مراد القادري رئيس بيت الشعر ضيف برنامج «زوايا»:

رهن الثقافة بالتوجهات السياسية يعيدها دائما إلى نقطة الصفر
لا نريد أن يتحول «بيت الشعر» إلى منظمة جماهيرية

 

استضاف برنامج «زوايا» على قناة «الثقافة الآن» والذي يقدمه الشاعر المغربي أيوب مليجي ، يوم الأحد 12 يوليوز الجاري، الشاعر ورئيس بيت الشعر في المغرب مراد القادري، وهو اللقاء الذي تطرق إلى الحديث عن تجربته الشعرية وتجربة الإدارة الثقافية من خلال اشتغاله في عدة مؤسسات ثقافية عربية كبيت الشعر في المغرب ومؤسسة «المورد الثقافي» بلبنان ومنتدى الجوائز العربية. كما لامس اللقاء قضايا ورهانات القصيدة الزجلية المغربية اليوم، واشتغالها على أفق الحداثة بكل تجلياته الإنسانية والجمالية.

 

لا يعتبر الشاعر مراد القادري كتابة الشعر بالدارجة أمرا ينتقص من قيمة الكاتب والمكتوب، معتبرا أن العامية ما هي إلا تلوين وفرع من اللغة العربية الفصحى التي تمتلك من الكرم ما يجعلها تنفتح على لهجات ودوارج تغني في نهاية المطاف ذاكرتنا الشعرية والثقافية، رافضا في نفس الوقت كل ربط يجعلها لصيقة بفئة معينة كالصناع التقليديين أو الحرفيين أو غير المتعلمين بدليل أن الشعر العامي كتبه الفقهاء والعلماء وحتى السلاطين، مقدما المثال بالسلطان مولاي عبد الحفيظ.وشدد القادري في هذا السياق على أن الكتابة بالدارجة متأصلة في التراث الأدبي والثقافي المغربي، مشيرا إلى الأطروحة الشهيرة للدكتور عبد النبي الجيراري «لقصيدة» والتي ناقشها أمام كبار الباحثين في التراث الشعبي بالقاهرة.
القصيدة الزجلية: فقر معجم أم التباس في الكتابة؟
يتجه العديد من شعراء الزجل بالمغرب إلى تدريج العربية أو تعريب الدارجة، ما يطرح سؤال المعجم ومعه مسألة الالتباس في طريقة الكتابة.بخصوص هذه النقطة لا يرى صاحب «غزيل البنات» و»طير الله» حدودا واضحة في الكتابة بين الفصحى والعامية، معتبرا الأخيرة إحدى تلوينات العربية الباذخة.ودافع رئيس بيت الشعر عن التجربة الشعرية الزجلية التي خطت لنفسها مسار وأفقا مغايرا عن سابقاتها، معتبرا أن شاعر الزجل اليوم في المغرب مغاير لصورة شاعر الماضي، حيث أن أغلب من يكتبون الزجل اليوم هم من خريجي الجامعات ممن يمتلكون تكوينا أكاديميا عاليا في اللغة العربية إلا أنهم اختاروا عن طواعية وإيمان إغناء المتن العامي بكتابة ما يصوغ رؤيتهم للحياة والعالم.ولفت صاحب» حروف الكف» إلى أن القصيدة الزجلية المغربية ليست بديلا للقصيدة بالفصحى العربية، بل هي أحد أضلع القصيدة المغربية التي تتميز بكونها غير أحادية البعد، بل عبارة عن ممارسات كتابية عديدة تحتوي القصيدة الزجلية والأمازيغية والشعر المكتوب بالفرنسية، مقدما المثال بالشاعر الراحل محمد خير الدين، محمد الواكيرا، عبد اللطيف اللعبي، رشيد خالص، مضيفا أنها كلها في النهاية تعبيرات تندرج في إطار الحساسيات الجمالية واللغوية التي ينكتب بها النص الشعري المغربي اليوم.الكتابة بالعامية لا تعني، حسب الشاعر القادري، كتابة بلغة التواصل اليومي، بقدر ما هي عامية واعية، يتم خلالها محاورة نصوص فنية وثقافية وإبداعية أخرى، وهو ما يجعل قارئ الزجل اليوم مطالبا بالتوفر على أدوات قرائية لفك شيفرات القصيدة الزجلية التي اجترحت لنفسها آفاقا جمالية ومعرفية خصبة وممتدة في التجارب الإنسانية وفي الثقافات العالمية والمحلية بكل روافدها(ملحون، عيطة…)، منوها في هذا الإطار بتجارب زجلية رائدة كتجربة الشاعر أحمد لمسيح بما يكتنف عوالمها من امتداد وغنى معرفي وإنساني يجمع بين الأسطورة والتصوف والدين، ليخلص إلى أن عامية الزجل اليوم هي عامية تتراكب فيها المعاني والدلالات ما يجعل الزجل اليوم ركنا أساسيا من أركان شعرنا المغربي.ولم يخف القادري تبرمه من الأصوات التي مازالت، على قلتها اليوم، تنكر على هذا اللون الشعري وكاتبيه صفة الشعرية وتحصره في خانة القول الشفهي الشعبي، مؤكدا أنها صفة يجب على الشعراء الزجالين أيضا دحضها برفض نعتهم وتقديمهم بوصفهم زجالين، مؤكدا أن الشاعر الزجال ينتمي إلى هذا الأفق الشعري العام الذي يجعله ندا لمن يكتب بكل اللغات المعيارية الأخرى، سواء العربية أو الفرنسية ، مشيرا في هذا الإطار إلى أن اختيار العامية كشكل كتابي لا ينزع عن الشاعر هويته الأم وهي الانتماء إلى فضاء الشعرية الكاملة.
بيت الشعر: المؤسسة وسؤال الاستقلالية
هل يحتاج الشعر إلى مؤسسة، وكيف يمكن أن تضمن المؤسسة استقلاليتها وانفتاحها على كل الأصوات الشعرية دون أن تسقط في شرك الإقصاء والتغييب ؟يرى رئيس بيت الشعر أن «بيت الشعر في المغرب» ومنذ تأسيسه في أواسط التسعينات(1995) تأسس بوعي منفتح على المتن الشعري المغربي في تعدده وتنوعه، فضم في عضويته شعراء وفنانين ونقادا ومترجمين وكل من يضع الشعر وأسئلته أفقا لاشتغاله. وأشار القادري إلى أن بيت الشعر ضم منذ بداياته أسماء من مختلف المشارب المعرفية واللغوية كأحمد عصيد، أحمد المسيح، الطيب لعلج، مصطفى النيسابوري، علي صدقي أزايكو…. وظل منفتحا إلى الآن على كل من يمارس كتابة تدعو للدهشة وتستفز الذاكرة وتنشد الحلم وتمتلك رؤية للعالم، في ما يشبه أكاديمية مصغرة تفكر في أسئلة الشعر المغربي في تقاطعاته مع باقي الفنون رغم أن أنشطته ومجلته مفتوحة للأعضاء ولغير الأعضاء.وفي سياق الحديث عن العضوية، لفت القادري إلى أن هذه المسألة تبت فيها لجنة خاصة كل أربع سنوات أي عشية انعقاد مؤتمر البيت، وهي التي تقترح الأسماء الجديدة والتي يجب أن تمثل كل المعنيين بالسؤال الشعري من عالم الفن والنقد والشعر، حيث انتقل العدد من 95 عضوا في البداية إلى 99 الآن، مؤكدا أن الغاية من هذا التقليص هي ألا يتحول البيت إلى منظمة جماهيرية، فالعضوية غير مرتبطة بالرغبة الشخصية بل برأي هيئة بيت الشعر، صونا للكتابة الشعرية وللاشتغال العميق الذي يغني الممارسة الشعرية في المقام الأول والأخير. ينفي صاحب «طرامواي» أن يكون حضور مؤسسة بيت الشعر المُقِل، بالقوة الرمزية التي يمثلها ، راجعا إلى تهميش إعلامي أو فقر في المبادرات، مؤكدا أن المؤسسة وطيلة سنواتها 25 وفي كل التجارب التدبيرية التي تعاقبت عليها أسماء عديدة تباينت في طرق إدارتها، ظلت حريصة على استقلاليتها، وعلى وضع مسافة معينة مع مؤسسات الدولة وتحديدا وزارة الثقافة، باعتبار طبيعة عملها التطوعي المجاني، دون نسيان المناخ الذي يسود الحقل الثقافي المغربي بكل تقاطباته وتجاذباته، والذي يجعل مبادرات البيت غير ذات استجابة أحيانا، ما يدفع البيت إلى البحث عن صيغ وآفاق أخرى لإبقاء أفق العمل ومعه أفق الشعر مفتوحين، إلا أن الأمر لم يمنع المؤسسة من تسجيل دينامية ملحوظة على مستوى اللقاءات والأمسيات والمنشورات المتنوعة المشارب واللغات، وكذا الحفاظ على انتظامية جائزة الأركانة العالمية للشعر، بالإضافة إلى الحرص على إصدار مجلة «البيت». وسجل القادري بهذا الخصوص إقامة شراكات مع أكاديميات التعليم بكل من مراكش من خلال ملتقى»الشعر والتربية» وأكاديمية الرباط، لوعي «البيت» بكون المدرسة يجب أن تكون فضاء أساسيا لزرع واحتضان الشعر وحب الحياة.
السياسات الثقافية: سياسات العودة إلى الصفر
يرى صاحب «جمالية الكتابة في القصيدة الزجلية المغربية الحديثة» والباحث في مجال السياسات الثقافية أن تجربته في مؤسسة «المورد الثقافي» بلبنان أو منتدى الجوائز العربية أو رئاسة بيت الشعر، جعلته يؤمن بقدرة ونجاعة السياسة الثقافية الواضحة المنطلقات والأهداف، والمتجردة عن كل الحسابات السياسية والحزبية، على الإسهام في دعم الحركية الثقافية، وهو ما تعمل مؤسسة المورد الثقافي التي يترأس القادري مجلس أمنائها منذ سنتين، تدعم أول ماجستير في السياسات الثقافية بكلية الآداب بن مسيك بالدار البيضاء الذي تخرج هذه السنة أول فوج منه، وهو حقل أكاديمي معرفي جديد يجب الالتفات إليه لأنه يوفر كوادر، لها من المعارف والدراسة ما يسعف على وضع مخططات وبرامج ثقافية، تصاغ مع كافة الفاعلين المعنيين بالشأن الثقافي، وهي المخططات التي تتقدم ثقافتنا بدونها.وصرح القادري بهذا الخصوص أننا نفتقد في العالم العربي كما في المغرب لسياسة ثقافية تنأى عن التوجهات الحزبية، ولا تخضع لحسابات وقناعات المسؤولين عن القطاع والذين يتغيرون تباعا، ما يجعل كل سياسة ثقافية تتغير بتغيرهم وتبدأ من الصفر ، مؤكدا أننا بحاجة إلى خارطة طريق تجعل الثقافة في سلم الأولويات، ورافدا للتنمية، كما تجعلها في عمق الاهتمام وحقا ميسرا الولوج إليه لكل المواطنين.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 15/07/2020