ماقبل رمضان وما بعده …وحالات النفس ..

 

قال الله تعإلى:(( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ (22)) إبراهيم
وقال تعإلى ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا*وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا*وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا*وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا*وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا*وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا*وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) سورة الشمس
من أهم التصنيفات الخاصة بالأنفس في القرآن الكريم النفس المطمئنة والنفس  اللوامة والنفس الأمارة  ..وبقراءة في سياقات تنزيلها وردت للتعريف والدلالة  على طبيعة الإنسان والتي تتلبس ماهو فكري وعقلي وسلوكي ، إذ الأقوال والأفعال والممارسات تتمظهر وتتجسد لصاحبها وللناس بما لايخرج عن التوصيفات المذكورة شرعا …وهنا لانريد ان نفصل في الذي لايدرك القيمة الاخلاقية لنفسه إذ تختلط لدى البعض مفاهيم الخير والشر والإيجاب والسلب فيصبح الشر بابا من أبواب الخير كمفارقة ، كما يتحول الخير إلى طريق لزرع الشر وإرضاء الهوى ..
إن النَّفس في علاقتها بالمادة والحاجات الضرورية للعيش والاستمرار وحفظ النوع لاترقى إلى مستوى المسؤولية الراشدة إلا بوجود ضابط ومؤطر يستوعب ويتلقى ما ينمي ويغذي العقل والفكر والجسد وما يرقى بالوعي الروحي الذي يوجه وينظم ويقود الإنسان ككائن عاقل واع مدرك  مع تملكه القدرة على التمييز الفطرية والتجريبة بين الخير والشر والجمال والقبح والهداية والضلال ..كما يؤسس على ذلك وضع اعراف وقوانين تجعل الجماعة  /المجتمع بمؤسساتهما تسيران وفق منهج يقنن الممنوعات المتغيرة  ويحدد المسموحات التي تصبح ممنوعات لضرورات المصلحة  في علاقة بالتقاليد التي تصبح تشريعا  من جهة دون التعارض والتناقض مع الدين المعتمد داخل المجتمع وحتى المذهب او الطائفة عند الضرورة..
لهذا، فالممنوع والمسموح داخل نفس المجتمع  قد يلائم ما بين النص الديني والعرف المعتمد «كمقدس « للمحافظة على خصوصيات القبيلة او المنطقة دون الغاء لأي نص شرعي أو عرفي بشكل كلي بل في احترام لهما معا ..ومن هنا فالموروث الثقافي والاجتماعي يحدد معايير تصنيف الجمال والقبح والخير والشر  وحتى تصنيف الأنفس ، إذ تعتبر  النفس العدوانية واللئيمة  نفس دالة على الرجولة والقوة ..وتنعت  النفس الطيبة المسالمة  بأنها  جبانة وخائنة …
إن الحديث عن النفس يرتكز  في الغالب  بغض النظر عن الاختلاف في تفسير وتحديد القيم والأخلاق الايجابية  المطلوبة ..عند التربية بالأسرة والمدرسة والمجتمع على العمل من اجل افراغ وتحصين النفس وحمايتها من كل ما يصنف مرضا او اضطرابا او اختلالا ينعكس على السلوك الشخصي ويتعداه إلى التأثير في السلوك العام ، وبتعبير أخر تطهيرها من الخبث والرذائل واللؤم …وهذا يسمى « التخلية» من «التخلي «
كما يعمل بموازاة مع ذلك على ملء النفس  بكل ما هو جميل من الاخلاق الفاضلة  من صدق وأمانة وكلام الطيب وعمل حسن ..وهذا يطلق عليه» التحلية « من «التحلي»
ومن هنا «التحلية» عندنا وعند كل الشعوب دالة على كل معاني الخير والإنسانية والاحترام والعدل …و»التخلية»  تدل على رفض وعدم قبول كل ما يتسبب في اختلال معايير المساواة والعدالة والكرامة من رياء وحسد وبخل وغضب وكراهية ولؤم وغش وتضليل …
إن موضوع النفس كان من صلب اهتمامات الفلاسفة وفقهاء وعلماء الاديان وما زال يحظى باهتمامات علوم مختلفة من علوم التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع …
ولقد وردت النفس في القرآن الكريم في آيات منها   :
(*)الصنف الاول «النفس المطمئنة « :  قال الله تعالى 🙁 يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (*) ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (*) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (*) وَادْخُلِي جَنَّتِي (*) .) سورة الفجر…وهي النفس المتعقلة والواعية  والايجابية والخيرة والمحسنة في كل شيء  …
(*)الصنف الثاني «النفس اللوامة  « :قال الله تعالى:(( لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (*) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (*) ..) «سورة القيامة»…وهي النفس النقدية والمنتبهة للأخطاء والانحرافات والمعاصي فتمارس رقابة  على ذاتها وتحاسب نفسها بنفسها تحصينا وتقويما وعلاجا …
(*) الصنف الثالث « النفس الامارة بالسوء « :قال الله تعالى: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ) « سورة يوسف»…وهي التي تعتمد  كل الطرق والسبل غير الشريفة و غير النزيهة  و اللئيمة للإقدام او عدم الاقدام على اي فعل او امر مع التعامل مع الاخر باستحضار سوء النية في الفعل ورد الفعل ،  وهذا يطال الجوانب الاجتماعية والإنسانية والنفعية …الخ
وعلى اعتبار ان النفس لايمكن التعرف عليها إلا بما يترجم ويظهر من افعال او اقوال ..اي انها ذات صلة بضمير وفكر الإنسان قال تعالى في «سورة الإسراء»   : ( ربكم اعلم بما في نفوسكم) ليثير انتباه الجميع ان لاشيء يخفى على الخالق بما في ذلك ما لايدرك من المخلوق ..وهذا من قمة العدل الإلهي الذي ينبه الإنسان إلى مافيه صلاحه ولا يعلمه ..
ولقد اختصر الامام الغزالي رحمه الله الامر فقال : «اعلم أن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك وقد خلقت أمارة بالسوء مبالغة في الشر فرارة من الخير ، وأمرت بتزكيتها وتقويمها وقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها وخالقها ومنعها عن شهواتها وفطامها عن لذاتها فإن أهملتها جمحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك.»
وقال  إبن سيرين رحمه الله:»إذا أراد الله بعبد خيراً جعل له واعظاً من قلبه يأمره وينهاه .»
قال  الإمام الصادق عليه السّلام : «قال إبليس: إذا استمكنت من ابن آدم في ثلاث لم أبال ما عمل فإنّه غير مقبول: إذا استكثر عمله، ونسى ذنبه، ودخله العجب»
إن من جوامع  الكلام  أن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر ..
تارودانت الاربعاء 01 يونيو 2017.


الكاتب : مقال :مصطفى المتوكل الساحلي

  

بتاريخ : 02/06/2017

أخبار مرتبطة

مع كل شهر ربيع الأول، صار يتجدّد النقاش حول حُكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وصار ينتعش في لغة المنكرين معجمُ

  أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أنه تخليدا ليوم المساجد الذي تقرر منذ العام 2007، أن يتم تنظيمه كل سنة؛

ترأس أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن، والأمير مولاي رشيد، والأمير مولاي أحمد، مساء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *