الأغراض الناقصة في البيت ليجلبها مساء، تودعه أمام الباب، تبتسم ابتسامة أخيرة إذا التفت عند استدارة الدرج ثم تقفل الباب عليها جيدا. لا حاجة للتمثيل بعد. طفلها الصغير المثل لعبة لا يلعب بعد، يشرب الحليب وينام فتجوب أرجاء البيت، تضجر، تلعب لعبة المطبخ وتكملها بسرعة، تلعب لعبة التنظيف وتنتهي بسرعة، تلعب وتلعب…
كانتا صغيرتين، قالت صديقتها لنجرب لعبة جديدة فقد كانت الجارة قد علمت بلعبتهما وهددتهما بعقاب كبير.»ستحترقان إذا لعبتما مجددا. ستلتهم النار أصابعكما وشعركما الجميل». لكنها وعدت ألا تخبر والدتيهما وكانت تراقبهما فلا تضحكان إذا ما ترافقتا إلى المدرسة ولا تلامس يد إحداهما الأخرى.
قالت صديقتها «لنلعب لعبة الطائر». جمعت ريش الدجاج من الخم الذي في ركن سطح العمارة، ألصقته بذراعيها وطلبت مساعدتها. أضافت قليلا من الغراء إلى ذراع صديقتها وألصقت مزيدا من الريش. كانت تقاوم إحساس عدم الارتياح من ملامسة الغراء في يدها وترفض أن تضع ريشا عليها، «لا أحب الدجاجات، هن لا يطرن فعلا»، لكنها واصلت مساعدة صديقتها مضيفة مزيدا ومزيدا من الريش.
قالت صديقتها لنلعب لعبة الطائر، وطارت من علو السطح. «أنا أطيــــر» كان آخر ما قالت.
لم تلعب مثل صديقتها، لم تطر. اكتفت بمشاهدة لعبة لم تفهمها تماما، صارت أمها تصرخ وهي تضربها، «لن تصعدي إلى السطح بعد الآن»، وتضربها مرة أخرى حين تأتي أم صديقتها مولولة «قتلتم ابنتي»، وتضربها وهم يودعون بيتهم ويرحلون، وتضربها أكثر حين تلمح الأصابع الصغيرة مهربة بين ثنايا ثوبها، تلعب.. لم يكن اللعب ممتعا دائما.
والآن، لعبة الزوج والزوجة لم تعد ممتعة أيضا. لعبة البيت ليست ممتعة. تخرج إلى الشرفة، تراقب عصفور جارهم. يصرخ طفلها الصغير المثل لعبة، فتهرع إليه، تحمله وتهدهده قليلا. لعبتها الصغيرة غير ممتعة أيضا.
سمعت طرقا فرحا على الجدار. علمت أن البارصا قد فازت. فتحت التلفاز وبحثت عن القناة الرياضية، تابعت المباراة باهتمام. تابعت تدحرج الكرة، وتدحرج اللاعبين. بحثت في وجوه المتفرجين عن سر الانتشاء الذي يغمر وجوههم، لكنها لم تتوصل إليه. عادت إلى الشرفة وانتظرت أن يخرج جارهم ليطعم عصفوره.
«هل تحب اللعبة، أم فريق البارصا»، سألته.
«كليهما»
«مللت اللعب، أريد أن أشعر بالثقل»، قالت وهي تلهو بطرف ثوبها الذي كانت ترفعه الريح.
قال، وقد مالت يده، تداعب العصفور:
«اختاري الثقل الذي يناسبك، واحمليه»
فكرت، وهي تضع كلتا يديها على حاجز الشرفة وتنظر لأسفل، «إذا ارتميت الآن لن أسقط». كأنه سمعها، سأل جارها: «وابنك؟».
«حرر العصفور، إذن» صرخت، والريح تعبث بثوبها وشعرها.. «ليكن أحدنا حرا»
وطار العصفور، متعثرا في البداية، لكنه غادر ولم يعد. «لم يعد يسمع الطرق على الجدار، كأن جارنا لم يعد مهتما بالبارصا»، قال زوجها وهو يفرك شعره بمنشفة. اقتربت أكثر من المرآة، تمسح عن وجهها آثار الماكياج، وقالت «ربما وجد لنفسه، لعبة أخرى».


الكاتب : فاطمة الزهراء الرغيوي

  

بتاريخ : 01/05/2020