الشاعر عبدالكريم الطبال يتحدث لـ “الاتحاد الاشتراكي” عن 60 سنة على تأسيس جمعية أصدقاء المعتمد
الأفق الأخير ليس موجودا أمام الشعر.. والشعر في صداقته الغامضة مع المجهول يتحقق وجوده
تنعقد يومه الجمعة 20 أبريل الجاري بمدينة شفشاون المغربية، فعاليات الدورة 33 من المهرجان الوطني للشعر المغربي الحديث، الذي تنظمه جمعية أصدقاء المعتمد سنويا، وهي دورة تحتفي بمرور ستين سنة على تأسيس جمعية أصدقاء المعتمد ، وسيكون الشعر الاسباني ضيف الشرف.
ويعد هذا المهرجان ذاكرة الشعر المغربي الحديث، ومهوى أفئدة شعرائه، ويعرف مشاركة واسعة لأسماء مرموقة من الشعراء والنقاد والباحثين والإعلاميين، فضلا عن مشاركة مجموعة من المهتمين بقضايا الإبداع.
وفي حوار مع جريدة «الاتحاد الاشتراكي» أكد الشاعر عبدالكريم الطبال أنه قبل تأسيس المهرجان الوطني للشعر المغربي الحديث بشفشاون وانعقاد دورته الأولى عام 1965 ، كانت جمعية أصدقاء المعتمد قد نظمت مهرجان «أبو القاسم الشابي» للشعر، وتلاه في السنة الموالية مهرجان «الأمير عبد الكريم الخطابي» للشعر ، مضيفا في حوار مع جريدة «الاتحاد الاشتراكي» أن اسم جمعية «أصدقاء المعتمد» كان في بداية التأسيس من اقتراحه حيث طرحه على الأعضاء في اجتماع التأسيس فتمت الموافقة عليه.
وقال الشاعر عبد الكريم الطبال وبذلك كان هذا «الإسم خيرا على الجمعية التي ظلت وفية للمعتمد والشعر طيلة سنوات عديدة».
من جانب آخر، أكد لـ «جريدة الاتحاد الاشتراكي» الشاعر الكبير مقاما عبد الكريم الطبال أن الشعر العربي الحديث مقبل على تطور أكبر وعلى نضج أعمق، مضيفاً وهو يتحدث عن أفق الشعر العربي أنه لاينتابه خوف على مصير الشعر العربي، وشدد أن الشعر قوة روحانية، تجتاز
كلَّ القوى المادية التي تعوقه.
من جهة أخرى، شدد عبد الكريم الطبال صاحب في “حضرة مولانا” أن الشعر تمجيد للقيم الإنسانية التي في مقدمتها الحرية، مشيرا الى أن الشعر غرسٌ لنباتٍ
لا يزهر إلا الحق.
ويذكر أن هذا الحوار أجري في عدة جلسات ، وفي سفر شعري عبر الأمكنة والفضاءات العابرة لضفاف القصيدة، فالسفر في الأمكنة يشبه الإوزات البرية المحلقة في أدغال بحيرة ينعكس على ضفافها الصفاء والبوح الشفيف، كما تتواجد خلاله إشراقات تستلهم عصارة تجربة شعرية رائدة في الحداثة، وكان في هذا السفر، سؤال القلق الوجودي، حول مصير القصيدة العربية ومآلها وأفقها.
وفي هذا الحوار نكتشف ضفاف القصيدة العميقة عند عبدالكريم الطبال في صفاء سمائها، المخطوطة بمداد معاناة إنسانية تستدرج الصوت العميق، صوت، الأم الذي يدوي في بصمات قصيدته
التي تستشرف الحاضر والمستقبل.
وقصيدة عبدالكريم الطبال في اعتمادها على التفاصيل اليومية الصغيرة لها جاذبية خاصة، إذ استطاع الشاعر أن يتجاوز السائد ليبني له عالمه الشعري المميز، في عالم كوني .
هذا الشاعر الشديد الخجل، والكثير التواضع، استطاع أن ينال بشعره محبة كل الناس، لأنه يعزف على ألحان معاناتهم، وأيضا من خلال انتصاره، لكل قيم الحب والجمال والتسامح. كل ذلك في تفاصيل صغيرة.
ولعل السر العميق في القبض على جمالية القصيدة عنده هو زهده في الحياة، وحبه لأمه التي يتذكرها باستمرار وكان لها أثر على مساره الشعري، وأيضا من خفايا مواصلة الشاعر الطبال للكتابة قراءته ومتابعته لشعريات عالمية وأشكال تعبيرية أخرى، وبذلك حافظ على الاستمرارية في كتابة الشعر بشكل يومي، واعتبره النقاد رائدا
ومؤسسا للقصيدة المغربية الحديثة.
– في بداية تأسيس جمعية أصدقاء المعتمد، من اقترح هذا الاسم؟ وكيف كان الوضع الثقافي المغربي السائد في ذلك الوقت؟
– خلال عودتي إلى شفشاون عام 1957 كنت مهووسا بالقصيدة، وكان حينئذ قد بدأ الفعل الثقافي في مدينة تطوان التي غادرتها يخفت باختفاء إصدارات أدبية مثل المجلات الثقافية، لذلك فكرت في الملاذ ومن ثم ستولد فكرة تأسيس جمعية أصدقاء المعتمد في مدينة شفشاون عام 1958، وسأكون من مؤسسيها الأوائل بعد مخاض عسير. واعتبرناها بديلا ثقافيا أو الفتيلة التي ستنير الظلام.
وفي اجتماع التأسيس فرض اسم أصدقاء المعتمد نفسه ونزل بدون إذن، واعتبر الشعراء أنفسهم منذ ذلك الوقت أصدقاء للمعتمد، وكان الإسم خيرا على الجمعية التي ظلت وفية للمعتمد والشعر طيلة سنوات عديدة من 1965 إلى 2018 . وبعد التأسيس سطرنا برنامجا ثقافيا ونظمنا أنشطته في قاعة الشبيبة والرياضة المدينة ، وكان أعضاء الجمعية وأساتذة ثانويتي المدينة يساهمون في تقديم محاضرات ثقافية وكان الجمهور وقتها متعطشا للمتابعة حيث كانت القاعة تمتلئ بهم.
قبل سنة 1965 حضر إلى المغرب الشاعر نزار قباني بدعوة من اتحاد كتاب المغرب ، وفكرت الجمعية في استدعائه للحضور إلى شفشاون بتنسيق مع المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب لإلقاء قصائد من شعره . وكان لقاء شعريا باذخا إذ غصت القاعة بجمهور الشعر خصوصا من أساتذة وطلبة ثانويتي المدينة . ومباشرة بعد هذا اللقاء فكرت الجمعية في إقامة المهرجان الوطني للشعر المغربي الحديث يحضره الشعراء المغاربة الموجودون في الساحة آنذاك مثل محمد السرغيني، وأحمد صبري، والخمار الكنوني وحسن الطريبق وآخرين بالإضافة الى الشاعرين وقتذاك من المدينة (عبد الكريم الطبال ومحمد الميموني) . وفي سنة 1972 في اجتماع للجمعية حول المهرجان برزت فكرة جديدة وهي أن يصدر في كل سنة ديوان شعري لشاعر مغربي يتغير اسمه كل سنة . وقرر المكتب في أول اجتماع أن يكون الديوان الأول لشاعر من الجمعية ووضع قانون لهذا المشروع ، ومن بين بنوده أنه على الشاعر الذي تطبع له الجمعية أن يؤدي نصف مصروف الطبع وأذكر أنني أديت نصف المصروف وهو 500 درهم لأن ديوان « الطريق إلى الانسان» طبع بألف درهم . ثم تم التخلي عن فكرة الكتاب والعودة إلى المهرجان الذي يستمر إلى الآن .
– الشعر طائر يحلق بجناحية في سماء حرة وشاسعة، ما الأفق الذي تراه لهذا التحليق؟
-شعر الشاعر طائر يحلق في سماء غير منتهية. فالسؤال عن الأفق سؤال عن غائب أو عن مجهول. فالشعر منذ أن بدأ سفرَهُ إلى الآن وحتى بعد الآن، سيظل على دَيْدَنِهِ في التحليق من أفق إلى أفق وما أكثر الآفاق وما أبعدها عن العين الباصرة وحتى عن العين البصيرة. وبقدر ما يخترق الآفاق ويتجاوز المسافات، يتعدى جناحاه الأبعاد وتتسامق رؤياه.
الشعر منذ أن كان وهو أصوات سرية غامضة عميقة، يسمعها الكون فيميل، وبقدر ما يسمع تستيقظ الأشياء وتمور الحياة.
وإذن يمكن القول: إن الأفق الأخير ليس موجودا أمام الشعر. ويمكن القول كذلك: إن الشعر في صداقته الغامضة مع المجهول يتحقق وجوده.
o الشعر الحقيقي يتجاوز الحدود والقارات… هل اللغة العربية قادرة أن تحلق بالقصيدة نحو الأفق؟
n إذا كان الشعر الحقيقي يتجاوز الحدود والقارات، فإن اللغة العربية كلغات أخرى عريقة تتجاوز الأشياء النازلة في الأرض إلى الأشياء الصاعدة في السماء. وحتى الآتية منها. فتحتضن الشعر لتكون صوته ولتكون رحمه. ففي تاريخها القريب والبعيد كانت هكذا، وستظل هكذا انسربت بشفافيتها وعمقها إلى أعماق النفس الإنسانية كما انسربت إلى خفايا الحدس. وسرحات العقل ولسْتُ –ربَّما – في حاجة إلى أن أقدم الشواهد، فقد يكفي أن أقول إن كلام الله نزل باللغة العربية. وأن أقول إن الفلسفة الإغريقية استضافتها اللغة العربية وما ضاق بها المكان، وأن هوميروس سكن في هذه اللغة كواحد من أهلها إلى جانب فِرْجِيل وأمِيدْ وامرئ القيس والنابغة.
وأن ابن عربي انتقل باللغة إلى أنوار المطلق وما تلعثمت أو قصرت في البيان.
وهنا أستعيد كلمات رسول حمزاتوف في إحدى قصائده :
«كم أستغرب عند قراءة شعري
يا للشيطان أي شاعر أنا
إذا لم تبتهج روحي
بمعنى القرآن الكريم»
– هل حياتنا الراهنة بسخافتها وجديتها وأبعادها وسرعتها قادرة أن تتقدم بالشعر نحو أفق أرحب وأرض صلبة؟
– إن الشعر هو الذي يتقدم بالحياة وليس العكس، في نوره تشرق الحياة. وفي تجلياته تنطلق عبر الحقيقة. فالحضارات كلها عبر التاريخ كانت دائماً مدينة للفكر والإبداع ودائما كان الأساس لكل تطور متقدم في مسار الرقي والتجديد.
هذا ما عرفناه مثلا في العالم العربي على الأقل مرتين. في بغداد زمن بني العباس الذي هو زمن المتنبي وأبي العلاء و أخرين، وفي الأندلس الذي هو زمن المعتمد وابن سهيل والآخرين.
وحتى الآن وقريبا في مرحلة النهضة الحديثة في العالم العربي، وإن لم تكن إلا مشروعا، حضر أحمد شوقي وحافظ ابراهيم وآخرون.
فالشعر تمجيد للقيم الإنسانية التي في مقدمتها الحرية، الشعر غرسٌ لنباتٍ لا يزهر إلا بالحق.
ويبقى السؤال الأهم الذي تطرحه اللغة الآن في خضم الحياة الجديدة في ظل هذه الحضارة التقنية. هل هي في مستوى التطور لهذه الحياة في ظل هذه الحضارة التي استحدثت مقولات وأفكارا وآليات فنقول إنها تواكبها فندعي أنها تواكبها خطوة خطوة ، أم إنها تتقاعس يوما بعد يوم عن المجاراة والملاحقة، هذا السؤال كان يؤرق ولا يزال يؤرق المهتمين بمستقبل هذه اللغة . وقد كان الأمل ولايزال يتركز على المجامع اللغوية التي أسست من قبل خاصة في مصر ودمشق ومن بعدها منذ وقت قريب في المغرب بمكتب التعريب، الذي لم يعمر طويلا.
وقد قدمت هذه المجامع مجهودات ضخمة، ولكنها مع الأسف ظلت حبيسة الرفوف لم تترجم في الشارع في المدرسة في الجامعات في الكتب وفي الصحافة.
ولهذا كان الاتكال على المترجمين الذين اجتهدوا ويجتهدون في إفراز الكلمات من الاشتقاق ومن النحت وأحيانا بتعريب الكلمات، وإن كانت الجهود كلها تحتاج إلى تأمل أكثر وإلى مراجعة بعد مراجعة.
ومع كل هذه الصعوبات التي تواجه اللغة، فإنها لم تتخلف تماما عن الركب الثقافي والحضاري.
– من خلال تجربتك ومسارك الشعري، هل هناك وصفة للشعر يمكن أن تكون هي مفاتيح لرؤى بناء القصيدة في مستقبلها ؟
– لا أعتقد أن هناك وصفة يقينية يمكن أن تكون الضوء الكاشف لمستقبل القصيدة، فالمستقبل محجوب حتى لذوي الحدس الشعري العميق. لأن الجمال الكامل الذي هو مطلب الشعر دائما مبثوث في كل ذرات الكون. وبالأحرى في ما بعده، فتحديد الوصفة يمكن أن يتحقق في حال واحدة لو أن الجمال قصير الحال محدود الهُوية، فالشعر كلما سما وتفوق وتعمق لايكشف تمام الكشف هوية الجمال المبثوث في الكون وبعد الكون، وهو فيما يبدو يبدأ في الأجساد الجميلة التي نلتقي بها ونحيا معها، ثم يعلو ويعلو في الماهيات الروحية الكونية ثم في الماهيات المطلقة.
إن الشعر دائما غور في الجمال المرئي وغير المرئي.
– هل أنت مطمئن لمآل ومصير القصيدة العربية أمام هذه الارتجاجات التي تقع في محيطها العربي من حروب وإلى غير ذلك …وهل هذا له تأثير على مستقبلها؟
– مطمئن تمام الاطمئنان، فكم من حروب مضت، وكم من فوضى ضربت أطنابها في هذه الجهة وتلك ومع ذلك ظلت القصيدة فوق الحرب وفوق الفوضى وأقوى في الاثنين معاً.
وفي التاريخ العربي مثلا شواهد وشواهد. ففي عصر ملوك الطوائف بالأندلس وهو عصر التشتت والاقتتال بين دويلة وأخرى، كانت القصيدة في عافيتها وقوتها لم تلن لعاصفة من هنا أو هناك، وفي خلال هذا العصر حضر ابن عمار، وحضر المعتمد ولسان الدين بن الخطيب وابن لبانة وآخرون. ثم في عصر فرانكو باسبانيا، عصر الحرب والقمع، حضر لوركا وآخرون. وفي تركيا في عصر السجون والاعتقال حضر ناظم حكمت، وفي روسيا عصر القيصر حضر بوشكين وحضر يسنين وهم جميعا كانوا عباقرة.
فالشعر حاضر حتى في زمن الفوضى والحروب.
حقا الشعر كأي كائن قد يخفت إشعاعه في مرحلة تتسم بشيوع أنماط الخرافة مكان شيوع أنماط المعرفة، أو يتسم بسلطات القمع والاستلاب ليعلو صوته ويتدفق إشعاعه في مرحلة لاحقة، ورَغْم ذلك فيمكن القول إن الشعر حتى في عصر السقوط لايسقط مع السقوط.
– كيف تتأمل خارطة الشعر العربي؟
– الحديث عن خارطة الشعر العربي الحديث قد يبدأ ولكنه لا ينتهي. وباختصار ممل، يبدو لي أن الخارطة الآن جغرافية مختلفة عن جغرافيات سابقة، فالأمكنة الآن أمكنة أخرى، والهندسة هندسة أخرى، والمناطق غير المناطق، والضفافُ غير الضفاف.
ففي ضفة البحر بلبنان هناك مساكنٌ وهُناك ساكنة، وهناك شوقي بزيغ، وهناك محمد علي شمس الدين وآخرون. وفي ضفة البحر بدمشق، هناك سليم بركات، وهناك نوري الجراح وآخرون، وفي ضفة مصر هناك عبدالمنعم رمضان وفاطمة ناعوت وآخرون، وهناك في ضفاف المغرب العربي أكثر من قليل، ومن الملاحظ في الخارطة أن هناك مساكن وضفاف لا تزال بلا أبواب ولا نوافذ في انتظار هبات الشعر.
– هناك تخوف على الشعر العربي وعلى مستقبل تداوله ألا ينتابك هذا الشعور، وكيف تحاول التصدي له؟
– لا ينتابني خوف على مصير الشعر العربي، فالشعر قوة روحانية تجتاز كلَّ القوى المادية التي تعوق ولأنه المعنى بوجود الحياة، وبدونه لن تكون الحياة إلا أطلالا دَارٍسة ولأنه النفس الإلهي في هذا الكون الذي لايحيا إلا به.
فالمروج في الأرض ليست مروجا لولا قصائد العشب وقصائد الماء.
والسماء ليست سماء لولا شعر الثريات وشعر الأقمار.
والإنسان ماذا يكون الانسان الانسان، لولا قصائد الابتسامة والشوق، وقصائد الغناء وعناق الأشياء. مصير الشعر هو مصير الحياة. مصير الشعر هو مصير الكون.
الشعر العربي الحديث مقبل على تطور أكبر وعلى نضج أعمق.
– هناك من الدارسين للشعر العربي الذين يرون أن أفق الشعر يكتنفه غمام وسحب كثيفة قد تمطر غيمته في هذه الأرض أو يغير اتجاهه، إما حسب المزاج أو الأوضاع الملائمة؟
-يمكن القول إن الشعر العربي يمر بمرحلة لم يسبق أن مر بها. مرحلة تتسم بالخصوبة وبالامتداد والعمق وذلك نتيجة للتلاقح الثقافي المتحقق الآن، فالشعر الآن أكاد أن أقول إنه شعر كوني. فالشاعر العربي على صلة عميقة بالشاعر الآخر، والآخر له، يقرأ له كما يقرأ الآخر، ولذلك فالتجارب تتداخل وتتعمق، ولعل الترجمة الآن هي الواصلة الأولى في الامتداد والخصوبة والعمق. لم يبق المرجع الشعري للشاعر العربي هو المتنبي مثلا وحده، ولكن الآن هناك في بلدان أخرى شعراء آخرون في قدره وفوق قدره وأصبحوا مرجعا أساسيا للشعر العربي وللشاعر . ولذلك قلت إن الشعر العربي الحديث مقبل على تطور أكبر وعلى نضج أعمق. فالتجارب الشعرية العربية المعاصرة متعددة ومتنوعة فأحرى بالتجربة الشعرية العربية أن تتلاقى معها . وهذا ما يحدث فعلا، فالتصادي الآن بين التجارب لا يخفى على عين الناقد الحصيف. وهي تجارب مختلفة عميقة الاختلاف، فالشعر في الصين مثلا ليس هو الشعر في إسبانيا وهكذا، وإذا كان الشاعر العربي محظوظاً جدا أن يطلع عليها وأن يتأثر بها. ولذلك إذا كانت هناك من تحول فهو تحول أو تجاوز إلى الكوني.
– هل نال الشاعر العربي المعاصر الاعتراف؟
– نتيجة لهذا الاتصال المتميز وهذا التلاقح الثقافي بين العالم العربي والعالم الآخر، الشاعر العربي الآن يتسع أفقه ويعمق إبداعه، وبحضوره الوازن في الأنطولوجيات الشعرية المختلفة بدأ الاعتراف به من هناك، من مؤسسات وجامعات مختلفة، فكثير من الشعر العربي الحديث عرف طريقه إلى هذه اللغة وتلك بفضل الترجمة المستمرة له.
– من أين تنبع قوة القصيدة، هل من الحاضر أو المستقبل أو اللحظة ؟
– هل تستطيع قصيدة أن تحفر نخاعك العظمي وكل شرايين القلب وتقول كل ما في جوانح الانسان؟
-القصيدة تنبع من الذات الشاعرة الملتحمة مع الحياة ومع الكون، وقوتها في قدرتها على الغور في أعماق الحياة وفي خفايا الكون.
– روح الشعر العربي الحديث هل وصلت إلى نقطة الهدف ؟
– في اعتقادي ليس ثمة هدف أو غاية أخيرة يبلغ إليها الشعر، كل الشعراء الذين مضوا والذين أتوا والذين يأتون ذهبوا ويذهبون ولم يبلغوا إلى تلك القصيدة الغائبة أو الأخيرة. كل شاعر منذ أن يبدأ يسبق شعره كي يصل إلى تلك القصيدة ولا يصل.
– هل تواكب الإنتاج الشعري العربي الغزير؟
– قدر الامكان أحاول متابعة التيار الشعري العربي هنا وهناك. ومن الصعب أن يتوفر الوقت لمتابعة الاصدارات التي تتوالى يوما بعد يوم .
– القصيدة العربية في ارتباطها بالناس من خلال تفاصيل حيواتهم، أدخلت الحياة بكل نبضها الحي في جسد القصيدة، هل استطاعت بذلك أن تؤسس لها أفقا جديدا ومغايرا؟
– القصيدة العربية اليوم التي تعرف تطورا ملحوظا ومتعاقباً في التعبير عن نبض الحياة وعن كينونة الإنسان، والتأثير باد عليها في اللغة والرؤيا وكأنها انعكاس لما يمور في الحياة من تحولات ومن تجدد متواصل وهي مع ذلك لا تختلف عن هويتها في سياق التيارات الشعرية الكونية التي يعج بها الوقت والمكان، إنها كأي قصيدة في اللغات الأخرى تحاول أن تستبطن الحياة الصاخبة التي تمور في شتى تجلياتها ورؤاها، وتحاول أن تسبق المعيقات التي في طريق اللغة المتلكئة في صيرورتها وفي السباق مع تطورات اللغات. والمهم أن القصيدة العربية تحتفظ بسماتها وبهويتها التي بها تكون. ربما أهم أفق شعري بلغ إليه الشعر الحديث في هذه المرحلة هو الأفق اليومي، أفق التفاصيل الصغيرة، وأفق الالتفات إلى الزوايا غير المنظورة، وهو أفق كان شبه غائب، إن لم أقل كان غائبا بالمرة، في مسيرة الشعر العربي قديماً وحديثا وكان هذا نتيجة التفاعل والتواصل مع التجارب الشعرية الكونية والعالمية، ويمكن هنا أن أشير إلى بعض قصائد الشاعر سعدي يوسف، فانضاف هذا الأفق الجديد إلى المساحة الشعرية القائمة فتسنى للشاعر العربي الإطلاع على ما لم يكن يطلع عليه من قبل إلا صدفة أو إلا نادرا، ولذلك قلت في ما قبل إن التجربة الشعرية الحديثة هي بصدد أن تكون تجارب في مستوى كوني نتيجة التصادي أو التناص كما يقال.
– هل يمكن استشعار خوف ما على الإنتاج الشعري، أو ديوان العرب، أمام الزحف الكبير للرواية وجوائزها؟
– كان للعرب منذ القديم ديوان واحد هو ديوان الشعر، الآن يبدو أننا بصدد إضافة ديوان آخر هو ديوان الرواية فيحظى العرب بديوانين مختلفين أحيانا قليلا وأحيانا كثيرا، وسيظلان معا توأمين بدون حرب معلنة ولا مضمرة.
عبدالكريم الطبال في سطور
عبد الكريم الطبال شاعر مغربي (85 عاما) ولد بشفشاون
درس بالقرويين ابتداء من سنة 1947
التحق بالمعهد العالي لتطوان
حصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية.
اشتغل بالتعليم الثانوي.
بدأ النشر سنة 1954 بمجلة الأنيس.
أسس مجلة «الشراع”
ساهم عبد الكريم الطبال في تأسيس المهرجان الوطني للشعر المغربي الحديث بشفشاون
شارك في ملتقيات ومهرجانات وطنية ودولية
الجوائز:
حصل على جائزة المغرب عن ديوانه «عابر سبيل» سنة 1994.
حصل على جائزة المغرب عن ديوانه “نمنمات” سنة 2016.
فاز بجائزة تشيكايا أوتامسي عن مجموع أعماله في مهرجان أصيلة عام 2004
جائزة ابن الخطيب مرتين من بلدية مونيكار الإسبانية سنتي 1993 و2001
من أعماله الشعرية:
– الطريق إلى الإنسان ( 1971 ) – منشورات أصدقاء المعتمد – مطبعة كريماديس – تطوان
– الأشياء المنكسرة ( 1974 ) – دار النشر المغربية – البيضاء
– البستان ( 1988 ) – مطبوعات طنجة – طنجة
– عابر سبيل ( 1993 ) – منشورات المجلس البلدي – شفشاون
– آخر المساء (1994 – مكتبة النهج – شفشاون
– شجر البياض ( 1995 ) – أمزيل نيكوس – شفشاون
– القبض على الماء ( 1996 ) – البوكيلي للطباعة – القنيطرة
– لوحات مائية ( 1997 ) – مطبعة أمزيل نيكوس – شفشاون
– كتاب العناية ( 1997 ) – مجلة المشكاة – وجدة – عدد 26 – السنة 26 – 1997 – من الصفحة 95 إلى الصفحة 121
– بعد الجلبة ( 1998 ) – سلسلة شراع – رقم 2 – طنجة – دار النشر المغربية – 86 صفحة
– على عتبة البحر ( 2000 ) – دار البوكيلي – القنيطرة
الأعمال الكاملة ( 2000 ) – منشورات وزارة الشؤون الثقافية – مطبعة دار المناهل – الرباط – جزآن : ج 1 – 380 صفحة – حجم كبير – ج 2 – 303 صفحة – حجم كبير.
في قارب واحد – الطبعة الأولى.
أيها البراق – الطبعة الأولى، منشورات سليكي إخوان.
نمنمات، منشورات دار الحكمة تطوان الطبعة الأولى 2015، من القطع المتوسط – 127 صفحة.
حديقة صغيرة، الطبعة الأولى 2015، من القطع المتوسط – 75 صفحة.
في حضرة مولانا منشورات دار الحكمة تطوان الطبعة الأولى 2018 من القطع المتوسط 105 صفحة .
كتاب السيرة الذاتية “ أوراق الرماد”- الطبعة الأولى، منشورات اتحاد كتاب المغرب.