ثورة إدارية هادئة
صابرين المساوي
لقد تعلمنا أنه لا يمكن قراءة الخطب الملكية بدون الرجوع إلى مضامين الخطب السابقة ، وأن هناك خيطا رابطا بين جميع الخطب الملكية، وبالتالي فإن أي قراءة لا تأخذ بعين الاعتبار الخطابات السابقة تبقى قراءة معيبة وتزيغ عن الصواب.
عندما نقرأ خطاب 20 غشت 2019 ، فإننا نستحضر بشكل أوتوماتيكي خطب ملكية أخرى حملت معها ثورات هادئة في مجالات الإدارة العمومية والديبلوماسية والجهوية المتقدمة ومراكز التكوين المهني والتعليم ومراكز الاستثمار الجهوي وميثاق اللامركزية …وغيرها من المجالات التي تهدف إلى تحسين حياة المواطن وتجويد الخدمات العمومية، وتسعى إلى تحقيق مقومات التنمية الاجتماعية والاقتصادية …
كما نقرأ في خطاب الثورة المتجددة والمتواصلة لسنة 2019، تأكيدا أن هذه ” الثورات الهادئة ” التي يقودها جلالة الملك محمد السادس أو الأوراش الوطنية الكبرى يجب أن تتم بشكل تشاركي واندماجي يضمن انخراط جميع القوى الوطنية الحية …
لقد جاء في أكثر من خطاب ملكي ، أن تشريح وتشخيص الواقع بكل جرأة وموضوعية ليس نقدا هداما ولا يدخل في خانة جلد للذات ، لكنه نقد بناء خاصة وأنه مرفوق دائما بالاقتراحات والحلول الاستعجالية والاستراتيجية ..
لقد شكلت خطب جلالة الملك محمد السادس جيلا جديدا من الخطب، إذ تميزت بالواقعية والموضوعية والجرأة، سواء في مجال تشخيص الواقع وانتقاد أداء المؤسسات والمرافق العمومية أو في مجال طرح وصفات الحلول الاستراتيجية …
” بدون مواطن لن تكون هناك ادارة ”
يقول جلالة الملك محمد السادس، ضمن نص خطاب وجهه إلى أعضاء البرلمان برسم افتتاح الدورة الأولى من الولاية التشريعية يوم الجمعة 14 اكتوبر 2016 ” الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات هو خدمة المواطن ؛ وبدون قيامها بهذه المهمة فإنها تبقى عديمة الجدوى ، بل لا مبرر لوجودها أصلا . وقد ارتأيت أن أتوجه إليكم اليوم، ومن خلالكم لكل الهيئات المعنية وإلى عموم المواطنين، في موضوع بالغ الأهمية هو جوهر عمل المؤسسات وأقصد هنا علاقة المواطن بالإدارة، سواء تعلق الأمر بالمصالح المركزية، والإدارة الترابية، أو بالمجالس المنتخبة، والمصالح الجهوية للقطاعات الوزارية …”
ويواصل جلالة الملك ” أقصد أيضا مختلف المرافق المعنية بالاستثمار وتشجيع المقاولات، ومن قضاء الحاجيات البسيطة للمواطن، كيفما كان نوعها؛ فالغاية منها واحدة، هي تمكين المواطن من قضاء مصالحه في أحسن الظروف والآجال، وتبسيط المساطر ، وتقريب المرافق والخدمات الأساسية منه . أما إذا كان من الضروري معالجة كل الملفات، على مستوى الإدارة المركزية بالرباط، فما جدوى اللامركزية والجهوية، واللاتمركز الإداري، الذي نعمل على ترسيخه منذ ثمانينيات القرن الماضي ..”
ويؤكد جلالة الملك أن المرافق والإدارات العمومية تعاني من عدة نقائص تتعلق بالضعف في الأداء وفي جودة الخدمات التي تقدمها للمواطنين، ويقول إنها ” تعاني من التصخم وقلة الكفاءة، وغياب روح المسؤولية لدى العديد من المواطنين ” وأن ” الادارة تعاني، بالأساس ، من ثقافة قديمة لدى أغلبية المغاربة …فهي تشكل بالنسبة للعديد منهم مخبأ يضمن لهم راتبا شهريا، دون محاسبة على المردود الذي يقدمونه ” …ويضيف جلالة الملك “المسؤولية تتطلب من الموظف الذي يمارس مهمة أو سلطة عمومية، والذي توضع أمور الناس بين يديه، أن يقوم على الأقل بواجبه في خدمتهم والحرص على مساعدتهم . والواقع أن الوظيفة العمومية لا يمكن أن تستوعب كل المغاربة، كما أن الولوج إليها يجب أن يكون على أساس الكفاءة والاستحقاق وتكافؤ الفرص .”
