إن حدث إجماع، على نعت جيل دولوز بالفيلسوف، فالتصنيف لايشكل عائقا أمام الاهتمام بنتاجه الأدبي، الذي كرس له مجموعة دراسات تميزت بأصالة حقيقية.هذا،ما يتوخى العمل الحالي مقاربته مع التذكير ثانية، بأن دولوز لا يعتبر فقط التقسيم المألوف بين الفلسفة والأدب متهافتا، بل ومجحفا أيضا بخصوص هذين النموذجين من الكتابة والتأمل، اللذين ينفتحان حول معرفة متكاملة تنصب على الانسان والعالم.بناء عليه، سيظل مفهوم الأدب لدى دولوز، موسوما بفلسفة أساسها التنوع حيث يشكل الصدق في علاقات الإنسان بالآخر والعالم، نواة إنتاجه المتعدد.
الأدب إذن، بالنسبة لدولوز ليس مجرد تكملة لنشاط فلسفي، لكنه يعتبر وجها ثانيا لصيغة من صيغ مقاربة الوضع الإنساني، ذاتية وكونية في الآن نفسه.يتعلق الأمر على هذا المستوى أيضا، بإدراك وظيفة نشاط لغوي نوعي يحمل سلفا خطأ تسمية الأدب وكذا قصدياته الأساسية.
وإن تأكدت جِدَّة مفهوم دولوز للغة سابقا منذ كتابيه ‹›الاختلاف والتكرار « و››منطق المعنى››، فالأمر يتعلق هنا بإظهار الشروط التي تمكننا من الوصول إلى الأدبية وكيف ستحدد وضعا متميزا في إطار تعددية اللغات الأخرى. لذلك، تستند كل واحدة من تأملاته للنشاط الأدبي، بطريقة أو أخرى، على وظيفة اللغة الطارئة دائما. يعتبر الأدب عند دولوز، في طوره الكتابي، مفهوما خاصا لإنتاج علامات ووقائع.
أمر يبرز بوضوح ضمن هذا الإقرار الذي يبين مقاربة دولوز للنشاط الأدبي :»جل ما كتبته كان حيويا،على الأقل مثلما توخيت، وأسس نظرية للعلامات والواقعة .ولا أعتقد بأن القضية تطرح بطريقة مختلفة في الأدب وكذا الفنون الأخرى، غير أنه لم تتح لي الفرصة كي أمنح الأدب الحياة التي أردتُها له»(1) .
هكذا ينتمي الأدب حسب دولوز، إلى كل استعمال متعمَّد للغة بهدف إنتاج مجموعة علامات ووقائع يحكمها ترابط جوهري يعطي المعنى حيزا .يتعلق الأمر هنا،كما نلاحظ، بمفهوم واسع جدا عن توظيف لغة، تبدو ظاهريا دون إبداع. لكن، حينما نعاينها عن قرب أكثر، فلن نتأخر أبدا كي نفهم بأنها تفترض بداية، أكثر مما تقوله.
فعلا، يبدو سؤالا جوهريا بالنسبة لدولوز، تمكين اللغة المتداولة من الوصول إلى الوضع المزدوج للدلالة والواقعة المنسجمين. هذا ما يعنيه بالحيوية والتي انطلاقا منها لاتخلق اللغة فقط معنى يتجلى عبر انسجام متعدد،لكن أيضا الحياة المرتبة لمختلف الإشارات المستعملة أو المبتكرة. لذلك يظل الأدب، اللغة التي ينشأ من خلال إنتاجها عالم خاص ويكتسب حيوية، مرتكزا بالدرجة الأولى على الخاصية الذاتية الحية لعلاماته. يستعيد دولوز ذلك، مقرا بأن الكتابة تشتغل ضمن سياق رافدها الأدبي : «باعتبارها دائما مقياسا لشيء ثان»(2).
تُكتسب أدبية الأدب عبر هذا النزوع المستمر للغة بسيطة نحو اللاموضوعي بحيث ترتكز في انطلاقها على اكتشافها لنوع من عدم الإشباع يجبرها على الرحيل صوب مجهول آفاق أخرى.يحدث كل شيء في إطار هذه القضية، كما لو أن الكتابة تبحث عبر الابتذال الفوري للغة، عن مقارنة نفسها بالمجهول قصد تحويله إلى علامات ووقائع تحكمها دلالة متماسكة. إذن، سيكون أدبا، كل لغة تسندها كتابة تتوخى تقريب مالم يتحقق بعد. يتجلى النشاط الأدبي عند دولوز، من خلال توظيف اللغة بغية الوصول إلى شيء آخر، لايزال يمثل مجرد وعد دالٍّ أو إمكانية. توجد دائما لغة كهذه، في طور التجلي ولا يمكنها أن تشكل سوى تحد دائم للذات، وكذا حيال ما تتبارى ضده.هكذا تشتغل، وحسب ذلك، تمثل أدبا،عندما تمنح حضورا لمعنى وعالم لم يتحققا بعد.
ينكشف انتماء اللغة للأدب عند جيل دولوز،حسب هذه الرغبة اللانهائية نحو الترحال التي تحركها باستمرار. يجدر التذكير هنا سريعا،تبقى مفاهيم الترحال والأفق، معلمين أساسيين قياسا إلى مجمل عمله.بالتالي، لايبعث على الانذهال، إن صادفناها ثانية ضمن تأملاته المرتبطة بمقاربة وتقويم العمل الأدبي، حسب رؤيته. ويرتكز هذا حقا على مفهومه الخاص لما هو مكتوب، مادام يذكر قائلا :»أن تكتب لا علاقة له بأن تدل على شيء، بل الترحال،ورسم خرائط لفضاءات مستقبلية»(3). يجدر إثارة الانتباه، أنه ينتقل سريعا جدا، من ضرورة خلق اللغة للتآلف بين العلامات والوقائع، إلى لغة تبدع متواليات جديدة.
لايعتبر الأدب في نظر دولوز، مجرد نشاط ينطوي على معنى مبتذل، لكنه يشكل مسارات غير مسبوقة، بين طيات جوهر اللغة المرن. حينئذ يتجلى انتماء هذه اللغة إلى الأدب، مع الطفرة الحيوية، التي تجعلها حقا ضمن سياق اكتشاف أراضي مجهولة وفضاءات غير متوقعة.
يرتكز الشرط الأول لتحقيق أدبية اللغة، على جعلها تتعالى عن مستواها الأداتي الفوري كي تحدس حقائق جديدة.لذلك، يقتضي منها سياق على هذا النحو، أن تتجاوز سلطتها الأولية المرتبطة بالتعيين وتصير قادرة على الوصول إلى مناطق غائبة لم تُدرج بعد تعكس قدرتها الإبداعية لأراضي مجهولة، لكنها ممكنة، الوثوب الأول للغة صوب تأسيس أدبيتها الخاصة وكذا الإنتاج الشامل لكل الأدب.
استمر دولوز منتبها لهذا الشرط الإبداعي الذي يجعل اللغة قوة تعيين تنبؤية .هكذا، يبقى الأدب اندفاعا يصبح معه حاضرا ذلك الغياب المميز لواقع مفترض.في هذا الاطار، يتأكد بامتياز مفهوم دولوز من خلال وصله بداية ماهية العمل الأدبي بالطبيعة التنبؤية خاصة للغة. أيضا، في هذا السياق وردت إشارة بين طيات كتابه : منطق المعنى، قد تظهر بلا قيمة لكنها توجه النقاش بكيفية أساسية : «إن اللغة هي نفسها النسخة النهائية التي تجسد كل النسخ، أسمى سيمولاكر» (4) .
إذا كانت لغة من هذا النوع يتأسس عليها جل النشاط الأدبي، فهناك مجال للاعتقاد بأن اللغة في أفضل الحالات، لن تكون إلا سيمولاكر السيمولاكر. سيمولاكر، يتجاوز بحكم الإصرار الإبداعي والاستشرافي، منطلقه الأصلي كثنائية مستشرفا شكلا من الانفتاح الممكن. هكذا، يشتغل الأدب بحسن نية داخل سياق يتجاوز جوهره اللغوي الخاص الذي يعتبر أيضا نسخة وسيمولاكر.
إن إلحاحا من هذا القبيل حول الطبيعة الوهمية والمتخيلة حقا للحبكة الأدبية، والتي تستحضرها حمولته التي لاغنى عنها من السيمولاكر اللغوي، تدفع نحو الجزم بمدى تهافت مفهوم مضمون الرسالة حسب دولوز.فماذا سيبقى منها عندما يحدث تقويض قاعدي لمقتضياتها المعتادة من الأخلاق والتعليمات في نطاق عجز اللغة التي تحركها عن التخلص من خاصيتها السيمولاكرية ؟هكذا يصير الأدب اشتغالا على اللغة كسيمولاكر أخير بهدف إبراز وكذا اجتياح فضاءات تعتبر ببساطة ممكنة.
ينصب عمل الأدب على إبداع احتمالات جديدة، انطلاقا من تمدد قصدي للغة لكونها ثنائية وسيمولاكر .اذن، كيف لمفهوم ‹›الرسالة›› التداول في الأدب مع تبلور شروط كهذه؟ بحيث صار بطلانها بديهيا جدا. يقول دولوز : « اللغة حقيقة للممكن مثلما هو.والذات بمثابة تطوير،وتفسير للممكنات ثم سياقات تحققها في الراهن» (5).
بمعاني أخرى، ينبني الأدب فقط على الممكن الذي يجسد حقيقته الجوهرية. فلا يتأتى أدب سوى انطلاقا من هذا الممكن ويستمد جلّ ماهيته منه. لايتم هذا كي يضعف أهميته لأنه باعتباره تركيبا للممكن، أو بوسعنا القول، يخلق الأدب واقعه الذاتي ويطبعه بكل الروابط الداخلية التي تمنحه حرياته في الاشتغال.وسيكون خطأ الاعتقاد بأن الحقيقة الأدبية مماثلة للتي كرسها الواقعي. فالحقيقة الأدبية، القائمة كليا على اللغة، غير قابلة للانحدار فقط سوى من الممكن.
هكذا يرتبط دولوز بتصور للنشاط الأدبي، دافع عنه سلفا كافكا وبلانشو، ويمثل جانبا من مشروع رولان بارت توضيحا مدهشا له.تنطوي مقاربة دولوز للنشاط الأدبي،على قيمة مضافة مهمة تؤثث عناصرها مجموع عمله، انطلاقا من قناعة مفادها أن الأدب مزيج أصيل للعلامات ومسح لأراضي ممكنة، نتيجة القوة المُرائية للغة،بحيث لا يتردد كي يرى فيها آلة لإنتاجات نوعية لذلك، يعتبر:» الأدب مثل إنتاج،وتفعيل لآلات تحدث آثارا «(6)
مع توضيح كهذا، يوجه دولوز النقاش بشكل مفيد صوب مقاربة لنشاط أدبي يمثل في الواقع آلة ضخمة لخلق سيمولاكرات، وممكنات وآثار. بالتالي،نجد أنفسنا بعيدين عن مفهوم يكون الأدب بمقتضاه مجالا لرسائل واضحة وكذا تعليمات أخلاقية.صار منذئذ أشبه بآلة، واتضح دوره نسبيا أكثر ضمن إطار يكون مدعوا من خلاله لإنتاج ليس رسائل يسهل تفكيكها وتطبيقها، لكن خاصة آثارا،أي سيمولاكرات بالمعنى الدقيق .بالتالي،ولأن الأدب أضحى وفق هذا السياق لغة أصيلة، فلا ينبغي النظر إليه كجسم منظم ينتج محتويات قابلة للتوقع ،بناء على حتمية صارمة ومقررة سلفا، لكن مثل آلة خالقة لآثار .
حين مقارنة دولوز الأدب بآلة، انتقل فورا للاشتغال على تبيان ألغازه ويعيد له ماهيته الجوهرية باعتباره تقنية ترسم فضاءات تعتبر ببساطة ممكنة.أيضا، بتركيزه على قدرة الأدب المبدعة للآثار، فقد اهتم أساسا بالخيال المبدع الذي يحفزه ويجعله مفتوحا على تناول متحرِّر من جانب المتلقين المفترضين. بمعنى آخر كذلك، بقدر انشغال الفلسفة بملاقاة الحقيقة والتعبير عنها بكيفية جلية، بقدر ما يهتم النشاط الأدبي بكيفية إبداع خريطة ممكنة لواقع يعتبر ببساطة ممكنا .
الأدب بالنسبة لدولوز، قضية إبداع عالم مأمول، ومنفلت كأفق، بحيث لاننشغل معه بالواقع. إنه مسألة إنتاج لغوي مُبتكَرٍ بالمطلق، منشغل كليا بسؤال ‹›كيف نفعل»؟.
بناء عليه، سيكون من المفيد التركيز، بخصوص مادة الأدب، على الخطوط الموجِّهة لصلة دولوز بالتأويل النفسي الكلاسيكي.بالنسبة إليه، فقد أخطأ الأخير دائما، نتيجة رهانه على حتمية ميكانيكية اختزالية تبحث أولا على استعادة ماتدعيه كونه الحقيقة المضمرة التي تؤسس النشاط الأدبي.
كان دولوز مقتنعا بأن الأدب يتطلع نحو إنتاج آثار وكذا إبداع ممكنات غير مسبوقة، في حين استبسل التحليل النفسي بغاية إعادة صياغة حقائق شخصية مكبوتة لدى الكاتب،بين طيات سرده. لقد تمسك برفضه لهذا التأويل القائم كليا على السعي لإعادة اكتشاف حقائق سيكولوجية مُعَلِّلَة.
يبحث التحليل النفسي، وفق مسار ارتدادي عن استخلاص حقائق مكبوتة اعتُبرت مصدرا للإنتاج الأدبي، بينما يتصور دولوز الأدب نزوعا دائما نحو خلق آثار بين ثنايا الفضاء المنفتح على الممكن الوحيد.إضافة إلى هذا، وبهدف تحديده حقا لقطيعة إبستمولوجية مع الخضوع السيكولوجي، يذكِّر دولوز بالتالي:» ليس الكاتب إنسانا كاتبا،بل إنسان سياسي،وإنسان آلة، وإنسان تجريبي» (7) .
