استراتيجيات الخروج من أزمة كورونا في أفريقيا

مع انتشار أزمة كورونا في شتى أنحاء العالم وما فرضته من تداعيات صحية واجتماعية واقتصادية، اتخذت الدول سياسات مختلفة للخروج من تلك الأزمة، والحد من تداعياتها، محاولةً تحقيق التوازن بين التكاليف الاقتصادية المتوقعة نتيجة الإغلاق الكامل للأعمال، والخسائر البشرية المحتملة في حالة تشغيل القطاعات الاقتصادية وأجهزة الدولة المختلفة.
وعلى الرغم من سيطرة وباء كورونا على مختلف دول العالم المتقدمة والنامية على حد سواء، إلا أن القارة الأفريقية لها طبيعة خاصة، مما يتطلب دراسة تلك التداعيات وسياسات المواجهة بها بشكل أكثر تفصيلًا. فمن جهة تنتشر العديد من الأمراض والفيروسات الخطيرة التي تزيد من فرص الإصابة بفيروس كورونا، بالإضافة الى ارتفاع معدل الفقر بين سكانها، مما يعرض تلك الاقتصاديات لخسائر كبيرة في حالة الإغلاق التام. ومن جهة أخرى تتمتع أفريقيا بملامح ديموغرافية مواتية، فهناك 60٪ من السكان الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا، وكذلك فإن تأخر ظهور الفيروس في البدان الأفريقية مقارنه بالدول الأخرى يمنح حكومات الدول الأفريقية ميزة نسبية تؤهلها للتعامل مع تلك الأزمة من واقع خبرات الدول الأخرى.
وفي هذا الإطار، فقد أصدرت اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة تقريرًا بشأن استراتيجيات إنهاء الإغلاق الكامل في أفريقيا بتاريخ 4 مايو 2020، ويمكن استعراض أبرز ما تناوله التقرير فيما يلي:
تفرض أزمة انتشار فيروس كورونا تكاليف باهظة على الاقتصاديات الأفريقية، فعلى مستوى الوضع الاقتصادي الكلي، أشار التقرير الى أن الإغلاق الكامل لمدة شهر واحد يؤدي إلى خسارة القارة الأفريقية نحو 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، بما يقدر بنحو 65 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى انخفاض التدفقات الاستثمارية وانخفاض أسعار السلع نتيجة انخفاض الاستهلاك والاستثمار الخاص بدرجة كبيرة، وذلك بافتراض استمرار الإنفاق الحكومي والخدمات الأساسية.
وعلى مستوى الشركات الخاصة، فمع ارتفاع خطر الإصابة بفيروس كورونا أصبحت الشركات الأفريقية تواجه العديد من التحديات كتراجع الطلب على السلع والخدمات، وانخفاض التدفقات النقدية “Operational Cash flow”، وانخفاض إنتاجية العاملين مع تحول جزء من العاملين للعمل من المنزل، وانخفاض نسبة التشغيل بنحو 43% في المتوسط، فضلًا عن انعدام فرص دخول مستهلكين جدد للأسواق، وتعلق عمليات شحن ونقل البضائع (الخدمات اللوجستية)، وصعوبة توفير إمدادات المواد الخام لعدد من السلع. ومن جهة أخرى فقد اتجهت شركات إلى تغيير استراتيجياتها الإنتاجية متحمله خطورة ذلك التحول نظير تقديم سلع وخدمات أخرى يرتفع الطلب عليها في ظل الظروف الراهنة.
أما من جهة السكان في أفريقيا، فباستثناء الشمال الأفريقي فإن نحو 56% من سكان أفريقيا يقنطون في أحياء فقيرة، مما يزيد من المعاناة في ظل ما تفرضه مواجهة أزمة كورونا. وفي نيروبي، على سبيل المثال، تم عمل مسح لعدد 2000 مواطن في 5 أحياء فقيرة وتبين أن هناك نحو 81% من العاملين فقدوا وظائفهم ودخولهم سواء بشكل كلي أو جزئي، و32% لم يتمكنوا من شراء مساحيق إضافية لتعقيم اليدين، ونحو 70% قاموا بتقليص عدد وحجم وجباتهم الغذائية بما يهدد الأمن الغذائي للمواطنين.
وتتعدد مظاهر تهديد الأمن الغذائي في أفريقيا بحيث تشمل تحديات الوصول للغذاء؛ وذلك نتيجة انخفاض دخول العاملين باليومية وانخفاض قدرتهم على شراء المواد الغذائية، وكذلك عدم حصول الأطفال على وجباتهم المدرسية مع إغلاق المدارس بما يزيد من امراض سوء التغذية والتقزّم. ومن جهة أخرى هناك تحديات توزيع الغذاء؛ والذي نتج عن إغلاق الأعمال وتخفيض ساعات العمل بما أثر على شركات الشحن والتوزيع في العديد من الدول الأفريقية مثل نيجيريا وكينيا وتوجو وغانا وأوغندا. وأخيرًا تحديات إنتاج الغذاء الناتجة عن تقييد الحصول على الواردات الغذائية وبعض المدخلات الزراعية، بالإضافة إلى انخفاض التدفقات النقدية مع تقليص حجم المستهلك من الغذاء، وصعوبة الحصول على تمويل بنكي في ظل عدم قدرة التفتيش الميداني من قبل البنوك على المزارع لتحديد موقفها الائتماني. ويزداد تهديد الأمن الغذائي مع تباطؤ جهود مكافحة الجراد في شرق أفريقيا نتيجة تقليص ساعات العمل وتطبيق إجراءات الحظر.
أما بالنسبة للتهديدات الواقعة على القطاع الصحي فنذكر منها انخفاض الطاقة الاستيعابية للمستشفيات في أفريقيا، والتي تبلغ نحو 1.8 سرير لكل 1000 فرد بالمقارنة بنحو 5.98 سرير لكل 1000 فرد في فرنسا.