ويؤكد جلالة الملك أن ” إصلاح الإدارة يتطلب تغيير السلوكات والعقليات، وجودة التشريعات، من أجل مرفق إداري عمومي فعال في خدمة المواطن …فالوضع الحالي يتطلب إعطاء عناية خاصة لتكوين وتأهيل الموظفين، الحلقة الأساسية في علاقة المواطن بالإدارة، وتمكينهم من فضاء ملائم للعمل، مع استعمال آليات التحفيز والمحاسبة والعقاب، كما يتعين تعميم الإدارة الالكترونية بطريقة مندمجة، تتيح الولوج المشترك للمعلومات بين مختلف القطاعات والمرافق…”
إن ” الجهوية المتقدمة، التي أصبحت واقعا ملموسا، تشكل حجر الزاوية الذي يجب أن ترتكز عليه الإدارة في تقريب المواطن من الخدمات والمرافق ومن مراكز القرار . (…) فعلى الجميع مواكبة التطور، والانخراط في الدينامية المؤسسية والتنموية التي نقودها ببلادنا، والكل مسؤول عن نجاعة الإدارة العمومية والرفع من جودتها باعتبارها عماد أي إصلاح وجوهر تحقيق التنمية والتقدم ، الذي نريده لأبناء شعبنا الوفي ….”
الكفاءة أساس النجاعة
ويعتبر خطاب العرش، 29يوليوز 2017، أن العديد من الموظفين العموميين لا يتوفرون على ما يكفي من الكفاءة، ولا على الطموح اللازم، ولا تحركهم دائما روح المسؤولية، مشيرا إلى أن العديد منهم لا يقضون سوى أوقات معدودة داخل مقر العمل ويفضلون الاكتفاء براتب شهري مضمون على قلته بدل الجد والاجتهاد والارتقاء الاجتماعي …
يقول جلالة الملك “إن من بين المشاكل التي تعيق تقدم المغرب هو ضعف الإدارة العمومية، سواء من حيث الحكامة أو مستوى النجاعة أو جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين …”
في الحاجة إلى جيل جديد من الكفاءات
خطاب العرش ليوم 29 يوليوز 2019 ، خطاب له خصوصية تاريخية، إذ يؤرخ لعشرين سنة من حكم الملك محمد السادس، وعشرين سنة من الخطب والتواصل المباشر مع شعبه أينما كان، سواء داخل الوطن أو من مغاربة العالم …
لقد تضمن خطاب العرش لسنة 2019، بعد تشخيص واقعيا، طرح حلول عملية بلغة واضحة لا تحتاج إلى كثير شرح أو تأويل، وأن المغرب يحتاج للمرحلة الجديدة أدوات جديدة وآليات جديدة من نخب وطنية ذات كفاءة عالية وضخ دماء جديدة، سواء في المسؤوليات الحكومية أو الإدارية …
إن لغة خطاب العرش لسنة 2019 هي لغة سلسة تفهمها كل الفئات المغربية، لوضوحها وواقعيتها . وللقفز إلى جانب الدول المتقدمة يلزمنا جيل جديد من المشاريع وجيل جديد من الكفاءات وجيل جديد من عقليات التسيير ، وهو ما عبر عنه الخطاب بثورة ثلاثية الأبعاد، ثورة في التبسيط وثورة في النجاعة وثورة في التخليق .
خطاب قوي، صريح، حاسم وصارم وجريء، مغرب اليوم يختلف عن مغرب الأمس اختلافات الكون كلها، وحده شيء أساسي لا يزال ثابتا في النبض : حب الوطن وخدمة المواطن .
خطاب العرش توسل حقلا دلاليا معظمه يدور حول الإنسان والمواطن المغربي، تم توزيعه على كل محاور الخطاب بدءا بتقديم الحصيلة لعشرين سنة من الحكم، قوامها ملكية مواطنة تعتمد قانون القرب من المواطن، مرورا باعتراف عدم شعور المغاربة بثمار المنجزات، وانتهاء بجعل هدف تحسين ظروف عيش المواطنين البدء والمنتهى لكل تخطيط وتنفيذ وسلوك.
لم يختر محمد السادس النصف المملوءة من الكأس للاحتفال بمنجزات عشرين سنة من الحكم، بل اختار النصف الفارغة وركز على نبض الحركات الاحتجاجية وتشكي المغاربة من أوضاع اجتماعية صعبة، توسل جملة باذخة بالإنسانية ليقول للمغاربة إن قلبه يعتصر ألما لاستمرار الحاجة والخصاص لدى النزر القليل من المغاربة، فاتحة شراع الأمل لتجاوز هذا الوضع عبر تشريح شجاع لمعيقات هذا الطموح، بدءا بالمؤسسات والأفراد والعقليات، معتبرا أن بناء النموذج التنموي يحتاج تشخيصا واقعيا مهما كانت قساوته، ويحتاج قبل كل ذلك لعقلية ودماء قادرة على الخلق والابداع، منتقدا القطاع العام وآلياته الباردة في التجاوب مع طموح التحديث والتغيير .
التحديث والتغيير سيتم من داخل ثلاثية متلازمة تقوم على التبسيط والنجاعة والتخليق، من داخل استمرارية لما هو صالح من التصورات والأدوات، ولذلك يقدم الملك إجابات مترابطة لعتبات تبني هذا النموذج، بدءا من تحفيز المؤسسات القائمة، وعلى رأسها الحكومة، للقيام بمبادرات لتجويد أدائها وضخ دماء قادرة على تمثل النموذج التنموي المأمول، مرورا بالمؤسسات العمومية المعنية بالاستثمار والخدمات لتغيير جلدها المترهل، عبر منح الكفاءات فرص قيادة التغيير داخل دواليب الإدارة والمؤسسات.
يقول جلالة الملك: ” فالمرحلة الجديدة ستعرف إن شاء الله ، جيلا جديدا من المشاريع، ولكنها ستتطلب ايضا نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية بما فيها الحكومة “.
خطاب العرش كان قويا، صارما، صريحا، لم يكتف هاته المرة بقولها ” نحن نريد سماع الحقيقة كاملة عما يجري في بلادنا وإن كانت قاسية ومؤلمة” ، لم يكتف هاته المرة بقولها مثلما هي للمسؤولين والمواطنين، بل مر إلى اقتراح البديل وإلى وضع المرحلة الجديدة للبلاد عنوانا للقادم .
المغاربة الذين يقولونها بكل اللغات عن تبرمهم ومللهم من وجوه بعض المزمنين الذين لا يريدون الرحيل ، سمعوا ملك البلاد يقول بأن الحاجة ضرورية اليوم لكفاءات ووجوه وطاقات جديدة ….إن هذا الملك يريد العمل، ويبحث عن الصادقين للعمل معه .
نعرف أن المغرب هو بلد كفاءات، وبلد شباب، وآخرون أقل شبابا قادرون على إبداع كل الطرق والحلول للنهوض ببلادهم والسير معها جنبا إلى جنب في كل مراحلها، وأساسا في مرحلتها الجديدة المقبلة.
هناك اقتناع، هناك توافق بين الملك وبين شعبه؛ إن الحاجة ماسة إلى الوجوه الجديدة، والكفاءات الحقيقية الجديدة، والطاقات الشابة التي يمتلئ بها خزان هذا البلد حد الإبهار .
وهذه المرة كانت واضحة أكثر من المرات السابقة، وتقول باسم الشعب وباسم الملك معا إن الحاجة ماسة لضخ الدماء الجديدة في العروق، التي لم تعد تستطيع الاشتغال بشكل سليم …إن المسألة تهم مستقبل بلد بأكمله .
خطاب 9 مارس 2011 قدم وصفة لأفق دستوري بدون سقف، وطالب الفاعلين بابتكار الوسائل الخلاقة لتجسيد روح ما اقترحه خطاب 9 مارس، وخطاب 29 يوليوز يكرر التجربة بآليتها وأفقها، والمطلوب أن يكون لكل الفاعلين الشجاعة للابتكار عوض الركون للمحافظة التي قيدت الأفق المفتوح الذي وضعه خطاب 9 مارس في متناول المغاربة، ولا مجال للمجاملة لأن الخطاب يبحث عن الإبرة التي تخيط ثوب التنمية البهي داخل أشواك التشخيص والاقتراح .
تفعيل ورش الجهوية المتقدمة
إن تفعيل ورش الجهوية بات حاجة وطنية ملحة من أجل تحقيق التنمية الشاملة، فالجهوية هي المدخل لتحقيق تنمية مستدامة، وهذا هو الخيار الذي يراهن عليه المغرب، لكن ذلك يتطلب إرادة حقيقية وانخراط الجميع في إنجاح هذا الورش.
وجلالة الملك الذي بدا متفائلا، في خطاب 20 غشت، بكسب رهانات المرحلة المقبلة، يراهن على هذا الورش لتحقيق التنمية المستدامة، يقول جلالته في خطاب ثورة الملك والشعب ” ..إننا نعتبر أن التطبيق الجيد والكامل، للجهوية المتقدمة، ولميثاق اللاتمركز الإداري، من أنجع الآليات التي ستمكن من الرفع من الاستثمار الترابي المنتج، ومن الدفع بالعدالة الاجتماعية “.
غير أنه بالرغم من النصوص القانونية التي راكمها المغرب بخصوص ورش الجهوية، فإن الأمور لا تسير كما كان مسطرا لها، يقول جلالة الملك “إلا أن الملاحظ رغم الجهود المبذولة، والنصوص القانونية المعتمدة، أن العديد من الملفات، لا تزال تعالج بالإدارات المركزية بالرباط، مع ما يترتب عن ذلك من بطء وتأخر في إنجاز المشاريع، وأحيانا التخلي عنها .
وفي هذا الإطار أدعو الحكومة لإعطاء الأسبقية لمعالجة هذا الموضوع ، والانكباب على تصحيح الاختلالات الإدارية، وإيجاد الكفاءات المؤهلة، على المستوى الجهوي والمحلي، لرفع تحديات المرحلة الجديدة “.
لم يعد أمام قطار الجهوية سوى الانطلاق بشكل سليم، بعدما تم ترصيص سكته بكامل المراسيم التطبيقية، كان آخرها ميثاق اللاتمركز الإداري الذي يتطلب، اليوم أكثر من أي وقت مضى، أطرا قادرة على اتخاذ القرار في المكان عينه، للقطع مع سياسة ” وسير لرباط ” كي توافق الإدارة المركزية على إنجاز مشاريع تنموية، التي تتأخر دائما بمختلف مناطق المغرب جراء سيادة البيروقراطية، فما زالت الإدارة المركزية تهيمن على الكثير من المجالات المفروض تفويتها للجهات بحكم القانون …
في ما يخص، إذن ، الجهوية واللاتمركز الإداري، دعوة جلالة الملك في خطاب ثورة الملك والشعب، كانت واضحة وصريحة للحكومة من أجل إعطاء الأسبقية لتنزيل هذا الورش لرفع تحديات المرحلة الجديدة .
وإن هذا التوجيه الملكي، يقول محمد بنعبد القادر، وزير الإصلاح الإداري والوظيفة العمومية ” يجعلنا في اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري أكثر حرصا على نقل الاختصاصات ذات الطابع التقريري على مستوى طلبات الرخص والتصاريح وملفات الاستثمار .”
إن التوجيه الملكي، يؤكد بنعبد القادر، بخصوص اللاتمركز الاداري، في خطاب 20 غشت، سيعطي نفسا قويا لتدخل الحكومة، في هذا الورش، ويعزز عمل اللجنة الوزارية من حيث اعتماد الجرأة اللازمة في نقل الاختصاصات التقريرية إلى المصالح الخارجية .
