كورونا يعمق أزمات الاتحاد الأوروبي

واجه الاتحاد الأوروبي عددًا من الانقسامات حول العديد من القضايا على مدار السنوات الماضية، كأزمات الهجرة، واللجوء، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ليأتي فيروس كورونا ليكشف عن عمق الخلافات بين دول القارة العجوز التي تعتبر حاليًّا من أكبر بؤر انتشار الفيروس.

 

تعرضت استجابة الاتحاد الأوروبي للتعامل مع تفشي وباء كورونا للعديد من الانتقادات اللاذعة في ضوء ظهور النزعة القطرية في التعامل مع الأزمة، فضلًا عن الخلاف الدائر بين الدول الأعضاء حول أفضل سبل المكافحة، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة حول مستقبل الاتحاد بعد تجاوز أزمة كورونا، وكيف يُمكن تجنب حدوث السيناريو الأسوأ وهو تفكك الاتحاد.
يُنظر إلى فيروس كورونا على أنه تهديد للدعائم الأساسية للاتحاد الأوروبي، كما يعتبر أكبر اختبار يواجه التكتل منذ تأسيسه. ومع ذلك، اتسمت الإجراءات الأوروبية الرامية لمواجهة الفيروس بالتراخي. فعلى الرغم من دعوة البنك المركزي الأوروبي بقيادة “كريستين لاجارد” دول الاتحاد -في الكثير من الأحيان- إلى تخصيص حزمة مساعدات مالية إضافية بقيمة 1.5 تريليون يورو من أجل تقليص حجم التداعيات الاقتصادية السلبية المترتبة على انتشار الفيروس؛ إلا أن وزراء مالية منطقة اليورو اتفقوا بالكاد في التاسع من أبريل، وبعد مناقشات مطولة، على خطة تحفيز اقتصادي بقيمة تزيد على 500 مليار يورو فقط لدعم الاقتصادات المتضررة من الوباء. واعتمد المجلس الأوروبي الخطة ليبدأ تنفيذها بحلول الأول من يونيو المقبل.
وعلاوة على ذلك، اتفق قادة الاتحاد على إنشاء صندوق طوارئ بقيمة تريليون يورو للمساعدة في جهود التعافي الاقتصادي، ولكن لا تزال الخلافات بين حكومات الدول قائمة بشأن كيفية استغلال هذه الأموال وتفاصيل إنفاقها؛ إذ أخفقت الدول الأعضاء في الاتفاق حول ما إذا كان الصندوق سيقدم منحًا نقدية أم سيكتفي فقط بالإقراض.
وكسائر دول العالم، قرر الاتحاد الأوروبي إغلاق حدوده بهدف الحد من انتشار كورونا على نطاق واسع، كما اتخذت كل دولة على حدة عدة تدابير وقائية كإغلاق المصانع والمحال التجارية وتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي. وفي السياق ذاته، أعلن البنك المركزي الأوروبي في الثامن عشر من مارس الماضي عن خطته لشراء سندات الشركات ونظيرتها الحكومية بقيمة 750 مليار يورو على مدار العام الجاري.
عجز دول منطقة اليورو منذ بداية الأزمة عن الوصول إلى أرضية مشتركة يُمكن الانطلاق منها لمعالجة آثار تفشي وباء، يبدو أنه سيتسبب في حدوث أضرار كبيرة لاقتصادات المنطقة. وطوال أسابيع، دعا المسئولون في بروكسل إلى أهمية توحيد الرؤى والتوصل إلى تنسيق شامل، لكن لا تزال هناك قضايا عديدة موضوع خلاف كبير. وفيما يلي أبرز المشكلات التي كشفت عنها أزمة كورونا.
من أهم المظاهر التي كشفت عنها الأزمة هو ضعف التضامن الأوروبي، وذلك على خلفية تقاعس العديد من الدول الأوروبية عن مساندة بعضها بعضًا في مواجهة أزمة “كورونا”، ولهذا لجأت بعض الدول إلى البحث عن بدائل خارج الاتحاد للحصول على ما تحتاجه من مستلزمات طبية لمكافحة انتشار الفيروس. ومن أبرز الأمثلة في هذا المجال التعامل الأوروبي مع تفاقم الأزمة في إيطاليا التي مثّلت واحدة من أكثر الدول الأوروبية تأثرًا بالأزمة، ما دفع السلطات الإيطالية إلى مطالبة باقي الدول الأوروبية لمساعدتها في توفير المعدات الطبية اللازمة لمواجهة الفيروس وعلاج المرضى المصابين به، لكن هذه المطالب قوبلت بالرفض، الأمر الذي دفعها إلى الاستغاثة بدول أخرى من خارج الاتحاد. ومقابل تراخي الأخير، قدمت الصين وروسيا وكوبا بعض المساعدات الطبية لإيطاليا، شملت إرسال فرق طبية وأقنعة واقية.
