من يربت على القصيدة بقلب من حرير
لماذا يا موتُ تحب الشعراء؟
كنا نرتب للوداع ونستبطئه يا أمجد، لكنه أتى واستقبلته، كعادتك، بابتسامتك الهادئة كأنما كنت متأهبا لطرْقاته في أي حين.
أمس، وبين الأحبة والأهل ، تركت آخر الأنفاس في هواء البلد وفقد الشعر العربي والثقافة العربية، بفقدك، إحدى علاماته البارزة وأحد الأصوات التي رهنت تجربتها للإنسان ككينونة، وللحق كتجلٍّ لها، منذ انتمائك شابا إلى صفوف النضال الفلسطيني وحتى اصطفافك إلى جانب صوت الشعوب بعد انتفاضات الربيع العربي.
يعود الطائر إلى عش الأبدية بعد أن تعب من التحليق فيما لم يكف جناحه عن الكلام.
يصعد «مرتقى الأنفاس» خفيفا كحلم نافر من أشواك الأرض، ومن رائحة الفراشات وهي تحترق.
هكذا عاش وظل الشاعر أمجد ناصر راعيا للعزلة التي تغزل النشيد؛
مقيما في اللامكان؛
كل الأماكن وطنه ، وكل وطنه قصيدة.
عاش على «أطراف النهار» مكتنزا بالحياة وبالأرض التي نامت على سرير قصائدِه؛
ملتحفا غربةَ الهواء ووبرا من ضبابٍ حين ضاق صدر الوطن عن كلمات ضَجَّ بها دمُه.
أمجد ناصر الشاعر الذي نازل الموت أعزل إلا من سلاح الدهشة وحيرة السؤال،
كان استثنائيا وهو يرثي نفسه بعد أن استوطن الداء منه موطن الحلم.
لم ينزو في «ثياب الحداد» بل ظل يسارع الوقت لاستكمال بقايا حلم منثور على الورق في أصعب أوقات مرضه كأنما يقول للموت:
ياموت؛
انتظر قليلا؛
ريثما أقطر ورد محبة من روحي لهذا العالم
ثم تعال.
«إن كنت رجلاً اخرج إليَّ من مكمنك
تعال نلتقي في أي جبَّانة تريد
وجهاً لوجهٍ
….
إن كان لك دين عندي
أو مشكلة شخصية كأن أكون خطفت هيلين الشقراء من حضنك
ومرغت شرفك في الوحل
مع أني لا أذكر شيئاً كهذا
لا تسترد دينك من الذين يمرون في هذه الدنيا
كما تمر أنفاس الرعاة في قصب الناي..»
(من قصيدة أطراف النهار التي رثى فيها نفسه)