كتب لها وقع : وصايا بن لادن السريّة: الوجه الجديد للإرهاب 2/2

قبل الشروع بالكتابة عن هذه الدراسة الهامة لابدّ من الإشارة إلى مؤلفها (تيري ايغلتن) المنظر الأدبي والناقد الفيلسوف والمثقف البريطاني ذائع الصيت، والذي يعمل أستاذاً للأدب الانكليزي في جامعة لانكساستر البريطانية ، وهو أحد المساهمين الكبار في حقل الأدب ونظرياته الأدبية. درسَ المفكر مقاربات كثيرة ومنها الشكلانية، والتحليل النفسي، والبنيوية وما بعد البنيوية وهذه المقاربات تتجذر عميقاً في الفكر الماركسي كما حاول أن يضيف ويطعم تقنياته الفكرية من تيارات فكرية أخرى أكثر حداثة من الماركسية . صدرت له العديد من الدراسات في الفلسفة والنقد والأدب وقراءات في اللاهوت ، ولأننا سنقوم بالكتابة عن اصداراته بشكل متتالي قد عرفنا بالمؤلف بهذا الموجز التقديمي.

سيناريوات إرهابيّة
من بين السيناريوات المستقبلية التي وضعها بن لادن في دفتر ملاحظاته ثلاث عمليات إرهابية: السيناريو الأول، سيناريو كارثي خصه زعيم تنظيم القاعدة باهتمام كبير[9] وتفصيلي، يهدف إلى الهجوم على حركة الملاحة في مضيق هرمز، من أجل تعطيل حركة تجارة البترول عبر هجمات إرهابية متكررة، ما من شأنه إحداث الفوضى في الاقتصاد العالمي.
ظل أسامة بن لادن مهجوساً بتكرار ضربات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لذا كان يخطط للقيام بهجوم جوي إرهابي فوق الأراضي الأميركية. ومن أجل هذه الغاية وضع مجموعة سيناريوات ضمن أفكاره المطروحة، الأول: تحويل مسار بعض الطائرات الصغيرة والأسهل للملاحة من أجل تحطيمها على عدد من الجسور الأميركية الشهيرة مثل: جسر بروكلين في نيويورك، وجسر غولدن غيت في سان فرانسيسكو، أو أحد الجسور المتحركة في شيكاغو. والثاني: تحويل مسار طائرة وسحقها على الجموع، أثناء مناسبات رياضية كبيرة مثل سوبر باول. أما السيناريو الثالث الأكثر طموحاً: فهو الهجوم على طائرة الرئاسة الأميركية، إلاّ أن هذا السيناريو قوبل بالاستهجان والرفض من قبل بعض قيادات القاعدة، ومن أجل تفادي التصادم مع بن لادن، طرح أحدهم -وهو مسؤول عن العمليات العسكرية- اغتيال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن خلال أدائه مهامه خارج الأراضي الأميركية. لكن هذا المشروع رفضه بن لادن قائلاً: “نائب الرئيس الأميركي شخصية غير كافية وغير مهمة وغير معروفة كي نضعه كهدف استراتيجي، ويجب علينا أن نتخذ أوباما هدفاً” لأنه يشكل رمز القوة الأميركية.
لفت المؤلفان إلى تقرير سري حصلا عليه، يبين أن جماعة من الناشطين السعوديين، المقيمين في لندن وخبراء في المعلوماتية، وضعوا اليد على ملف سري جداً وضع خطأ على أحد مواقع الإنترنت لـ«القوات الجوية الأميركية». خطأ فادح –ما- وصّل إلى الجمهور الواسع، وخصوصاً إلى الإرهابيين المحتملين، الشفرات السرية لدفاعات الصواريخ المضادة للصواريخ في الطائرة الأميركية. والتسرّب تضمّن –أيضاً- خرائط سرية تفصّل داخل الطائرتين الرئاسيتين الأميركيتين “إير فورس ون” و”إير فورس تو”: ونكتشف فيها –تحديداً- الأمكنة المخصصة للمخابرات السرية لكل من الجهازين، إضافة إلى تقرير حساس جداً حول نقاط الضعف التي تشكو منها الطائرة الرئاسية. ويذكر -مثلاً- عطوب الجهاز في حال استهدفت خزانات الأوكسيجين للمركز الطبي في طائرة “إير فورس ون” الرئاسية.
إلى جانب الهجمات البحرية والجوية، طرح بن لادن في دفتر ملاحظاته سيناريو مماثلاً لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، يتضمن تنفيذ عمليات إرهابية على طائرات وقطارات في مدن أميركية صغيرة، حيث تخضع لنظام رقابة أمنية أقل، مقارنة بالمدن الكبرى مثل واشنطن ونيويورك ولوس أنجلوس.

القصيدة اليتيمة
من الوثائق اللافتة، قصيدة كتبها أسامة بن لادن يناجي بها الجهاديين، ويتوعد بها “الغزاة”، نوردها بشكلها المفصل كما وردت في الملحق:
تذكروا ما قلت لكم يومها عن أمننا وأمنكم، وأما بغداد دار الخلافة فلن تأخذوها بإذن الله، وسنقاتلكم ما استمسك السلاح بأيدينا، فإن سقط ففي أيدي بنينا. ولتثكلنا أمهاتنا إن تركنا منكم على أرضنا دياراً.
وكيف ينام الليل من كان همه قتالكم حتى تزول المظالم
كذبتم ورب البيت لا تأخذونها مراغمة ما دام للسيف قائم
وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم وتضرب بالبيض الرقاق الجماجم
فلا سلم حتى يسقط الكفر في الوغىولا صلح حتى تحتويك الهزائم
وحسبنا لله ونعم الوكيل، ولله مولانا ولا مولى لكم.
في قلب العدار الجهادي
أثار فضولَ المحققين خلال التحقيقات حول أرشيف بن لادن، عديدٌ من الأفلام الخلاعية إلى جانب أفلام فنون الحرب. بدت الأفلام الخلاعية كعنصر غير اعتيادي بالنسبة لشخص يدعي التقوى ومحافظ دينياً. في النهاية كشف تحليل الفيديوهات أن لها وظيفة أخرى، وعبر استخدام تقنية (stéganographie) (فن وعلم كتابة الرسائل المخفية بطريقة لا يمكن لأحد، عدا المرسل والمستلم المعني، الشك بوجود الرسالة) أخفت قيادات القاعدة معلومات حساسة أرسلتها لأسامة بن لادن من خلال صور أو فيديوهات خلاعية.
يلفت الكاتبان إلى أن قائد فرع تنظيم القاعدة في اليمن: ناصر الواهيشي، طرح على قائد تنظيم القاعدة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2010 مخططاً طموحاً، يهدف إلى تحرير مساحة كبيرة من منطقة أبين، بهدف إعلان الخلافة الإسلامية. وخلافاً للمتوقع رفض بن لادن هذا الطرح قائلاً: “من المبكر تأسيس دولة الخلافة الإسلامية”. غير أن الواهيشي حاول إقناعه استناداً إلى معطيات عدة جغرافية وسياسية، لكن بن لادن رفض -من جديد- وكان حاسماً معه، مؤكداً -مرة أخرى- أن الوقت لم يحن بعد لقيام دولة الخلافة، وأن المطلوب التركيز على هدف أساسي: محاربة الولايات المتحدة الأميركية.
الظواهري: هيكلة التنظيم العسكري

بعد موت أسامة بن لادن، أجرى خليفته: أيمن الظواهري، تغييرات داخل التنظيم من أجل تثبيت سلطته، خصوصاً بعد موت سعيد المصري (مصطفى أبو اليزيد)، أحد الأعضاء المؤسسين في تنظيم القاعدة والصندوق الأسود المالي لبن لادن، مما أدى إلى تراجع نسبة تمثيل “العائلة المصرية” داخل مجلس شورى التنظيم المؤلف من (13) عضواً بينهم أربعة مصريين.
قرر الظواهري بعد ثلاثة أشهر من انتخابه، توسيع الشورى كي يضم أعضاء جدداً، كما أنه أعاد ترتيب المجلس العسكري فأصبح يضم الأقسام التالية: التدريب العسكري، الاتصالات والوثائق، إدارة العمليات، التنسيق العالمي، المالية، والعمليات الخاصة.

القاعدة: استبدال الاسم

من المفارقات أنه قبل ثلاثة أسابيع من موته، سجل أسامة بن لادن على دفتر ملاحظاته: “الإعلام العالمي لا يذكر أبداً الاسم الكامل لتنظيمنا “قاعدة الجهاد” لكن يكتفي بالقول “القاعدة” الاسم النمطي الذي لا يحتوي على مرجعية مباشرة بالإسلام، والذي أصبح مرادفاً للهجومات التي توقع مئات الضحايا بمن فيهم المسلمون. علينا تغيير الاسم “من أجل دفع الإعلام إلى تبنيه بشكل كامل”. وبعد عشرة أيام كتب من جديد في الصفحات الأخيرة من الدفتر: “قد يكون من الحكمة تبديل اسم القاعدة بـ”تنظيم التوحيد والجهاد” أو “تنظيم إعادة الخلافة الراشدة”.
يحفل الكتاب بمعلومات كثيفة. يمكن اعتباره من المراجع الغنية الموجهة للقارئ العادي والخبراء في الحركات الجهادية الإسلامية.


بتاريخ : 10/06/2020