احتضنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء، يوم الجمعة 6 دجنبر 2019 ابتداء من الساعة العاشرة صباحا بفضاء عبد الله العروي، لقاء من تنظيم مختبر السرديات والخطابات بعنوان «الكتابة بوصفها روح المجتمع»؛ احتفى فيه المختبر بالكاتبة لطيفة بنجلون عبر تقديم آخر إصداراتها abdelkaderbenjelloun : une vie ، وذلك بمشاركة الأستاذين محمد معروف الدفالي (كلية الآداب عين الشق) ومحمد العزري (كلية الآداب بنمسيك)، من خلال تقديمهما قراءة في الكتاب المذكور.
افتتح اللقاء الأستاذ شعيب حليفي – رئيس مختبر السرديات والخطابات الثقافية وتكوين دكتوراه تحليل الخطاب السردي – بكلمة رحب فيها بالحضور وبالأستاذين المشاركين في تقديم الكتاب موضوع اللقاء وبضيفة اللقاء الأستاذة لطيفة بنجلون العروي.
تلا ذلك كلمة عبد القادر كنكاي عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، رحب فيها هو الآخر بالحضور النوعي وبضيفة اللقاء، كما أشاد بهذه المبادرة التي تأتي من مختبر متميز، عرف بأنشطته السنوية المتوالية وعمله الدؤوب مع الطلبة، مؤكدا ضرورة العمل على استمرار مثل هذه الأنشطة التي تحظى فيها المرأة بوضع اعتباري خاص.
وبعدما أشار الأستاذ شعيب حليفي، مسير اللقاء، إلى خصوصية الكتاب التي لا تتأتى من كونه لا يقرأ بشكل معزول، بل بوصفه مؤلفا متشابكا مع باقي النصوص الأخرى للكاتبة، فتح الباب أمام المتدخلين لعرض نتائج قراءاتهما لهذا المؤلف.
استهل الأستاذ محمد معروف الدفالي(أستاذ التاريخ الحديث بكلية عين الشق ونائب رئيس مركز الحسن الوزاني) مداخلته بأن الباعث على قراءته لكتاب لطيفة بنجلون كونه وجده يتفرد بميزتين اثنتين هما أسلوب الكتابة وطبيعة الأسئلة التي طرحها الكتاب، خاصة تلك المتعلقة بالحركة الوطنية وحزب الشورى والاستقلال. وقد أشار المتدخل إلى انتماء الكتاب إلى جنس السيرة الغيرية، مبرزا أن المؤلفة مزجت بين السيرة والتاريخ؛ حيث شكلت المادة التاريخية ( 100صورة – 16 وثيقة مكتوبة و3 شهادات…) إطارا عاما لكتابة السيرة. كما أكد أنه إذا كان الدافع الذاتي هو الذي حرك الأستاذة لطيفة بنجلون لسرد سيرة أبيها، فإن الدافع الموضوعي بنشر ما تعرفه عنه انطلاقا من الوثائق والبحث يفرض نفسه في كتابتها؛ وهو ما تمثل في توقف الدارس على مجموعة من الصور المتفرقة في السيرة التي بلورت صورة كاملة عن عبدالقادر بنجلون، أهمها صورة المحامي وصورة الجمعوي وصورة الصحفي الوطني وصورة الليبرالي العصري. واختتم الأستاذ محمد معروف الدفالي مداخلته بالإشارة إلى أن قيمة الكتاب لا تتأتى فقط من تعريف المؤلفة بوالدها فقط، بل بنقل صورة عن عصره ومجتمعه.
أما في ما يخص المداخلة الثانية فقد قدمها الأستاذ محمد العزري أستاذ التاريخ الراهن بكلية بن امسيك، معنونا إياها ب»المتن التاريخي في الخطاب السردي لسيرة عبدالقادر بنجلون» والذي أكد أن قراءته لكتاب حياة عبد القادر بنجلون نابعة من الحاجة للتعرف على التاريخ الراهن، لذلك فضل التوقف في دراسته للمؤلف انطلاقا من الاشتغال على المتن التاريخي الذي يميزه. وهو ما عرض له في مداخلته بالإشارة إلى مسار حياة عبد القادر بنجلون سواء المسار العلمي الذي جمع بين التكوينين العربي-التقليدي والفرنسي- الحديث أو المسار المهني الذي فضل فيه بنجلون التوجه للمحاماة. كما أشار الأستاذ محمد العزري إلى أن الكتاب – السيرة يعرض لما يتصف به عبدالقادر بنجلون من وجاهة مدنية -اجتماعية ووجاهة سياسية ووجاهة دبلوماسية ووجاهة إعلامية ما يعكس مكانة الرجل وقدره في عصره على تلك المستويات. وفي الأخير أشار المتدخل إلى أن هذا الكتاب يطرح بشكل جلي علاقة الأدب بالتاريخ، مؤكدا أنه لا يمكن الاكتفاء بنصوص تاريخية تقريرية لكتابة التاريخ، بل لا بد من الانفتاح على النصوص ذات الطابع الأدبي لسرده؛ وهو ما بدا واضحا في طريقة كتابة الأستاذة لطيفة بنجلون سيرة أبيها.
وبعد افتتاح باب المداخلات أمام الحاضرين؛ عقب المفكر والمؤرخ عبد الله العروي بقوله إنه واكب العمل من بداياته، مشيرا إلى أهمية الوثائق، لأنها هي التي ستعطي للكتاب قيمته، خاصة أن صاحب السيرة رجل دولة طبع التاريخ المغربي بآرائه، وآمن أنه على الدولة المغربية أن تكون مبنية على القانون لضمان الديموقراطية والليبرالية. ورأى أن هذا النقاش الدستوري قد تراجع في الوقت الراهن وهو ما يدعو الباحثين والمختصين إلى الإجابة عنه.
أما عبد المجيد القدوري فقد انطلق في تدخله من توجيه سؤال مفاده: كيف يمكن للباحث استثمار السيرة الذاتية أو السيرة الغيرية في الكتابة التاريخية؟ في حين سرد الأستاذ المحمدي الحسني في تدخله بعض لقاءاته التي جمعته مع عبد القادر بنجلون، حيث وجد فيه رجل دولة صاحب أفكار ليبرالية وحداثية . وساءلت خديجة الصبار المفكر والمؤرخ عبد الله العروي عن لقائه المهدي بنبركة في أخريات حياته، خاصة أن عبد القادر بنجلون وهو رجل دولة وقانون اختار الصمت، مما جعل مهمة ابنته لطيفة التي كتبت السيرة مستحيلة في الكتابة عن هذه اللحظة.
وقد أجاب عبد الله العروي عن الأسئلة التي طرحت عليه، سواء في علاقة السيرة بالكتابة التاريخية؛ إذ بين أن الاعتماد على السير والشهادات يطرح مشكلة في التاريخ الذي يعتمد على الوثيقة فقط، بينما هناك أنواع أخرى من التاريخ لا تعتمد على الوثيقة المكتوبة بينما تعتمد على الشهادات الشفوية التي تواجه مشكلة الشك من مستوى مختلف عن الشك الذي تواجهه الوثيقة المكتوبة.
وعن لقائه بالمهدي بنبركة قبل اغتياله، ذكر أنه عالج هذه الواقعة في مناسبات متعددة، وأنه لا يتوفر على أي سر لم يبح به بالرغم مما جلبته له الواقعة من محن دللتها زوجته لطيفة بنجلون التي أشاد بدورها الكبير في تجاوز جميع المحن والعثرات.
عبد القادر بنجلون: سيرة مجتمع لطيفة بنجلون العروي في ضيافة مختبر السرديات بكلية الآداب بنمسيك
الكاتب : متابعة: يونس الإدريسي – أحمد بلاطي
بتاريخ : 10/12/2019