بتأكيد دولوز على الطبيعة الثلاثية لشخصية الكاتب، فإنه يوحي بوضع خاتمة للتوجه المزعج الذي يقضي بحتمية وصل إنتاج هذا الكاتب أو ذاك بجذور بيوغرافية مزعومة أفرط النموذج الفرويدي في توضيح ملامحها. تنتعش مع الإنتاج الأدبي، رغبات فعل حرّ تماما قياسا لكل مقدمات سيكو- وجدانية خاصة بحيث يجسد أولا موضوع خيال واستشراف وكذا محاولة اختبار نماذج لتحقيق ممكنات لم تطرح سلفا ودون مقتضيات قبلية.
مع نماذج كهذه لإنتاج يصبو كليا نحو انفتاح لا ينضب للأفق والممكن، سيظل الكاتب واعيا بأن إبداعاته مجرد آثار لغة تشكل بدورها ثنائية بلا نهاية. ولأن اللغة التي يوظفها، تمثل دون منتهى السيمولاكر الأخير،يسقط كل ادعاء يسعى إلى جعل هذه اللغة تتكلم حقائق أو وقائع بعيدة تماما عن نطاقها.
منذ الوهلة الأولى ضمَّ دولوز شخص الكاتب لتلك الصورة الثلاثية المتعلقة بالسياسي والآلة ثم المجرِّب، ساعيا بذلك إلى تخليصه من كل رأي قبلي مختزِل وجوهري، وتذكيره كم هو مبدع حققي؟ بدل بقائه مقتصرا على المصير المسطح لإعادة إنتاج ثانية دون قيمة.
القطيعة مع وصايا التحليل النفسي، تقرأ بجلاء عبر التذكير التالي: «تشخيصات من هذا الصنف فائدتها طفيفة، ونعلم جيدا بأنه لا يمكن للتحليل النفسي وكذا العمل الفني (أو العمل الأدبي – النظري) تدبير أواصر لقائهما.ليس حتما من خلال معالجته الكاتب عبر العمل، مثل مريض محتمل أو فعليا، حتى لو أضفينا عليه مزية التسامي، ليس بالضرورة إخضاع العمل ل››التحليل النفسي›› «(8).
لقد التجأ التأويل السيكولوجي عبثا إلى مفهوم التسامي قصد تخفيفه من الحتمية الصارمة والتي أخضع في إطارها النشاط الأدبي لصراعات نفسية/وجدانية مكبوتة لدى الكاتب، تصور يبقى غير ملائم في نظر دولوز.فبالنسبة إليه، النزوع المستمر نحو تصنيف الأمراض ثم محاولة إسقاط ذلك على مقاربتنا للأدب والفن عامة، لايمنحنا إمكانية تمثلهما مادام يضع الصراعات السيكولوجية القديمة لدى المبدع عند الجذور المفترضة لإبداعه.خطاطة كهذه، ميكانيكية جدا ثم في غاية الاختزال.
بلا شك، الأكثر أصالة لدى دولوز، الانقلاب شبه الكوبيرنيكي الذي كشفت عنه هذه الرؤية،حين تأكيده:»بأن الكُتَّاب، لاسيما الكبار منهم، أكثر اقترابا لحظتها من وضعية طبيب وأبعد عن سمات المرض.أود القول يشخصون بشكل مدهش الأعراض ويبرزونها بطريقة تثير الذهول››(9).
لا يقوم مجال للنظر إلى الكاتب باعتباره عُصابيا وفق هذا المستوى أو ذاك، مادام يشتغل بطريقته، على تشخيص أعراض اختلالات الوظيفة كما تتجلى عند أفراد آخرين أو لدى المجتمع برمته.فحينما يكتب، يشتغل كمحلل نفسي، لكن دون اكتفائه بالامتثال لنموذج تأويلي يحافظ على المعنى ذاته، وإلى حد ما،مختزل جدا تحت سطوة ملاحظة تدور في نطاق الحشو اللغوي.
الكاتب بناء على وجهة نظر جيل دولوز، يعتبر أولا وقبل كل شيء، مكتشفا لاختلالات وظيفية عدة، هنا تكمن عظمته. بالتالي،فالانقلاب الذي أتى به دولوز، حيال المقاربة السيكولوجية واعدة بالأحرى أكثر ومضيئة بحيث تقتضي عموما التفكير ثانية بثقابة ذهنية في جانب أساسي من العمل التأويلي.لذا، يضع إصبعه على قناعة وجب تأملها :»الأطباء النفسانيون الذين يدركون سبيلا نحو تجديد لائحة تصنف الأعراض، يصنعون بذلك لوحة فنية؛ وعلى العكس يعتبر الفنانون أطباء نفسانيين، ليس من خلال حالتهم الخاصة ولا حتى العامة، بل هم أطباء للحضارة» (10).
هكذا، بتقويضه للنظم المُرسَّخة بكسل، أقام دولوز طريقا نحو مفهوم للتطبيق التأويلي، يتصف في الآن ذاته بكونه جامعا وواعدا.أيضا هل يتبادل الطبيب النفساني والفنان منهجيتهما في المقاربة وكذا موضوع بحثهما. بذلك، يشتغلان على إبراز تقنية توضح الحالات الفردية مع رسمهما طريقا تقيم منهجيات عامة دون أن تستغرقه السجالات المحتملة التي بوسع اقتراح كهذا إثارتها، يبقي دولوز فقط على خط قوة منهجية تحرر في الوقت ذاته المبدع/المؤوِّل وكذا موضوع تأويله. السياق الذي أتاح له إمكانية اقتراح مقاربة للنشاط الأدبي،تخلصت جليا من عوائق تأويلية مختزلة كثيرة.يؤكد دولوز :»إننا لانكتب بذاتنا وذاكرتنا وأمراضنا. يتجلى حسب فعل الكتابة، سعي يود أن يجعل من الحياة شيئا يتجاوز الشخصي، ثم تحرير هذه الحياة من صيغ اعتقالها» (11).
يمر إذن النشاط الأدبي، عبر الحرية المزدوجة للكاتب قياسا لمصيره البيولوجي والنفسي، ولما سينتجه باعتباره إثارة لحيوية دون عوائق(12).من ثمة، يشتغل النشاط الأدبي باستمرار تحت الإشارة المزدوجة للحرية التي يكتسبها الكاتب ثم ،إذا صح القول، انعتاق لما ينبغي التعبير عنه وفق لغة متجنِّدة.
يتعلق الأمر هنا بمقاربة النشاط الأدبي حسب إرادة ثنائية، ترنو إلى تحريره من خلفيات فردية عديدة تثقله عبثا ومحاولة تمثُّله باعتباره نتاجا يتأتى من تحرر كهذا. فالمفهوم الدولوزي للنشاط الأدبي، ضمن نطاق ما، كما سنرى ذلك في موقع آخر، تحرريا تقريبا بحيث يستكشف نفسه أولا كإنتاج وتنظيم لغوي،انعتق من ادعاءات قائمة، ثم يستمر منشغلا كليا بإبداع الحاضر وكذا جانب من المستقبل.
سنقف هنا ثانية، على التأثير الواضح للمجاز النيتشوي المتعلق بالنقد اللاذع، حيث التذكير بالخاصية الجوهرية للرغبة الإبداعية عند الإنسان.لا ينبغي، إذن الاندهاش من أن دولوز اقترح بهذا الخصوص وبلا تردد تعريفا تقنيا، تقريبا فنيا، مهووسا بالتحقق المستقبلي مادام يقول: «الأدب تنسيق ولاعلاقة له بالإيديولوجيا «(13).
حينما نحيط بالقطيعة المزدوجة الحاذقة مع مسار التحليل النفسي وكذا المنظور الإيديولوجي عموما، يكشف سلفا مفهوم دولوز للأدب عن أصالته ويبحث على أن يظهر قيمته.
تكمن إذن غاية الدراسة الحالية في تحديد خطوط قوة هذه الأصالة.لذلك، ستتمحور على الممارسة الأدبية التي سعى دولوز إلى مقاربتها كنشاط إجرائي نوعي انطلاقا من اللغة المشتركة.
أيضا يستحضر فيلسوفنا السؤال المرعب بخصوص ماعُرف منذئذ بموت المؤلف قبل أن يظهر إلى حد يدافع عن ما يسميه بالأدب القاصر.أدب يمثل كافكا وجهه الرمزي، وقد اشتغل دولوز في هذا الإطار على عمل وأفصح عبر محطات مشروعه عن ملاحظات مقاربا الإشكال النوعي لإنتاج من هذا القبيل.
حتما لن تغيب عن ذهننا ملاحظة أن العروض التي خصصها دولوز للأدب، ترصِّعها أحيانا تناقضات ظاهرة أو بنيوية. لكن هذا لايبعث على القلق مادام الأدب بالنسبة إليه كالفلسفة تماما، يجتهد بطريقته للوقوف على تناقضات الوجود واستيعابها.
يرتبك الأدب بشكل أقل، حين تبنيه المنطق وكذا التماس الحقيقة التي تجتهد الفلسفة من أجل احترامها مع الحيرة والإخفاقات التي نعرف. يشتغل الأدب كالحياة تماما،على ملاقاة التناقضات والتعارضات الأنطولوجية، لكن وفق هدوء يستاء منه النزوع الفلسفي.لذلك بالتأكيد،وارتباطا بوجهة نظره لمقاربة فرادة تعدد النشاط الأدبي، استلهم دولوز هذه العبارة الجميلة لرولان بارت عندما قال :»أنا لست متناقضا، أنا فقط متبعثر››.
سيبقى دولوز في تأملاته المتعددة للنشاط الأدبي، منتبها خاصة للتقنية الاجرائية التي تجعله ممكنا وتعطيه نكهته النوعية. يستحق انتباه كهذا، التذكير به سواء من خلال محاور قوته أو كذا مثيراته العميقة.
إذا كان الأدب بالنسبة إليه،إبداعا لعوالم، فتحديدا لأنه يتبنى دفعة واحدة التقنيات المناسبة التي يظل وفقها لغة أصيلة. فقط بواسطة بيداغوجية بارعة ويسر ،نميز في إطاره العالم الذي أُبدِع ثم الوسائل الإجرائية التي تمكن من بلوغه.
يستحق المفهوم الدولوزي للنشاط الأدبي اعتباره أساسا مركزيا لكن مع امتياز يُمنح لكيفيات الفعل. بمعنى ثان، سيتمحور في الغالب على التقنية المبدعة والخلاقة جدا أكثر من الابتذال التيماتيكي أو حمولة المضمون .بل أقول أيضا، قصد البقاء وفيا لفكره، يحظى امتياز الصنيع الأسلوبي بحمولة تفاضلية، أي ماميز خطة الكتابة ويعكس حرية الكاتب الإبداعية.تميُّز بالأحرى حمولة كهذه،مادامت تعلن عن الوجهة الأساسية للأدب والذي داخله:»وحده الفن ينجح تماما في بلورة ماوقفت الحياة عند حدود التخطيط له فقط»(41).
اهتمام دولوز بالأدب، دفعه إلى محاورته بوعي من خلال طرحه السؤال الثنائي :على أي شيء ترتكز هذه الحياة الأخرى،المتواصلة والمتمِّمَة إذا جاز التعبير التي تتجلى في اللغة التي اختلقتها مناسبة من هذا القبيل،ثم كيف يتأتى للغة مقاصدها؟ هكذا بالنسبة إليه، يشارك النشاط الأدبي في ماهية ينبغي تعريفها وكذا فعل إجرائي على وجه التحديد.
يلزمنا أن نحترس كي لانتبين هنا مجرد أسئلة أو انشغالات عادية،لأنه مثلما سنكتشف،فقد اتسمت عناصر الإجابة التي سيقدمها بأصالة حقيقة .أيضا، وبقدر كون الأدب حياة ممتدة تنزع نحو ارتقاء موعود به انطلاقا من الحياة الأولية،فإنه سيبقى أساسا صيغة للتحقق البروميثوسي .لذلك،لايكتفي فقط بتحقيق النجاح بخصوص مالم تدركه الحياة سوى بكيفية شحيحة، لكنه ينتج أشكالا جديدة تنتهي غالبا بنسيان كل المخطط المطروح بداية.
يظل بعمق مجمل مفهوم دولوز للأدب، متشبعا بالحمولة «‹الحيوية›› التي تضمن في الوقت نفسه الطموح اللغوي المبدع وكذا حرية الكاتب المطلقة. يرتكز النجاح المتواصل بالفن الأدبي (وكذا الفن إجمالا) حسب دولوز على نسيان، سريع تقريبا، لمشروع الحياة المفترض بداية.والحياة أساسا بالنسبة لديه، ليست حياة إلا لكونها مبدعة جدا لحيوية وأشكال، سيهتم النشاط الفني للاهتداء بها نحو صيغة من الوميض المبدع .
في الحقيقة، تسود مقاربة كهذه، تصوردولوز للنشاط الأدبي :»يكمن عمل الفن المعاصر في مختلف ما نريده، هذا، ذاك، ثم أيضا هذا، بل تتجلى خاصيته في أن يعكس جلَّ ما نوده، وامتلاكه تضافر محددات ما نتطلع إليه،خلال اللحظة التي يتحقق فيها الأمر:النتاج الفني المعاصر بمثابة آلة،ويشتغل على هذا المنوال»(15).
هكذا يتحدد العمل الأدبي بكيفية ثانية ويتحرر،ثم باعتباره مشارِكا في كل المشروع الفني، فلا هاجس له سوى رغبته القصوى، في تحقيق تآلفه الوظيفي. يظل تلاحم ديناميته في الوقت ذاته منطقه وقصديته الجوهريين. بناء على تحرره هذا من كل تيمة أو إقرار اختزالي، يبقى مدعوا إلى تبيان اختياراته الخاصة في ما يتعلق بالتعبير والإيضاح .بل تحديدا، لأن العمل الأدبي دينامكي ومتماسك وظيفيا سيخلق عوالم حية بقدر كونها غير مسبوقة .يرتكز حينئذ قانونه ومبرره الذاتي على استحضاره فقط لنوع من الدينامية العملية .
حينما يقارن دولوز بكيفية جلية، العمل الأدبي بآلة، فقد توخى من خلال ذلك البحث عن تفكيك ألغازه باعتباره حضورا وتخليصه من كل مرجع سابق استهدف اختزاله عبثا. هكذا وجراء آليته الموضوعية،سيقطع العمل الأدبي فورا مع الالتزامات المزعومة لرابط الحبل السُرِّي، للمؤلف إذا جاز القول. فهذا الأخير، لاتتم قط تسميته، أو على سبيل الاحتمال الشكلي، مادام العمل يبتهج جدا بحريته الوظيفية بدل الاختيار المتسلط تقريبا للعناصر التي تدخل ضمن إعداد العالم الحي الذي يخلقه.
دولوز القوي بمفهوم من هذا القبيل، زايد بالقول:»لماذا هو آلة ؟ يعتبر فهم العمل الفني على هذا النحو، منتجا بالضرورة، ينتج بعض الحقائق. فقط مارسيل بروست من ركز على الحقيقة التالية :إن الحقيقة أُنتجت، بفضل منظومة آلية تشتغل داخلنا، وتستخلص انطلاقا من انطباعاتنا المحفورة في عمق حياتنا ثم تكشف عن نفسها بواسطة عمل ما»(16).
حينما يصف دولوز الأدب بكونه آلة، يتجه الانتباه في الآن ذاته إلى قدرته الوظيفية وكذا إنتاجيته الموضوعية. تصور يدرج هذا الفيلسوف ضمن سلالة مجازِفة تمتد من كافكا غاية بلانشو مرورا ببارت، وأنا أشير هنا فقط للأسماء الأكثر رمزية التي أبرزت خصائص علاقة بالنشاط الأدبي صادقة ودون محاباة . لذلك،ترتكز أصالة مفهوم كهذا على تفكيك ألغاز الفعل الأدبي وتحريره من ثقل أي مرجعية قائمة سلفا. يفضي ذلك نحو القول أيضا ،أنه يعبر بالنسبة إليه على إرادة إنتاج ما هو حيّ وحقيقي بالاعتماد على سلطة وتلاحم››آليَيْن››. لاتوجد أية إشارة تبخيسية بخصوص اعتبار النشاط الأدبي مثل آلة تبدع عوالم، ذات ترابطات مختلفة وحقائق نوعية.
كذلك يستمد هذا المفهوم أصالته من خلال ربط إبداع الحقائق بسلطة آلية، أي جهاز مادي محايد .مقاربة كهذه ليست فقط متفردة، لكنها ثورية بل مدمِّرة أحيانا .لكن يتعلق الأمر،حسب المعنى الدقيق للكلمة، بتقويض يتمتع بمستوى كبير من الوعي والواقعية .
ينهض الانتاج الأدبي على نظام آلي عند مستويين على الأقل، متكاملين حد تداخلهما : اللغة المستعملة آلة انتظمت سلفا ثم تكفل بها بعد ذلك انسجام وظيفي يُستعار حسب الاختيارات المقصودة للمؤلف .ينبغي إثارة الانتباه أن دولوز يتوخى تجنب الإلحاح كثيرا في ما يخص هذه القضية، على المنحى السيكولوجي الذي يُظهر مجازفات اللافهم وكذا التجاوزات التأويلية التي نعرفها. لذلك، يبحث عن تخليص المقاربة الأدبية من إرث هيرمينوطيقي يغالي كثيرا في التأويل النفسي ومختزِلا بشكل جائر. أيضا ، يركز على هذا الرأي عندما كتب مايلي:»تتحول إذن كل القيمة من لحظات طبيعية مُميَّزة إلى آلة فنية قادرة على إنتاجها أو إعادة إنتاجها، ثم مضاعفتها :الكِتاب»(17) .
حينئذ، تنهض كل القيمة على التحول الذي يحدث للعناصر السيكولوجية داخل جسد اللغة جراء تناولها بفضل دراية الكاتب التقنية، والآلياتية. هكذا يُفهم الأدب باعتباره هذا الانتقال المنتج، والمنتج ثانية، والمضاعِف لآثار وأحاسيس. فالكتاب،باعتباره نتيجة عملية، هو أجمل برهان على هذا الانتقال المضاعِف، وخاصة المنتج التحويلي.
مرة أخرى، يلح دولوزعلى المظهر العملي والخالق لحقائق جديدة بفضل ديناميكية اللغة أساسا. الأخيرة باعتبارها، ثنائية وسيمولاكر، تضيف إلى الكثافة الأصيلة جدا للعالم المتجلي إبداعيا بحيث يتعلق الأمر هنا، وبلا شك، بعملية غير بديهية، لذلك تثير دائما أسئلة حول صحتها الاستكشافية. يعود إذن السؤال للاستفسار ثانية بوضوح عن طبيعة هذا الإنتاج، وعلى ماذا يرتكز في العمق هذا الانتقال المبدع.
في هذا الإطار، تبنى دولوز توضيحا انطوى على حمولة استثنائية: إنه لفهم خاطئ، بل وعدم استيعاب لعبقرية بلزاك، إن اعتقدنا بأن الأخير امتلك سلفا فكرة منطقية واسعة عن وحدة الكوميديا الإنسانية، أو أيضا هي وحدة تتحقق عضويا ضمن إطار سيرورة العمل. في الحقيقة، تأتت الوحدة ، واكتشفها بلزاك مثل أثر لكتبه»(18).
عملية التحديد مهمة لأنها تمكن من تجنب معطيات سوء الفهم الكبرى لاسيما في ما يخص العلاقات الجوهرية بين الكاتب وعمله .في الواقع، لا ينبثق الأخير جاهزا تماما من رأس الكاتب، مثل انبعاث سحري. ولايعتبر كذلك جاهز سلفا، قبل تبلوره هنا مثل تتويج يُقبل بكيفية متعددة.حقيقة الأدب بالمعنى الدقيق للكلمة، لم ‹›يكتشفها ‹› الكاتب نفسه إلا نتيجة إحالات تأثيرات مابعدية، بعد ذلك يقدم الأدب نفسه مثلما هو.
هكذا يساهم دولوز تحديدا في تفكيك ألغاز عمل الكاتب ويطرح ثانية للنقاش بكيفية ثاقبة مايسمى بإرادته الخلاقة. يكتشف الكاتب عمله، في اللحظة التي يفترض خلالها تحقق اكتماله .وضعية كهذه تجسد فعلا مانسميه اليوم، بإصرار»علاقة الغرابة›› التي تعيشها علاقة الكاتب مع منجزه، بحيث نجد لدى بلانشو(19) توضيحات مقنعة بهذا الخصوص.
من هنا،ندرك بأن اكتمال نص وإغلاق دفتيه لايمثل إحدى خصائصه الداخلية، بل يستمر أساسا غير ناجز وبهذا المعنى يعتبر النص منتجا للآثار. وجهته الأساسية إذن، هذا الانفتاح الجوهري والذي يظل في إطاره القطب المنتج والمضاعِف للآثار.
انطلاقا من مختلف تلك الاعتبارات، لايتوقف دولوز عن التذكير بأنه من المهم في الأدب، عدم إغفال النظرعن طبيعة وحمولة اللغة قدر كونها منتجة للآثار. يقوم إذن مجال للتساؤل باستمرارعن هذه الإشكالية وإصاخة السمع إلى الإشارة المهمة التالية: «إنها الوقائع من يجعل اللغة ممكنة.غير أن ذلك لايعني قط البدء.بحيث نبدأ ضمن نظام الكلام،وليس مع نظام اللغة،حيث ينبغي أن يتم تقديم كل شيء في ذات الآن دفعة واحدة»(20) .
النشاط الأدبي بالنسبة لدولوز،غير ممكن على المستوى الديناميكي، سوى لأن الوقائع المختارة التي يلزم التعبير عنها، تنعش اللغة بشكل من الأشكال. تشتغل تلك الوقائع كما لو أنها محفزات حقيقية توقظ وظيفة اللغة وفق المعنى المرغوب.بهذا الخصوص،تبنى دولوز تمييزا مضيئا بشكل قوي بين اللغة والكلام. يعتقد بأن الأدب بمثابة الكلام الذي يأخذه الكاتب من جسد اللغة العام. بل يعتبر بداية الكلام تلك منطلقا ينتقل باللغة العامة نحو أخرى نوعية أكثر، تتسم تحديدا بصبغة أدبية. ثم يشتغل هذا الكلام المفارِق،مثل علامة تجارية تؤشر على لغة تعتبر مجهولة لكنها ببساطة أداتية.
في هذا الإطار، نتلمس أيضا لدى دولوز، تطلعا للقطع مع الاغواء السيكولوجي الذي ينصب اهتمامه على إرجاع توظيف الكاتب للغة،إلى هواجس بيوغرافية وكذا صراعات نفسية.بالنسبة إليه، ومنذ كتابه ‹›منطق المعنى››، نحدس سعيا ضمنيا كي يسائل ثانية التقليد التأويلي للتحليل النفسي مثلما سيعمل في ما بعد كتابه الآخر››ضد أوديب››على تفنيده. لكن ونحن ننتظر التقويض الفعلي، فقد فكر دولوز سلفا في أن الأدب غير ممكن إلا بواسطة اللغة الأخرى التي يستقيها ويخلقها انطلاقا من لغة تتسيد المشهد افتراضيا فقط.
إذن الأدب في نظر دولوز،هذا الانتقال إلى الكلام الخالق والمبدع،انطلاقا من تعهد فضفاض للغة. ويبقى متميزا بهذا التزامن الاستثنائي الذي يتناول الكاتب عبره الكلام ويخلق لغة جديدة انطلاقا من المتداولة افتراضيا لدى الجميع.
يسمح دولوز، بناء على هذه التمييزات والتحذيرات، باستلهام مفهوم للنشاط الأدبي أكثر دقة يلح على جعلنا نستشف بطريقة مختلفة ومنتظمة،لغة جاهزة لكنها تحتاج إلى من يثيرها .إنه لايستبعد أبدا،وفق هذا النهج، نصيب الكاتب الذي يبقى رغم كل شيء إجرائيا.وقصد التعبيرعن إيحائه، بشكل أفضل، يعمد دولوز إلى مفهوم الجسد الأثير لديه :»إن كانت الأجساد تحاكي اللغة، فليس من خلال الأعضاء، بل الانحناءات. أيضا،هل يكمن تماما داخل اللغة عرض إيمائي، مثل خطاب، سرد داخل الجسد.إذا تكلمت الإشارات،فلأن الكلمات تقلِّد الإشارات «(21).
بتوضيحات كهذه، نكتسب بشكل أفضل معلومات تهم النشاط الأدبي عند دولوز، بالنسبة إليه، تستحق اللغة الداعمة لهذا النشاط، أن تُتناول كنوع من الدينامية الإشارية التي تعمل انطلاقا من ذخيرة ضخمة بقيت فاترة تعبيريا.تتأتى ميزة اللغة الأدبية تحديدا من التباعدات التفاضلية التي تحققها انطلاقا من لغة عامة،تماما كالجسد يخلق تعبيراته الخاصة التي لاتختلط أبدا مع أعضائه.
يحدث كل شيء، في العمق، كما لو أن النشاط الأدبي يجسد في الوقت نفسه الإيمائي والاشاري الأصليين للكلمات.سيكون إذن باستمرار، لغة تأتى خلقها وإبداعها انطلاقا مما يوجد. ينبغي بالأحرى تأملها كما هي، بحيث تستمد انطلاقتها من لغة تعتبر ذاتها الأكثر استثنائية ضمن السيمولاكرات. يجدر التذكير، بهذا الخصوص أن دولوز ينظر بإعجاب إلى المهارة الفلسفية للفلاسفة الإغريق السابقين عن سقراط والذين تمثلوا مفهوم السيمولاكر باعتباره جوهريا من أجل تحقيق الفهم اللغوي.
بالتأكيد، يمكننا وفق سياق هذا المنظور تسليط الضوء من خلال مفهوم دولوز للنشاط الأدبي، على شكل من الكراتيلية cratylisme المبدعة التي تجسد واحدة من مكوناته الجوهرية. لذلك ،بدون شك، لايتوقف دولوز عن مقاربة كل نشاط فني ومعه الأدب، باعتباره فضاء خيال لاينضب دون عقبات، لعوالم من السيمولاكرات المتجددة باستمرار.
إذن، يشتغل الكاتب واضعا في آن واحد لغة تنجح مزيجا استثنائيا بين الكلمات والإشارات. يمنح خليط كهذا الحيز،في كل مرة، إلى نوع من الجسد الجديد الذي صنعته لغة ثاقبة. ولأن دولوز يمنح انتباها خاصا لإبداع اللغة الآلي وكذا عالم جديد لدى الكاتب،سيبعث نتيجة ذلك بمخزونات مضيئة تهم القيمة التيماتيكية للعمل. ويذكر بذلك جيدا،حين قوله:»من العبث مطلقا أن نحصي تيمة لدى كاتب معين إذا لم نتساءل تحديدا عن أهميتها في عمله، وبالضبط كيفية اشتغالها وليس ‹›معناها›› «(22).
بالتالي ليس حضور التيمة في العمل، من يعتبر جوهريا أو حاسما بخصوص المادة الإبداعية،لكن بالأولى ديناميتها وكذا ملاءمتها الوظيفية. في الواقع، لايماثل ابتذالا حضور تيمة بين طيات عمل أدبي، لكن في المقابل لاشيئ يفوق إبداعيتها حين اشتغالها ضمن سياق فضائها الخاص؟ بمثل هذا التمييز، يبتعد دولوز مرة أخرى عن السعي السيكولوجي،الذي يكرس اهتمامه استثنائيا حول تواتر موضوعة دون الانشغال بديناميتها النوعية داخل العمل.
يشكل هذا التمحور بالنسبة لدولوز،في الآن ذاته، تحصيل حاصل واختزال ضمن نطاق كونه يرجع إلزاميا وبتكلّف أحيانا،التيمة المتوخاة إلى تعليلات بيوغرافية ونزاعية مكبوتة. الاهتمام فقط بتواتر تيمة بين فقرات عمل يبعد الاهتمامات الأدبية،لكنه مع ذلك يركز ضمنيا الاشتغال على وظيفتها الأولية التي نهتدي إليها ثانية بفضل تلك التيمة.هذا الجانب الأخير،يلهم العمل الحياة بمعناها الحقيقي ويبرز حمولته الإبداعية. يتجلى هنا الهاجس المثير والمؤسس لسمو العمل. هكذا، يحدث لديه، الانتقال المدهش للحيوي الأكثر سلاسة صوب انبثاق إبداعية دؤوبة :»حينئذ يتبدى، ما يشكل الهدف النهائي للحياة، بحيث لايمكن للحياة أن تتحقق بذاتها»(23). فلن يكون إذن النشاط الأدبي مجرد نسخة مصغرة أو مزخرفة عن الحياة.أيضا لن يتأتى قط، باعتباره مجرد انعكاس هادئ، بل كتجاوز خلاق.
لايستحضر دولوز ولا يتجه تفكيره،نحو تثمين مايسميه بحيوية الأدب إلا بناء على هذا الشرط. بالتالي،أيّ نشاط نصي يلغي هذا المعطى الأخير من حسبانه،يقوده أولا واخيرا،إلى التخلف عن موعد نزوعه الأدبي .ولكي يستحق ذاته، يلزم الأدب إبداع سيمولاكرات مجازفة من الحياة البسيطة، ثم الدفع بالحس الابداعي بغاية تعكير صفوها(24) .
في نطاق كون النشاط الأدبي إجرائيا بالضرورة، بمعنى يخلق تقنيات إبداع ثرية لسيمولاكرات جديدة، فمن المنطقي ملاحظة اهتمام دولوز بمقدراته الأداتية .بالنسبة إليه وفق سياق هذا المنظور، لاتبدع الآلة الأدبية عوالم جديدة وتنتظم حسب انسجام داخلي إلا من خلال إبراز دائم، لما نسميه بالأساليب.
ف››الأسلوب››عند دولوز ليس مجرد قضية خيال بلاغي، لكن أيضا الذكاء المبدع لديناميات حيوية وإجرائية تبلورت للمرة الأولى .يقول بهذا الخصوص:»الفن بمثابة تحول حقيقي للمادة. تصير معه المادة مفعمة بالروحانية، وتفقد الفضاءات المادية،بعدها الحسي، وتغير اتجاهها نحو الماهية، بمعنى خاصية عالم أصيل.وتتم هذه المعالجة للمادة خلال ذات الآن مع «الأسلوب» «(25).
مثلما يمكننا معاينة ذلك بسهولة، فقد أعطيت الأهمية لطريقة معالجة المادة اللغوية بغاية الوصول إلى خلق عالم جديد تماما.بناء عليه، سيظل الأدب تحققا ، بمعنى مشروع إجرائي .هكذا تتبلور تدريجيا مادة العالم الناشئ. يجدر هنا أن نأخذ علما ونسلط الضوء بتحفظ على التناقض المبدع للنشاط الأدبي حسب دولوز.
فعلا، وبالنسبة إليه، تتأتى تدريجيا ومثل ‹›مفعول›› أسلوب، مسألة تقييم المادة،التي يبدعها الكاتب .مادة غير معطاة سلفا، قبل الكتابة، حتى يتم تشكيلها بعد ذلك. هذه الطريقة في التصور، وهمية وغير قادرة خلال الوقت نفسه على المساعدة من أجل فهم خاصية الممارسة الأدبية. إنها مستندة على نوع من التزامن تمنح خلاله مادة عالما ثم كيفية تقديمه والكشف عنه.
لكن عبر هذا التزامن المتعلق بنشأة الكون، يخص دولوز الأسلوب بنوع من الامتياز باعتباره صيغة إجرائية وتفاضلية.هكذا يتفاوت الكتَّاب.فمن خلال هذا المفهوم وبفضله،أمكن المفهوم الدولوزي معالجة جانب كبير،من تناقض العلاقات الكلاسيكية في الأدب بين المادة والكيفية.
لايتوقف دولوز، المتشبع بثقابة الفكر الفلسفي،عن مقاربة الإنتاج الأدبي كنشأة كونية حقيقية، مع تركيزه باستمرار على ديناميته الدائمة غير المكتملة، أكثر من التفاته إلى تلك النتائج الجاهزة أو الكسولة. فمن خلال هذا المنظور يولي انتباها خاصا إلى مفهوم الماهية:»إن ماهية بمثابة ولادة دائمة للعالم، أما الأسلوب فتلك النشأة التي نعثرعليها ثانية في مواد مطابقة لماهيات، تصير هذه الولادة تحولا للأشياء. ليس الاسلوب هو الرجل، بل الماهية نفسها».(26)
يشتغل الأسلوب على طريقة إيقاظ العالم بحيث ينفصل عن مادة مبتذلة وتافهة قصد الوصول إلى تفرد حقيقي. يعتبر خلال الوقت نفسه تقنيا يؤثر في المادة اللغوية والمتخيَّلة، والنتيجة مكتسبة .يصبح الأسلوب نهجا مبدعا ومؤسِّسا في نطاق كونه يخلق العالم ويعمل على صيانته.هكذا تكتسب الممارسة الأدبية أصالتها عند دولوز والذي يمثل بالنسبة إليه، نشأة كونية دائمة وسرمدية.
الماهية المطروحة هنا للنقاش لاعلاقة لها ببعض الأفكار الأفلاطونية ولا نمط مثالي يتعذر تجاوزه، مثلما يؤكد دولوز بكيفية مفيدة:»فلأن الماهية اختلاف في ذاتها .لكن ليس لها قدرة التنويع والتنوع، دون امتلاكها أيضا القدرة على أن تتكرر، مماثلة لذاتها»(27). يتسم تذكير من هذا القبيل، بأنه يبرز سمة أخرى تؤسس النشاط الأدبي عبر الأصالة الأسلوبية التي تجعله ممكنا.
بالفعل، تعكس الماهية في الأدب خاصية مثيرة بأن تكون متحركة وغير جامدة قطعا .إنها الفضاء الذي يكون بحسبه الاختلاف مكوِّنا جوهريا لهذا الاستمرار المتطور. كما نلاحظ، يستند دولوز،لغاية الآن، على مرجعية قاموس فلسفي، متحفظ ومتكلف حين توخيه إدراك الميزة الحقيقية للممارسة الأدبية. تبقى الأخيرة بالنسبة إليه،ذاك النموذج للكتابة المبدعة التي تحدث انقلابا في ماهيات الواقع المفترضة وإدراجها فورا ضمن تعدد ينبني على التفاضل.
نتيجة تهتدي بنا إلى القول بأن الماهية الأدبية حسب تصوردولوز، تكشف عن نفسها من خلال قدرتها على استساغة وكذا استيعاب التغير والتنوع. كل لحظة تخلقها بالنسبة إلى العالم، وتضفي عليها مشهدا بفضل إجرائية أسلوب، تعتبر ماهية انتصرت قياسا لحياد المادة الفاتر .اللغة وحدها، تبقى غير مبدعة، بل مجرد افتراض تعبيري يلتمس في الوقت ذاته الإغواء وأن يُفسح المجال أمامه. مع الإشارة إلى أن تلك الماهية تضمر قدرة تفاضلية ومتنوعة، فإنها لاتنتزع منه أية خاصية .يتم كل شيء في هذا الاطار كما لو أن الماهية تمسك كثيرا بسفينة أرغو Argoبحيث تتغير مختلف قطعها ثم تبقى في ظل كل ذلك مماثلة لهويتها، الأمر الذي يقود إلى الإعلان الرائع التالي: «ماذا بوسعنا فعله بالماهية،التي هي الاختلاف الأخير، سوى تكرارها، لأنه من غير الممكن استبدالها ثم لاشيء بوسعه الحلول محلها؟ لذلك فقطعة موسيقية عظيمة لايمكنها إلا أن تُعزف ثانية، وقصيدة تُستظهر عن ظهر قلب وتُنشد .لايتعارض الاختلاف والتكرار سوى مظهريا»(28).
تتوخى القيمة المباشرة لمفهوم كهذا المحافظة في الوقت ذاته على الخاصية الوحيدة للماهية ثم جعلها تنفتح على تكرار لانهائي.إذا كان الفضاء الذي يشتغل بحسبه النشاط الأدبي على هذا النحو، فمن اللازم التذكير بأنه لايتعرض لأي اختزال، عكس ماتوحي به المظاهر. فعلا، لايُستنفد أبدا التكرار هنا نتيجة تضمينات حشو غير مجد أو يفتقد إلى نطاق، لكنه ينزع أساسا نحو انفتاح العالم الذي تم إبداعه على تعدد داعم.
يتجلى تأثر دولوز خاصة بالحمولة الممتعة للنشاط الأدبي، والذي بقدر مايعطي انطباعا أوليا بكونه يتكرر، يتيح أيضا باستمرار رؤية شيء جديد .يكمن هنا تناقض واضح، لكنه مع ذلك يعكس تأسيسا في غاية الكمال، أدبيا وكذا فلسفيا. ولكي نتناول بشكل أفضل نفاذ تناقض كهذا في الأدب، يجدر التذكير حسب دولوز بأنه يتحقق كليا ضمن جسد اللغة باعتباره سيمولاكر أخير .بمعنى آخر، إذا وجب على الكاتب توظيف لغة من هذا الصنف،فلن يبقى من خيار ثان أمامه سوى تكرارها، ثم أن يقولها بكيفية مغايرة. بالتالي، يموضع تدريجيا أسلوبا خاصا، بمعنى يستعيد حينئذ اللغة إبداعيا.
إذا كان الأسلوب عموما، مثل الفن، نشاطا يتوخى جعل المادة «روحانية»،فإنه يفسح المجال كي نرى إلى أي حد يستمر هامش الإبداعية والخيال شاسعا بالنسبة للكاتب . تعتبر اللغة الملتمَسَة لديه، هائلة، لاتنضب ثم لغة دقيقة في الوقت نفسه.ضمن فضاء إكراه كهذا، سيشتغل بطريقته الخاصة، أي أنه يتطلع إلى المتفرد انطلاقا من لغة محايدة ومبتذلة.ضمن هذا السياق، يلزم استحضار اسم رولان بارت، الذي ارتكز لديه عمل الناقد – يعتبر أيضا كاتبا حسب طريقته- على إضافته اللغة إلى مجال العمل الذي هو بصدد تقييمه.
مثلما يمكننا ملاحظة ذلك، تساعد حقا تأملات دولوز في الأسلوب، على تمثل إحاطة جيدة بخصوص مفهومه للأدب عموما. ليس فقط الأسلوب بالنسبة إليه،تلك الكيفية المتسامية روحيا بمادة لغوية مبتذلة، لكنه أيضا العلامة المختلفة والمميزة لإبداعية الكاتب . لكن،هل ينبغي التذكير بأن عمل هذا الكاتب لن يتجاوز فضاء الرغبة المتكررة.في الواقع :»لايشيخ الفنان أبدا لأنه يكرر ذاته؛ فالتكرار قوة الاختلاف، ثم الاختلاف قدرة للتكرار»(29).
التكرار لدى دولوز قدرة، وإبداع لعتبات أخرى مفارقة تعتبر خالقة حقيقية للغة وعالم أصيليين. إذن، الكاتب لحظة تكرِّره، يبدع الجديد ويكرس سمعته .يتعلق الأمر،في هذا الاطار،باقتياد اللغة نحو تحمل الوزن الجديد لرغبة الكاتب المبدعة .ومع أنه يشتغل بين طيات فضاء لغة تقررت سلفا، يكررها لكن مع نزوعه بها صوب آفاق أخرى .ينطوي هذا المفهوم للتكرار وقدرته الأسلوبية والإبداعية، على خلفية انسياب هيراقليطيسي. بالتالي،مع أننا لانستحم قط مرتين في نفس النهر، نحتفظ رغم ذلك من الاستحمام تكرارا، تمثل تحديدا حمولته المبهجة، الفعل الجديد المبحوث عنه.
إذا كانت الكتابة الأدبية واعدة إبداعيا، فلأنها استساغت فورا صيغة وضع راهن للغة،تعمل لصالح تجدد شبابها الإبداعي، بفضل تكرار تعبيري يتجه الأسلوب نحو التسامي به روحيا. يشتغل الكاتب على ذلك، مكررا المادة اللغوية، ضمن الإطار الضيق الذي تبقى له، لكن يعرف تحولا.
هوامش:
*مرجع المقالة:
Mohamed Boughali:La littérature selon Gilles Deleuze;université caddi Ayyad; Marrakech;1997.
1-Magazine Littéraire numéro ,1988,page20.
2-Mille Plateaux ; Page11.
3-Mille Plateaux ;Page11.
4-Logique du sens ; page329.
5- Logique du sens ; page357.
6-Proust et les Signes ,page, 200.
7-Kafka page15.
8-Logique du sens, page276.
9- Logique du sens, page276.
10- Logique du sens ,page 276.277 .
11-Magazine Littéraire ,numéro 257 .page 20 .
12-يضيف للتوضيح أكثر :»ليس اللاوعي بمسرح،بل يعتبر مصنعا، وآلة منتجة».نفس المرجع السابق ص 21 .
13-Mille Plateaux,page10
Proust et les signes ; page:70.- 41
15-Proust et les signes;page:173.
16- Proust et Les signes ; page:176;
17-Proust et Les signes ; page187.
18- نفسه (ص197)، نتأمل ضمن نفس السياق الإشارة التالية:»تسبق الصياغة المنصوص عليه،ليس تبعا لذات تنتج ذلك،لكن حسب ترتيب يجعل من هذا جهازه الأول،ارتباطا بالأجهزة الأخرى التالية، بحيث تتموضع الواحدة بعد الأخرى»(كافكا ص 152).
19-يمكننا بهذا الخصوص الاستفادة،بالرجوع إلى صفحات كتاب كلود ليفيسك:
غرابة النص(1978)
logique du Sens; page 212- .20
21-ibid;page;332.
22-Kafka;page;83.
23- استشهد دولوزبمارسيل بروست الذي كتب :»يمكننا بواسطة الفن الخروج من ذواتنا،ثم إدراك مايراه الآخر في هذا العالم المغاير لعالمنا حيث تظل مناظره مجهولة بالنسبة لنا مثل التي نراها في القمر.بفضل الفن،وعوض أن نرى عالما واحدا يتمثل في عالمنا،نراه يتضاعف،وبقدر وجود فنانين مبتكِرِين،بقدر مايكون تحت تصرفنا عوالم،أكثر اختلافا عن بعضها البعض تنساب نحو اللانهائي»(نفسه ص 194)
24-يقول دولوز:››ليس الفنان فقط بمثابة مريض وطبيب الحضارة،بل أيضا شيطانها»(منطق المعنى: ص 278).
25-Proust et les signes;page61.
26:Ibid;page;62.
27:Ibid;page;62.
28-ibid;pp:62-63.
29:Ibid; page;63