أي تخطيط إعلامي لمشاريع التنمية بالمغرب؟

 

احتضن المعهد العالي للاعلام والاتصال،يوما دراسيا حول النموذج التنموي الجديد والمتابعة الاعلامية الخاصة به،وأدواره في الوصول إليه..
وقد شارك مدير المعهد عبد اللطيف بنصفية بمداخلة قيمة نعيد نشرها …
ترتكز مداخلتي هذه على أربع دراسات قمت بإعدادها بين سنة 2016 و2019 وهي:
الإعلام والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي… مشروع رؤية إستراتيجية.
المواكبة الإعلامية للمشاريع الاقتصادية المهيكلة في المغرب. دراسة حالة: «مشروع إقلاع: المخطط الاستراتيجي لتسريع التنمية الصناعية بالمغرب 2014- 2020».
الإعلام التنموي ودعم أهداف التنمية المستدامة: تجربة المغرب.
تجربة ميدانية لمدة 5 سنوات 2012-2016 ثم 2018، لمواكبة الجماعات المحلية/برنامج الحكامة المحلية في إعداد المخططات الإعلامية والتواصلية المحلية (صفرو، الجديدة، أسفي، سلا).
تتلخص تجربة الإعلام المغربي في تغطيته للمشاريع التنموية ببلادنا فيما يلي :لقد نهج المغرب خلال العقدين الأخيرين مقاربة تنموية شاملة يمكن تصنيف محاورها في ثلاث مجموعات:
ارتبطت المجموعةالأولى بالتنمية الاقتصادية، ويتعلق الأمر بالمشاريع التالية:
– مخطط المغرب الأخضر للنهوض بالقطاع الفلاحي
– مخطط أليوتيس للصيد البحري
– المخطط الأزرق تطوير قطاع السياحة
– مشاريع الطاقات المتجددة
– الإستراتيجيةالجديدة في مجال الفوسفاط
الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي «إقلاع Emergence”
اهتمت المجموعة الثانية بالتنمية الاجتماعية. حيث أطلقت عدة استراتيجيات وطنية جعلت من العناية بالمواطن/الإنسان هدفها الأساسي، نذكر منها:
– المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
– الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتعليم 2015-2030.
الاستراتيجية الوطنية للصحة، وبرامجها المتنوعة.
– الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب.
– الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء.
تمثلت الثالثة في التنمية المحلية/المجالية/ البيئية، وذلك عبر:
– المخططات الجماعية للتنمية:
– الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة:تسعى إلى الانتقال نحو اقتصاد أخضر 2016-2030.
ملاحظات عامة:

لا بد من الإشارة إلى أن المغرب بادر إلى إطلاق مشاريع مجتمعية طموحة جدا، لكن نتائجها وعائداتها التنموية غير مضمونة.
إن الأدوار المرتقبة للمؤسسات الإعلامية في دعم برامج ومبادرات التنمية لا يمكنها أن تستقيم إلا في بيئة سليمة ومحفزة.

2. ملاحظات تقنية على ثلاثة مستويات:

على مستوى الاهتمام الإعلامي بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بناء على قواعد مهنية وأخلاقية متينة ومتكاملة :
المشاريع الإنتاجية الكبرى والاستراتيجيات والخطط الاقتصادية بالمغرب قليلا ما تدمج البعد الإعلامي في تصوراتها ونادرا ما تشرك الإعلاميين في مراحل الإنجاز والتنفيذ والتقييم.
غياب الاهتمام الإعلامي والمواكبة الإعلامية بالمعنى المهني بكل مشروع تنموي على حدة أو بكل تلك المشاريع مجتمعة.
المقاربة الإعلامية المؤسساتية لمشاريع و مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ترتبط في مجملها بنشاط المسؤول (الشخص).
المواكبة الإعلامية للمشاريع التنموية لا تلعب الدور المنوط بها في توفير الدعم الإعلامي الكافي والمطلوب لها.
لا تحظى المشاريع والأنشطة/الاقتصادية والاجتماعية التنموية بتغطية إعلامية مكثفة وشاملة من قبل وسائل الإعلام العمومية والخاصة على السواء إلا في حالات مشاركة وحضور جلالة الملك.
بقدر الاهتمام الإعلامي المكثف بحفلات ومراسيم إطلاق المخططات والمشاريع، فإن المواكبة الإعلامية لها في حد ذاتها تضعف بعد ذلك بكثير إلى حد الفتور.
على مستوى بيئة الممارسة الإعلامية والتنسيق بين الخطط والبرامج الحكومية التنموية ومبادرات المجتمع المدني ومؤسسات الإعلام :
غياب التنسيق الحكومي في مجال الإعلام والتواصل حول نفس المشاريع والمخططات الاقتصادية الكبرى بالمغرب.
تعتمد وسائل الإعلام العمومية في تغطيتها للمشاريع الاقتصادية التنمويةبشكل واسع على تقارير»وكالة المغرب العربي للأنباء».
يغيبالتقييم الإعلامي الشامل للمشاريع التنموية، بإشراك المجتمع المدني والجسم الإعلامي في جميع مراحل إعداد وتنفيذ المشاريع .
تفتقد المادة الإعلامية في شموليتها، اللهم إلابعض الاستثناءات، إلى الاجتهاد المهني بتنويع المصادر، وتعدد زوايا المعالجة، والحرص على التوازن.
على مستوى قاعدة الإعلام الاقتصادي والاجتماعي التنموي وأساليب إنتاج المواد الإعلامية الداعمة والمحفزة للتنمية :
المادة الاقتصادية التنموية في وسائل الإعلام غير المتخصصة لا تستند إلى تخطيط هادف واضح المعالم.
المادة وافرة ولكن بدون حس أو توجيه تنموي هادف. فهي متفرقة ومتلفة وسط باقي المواد الإعلامية المختلفة. قليلة هي الصحف التي تفرد للمواضيع الاقتصادية الاجتماعية التنموية أركان قارة.
جنس الخبر المختصر والتقارير الرسميةهي الأكثر اعتمادا فيما يقل جنس التحقيقات والاستطلاعات الكبرى والتحاليل الرصينة.
حساسية الموضوع الاقتصادي والتنموي يشكل صعوبة في الحصول على المعلومات والمعطيات الاقتصادية من أرقام وإحصاءات بشكل شفاف.
قلة الإعلاميين المتخصصين في الشأن التنموي وضعف التكوين المهني في هذا المجال يؤثر على حجم الاهتمام به وعلى توفير الإرادة اللازمة لاستثمار العمل الإعلامي في الحقل التنموي.
على مستوى المعالجةالإعلامية لقضايا الاقتصادية والاجتماعية في بعدها التنموي:
مازالت وسائل الإعلام يحكمها أحد أمرين : إما أنها غارقة في الخطاب الترويجي المؤسساتي، أو أنها سجينة المنطق التجاري النفعي. وهو غالبا ما يغيب على وسائل الإعلام فرص التقيد بمسؤولياتها الاجتماعية وبالتزاماتها الأخلاقية اللذان يعتبران أحد عناصر التميز الإعلامي.
بالنظر إلى طبيعة وسياق المواضيع الاقتصادية والاجتماعية، ترتكز المواد الإعلامية في معالجتها لها على ثلاثة أطر إعلامية بشكل أساسي، وهي : الإطار المحدد بقضية، إطار الإستراتيجية وإطار النتائج الاقتصادية.
حيث تغيب أطر المعالجة الإعلامية الأخرى والتي توظف أجناسا إعلامية غير التقارير والافتتاحيات والحوارات الرسمية.
يعزى هذا الغياب إلى اهتمام المادة الإعلامية المواكبة للمشاريع والمخططات الاقتصادية والاجتماعية إلى حد كبير بالمعلومات والمعطيات ذات الطابع التقني الصرف (المهن والمجالات الصناعية، حجم وأنواع الاستثمارات، الميزانيات المرصودة، آليات الحكامة…إلخ)، فيحين يتقلص التركيز على البعد الإنساني والمواطن وبعد الحياة اليومية، في علاقتهما بالمشاريع الإنتاجية بالمغرب وآثارها على جميع المستويات.
في الأخير:

بالنظر إلى التطور الهام الذي عرفة المشهد الإعلامي ببلادنا سواء على مستوى الهيكلة أو تقنيات العمل، وبالنظر إلى تعدد وتنوع العرض الإعلامي المغربي بمختلف فئاته التقليدية والجديدة، لابد من التأكيد على ثلاثة 3 شروط أساسيةلتحقيق وإقرار دعم إعلامي فعال للمشاريع التنموية :
أولا: على الدوائر الرسمية تغيير نظرتها إلى الإعلام بشكل شامل والارتقاء به إلى مرتبة «الشريك الفعلي».
ثانيا : على جميع المتدخلين في عملية التخطيط التنموي الوعي بأن ضمان النجاح له يمر أيضا عبر توفير المعلومات والمعطيات بشأن المشاريع والمخططات التي ستستفيد منها مختلف الفئات المجتمعية.
ثالثا : أن تعتمد وسائل الإعلام الوطنية أسلوب التخطيط الإعلامي الرصين وجعل البعد/الهاجس التنموي يسكن جميع أركان الإنتاج الإعلامي.

مدير المعهد العلي للإعلام والاتصال- المملكة المغربية


الكاتب : د. عبد اللطيف بن صفية

  

بتاريخ : 28/11/2019