استراتيجيات المواجهة

برصد الدول الأفريقية التي فرضت الإغلاق الكامل يتبين وجود على الأقل 42 دولة طبقت الإغلاق حتى نهاية شهر أبريل، منهم 38 دولة استمر الإغلاق بها لمده لا تقل عن 21 يومًا. وتختلف درجة تشديد الإغلاق في البلدان المختلفة، وتشمل إغلاق المدارس، وأماكن العمل، والمناسبات العامة، وإيقاف وسائل النقل العام، والحملات الإعلامية، ومنع التحركات الداخلية ووضع قيود على رحلات السفر الدولية.

درجة تشديد الحظر
في البلاد المختلفة

وبدراسة استراتيجيات الخروج من الأزمة بالدول غير الأفريقية، فنجد فيتنام التي يبلغ عدد سكانها 95 مليون نسمة، كما في زيمباوبي وغانا، قامت بفرض الحظر في المدن والقرى والشوارع والفنادق وفقا لمعياري ظهور حالات الإصابة، وما تفرضه متطلبات الامن الوطني، كما قامت بتدشين حملات توعية مكثفة، وفرض غرامات على ترويج المعلومات الخاطئة. وأنشأت لجنة لمواجهة فيروس كورونا في أواخر يناير 2020 وقامت تلك اللجنة بشراء 450 ألف بدلة حماية، و300 سرير للمستشفيات، بالإضافة للأقنعة الجراحية وأجهزة التعقيم. وقد نتج عن تلك السياسات تسجيل 271 حالة إصابة وعدم تسجيل حالات وفاة حتى 5 أبريل.

عدد حالات الإصابة
في بعض الدول

ومن الدول الأفريقية، نجد اتباع رواندا لاستراتيجية إعادة الفتح التدريجي والجزئي في الرابع من مايو الجاري وذلك بعد إجراء 1000 اختبار يوميا في المتوسط لمده 10 أيام، وتسجيل إجمالي حالات مصابة أقل من 300 حالة.
وقد استمرت في منع التحركات من الثامنة مساءً حتى الخامسة صباحًا، مع غلق الفنادق والمطاعم في تمام السابعة مساءً. وعودة العمالة الرئيسية للعمل مع استمرار عمل باقي العمالة من المنزل. وغلق المدارس ودور العبادة والمنشآت الرياضية، والسماح بعمل الأسواق بأقل من 50% من طاقتها. واستمرار حظر التحركات بين المحافظات.
ويمكن تحديد خيارات الخروج من الازمة المتبعة في مختلف دول العالم فيما يلي:
– إجراء اختبارات وتحليل فيروس كورونا على نطاق أوسع لحصر الحالات المصابة، وتحديد النطاق الجغرافي لأماكن الحظر، وتم تطبيق ذلك في ايسلندا.
– الإغلاق الكامل والمشدد حتى يتم تطوير أدوية وقائية وعلاجية والتي من المتوقع أن يستغرق الوصول لها من 12 إلى 18 شهرًا.
– تتبع وإجراء الاختبارات للأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض وللأشخاص المتعاملين معهم مع عزلهم جميعًا كما تم في سنغافورة وتايوان، ومن ثم لم يعد هناك حاجة للإغلاق الكامل. وقد تم تنفيذ ذلك في العديد من الدول مثل الصين وفيتنام وتايوان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزلندا وسنغافورا.
– إجراء اختبارات الأجسام المضادة للمواطنين والتصريح لمن لديهم أجسام مضادة للعودة إلى العمل، وتم تطبيق ذلك في شيلي.
-إ عادة الفتح التدريجي لبعض المناطق الجغرافية وقطاعات الأعمال أو فرض حظر التجوال لساعات محددة وحظر المجموعات السكانية شديدة التأثر بالفيروس للوقاية.
– تحفيز التكيف: وذلك بإغلاق الأعمال مع ارتفاع العدوي وفتحها مع انخفاض العدوي وهكذا، ويجب الأخذ في الاعتبار ارتفاع خطورة ذلك المقترح.
– ترك العدوي تنتشر تدريجيًا بين السكان وهو أيضا اقتراح مرتفع الخطورة وتم تنفيذه في السويد.
وتحتمل جميع الاستراتيجيات قدرًا من المخاطر نظرًا لعدم معرفة صانع القرار الانتشار الفعلي للفيروس، وعلى الرغم من أن إجراء الاختبارات يساعد على تقليل المخاطر والخسائر في الأرواح، إلا أن قدرة البلاد على إجراء الاختبارات ترتبط بمستويات الدخول، الأمر الذي يمثل تهديدًا لغالبية البلاد بالقارة الأفريقية.

الاختبار لكل 1000 شخص وحالات الإصابة في أفريقيا

وعلى الرغم من انخفاض متوسط الدخول في البلاد الأفريقية، إلا أن هناك عددًا من الدول الأفريقية قامت بالتغلب على ذلك بتطوير منتج محلي للكشف عن فيروس كورونا بديل للاختبارات المستوردة من الخارج؛ فنجد في غانا قامت إحدى شركات التشخيص بالتعاون مع جامعةKwame Nkrumah بتطوير اختبارات لفيروس كورونا سهلة الاستخدام وتوضح النتائج خلال 15-20 دقيقة. وفي السنغال تم تطوير اختبار للفيروس يتكلف أقل من دولار واحد بالتعاون مع باحثين من بريطانيا وفرنسا. وكذلك في أوغندا طور باحثون في جامعةMakerere أنبوبة لأخذ مسحة لإجراء الاختبار وتظهر النتيجة في غضون دقائق بتكلفة تقدر ب 1 دولار. كما قام معهد البحوث الطبية في كينيا بتصنيع اختبار سريع معتمد على أخذ مسحة. وفي جنوب أفريقيا قام رواد الأعمال التابعين لشركة Cape Bio بعمل اختبار يوضح النتائج خلال 65 دقيقة. ومن جهة أخرى، اتبعت بلدان طرق مبتكرة لإجراء الاختبارات بتكلفة منخفضة حيث قامت غانا بإجراء الاختبار المجمع.

نسبة الاختبارات الإيجابية

بمقارنة الوضع العالمي مع الدول الأفريقية مثل ناميبيا وموريتانيا وموريشيوس وبوتسوانا فإن إجراء العديد من الاختبارات مع انخفاض نسبة الإصابة يشير إلى أن استراتيجية تتبع الحالات هي الأفضل. في حين أن استراتيجية إعادة الفتح التدريجي هي الأفضل في دول مثل نيجيريا والمغرب ويمكن أن تسبقها سياسة تشديد الحظر.
وختامًا، فقد توصل التقرير إلى أنه على الرغم من وجود عدة عوامل تزيد من خطورة أزمة فيروس كورونا بالنسبة للقارة الأفريقية، إلا أن هناك عددًا آخر من العوامل يساعد على الخروج السريع والآمن من الأزمة. وعلى صانعي السياسة الأفارقة استغلال الخبرات الدولية السابقة، وتطوير الاختبارات المحلية لتحجيم انتشار المرض بدرجة أكبر، مع الانتباه إلى تهديد تلك الأزمة للأمن الغذائي الأفريقي خلال الفترة القادمة، وصياغة الاستراتيجيات الوطنية الملائمة التي تتضمن قدرًا من الموازنة والمواءمة بين التكاليف الاقتصادية والصحية، من خلال تحديد إجراءات الحظر وفقا لنسبة السكان الخاضعين لاختبار فيروس كورونا، ومعدل زيادة الاختبارات الإيجابية، ومعدل الزيادة في أسرّة المستشفيات، ونسبة استخدام أسرّة المستشفيات لحالات فيروس كورونا.
ومن جهة اخري يمكن تخفيف فترة الإغلاق لبعض الأنشطة الاقتصادية وفقًا لخطر انتقال العدوي، والأثر المتوقع على الاقتصاد الكلي في حالة استمرار الغلق، ومدى أهمية النشاط للاقتصاد الكلي، وتعزيز رفاهية المجتمع وحماية الفئات الأكثر احتياجًا. مع ضرورة اتباع إجراءات تعزيز الصحة العامة بتطبيق التباعد الاجتماعي والسماح بالعمل من المنزل كلما سمحت طبيعة العمل بذلك، ولمن هم فوق سن 60 وأصحاب الأمراض المزمنة، وتتبع حالات الإصابة بأماكن العمل.


بتاريخ : 15/05/2020

أخبار مرتبطة

طهران تعلن نجاح الهجوم على إسرائيل، وتل أبيب تتوعد بالرد الحازم   خول مجلس الوزراء المصغر للاحتلال الإسرائيلي رئيس الحكومة

مجلس الأمن: خطوة مهمة نحو وقف إطلاق النار في غزة   أكدت البعثة الدائمة للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة بنيويورك،

كان لا يزال في السجن قبل عشرة أيام فقط     إلى حدود منتصف نهار أمس الاثنين، سجل المرشح المعارض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *