الدكتور محمد السوعلي في لقاء افتراضي  مع الشبيبة الاتحادية بتطوان  حول القطاع الصحي في زمن كورونا …الواقع و الرهانات:

المنظومة الصحية الحالية ليس بمقدورها الإستجابة لحاجيات المواطنين ولايمكنها الحد من الفوارق الاجتماعية والولوجيات الطبية و التمريضية

أوضح  محمد السوعلي  دكتور في القانون العام الاقتصادي «أن النظام الصحي بالمغرب  يتخبط في مشاكل بنيوية وهيكلية ترتبط أساسا بغياب خريطة صحية ذات الطابع الاجباري مصادق عليها من البرلمان»،  حيث أن الحكومات المتعاقبة لم تنجح بخططها في تغيير قطاع الصحة الذي يعد الأهم اجتماعيا حيث أن ميزانية وزارة الصحة لا تتجاوز 5 ٪ كمعدل، مما جعل العرض الصحي ينمو بشكل بطيء»، وأضاف السوعلي الذي كان يتحدث في لقاء افتراضي حول «القطاع الصحي في زمن كورونا الواقع والرهانات» عبر بث مباشر ضمن الصفحة الرسمية  للشبيبة الإتحادية بتطوان على مواقع التواصل الاجتماعي «الفايسبوك»   أن ذلك يرجع إلى ضعف الإعتمادات المالية المخصصة لقطاع الصحة  الذي أصبح غير قادر على مواكبة الطلب على الخدمات الطبية والإستشفائية والوقائية.


ونتيجة ذلك يقول محمد السوعلي «أن المنظومة الصحية المغربية الحالية ليس بمقدورها الاستجابة لمطالب وحاجيات المواطنين، ولا يمكنها من الحد من الفوارق الاجتماعية والولوجيات الطبية والتمريضية».
وأشار المتحدث ذاته في هذا اللقاء الرقمي المنظم من طرف الشبيبة الإتحادية بتطوان ضمن الحلقة الرابعة من برامجها «مؤانسات رمضانية» في النسخة الثانية» ليلة الأحد 17 ماي الجاري والذي أداره الكاتب الإقليمي فادي وكيلي عسراوي (أشار) «أن المغرب لم يحقق النسبة المئوية من الناتج الداخلي الخام المخصص للصحة (معدل 5 بالمائة بدلا من 10 في المائة حسب المنظمة العالمية للصحة)، حيث يسجل ضعف في البنية التحتية 0.5 سكانير في السنة، مع احتياج الخريطة الصحية إلى 1200 طبيب و الكليات لا تخرج إلا عدد قليل من الأطباء فضلا عن أن عدد المغاربة المستفدين من التغطية الصحية لا يتعدى 16 مليون من أصل 34 مليون (أكثر من 50 بالمائة)، الشيء الذي يعني أن 47 بالمائة من مصاريف العلاج والتطبيب تتحملها الأسرالمغربية»، وانتقل الدكتور السوعلي إلى استحضار بعض الأرقام التي اعتبرها دالة على ضعف قطاع الصحة بالمغرب من قبيل المؤسسات الإستشفائية التي لا تتوفر سوى على 155 وحدة، مقابل 2800 لشبكة الخدمات الوقائية، كما ان عدد الأسرة لا يتعدى 22000 سرير ونسبة استعمال الأسرة بالمستشفى لا يتجاوز 64 بالمائة، ضعف أخر يسجل على قطاع الصحة يضيف محمد السوعلي «الأمر يتعلق بعدد الأطباء 17000 طبيب، وعدد الممرضين 25000 ممرض، بمعدل طبيب ل1900 فرد»، وللخروج من هذه الازمة التي يتخبط فيها قطاع الصحة أقترح الدكتور السوعلي» ضرورة الاهتمام بالموارد البشرية وجعلها ضمن الأولويات، بعد ذلك عرج المتحدث نفسه على بعض الإختلالات التي يعرفها النظام الصحي كالتوزيع الغير العادل للموارد البشرية المتاحة وفوارق مجالية مهولة (تجهيزات، مستشفيات، مختبرات، مراكز الكشف، أطباء، ممرضون، تقنيون)، وضعف الحكامة على مستوى التدبير والتسيير (ضعف الميزانية يتفاقم بضعف الحكامة)».


الدكتور السوعلي لم يتوقف عند كشف المعوقات والإشكالات المطروحة على قطاع الصحة بل قدم اقتراحات وحلول للخروج من هذه الازمة معتبرا «ان المداخل والمقومات الأساس للنموذج التنموي الإيرادي المستقبلي وان يكون الإنسان في قلب العملية التنموية، وكذا العمل على جعل الإستثمار في مجالات المعرفة والتكوين والبحث العلمي والتطور التكنولوجي  مع ضمان الصحة للمواطنين وتعميم التغطية الصحية وتوفير الخدمات الصحية ذات الجودة، وكذا الرفع من نسبة النمو الإقتصادي الذي يتراوح حاليا كمعدل  2-4 بالمائة في السنة، بالإضافة إلى تطوير البناء الديمقراطي ودور المؤسسات، والنهوض بالقدرات الاقتصادية والإنتاجية ،للرفع من المستوى المعيشي للساكنة عبر مخطط للتوزيع العادل للثروات، ناهيك عن انفتاح المغرب على الفضاء الكوني للاستفادة من القيمة المضافة التي حققتها الدول المتقدمة اقتصاديا واجتماعيا وتنمويا، مع ضرورة تفعيل وتنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالحق في الصحة والحق في العيش الكريم، والإعتماد على النموذج الرقمي والإنخراط في شبكات المعلوميات لمحاربة الفوارق الاجتماعية والمجالية باعتماد الجهوية المتقدمة».
وطالب  مدير مركز لالة مليكة لتكوين الأطر الطبية بتطوان «بضرورة البحث عن صيغ جديدة للإصلاح البنيوي والهيكلي للمنظومة الصحية بالمغرب عبر نهج سياسة دوائية واضحة الملامح والتخفيض من سومة الأدوية ذات الأولوية خصوصا بالنسبة للأمراض المزمنة والامراض المعدية، وتحسين مؤشرات صحة الام والطفل بتقليص حالات الرضع وحالات وفاة الأمهات أثناء الولادة، مع العمل على إحداث مناصب للشغل لمهني الصحة لتغطية الخصاص ومواكبة احتياجات النمو الديمغرافي، ودعم المستعجلات والبني التحتية وتوفير الموارد البشرية المتخصصة في طب الإستعجال، «وزاد المتحدث بقوله» لابد من الرفع من عدد المتخرجين من معاهد التمريض والتطبيب وإعادة النظر في القوانين الأساسية لمهني الصحة، مع ضرورة إخراد الهيئة الوطنية للمرضين والقابلات وتقني الترويض إلى حيز الوجود».
هذا وعاد الدكتور السوعلي من خلال عرضه للتنويه بالتدابير الإحترازية والوقائية لمنع انتشار العدوى من خلال خلق صندوق خاص لتمويل الجائحة، التوقيف الدراسة، غلق الحدود الجوية والبحرية، الحجر الصحي، إجبارية الكمامات، إقفال المساجد، خلق مختبرات جهوية لتحاليل كورونا، الرفع من الطاقة الإستعابية لمراكز علاج كورونا.
إلا أن المتحدث اعتبر انه رغم كل هذه الإجراءات فإن وباء كورونا له انعكاسات على المدى القصير والمتوسط بحيث سيقود اقتصاد المغرب إلى الركود و تفاقم العجز التجاري والمديونية مشددا على ضرورة ان يكون هناك إقلاع بالنسبة للقطاعات المتضررة من الحجر الصحي (السياحة، الصناعة، الفلاحة، النقل ..)، اعتمادا على دور صندوق الجائحة في هذا الإقلاع.
وفي حديثه عن الإنفاق العمومي للدولة خلال وبعد الجائحة، أفاد السوعلي «أنه يجب ان تكون أولوية النفقات على الإيرادات، موضحا أن إغفال التوزيع العادل للإستثمار وللدخل لا يساهم في فعالية الإنفاق العمومي، حيث يجعله غير مجسد في الحياة اليومية للمواطن المغربي والذي يؤدي بالمقابل إلى الإحتجاجات عند غياب المرافق الضرورية والإحتياجات الأساسية لساكنة مناطق معينة.
وبالنسبة لهذا الإنفاق المخصص لقطاع الصحة كشف المتحدث» أن الميزانية الحالية احتل قطاع الصحة المرتبة الخامسة على سلم المخصصات، إذ بلغ الغلاف المالي الذي أفرده القانون المالي للعام الجديد لوزارة الصحة ما يفوق 15 مليار درهم مؤكدا ان المنظور الاقتصادي الكلاسيكي الذي يعتبر قطاع الصحة غير منتج أصبح متجاوزا».
وخلص الدكتور محمد السوعلي عرضه «بان المرحلة الحالية تشهد تحولا رئيسيا في الملامح الكبرى للدولة والمجتمع والأفراد وتستدعي تتبع متخذ القرار للتحولات الكبرى التي يشهدها العالم لأن هذا الأخير يعرف اليوم سيطرة الاقتصاد على المجالات الأخرى كما ان هذه المرحلة تستدعي تقوية العدالة الاجتماعية وتتطلب كذلك إحياء وإعادة بعث الدور النبيل للسياسة في المشهد العمومي»، فبدونها يضيف السوعلي لن تتحقق التصالح بين المواطن والمجتمع والدولة، مؤكدا «على ضرورة مراجعة شروط التعاقد الاجتماعي والذي يتعين ان يدور حول فلك الاهتمام بالرأسمال البشري بتثمين الفئات العمرية الشابة عبر التكوين الذي يسمح بإعادة تموقع التعليم ضمن الأولويات الوطنية بغرض فتح أفاق جديدة لانخراط سوق الشغل في المهن العالمية القائمة على الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة محذرا «من مغبة السقوط في سياسات التقويم الهيكلي»  داعيا بإلحاح  أن تكون أولوية الأولويات لقطاع الصحة، التعليم والشغل».


الكاتب : مكتب تطوان: عبد المالك الحطري

  

بتاريخ : 22/05/2020