إن المسؤولية مشتركة، لذلك فإن جلالة الملك شدد في بداية الخطاب على ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية وادماجية، في معالجة القضايا الكبرى للبلاد، تنخرط فيها جميع القوى الحية للأمة …
إصلاح الوظيفة العمومية؛ خدمة المرتفق وكفاءة الموظف ونجاعة الإدارة
قدم محمد بنعبد القادر وزير إصلاح الادارة والوظيفة العمومية ، يوم الخميس 5شتنبر 2019 ، أمام مجلس الحكومة، المخطط التنفيذي لإصلاح الوظيفة العمومية وفق رؤية جديدة تنهل من المرجعية الدستورية وتنبني على ثلاثة عناصر أساسية: الخدمة العمومية والكفاءة والمردودية والتقييم والتحفيز، في إطار مثلث تقوم زواياه على خدمة المرتفق وكفاءة الموظف ونجاعة الادارة .
خطة تنفيذية لتنزيل الرؤية الإصلاحية لمراجعة منظومة الوظيفة العمومية
هذا الاصلاح الذي ظل رهن التأجيل لعدة ولايات حكومية، يعد أول خطوة جريئة لمراجعة شمولية للنظام الأساسي للوظيفة العمومية الذي لم يطرأ عليه تغيير جذري منذ 1958 .
وحسب الخطوط العريضة التي قدمها الوزير بنعبد القادر أمام مجلس الحكومة ، سيحتاج تنزيل هذا المخطط مجهودا استثنائيا لإخراج ترسانة قانونية ضخمة لا تقل عن 9 نصوص تشريعية و 13 نصا تنظيميا في مساحة زمنية ضيقة لا تتعدى السنتين ونيف التي بقيت من عمر الحكومة .
مرجعيات الخطة
تنهل هذه الخطة من ثلاث مرجعيات أساسية؛ على رأسها التوجيهات الملكية التي تضمنتها الخطب السامية الأخيرة، والتي حث خلالها جلالة الملك على ارساء نموذج تنموي جديد، ووضع مفهوم الخدمة العمومية في صلب هذا النموذج، واعتماد الكفاءة والفعالية في تدبير الموارد البشرية، والانتقال إلى نموذج جديد للوظيفة العمومية مبني على تدبير الكفاءات مع بلورة أفكار متقدمة بشأن التدبير العمومي الناجع، المتشبع بثقافة التعاقد . بالإضافة إلى ما تضمنه الدستور بشأن ولوج الوظيفة العمومية حسب الاستحقاق. وكذا ما وعدت به الحكومة في برنامجها الخماسي بشأن مراجعة منظومة الوظيفة العمومية ووضع سياسة عمومية مندمجة لتدبير حديث للموارد البشرية ومراجعة منظومة التعيين في مناصب المسؤولية وفي المناصب العليا وفقا للمقتضيات الدستورية ،
وسيرتكز إصلاح منظومة الوظيفة العمومية على 3 أعمدة تتلخص في تثمين الكفاءات ومهننة التدبير وملاءمة بيئة العمل .
خمسة محاور
يقوم المخطط التنفيذي لتنزيل هذه الرؤية الإصلاحية على خمسة محاور كبرى تشمل اعتماد الكفاءات بالتدبير، إعادة هيكلة الوظيفة العمومية العليا، ملاءمة الوظيفة العمومية مع سياسة اللاتمركز، مراجعة بنية الوظيفة العمومية، والتحفيز وتحسين بيئة العمل .
تدبير الكفاءات
ينبني المحور الأول، المتعلق باعتماد التدبير بالكفاءات، على الانتقال المتدرج من نموذج للوظيفة العمومية قائم على تدبير المسارات، إلى نموذج مبني على تدبير الكفاءات كنموذج إداري فعال يتلاءم مع النموذج التنموي المنشود، ويستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة والمقبلة، ويقوم على استقطاب الكفاءات وتعزيز التكوين المستمر .
وسيواكب هذه العملية مراجعة للإطار التشريعي والتنظيمي، وذلك عبر إعداد مشروع مرسوم يتعلق بنظام الوظائف والكفاءات، ومراجعة مرسوم يتعلق بالولوج إلى الوظائف العمومية، وإعداد مشروع قانون يحدد قواعد تقييم أداء الموظف والتكوين المستمر .
جيل جديد من القيادات
يتجه المحور الثاني من المخطط نحو العمل على إعداد أجيال جديدة من القيادات الإدارية بمختلف الإدارات والمرافق العمومية، من خلال تعزيز أدوارها القيادية ومهنيتها، واعتماد التقييم بناء على التدبير التعاقدي .
ولهذا الغرض، ستتم مراجعة القانون التنظيمي المتعلق بالمناصب العليا، والمرسوم المتعلق بالكتاب العامين للوزارات، والمرسوم المتعلق بالمفتشيات العامة ومديري الإدارات المركزية، فضلا عن إعداد مشروع مرسوم يتعلق بنظام تقييم أداء شاغلي المناصب العليا.
3- يتعلق المحور الثالث بملاءمة الوظيفة العمومية مع سياسة اللاتمركز ، بشكل يتماشى وسياسة اللاتمركز والجهوية المتقدمة، وذلك من خلال اعتماد التوظيف الجهوي للموارد البشرية، وتفعيل نظام الحركية والتحفيز عليها ، وإعادة تحديد مهام الوظيفة العمومية المركزية .
وفي هذا الإطار، ستعمل الوزارة المعنية على مراجعة المرسوم المتعلق بتنظيم البنيات والهياكل الإدارية، وإعداد مشروع قانون يحدد كيفية تدبير المناصب المخصصة للتوظيف والحصيص على المستوى الجهوي ومشروع قانون يتعلق بنظام الحركية .
4- يسعى المحور الرابع إلى ملاءمة بنية الوظيفة العمومية مع متطلبات إنجاز مختلف المهام المنوطة بالإدارة العمومية على اختلاف مستوياتها، لا سيما تلك المعنية بترتيب وتصنيف الهيئات الإدارية، ودمج بعض الأنظمة الأساسية وإرساء مسالك مهنية وظيفية .
وبهدف خلق بنية وظيفية متجانسة ومنسجمة مع مهام الإدارة، سيتم إعداد مشروع مرسوم يتعلق بتصنيف الوظائف ودمج الأنظمة الأساسية وآخر يتعلق بالمسارات المهنية .
تحفيز وتحسين بيئة العمل
يتعلق المحور الخامس بخلق بيئة عمل محفزة ترتكز على دعم القيم الأخلاقية للمرفق العام وتراعي الجوانب الاجتماعية وتكرس نهج الحوار والتشاور .
ويهم الإطار التشريعي والتنظيمي ، الخاص بهذا الجانب، إعادة مشروع قانون بإحداث وتنظيم مؤسسة مشتركة للنهوض بالأعمال الاجتماعية لموظفي الإدارات العمومية، ومشروع قانون يتعلق بالرخص، ومشروع مرسوم في شأن مدونة أخلاقيات الموظف ومراجعة المرسوم المتعلق باللجان الإدارية المتساوية الأعضاء .
ويشمل أيضا إعداد مشروع قانون يتعلق بالحوادث والأمراض المهنية ومشروع قانون يتعلق بالصحة والسلامة المهنيتين والوقاية من الأخطار في العمل، ومشروع قانون في شأن المجلس الأعلى للوظيفة العمومية، ومشروع مرسوم في شأن المجلس الأعلى للوظيفة العمومية .
النزاهة والحكامة
تسعى الرؤية الإصلاحية الجديدة لمراجعة منظومة الوظيفة العمومية إلى تعزيز قيم النزاهة، والعمل على إصلاح الإدارة، وترسيخ الحكامة الجيدة، في أفق إرساء وظيفة عمومية مهنية ناجعة ومحفزة . وبالموازاة مع الأوراش الخمسة لإصلاح منظومة الوظيفة العمومية، ستعمل الوزارة المعنية على تطوير نظام معلوماتي مشترك لتدبير الموارد البشرية، ومراجعة نظام الأجور، وكذا اعتماد مقاربة النوع، سعيا منها إلى الارتقاء بالخدمات الإدارية في علاقتها مع المرتفقين، طبقا للتوجيهات الملكية .
الخيارات الاستراتيجية لجلالة الملك
إن وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية تجد نفسها في الخيارات الاستراتيجية والتوجهات السياسية والإصلاحات الهيكلية التي يبشر بها جلالة الملك، ويحث عليها في كل مناسبة وحين، بل وينكب على الإشراف على أجرأة الكثير منها ….إن هذه الوزارة، استيعابا منها لخطب جلالة الملك، تشق طريقها بإصرار وحكمة لرفع التحدي وكسب الرهان، علما أن أصعب إصلاح هو إصلاح الإدارة ….
الكاتب : صابرين المساوي - بتاريخ : 13/09/2019