حوارات مع الكاتب الياباني هاروكي موراكامي 6 : هاروكي موراكامي: لا استطيع رؤية الحدود بين العالم الخيالي والعالم الواقعي 2/2

عداء الماراثون الياباني، الذي أخضع نفسه لنظام يشبه قطعة موسيقية، أصدر رواية جديدة، كرسها لشخصية تعاني من تفاهتها المزمنة. في زيارة لهاواي، حيث يستقر الكاتب غالبا: «إننا نضجر كثيرا هنا»المثال الأعلى بالنسبية إليه، كما يقول.
كي تلتقي موراكامي، لا تفكر أبدا في الوجهة نحو طوكيو؟ بل الذهاب إلى «هونولولو». لقد اختار أن يعيش هناك: وسط فضاء غير قابل للتشكل دائما مثل حكاياته أيضا، الضياء الجبال ثم شاطئ وايكيكي الأسطوري: المسافر الذي يصل هناك ينغمس بين طيات حلم مناخ تقارب حرارته ثمان وعشرين درجة يغمره أريج الورورد الاستوائية. هو الفردوس على الأرض.لا يوجد أي شخص على الشاطئ: فمنذ صدور قرار صارم يمنع التدخين هناك واحتساء الخمر أو تناول الطعام، اكتفى السياح بطلب أصناف الشراب داخل حانة الفندق المكيفة.

p قلت في إحدى المرات أن حلم حياتك كان الجلوس في قاع بئر. ولديك عدد من الشخصيات التي تفعل ذلك الشيء بالضبط. هنالك شخصية في رواية “مقتل قائد الفرسان” -مينشيكي- تفعل الأمر. لماذا؟
n أحب الآبار كثيراً، والثلاجات، والفيلة. يوجد الكثير من الأشياء التي أحبها. حينما أكتب عن تلك الأشياء، أكون في غاية السعادة. عندما كنت طفلاً، كان هنالك بئر في منزلي، وكنت أنظر دائماً إلى أسفله، ونمت مخيلتي.
هنالك قصة قصيرة لريموند كارفر، حول السقوط في بئر جاف. أحببت تلك القصة للغاية.

p هل سبق وأن حاولت النزول الى أسفل بئر؟
n كلا، كلا، كلا. الأمر خطير جداً كما تعلمين. فعلتها في مخيلتي فقط.
أحب الكهوف أيضاً. عندما أسافر حول العالم وأرى كهفا، أدخل ذلك الكهف. كما أني لا أحب المرتفعات. إنني مهتم جدا بالعالم السفلي.

p قلت في إحدى مقابلاتك منذ سنين قليلة مضت بأن القوة الدافعة لقصصك كانت “الاختفاء والبحث والعثور” هل تعتقد بأن هذا لا يزال صحيحاً؟
n نعم. إنها الفكرة الرئيسية لرواياتي. فقدان شيء ما والبحث عنه ثم العثور عليه. غالباً ما تبحث شخصيّاتي عن شيء ما قد فُقد. أحياناً تكون فتاة، وأحياناً أُخرى يكون سبب أو غرض. لكنهم يبحثون عن شيء مهم و معقد تم فقدانه. لكن حينما تجده الشخصية، سيكون هناك نوع من خيبة الأمل. لا أعلم لماذا، لكنه نوع من المجاز في رواياتي – البحث عن شيء ثم العثور عليه، لكنها ليست نهاية سعيدة.
عادةً ما يكون الرجال الذين تكتب عنهم ضائعين بطريقة ما عاطفياً أو وجودياً. لا يبدون وكأنهم ينتمون إلى مكان ما في العالم.
كما تعلمين، إذا كان بطل الرواية سعيداً، فلن تكون هنالك قصة اطلاقاً.

p تتمحور رواياتك عادةً حول لغز. تحل اللغز أحياناً وتتركه بدون حل في أحيانٍ أُخرى. هل ذلك لإنك تحب أن تترك النهايات مفتوحة للقارئ، أو لأنك أنت نفسك لا تكون دائماً متأكدا من الحل؟
n Résultat de recherche d›images pour «haruki murakami and hi wife»
هاروكي يحمل روايته 1Q84
عندما أنشر كتابا خياليا، يتصل بي بعض الأصدقاء أحياناً ويسألونني، ما الذي يحدث لاحقاً؟” وأجيب:”هذه نهاية القصة.” لكن الناس يتوقعون تتمة. بعد نشري لرواية “IQ84” فهمت كل شيء سيحدث لاحقاً. كان بإمكاني كتابة تتمة، لكني لم أفعل. فكرت بأن الأمر ربما سيشبه فيلم “جوراسيك بارك ٤” أو “داي هارد ٨”. لذا احتفظت بتلك التتمة لنفسي واستمتعت بها كثيراً.

p هل تظن بأنك ستكتبها في يوم ما؟
n لا أظن ذلك. أعتقد أنها ستبقى في ذاكرتي. بطل التتمة هي ابنة تينكو في عمر السادسة عشر. إنها قصة ممتعة جداً.
-إذاً فهي ليست ” داي هارد ٨” !
وهناك بادئة للكتاب قبله.

p في ذاكرتك فقط؟
n نعم.

p هل تظن بأن أسلوبك يبقى كما هو في الترجمة؟
n نعم. لا أعلم لماذا، لكن عندما أقرأ كتبي بالإنكليزية، أقول نعم هذا أنا. الإيقاعات، أسلوب النثر هي نفسها – تقريباً نفسها.

p أنت نفسك مترجم. لقد ترجمت لـ فرنسيس سكوت فيتسجيرالد وترومان كابوت وريموند كارفر وآخرين لليابانية؛ والآن تترجم لـ جون تشيفر. مالذي شدك للكتاب الذين تترجم لهم؟
n الأمر وببساطة أني أترجم ما أحب أن أقرأ. لقد ترجمت كل روايات ريموند تشاندلير. أحب أسلوبه جداً. لقد قرأت “الوداع الطويل” خمس أو ست مرات.

p درس كلا والديك الأدب. هل كانا سعيدين بتوجهك للكتابة؟ هل كانا يودان منك أن تصبح مهندساً أو طبيباً؟
n لا أظن هذا. لا أعلم ما الذي توقعاه مني.
p بعد أن نشرت رواية “كافكا على الشاطئ” كان لديك موقع الكتروني حيث يمكن للناس من خلاله أن يسألوا أسئلة حول الرواية أو يخبرونك بنظرياتهم حولها – واستجبت لبعض الأسئلة. لماذا فعلت ذلك؟ لماذا مع هذا الكتاب بالذات؟
n كنت أشعر بالفضول. كان موجوداً لمدة محدودة، لكني استقبلت الكثير من الرسائل، لا أتذكر العدد بالضبط – ربما ثلاثون ألفاً – لكني قرأتها كلها حتى آلمتني عيناي! وأجبت ربما حوالي ثلاثة آلاف رسالة. كان عملاً صعباً، لكنني أظن بأنّي حصلت على فكرة غامضة حيال نوعية الناس التي تقرأ كتبي، وماذا كان رأيهم حيال عملي.
سأل بعضهم أسئلة غبية. سألني أحدهم عن مخالب الحبّار؛ للحبّار عشر مخالب، وأراد أن يعرف إذا كانت هذه المخالب أيادي أم أقدام .
لماذا سألني سؤالا كهذا؟ وإجابتي كانت: ضع عشر جوارب وعشر قفازات بجانب سرير الحبّار. فإنه عندما يستيقظ إما سيختار القفازات أو الجوارب وحينها ستعرف الإجابة.
لا أعلم إذا كان الحبار ينام على سرير أم لا …
لكنني استمتعت بمعظم الأسئلة.

p إنه خيال يمكنك نسجه. لكن ماذا لو كان صحيحاً؟ إذا كنا نعرف بأنك تحب القطط، على سبيل المثال، هل سيمكّننا الأمر من فهم أعمالك على نحوٍ أفضل؟
n اسألي زوجتي !
هاروكي موراكامي وزوجته
هاروكي مع زوجته السيدة يوكو تاكاهاشي
p هل تفهم زوجتك أعمالك على نحوٍ أفضل لأنها تعرفك؟
n لا أعلم. تقول بأني لست كاتبها المفضّل. لكنها دائماً تنتقد أعمالي بجدية. إنها أولى قُرائي، لذا فإنّي حينما أنتهي من الكتابة أمرّر لها المخطوطة، وتقرأها ثم تعيد لي مسودة بمئات الملاحظات (أكره تلك الملاحظات جداً)، وتقول “عليك إعادة كتابة هذه الأجزاء!”

p إذا طلبت منك إعادة الكتابة، هل تنفذ ما تقول؟
n نعم، ثم أعيده إليها، وبدورها تعيده إلي مع مئة ملاحظة -أقل من المرة السابقة-، هذا جيّد.


بتاريخ : 08/08/2019