الاحتفال بعيد العمال من الشرفات وعبر الإنترنت في ظل الحجر المنزلي

يحل عيد العمال في الأول من ماي بصيغة غير مسبوقة هذه السنة في عالم قيد الحجر، وإن كانت الاحتفالات ستقتصر على الشرفات وشبكة الإنترنت بدل التجمعات التقليدية في مثل هذا اليوم، لكن النقابات ستغتنم المناسبة لتذكر بدور العمال الأساسي في الخطوط الأمامية لمكافحة وباء «كوفيد­19».
وأوضح المؤرخ الفرنسي ستيفان سيرو المتخصص في الحركات الاجتماعية أن عيد العمال الذي يعتبر حدثا جماعيا بامتياز وتمتد جذوره إلى المعارك التي خاضتها الحركة العمالية في أواخر القرن التاسع عشر، سيكون «غير مسبوق في التاريخ النقابي».
وقال لوكالة فرانس برس «الأول من ماي في الحجر المنزلي أشبه بالأول من ماي في زمن حرب، إنها المقارنة الوحيدة التي تخطر لي، لكنها أول مرة يتعلق فيها الأمر بالوضع الصحي».
وفي وقت يلزم نصف سكان العالم منازلهم سعيا لاحتواء وباء تسبب بوفاة أكثر من مئتي ألف شخص، تبقى التظاهرات محظورة في معظم أنحاء الأرض، لكن النقابات تدعو إلى أشكال مختلفة من التعبئة.
وكتبت عدة نقابات ومنظمات شبابية في فرنسا «دعونا نتظاهر جميعا حتى في الحجر المنزلي في الأول من ماي برفع لافتات واجتياح الشبكات الاجتماعية، ولنعط هذا اليوم زخما جماعيا حقيقيا».
وتنوي هذه الهيئات تسليط الضوء على «المنسيين» و»اللامرئيين في مجتمعاتها الذين يواصلون العمل مجازفين في غالب الأحيان بحياتهم، كالممرضين وعاملات صناديق الدفع وجامعي النفايات»، مطالبة بـ»إعادة تقييم حقيقية لأجور هؤلاء العمال».
وفي إيطاليا، الدولة الأوروبية الأكثر تضررا جراء فيروس كورونا المستجد حيث تخطى عدد الوفيات 25500، سيقام هذه السنة العرض الموسيقي الضخم الذي تنظمه عادة الاتحادات النقابية الرئيسية في الأول من ماي في روما، ولكن بدون جمهور.
ودعي عدة فنانين إلى مجمع «أوديتوريوم» في العاصمة الإيطالية للمشاركة في حفل موسيقي تحت عنوان «العمل بأمان» لبناء المستقبل»، تنقله شبكة «راي 3» التلفزيونية العامة في بث مباشر.
وفي اليونان، البلد ذو التقليد النقابي الراسخ، لم يعلن عن أي تظاهرات، وأكد اتحاد عمال القطاع الخاص، أكبر النقابات اليونانية، أنه «يحترم التعليمات المتعلقة بحظر التجمعات التي تضم أكثر من عشرة أشخاص».
لكن في ظل مخاطر انكماش اقتصادي جديد بعد أزمة مالية خانقة استمرت عشر سنوات في هذا البلد، من غير المستبعد أن تنظم النقابات الشيوعية تجمعا رمزيا أمام البرلمان في أثينا.
أما في السويد والنرويج حيث سيكون شعار عيد العمال هذه السنة «الأمان للصحة والعمل»، فتم إلغاء مسيرة الأول من ماي على أن تنظم احتفالات على الإنترنت.
ويطغى الحذر في فنلندا حيث يتزامن عيد العمال مع عيد «فابو» الشعبي الذي يحتفل فيه هذا البلد في 30 أبريل والأول من ماي بحلول الربيع. وقد تغلق الشرطة بهذه المناسبة المنتزهات لمنع الناس من التجمع.
لكن إلغاء الحدث يكتسب مغزى خاصا في روسيا حيث تتخذ الاحتفالات عادة طابعا رسميا فتنظمها نقابات موالية للكرملين وتتسم بحضور كثيف للسلطة ومشاركة شعبية حاشدة جمعت العام الماضي مئة ألف شخص في موسكو.
في الصين حيث ظهر فيروس كورونا المستجد في أواخر ديسمبر وكانت أول بلد فرض حجرا منزليا صارما على السكان، يكون الأول من ماي تقليديا يوم عطلة. وأضيف إليه يومان هذه السنة على أمل إنعاش الاستهلاك والسياحة الداخلية.
وفي إندونيسيا تعتزم النقابات الإبقاء على تظاهرات عيد العمال في جاكرتا رغم حظر الشرطة لهذه التجمعات التي تضم عادة عشرات الآلاف.
وتشهد أوروغواي أيضا جدلا إذ رفض الرئيس لويس لاكايي بو السماح لأكبر اتحاد نقابي في البلاد بإلقاء كلمة عبر الإذاعة والتلفزيون الوطنيين بمناسبة عيد العمال.
وفي الشرق الأوسط، لا تحتفل إيران، إحدى الدول الأكثر تضررا جراء الوباء، رسميا بالأول من ماي باعتباره على ارتباط بالماركسية، لكن بعض العمال يتحدون كل سنة حظر التظاهرات على خلفية الحركة العمالية بالرغم من التوقيفات.
وفي شمال إفريقيا، أعدت الكونفدرالية الديموقراطية للشغل، أحد أكبر الاتحادات النقابية في المغرب، لمنتسبيها «برنامجا إلكترونيا» يتضمن محاضرة تبثها على صفحتها على فيسبوك، كما سيبث الاتحاد العام التونسي للشغل فيديو على صفحته الرسمية.
بمعزل عن رمزية الأول من ماي، فإن السؤال الحقيقي المطروح برأي المؤرخ ستيفان سيرو يتعلق بالدور الذي سيلعبه العمل النقابي في الأشهر القادمة في مواجهة انهيار بين العمال والموظفين يتوقع أن يكون على نطاق واسع في غالبية الدول.
وقال سيرو إن «رهانات في غاية الأهمية ترتسم، لكن عمل النقابات سيكون في غاية التعقيد، التجمعات الجماهيرية التي تعتبر من الأدوات الأساسية للحركة النضالية، ستبقى محظورة في إطار آلية رفع تدابير الحذر».
وختم «الحركة النقابية تعني الكثير من الاجتماعات والتظاهرات والاتصالات، هذا مهم لبناء موازين قوة، لكننا بعيدون كل البعد عن هذا القطاع من النشاطات».

بيئيون يكملون مسيرتهم الاحتجاجية إلكترونيا

يستمر الناشطون الشباب والجدد في نضالهم للدفاع عن البيئة، محليا أو عبر الانترنت، مع استحالة تنظيم المسيرات والإضراب عن المدرسة وتحركات العصيان المدني.
وخرج مئات الآلاف من المواطنين إلى الشوارع في الأشهر الـ18 الأخيرة متأثرين بالناشطة السويدية الشابة غريتا تونبرغ وبروز حركات داعية إلى العصيان المدني مثل «إكستنكشن ريبيليين» إضافة إلى استقالة وزير الانتقال البيئي نيكولا أولو في فرنسا، للمطالبة بوضع سياسات عاجلة للحد من ظاهرة التغير المناخي.
وعلقت غريتا تونبرغ، الأربعاء، خلال مناقشة إلكترونية، «قررنا إلغاء أو تأجيل مسيراتنا الضخمة. كان هذا هو الأمر الصحيح الذي ينبغي القيام به».
وأضافت المراهقة البالغة من العمر 17 عاما متحدثة عن العزل الذي أثر على ما يصل إلى نصف سكان الكوكب «خلال أزمة ما، عليكم أن تضعوا الأمور جانبا وأن تفعلوا ما هو الأفضل للمجتمع».
وأوضحت الناشطة الأوغندية الشابة فانيسا ناكاتي لوكالة فرانس برس «لكن هذا لا يعني أننا توقفنا عن التحرك حتى في ظل هذه الأزمة»، إذ يستمر الإضراب المدرسي على الإنترنت بحيث ينشر الشباب صورا لهم مع لافتات وشعارات كل يوم جمعة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتنظم حركة «فرايديز فور فيوتشر» مناقشات على قناتها على «يوتيوب» مع الناشطين الشباب وتنشر مقاطع فيديو توضيحية حول قضايا المناخ. ويشارك ناشطون وعلماء وفنانون على مدى 20 ساعة على الإنترنت في مداخلات مباشرة على موقع «فرايديز فور فيوتشر.أورغ.ففف24».
كذلك، تخلت حركة «إكستنكشن ريبيليين» التي عرفت خصوصا من خلال إغلاق وسط مدينتي لندن وباريس، مؤقتا عن إجراءات العصيان المدني لمطالبة الحكومات ببذل جهد أكبر في مواجهة الاحترار العالمي.
وقد أطلقت الحركة التي أنشئت في المملكة المتحدة حملة على الإنترنت بعنوان «لوف أند ريدج إن تايمز أوف كورونا « يتشارك من خلالها ناشطون من أكثر من 65 بلدا تجاربهم أثناء الحجر المنزلي.
وفي لاهاي، جمع ناشطون مئات الأزواج من الأحذية في أحد الامكان مع رسائل، للتظاهر بشكل رمزي.
في فرنسا، تقدم حركة «ألتيرناتيبا» و»أنف­كوب 21» دورات تدريبية ومؤتمرات حول تغير المناخ وبدائل التظاهر المحتملة. وفي سويسرا، التزمت «فرايديز فور فيوتشر» كما في أي مكان آخر تعليق نشاطاتها في الوقت الراهن. وفي مطلع مارس، حتى قبل فرض إجراءات العزل، قررت «هيئة التنسيق، التي تضم نحو خمسين شخصا، التوقف عن الالتقاء»، وفق ما قالت ليلى أوتمزابت لوكالة فرانس برس وهي أحد أعضاء الهيئة. وأوضحت الناشطة البالغة من العمر 21 عاما، أن ثمة اجتماعات تعقد عبر الإنترنت، لكن «من الواضح أنها أقل فعالية، فهي تتطلب منا أن نكون أكثر إبداعا».
وقد أدت جهودهم إلى تقديم عريضة «رعاية ولا أرباح» وتنظيم دورات تدريبية عبر الإنترنت وتخصيص يوم لمشاركة مئة ناشط في مساعدة المزارعين في الحقول.
وتأمل هذه الناشطة في أن تؤدي التوجهات التي ظهرت خلال فترة العزل، مثل استهلاك المزيد من المنتجات المحلية وتخصيص المزيد من الوقت لأنفسنا، إلى دفع الناس للتفكير في «وقت العمل» أو في الروابط بين الزراعة والمناخ والسيادة الغذائية.
ورأت غريتا تونبرغ، أن فترة الحجر هي الوقت المناسب «للحصول على معلومات، فكلما ازدادت معرفتك بالموضوع، زادت قدرتك على التصرف في الاتجاه الصحيح».
وقالت فانيسا ناكاتي «يجب ألا ينسى الناس أنه كانت ثمة أزمة أخرى قبل الأزمة الحالية».
وقال البابا فرنسيس الأربعاء لمناسبة اليوم العالمي للأرض، أنه عندما ترفع إجراءات العزل، «سيبقى من الضروري لأطفالنا أن يخرجوا إلى الشوارع ليعلمونا ما هو واضح. لن يكون لنا مستقبل إذا دمرنا البيئة التي نعيش فيها».
في منتصف مارس، كانت مسيرات وإضرابات لا تزال مقررة في البرتغال والبرازيل والدنمارك ونيجيريا وفرنسا, لكن فيروس كورونا أوقف كل شيء.