بعد دهر مضى عدت إلى النهر
و المغيب قد شكل فوق الحقول
لوحة التجريد
على حافة الوادي وقفت كثوب غسيل
تمزعني أشواك السدر و مخالب الرياح
أمد يدا من نومي إلى صحوي
لأثبت رأسي التي
تأرجحت بين الضفاف
من يدري ..
ربما غفوت معلقا
برهة أو بضعة أعوام
تهدهدني حبال العصور
لكني لم أنعم كديدان القز
بأحلام الشرنقة
و كأني من كور الكوابيس انتفضت
بلا جناحين .. بلا ألوان
.. فلم أصدق ما رأيت
حين مسحت عن عيني المتاه
و أمعنت النظر…
هو النهر الذي ترجل من قمم الجبال
يلتوي في غفلة السهل أفعوانا
يعصر أعناق السحاب
و يحمل الغلال و سقط التراب
إلى جحره السري خارج الزمن
هو عينه الذي
آوته الأرض كجرح قديم
يبعثر في عز الصيف
أعشاش اليمام
و يجش الهديل على الحجر
هو.. هو الذي فاضت سواقيه بالعرق
فأغرقت نهارا بيوت المنسيين
يوزع في الليل دوارق الشهوات
على اليخوت النشوانة في بحر الغرام
ها الشمس تخبو أو تكاد
على مرأى من مراياه
و أنا كنت الطائر السادر
بين النبع و المصب
أفرد جناحين أطول من الألم
و أرمي الزقو في البعيد :
..هل أطير مع السرب أم أظل وحيدا
و نحاة الرعب على الضفاف
يقد من عظام الموتى فزاعات الحقول
هل أرمي بمنقاري مع الحطب
تأكله النيران
و في عز النهار أعتزل التغريد
أم أنفض عن ريشي أعطاب الشجر
و أشق كلس الصمت عن أحلامي
يقولون أن النوم صنو الموت
لكني لن أعدم الحياة
حين أشرب القطرة الأخيرة من ضوئها
يغرد النهر في رئتي
و تنمو على أرض الخسارات
كرمة الأبدية