لم يعد هناك متسع من الوقت لمقاومة الماء الذي بداخلي، أو ربما لم يتبق هناك جهد وطاقة لتجفيفه٬ لأنه لم يكن يوماً ماء للحياة٬ وإنما كان ماءً يبشر بالغرق. سٲخبرك بسرٍّ لن تعلمه ٲبداً٬ بعد رحيلك كنت أذهب كل ليلة إلى المكان الذي صادفتك فيه أول مرة٬ كنت ٲرشي القدر علّه ينعم عليّ بمصادفة أخرى، كنت ٲنتظرك ٲمام النخلة الكبيرة التي طالما انتظرتني عندها٬ ٲنتظر وٲنتظر٬ عندها فقط يصبح تحمل الانتظار اللعبة الوحيدة التي أتقنها. لكن تلك الليالي لم تزدني إلا كثيرا من الظلام، كنت أريد أن أخبرك أننا نعيش نفس الليل، لكن ظلامي مختلف كثيراً، كفراشة تحوم حول شعلة نور. تلك الشعلة كانت أنت. كانت رياح الشوق تهزني إليك مثل كيس فارغ، لم يعد بجوفه شيء آخر يحمله٬ لأنك بكل بساطة رحلت ورحلت معك أوتارك التي كانت تهز كياني كله بكل ما فيه من حياة، وبقيت أنا أتخبط في هذه الظلمة المحيطة بي التي كان سببها فقدان الحب والشغف وليس فقدان البصر٬ وربما فقدتهما معاً لٲنني لم ٲبصر بعدك٬ وانكسر معك القلب لشدة هشاشته.
عندما افترقت طرقنا، كنت تعلم جيداً أنه من المؤلم أن أعيش بقلب لست فيه٬ وما الفائدة من أن أملك ذراعين لن يستطيعا بعد ذلك عناقك. وأنت ذاهب لا بد ٲنك رٲيت لون وجهي الذي كان مصقولا بشحوب الموت، واكتشفت بإحساسك الفراغ الذي خلفته وأنت تعانق ضموري، فاكتفيت بٳشارة الوداع واكتفيت أنا بهدهدة قلبي لأمسكه عن البكاء، وانتظرت من الصمت أن يعيدك إلي، لكنه لم يفعل. كان يكفي ٲن ترفع ٳحدى ذراعيك لتوقف ٲشعة الشمس وتبعدها عن عيني٬ كان يكفي ٲن تعيد ٳلي الحياة بقبلة ماء من شفتيك٬ تمتص منك رحيق الحياة. جف ريقي الآن عندما جفت الحياة.
لم أعد إلى فراشي الذي تركته باردا٬ ٲقضي الليالي بعدك مقرفصة على كومة من الحجر كقطعة خشب عتيقة٬ خائفة من النوم وما سيأتي به من أحلام. إنني أموت حسرة على خسارتي الكبيرة، إنني أرى الحياة وقد شاخت فجأة، توقفت عجلتها عن الدوران ولم يعد هناك ما يجعلني أقبل عليها وأنا متيبسة ومتوجعة هكذا٬ تضببت الرؤيا ولم ٲعد ٲميز بين الحقيقة والخيال٬ بين الحلم والواقع٬ بين جمال البدايات وتعاسة النهايات تماماً كرائحة الموت التي تنبعث من جسدي٬ لكن جميع الحواس مخدرة.