نتج عن هذا الموقف من الاتحاد أن سادت حالة من الاستياء العام في الشوارع الإيطالية، عبر عنها قيام البعض بإنزال علم الاتحاد الأوروبي عن الصواري بعدد من المدن ورفع علم الصين بدلًا منه. كما أزال “فابيو رامبيلي”، نائب رئيس مجلس النواب الإيطالي، علم الاتحاد من مكتبه واستبدله بعلم بلاده، مبررًا ذلك بتراخي الاتحاد في مساعدة الدول المتضررة. كما عبرت عن ذلك أيضًا تصريحات «جوسيبي كونتي»، رئيس الوزراء الإيطالي، الذي حذر من فقد الاتحاد سبب وجوده إذا لم يقم بمساعدة الدول الأوروبية المتضررة.
في ظل ما كشفت عنه الأزمة من نقص شديد في الأدوات الطبية، اضطرت بعض الدول الأوروبية إلى الاستيلاء على الشحنات الطبية قبل وصولها إلى وجهاتها النهائية. من ذلك، قيام السلطات التشيكية بالاستيلاء على شحنة صينية من أقنعة الوجه الطبية قبل وصولها إلى إيطاليا. وقد تذرعت السلطات التشيكية بأنه تمت مصادرة هذه الشحنة في إطار محاربة عمليات تهريب المعدات الطبية. وبعد محادثات بين الدولتين، أرسلت جمهورية التشيك 110 آلاف قناع وجه إلى إيطاليا في محاولة لمعالجة هذا الخطأ.
وقد عمّق من أزمة ضعف التضامن، اتجاه بعض الحكومات الأوروبية (ألمانيا وفرنسا) في ظل عجز الإمدادات العلاجية إلى اتخاذ قرارات بحظر تصدير المعدات الطبية إلى الخارج خوفًا من مواجهة مشكلة نقص محتمل في كميات الأقنعة والمعدات الطبية الواقية. هذا القرار أدى إلى مضاعفة الإضرار بالدول الأخرى المتأثرة بالفيروس مثل إسبانيا وإيطاليا التي سبق وطلبت المساعدة بالفعل من الدول المجاورة. وقد أدى هذا الموقف إلى تعرض الحكومتين الفرنسية والألمانية للنقد والإدانة.
وآخرًا وليس أخيرًا، يمكن الإشارة إلى مشكلة الانقسام حول إصدار ديون مشتركة؛ في ظل انقسام بين دول الشمال والجنوب الأوروبي، حيث ترى الأولى أن الاتحاد الأوروبي يجب ألا يتحمل خسائر اقتصادية تتكبدها أي دولة بسبب الفيروس، فيما تؤكد الثانية ضرورة لعب الاتحاد دورًا فاعلًا في مواجهة التبعات الاقتصادية الناجمة عن الوباء من خلال تقديم حزمة من المساعدات.
ورغم موافقة قادة الاتحاد الأوروبي على رصد حزمة تحفيزية؛ إلا أنهم لم يتمكنوا من التوصل إلى اتفاق حول إصدار ما يُسمى «سندات كورونا». ويرجع ذلك إلى وجود انقسام بين دول الجنوب الأشد تضررًا من الفيروس كإيطاليا وإسبانيا والتي تسعى إلى جمع التمويل عبر الأسواق المالية حتى تتمكن من زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية ومواجهة الآثار المدمرة للوباء، ودول شمال أوروبا المحافظة ماليًّا -كألمانيا وهولندا والنمسا- التي تعارض بشدة هذه الفكرة خوفًا من احتمال اضطرارها إلى سداد الدين المشترك في حالة تخلف بعض الدول عن القيام بذلك، فضلًا عن رفضها فكرة تقاسم الأعباء الناجمة عن انتشار الفيروس في بعض الدول بصورة أكبر عما عليه في دول أخرى. ولعل المناقشات الدائرة حول كيفية الاستجابة للوباء وتداعياته الاقتصادية والخلاف بين الدول الأعضاء في شمال وجنوب أوروبا تذكرنا بمباحثات أزمة الديون الأوروبية في عام 2010.
هذه المشكلات، تفتح النقاش حول مستقبل الاتحاد الأوروبي، وتضعه أمام سيناريوهات مختلفة في مرحلة ما بعد أزمة كورونا. البعض يطرح في هذا السياق سيناريو تصدع الاتحاد وانهياره، أو على الأقل بدء موجة جديدة من الخروج من الاتحاد، قد تبدأها إيطاليا، وذلك على خلفية دعوات اليمين المتطرف للسلطات الإيطالية بمغادرة الاتحاد بسبب اعتقادهم بأن الدول الأوروبية تخلت عنهم في وقت محنتهم. لكن بعيدًا عن هذا السيناريو، فإن الثابت أن دول الاتحاد سوف تواجه أزمة اقتصادية حادة، عقب انتهاء أزمة كورونا.


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 23/05/2020

أخبار مرتبطة

طهران تعلن نجاح الهجوم على إسرائيل، وتل أبيب تتوعد بالرد الحازم   خول مجلس الوزراء المصغر للاحتلال الإسرائيلي رئيس الحكومة

مجلس الأمن: خطوة مهمة نحو وقف إطلاق النار في غزة   أكدت البعثة الدائمة للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة بنيويورك،

كان لا يزال في السجن قبل عشرة أيام فقط     إلى حدود منتصف نهار أمس الاثنين، سجل المرشح المعارض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *