مبدعون مغاربة.. الحجر الصحي يحمل بين ثناياه إيجابيات تشرع أبوابا أمام المزيد من الفن والإبداع

 

الإبداع لازال يتناسل مع هذا الحجر الصحي الذي فرضه وباء كورونا الذي وحد جل المبدعين من خلال الدفع بهم إلى إخراج مكنوناتهم بمختلف الأشكال الفنية لتحفيز ذواتهم وبني جنسهم وزرع خيط الأمل وسط مشهد مبهم المعالم، هو شعور إنساني أثبت التاريخ تكراره وجدواه خلال كل الأزمات التي عرفتها الإنسانية.
من خلال جولاتنا عبر عدة مواقع اجتماعية حيث تتكاثر التفاعلات، استطاع منبرنا الإعلامي أن يكون شاهدا على مختلف الإبداعات التي عكستها الفترة ومختلف مظاهره وأن يستقي شهادات بعض المبدعين.
وفي هذا الصدد صرح الفنان التشكيلي الشاب، يوسف فنينو، لجريدتنا، بنبرة لا تخلو من حيوية وتفاؤل، بأنه وللحمد لله على ما يرام، وهو يخضع لنظام يومي يتبعه خلال هاته الفترة، حيث يواظب على الذهاب لورشة والده الفنان التشكيلي عبد الله فنينو، يراقبه وهو يعمل ويستأنس به، وبالموازاة فهو يشتغل هو الأخر.
ويركز يوسف حاليا على المعرض الذي سيقام بتركيا ، ويتعلق الأمر بالنسخة الثانية من المعرض الدولي الأول للفنون التشكيلية الذي احتضنته مدينة بورصة، خلال الفترة الممتدة ما بين 22 و28 فبراير الماضي، وهو معرض جماعي يحمل عنوان «ألوان الورد»، الذي سبق وشارك فيه بعد أن تلقى دعوة من مديرته سجى جلانة الفنانة السورية المقيمة بتركيا، لكنه في دورته الثانية ، وتحت تأثير الحجر الصحي، سيتم المشاركة فيه عن بعد، إذ ستبث صور اللوحات وبرمجة لقاء بين الجمهور والفنانين المشاركين من مختلف  دول العالم العربي، عبر الأنترنيت وبالتحديد الموقع الاجتماعي الفايسبوك.
وأعلن يوسف أنه مدعو لمعارض أخرى، ويستعد للمساهمة بأعمال في معارض مستقبلية، غير تركيا، وذلك بكل من مصر والمغرب والدارالبيضاء على وجه الخصوص.
واستطرد الفنان الشاب قائلا بأنه توجه في عمله الفني الحالي إلى المدرسة التجريدية، مضيفا أن ممارسته الفن هو فرصة لتكسير الملل الذي قد ينتج عن الحجر الصحي الذي يفرضه هذا الوباء
من جهته سعيد بركة الشاعر الغنائي والزجال المغربي الذي دخل عالم المسرح والأغنية من خلال كتاباته، وتغنى لكلماته العديد من الفنانين أمثال حميد بوشناق، لا يخرج من دائرة هؤلاء المبدعين الذين تفاعلوا مع الحدث كإنسان يتساءل ويتطلع للانفراج الوجداني وتوسيع دائرة الخناق الذي جعلها الوباء قدرا محتوما على الجميع كوسيلة للقضاء عليه وتجنب انتشاره، فبالنسبة إليه الإبداع كأكسجين ثاني للحياة، حاضر في فترة الحجر، رغم تذبذب الحالة النفسية، حيث يشتغل على سيناريو فيلم تلفزي يدخل بدوره في خانة السخرية الهادفة  التي تطبع كتاباته، وعنوانه (مرتي مديرتي)، إذ وصل  لحد الآن للمشهد 45، ويتمنى أن يتممه مع نهاية  الحجر الصحي وعودة الحياة إلى طبيعتها، بالإضافة إلى المسرحية فهو يقوم ببعض الكتابات في مجال الزجل لكن تبقى محدودة جدا . فالزجل، على حد قول الزجال سعيد بركة، كشكل من أشكال الإبداع، له مساهمة فعالة في زمن كورونا من خلال التحسيس والتوعية بمخاطر هدا الداء، ويستمد قوته وفاعليته من كونه إبداعا منطوقا باللغة المغربية العامية المتداولة بين الناس وبالتالي سهلة الاستيعاب والفهم والهضم. علاوة على هذا، فسعيد بركة يحاول تكسير الروتين بالقراءة والمطالعة ومتابعة مستجدات فيروس كورونا، إذ يتناول بالقراءة حاليا مجموعة من الإصدارات لمجموعة من الأصدقاء والتي تدخل في خانة أدب السجون، فضلا عن بعض البحوث المتعلقة بمجال السخرية.
أما الإعلامي والزجال محمد الصقلي ، فقد أكد في شهادته بأن للحجر الصحي فوائد وإيجابيات: (رب ضارة نافعة)، فالحصار يحيل كل واحد إلى المستوى الأدنى من ذاته حتى ليستوي، في هذا الحال، من هو في زنزانة مع من في القصر. فالكل مسلوب الحرية، لكن من حسنات الحصار أنه أعاد كل واحد لذاته التي كان منشغلا عنها تحت طائلة الشهوات والرغبة، فالإقامة الجبرية فرضت على كل شخص الإنصات إلى الأنا العميقة والمغيبة طوال الوقت بحكم مؤثرات المعيش اليومي، هو شخصيا لا يدعي أنه نجح في الامتحان، في بادئ الأمر، ومنذ أن داهمته وطأة العزل والمنع من الخروج، حيث عانى كبقية الخلق من حالة الرعب والهلع وهاجمته تساؤلات مخيفة حول مصير العالم، لكنه، يسترسل موضحا، احتمى بيقين راسخ متجذر في كيانه بأن رحمة الله واسعة.
لم يسعف المبدع الصقلي المقيم بروما، التركيز في البداية لا في الكتابة ولا القراءة، وإن وجد في نفسه انجذابا إلى الامتياح من معين الإشراقات الصوفية والتأمل الفاحص في معاني كتاب الله، كما كانت له شذرات من الكتابة الزاجلة أو مقالات من وحي الظرفية نقلها على صفحته بالفايسبوك، ولكن، وهذا هو المستجد الذي ولدته لديه هاته الأزمة، حسب تصريحه، هو عودة حنينه لممارسة هواية الصباغة التي كان يمارسها قديما.  فعلاقة الصقلي بالفن التشكيلي ليست بحديثة، يوضح هذا الأخير، فقد نشأت معه خلال مطلع العقد الثاني من عمره، منذ قراءته لكتب جبران خليل جبران، وعندما بدأ يقلد رسوماته، وامتد اهتمامه طوال اشتغاله بإذاعة مراكش، حيث كان هذا الصنف الإبداعي من بين أولوياته.
حسب الصقلي، مناوشة الألوان التي أثمرت بضع لوحات متواضعة نشرها على صفحته بالفايسبوك، هي قبل كل شيء تفريغ لرغائب ذاتية أصرت أن ترى النور في صيغ تعبيرية خارج اللغة، وبأبجدية بصرية.


الكاتب :  سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 16/05/2020