هي لجنة للتفكير لا… للتكفير!

عبد الحميد جماهري

لم يكن على شكيب بنموسى، المهندس الذي استقر عليه الاختيار لتقديم النموذج التنموي الجديد للملك في يونيو 2020، أن يختار حواريين إلى جانبه يساعدونه في ما ينوي عمله، ولا كان عليه أن يكون شيخ طريقة، يخضع إلى اختبار السلامة العقدية، للفوز في امتحانه غير المسبوق.
لم يكن عليه أن يكون لا حنبليا ولا شافعيا ولا شيعيا ولا أزديا، كي يقول لنا هي ذي القاعدة التي تم على أساسها اختيار أعضاء اللجنة…، والنظر إلى مهمته يجب أن يكون بمعيار جوهرها المتمثل في أن تكون صريحة وشجاعة ومقدامة في رصد الأعطاب وتقديم الحقيقة في الحلول، وليس الانصياع إلى تقاليد أصبحت تكاد، من صميم الحمض النووي للدولة والمجتمع.
ليس مطلوبا منه أن يكون رئيس لجنة للإفتاء، أبدا
ولا لجنة لتقويم السلوك الديني لأعضاء لجنته
أبدا ،ولا فقيها في جبة مهندس خبر دهاليز السلطة والانتخابات والقضايا الاجتماعية والسياسية الخ..
لست من الذين يحبذون صمته إزاء ما قاله الأستاذ عبد الإلاه بنكيران، حينما اختزل النقاش في اللجنة التي نصبها ملك البلاد منذ أيام، في درجة التدين ومدى الانسجام مع ما يريده من أعضائها.
بيد أن ماقاله رئيس أول حكومة بعد الربيع المغربي، وبعد دستور مهيكل للدولة الجديدة، لا يمكن القفز عليه، بدون وضعه على محك الأسئلة التي يستوجبها النقاش العمومي، وليس الحق في القول على كل حال..
اللجنة بحد ذاتها، كما اقترحها ملك البلاد في خطابين متتاليين، معروفة الموقع، ومعروفة المنبت الدستوري، ومهمتها ووضعها الاعتباري والمؤسساتي واضح.
ولم يعترض عليه-حسب علمنا- أي شخص إبان لحظة الإعلان، وهي لحظة التأسيس.. كما لم يشكك أحد في منطق إنشائها، باعتبارها واحدة من لجان التوافقات الكبرى، كما في طي صفحة الماضي، وفي قضية مدونة الأسرة أو في قضية إعادة تعريف الدولة من خلال الجهوية.. وهي بذلك لا تخرج عن هذا النطاق المعلن والصريح.
ولم يكن واردا أن تقوم اللجنة بإعادة تصحيح تدين المغاربة، ولا أن تحيي دينهم الذي ظل وسيظل حيا في سلوكهم وفي معتقداتهم (وإن كان على البعض أن يقدم ورقة حقيقية عن نسبة تأثير التدين في سلوكه السياسي والمالي تحديدا ونسبة استفادته من الدنيا قبل الآخرة)!
لقد ظل ساريا، حتى في الآداب السلطانية أن العادل الكافر خير من المسلم الجائر، وأن هناك من قادة النضال الدنيوي، أقرب إلى تعفف الصحابة والتابعين، من الذين يتكلمون باسم الأصحاب البررة الكرام رضوان لله عليهم..
غير أن الإعلان عن التشكيلة، صاحبَه غير قليل من النقد، وهو أمر صحي على كل حال، ويجب أن يذهب بعيدا في ما يخص حقيقة العرض الذي سيقدم إلى جلالة الملك الذي قال هو بذاته إنه يريد الحقيقة وإن كانت جارحة..
وفيما بين إعلان التأسيس، وتقديم العرض الذي ستتوصل إليه اللجنة، سيكون من المفيد أن نستعرض مواقف حولها.
ولعلي أرى، بحمد لله وتوفيقه، أن موقف الأستاذ بنكيران يستوجب بالفعل نقاشا هادئا غير محايد طبعا:
هو رئيس يعرف أن الأمر، في المحصلة يجب أن يتم بناءً على قاعدة مؤسساتية، فهل هناك ما يُخل بالقاعدة المؤسساتية الدستورية في هذا الباب؟
لا رأي له في الموضوع..
لاموقع مؤسساتي للسيد بنكيران، في ما يبدو، في الحكم على لجنة ما، وهو يدرك هذا الموضوع** لكنه يريد تفعيل موقف بناء على قاعدة لا علاقة له بالمهمة الموكولة إلى لجنة: التدين.
لا يمكنه أن يسير في هذا الطريق إلى نهايته، لأن نتيجته الأخيرة ليست مبعث طمأنينة، فالغالب الأغلب في مثل هذا المنهج، أن وضع تدين مجموعة أو فرد موضع شك، هو بحدّ ذاته موقف مسبق، تكون نهايته التكفير.
وهي لجنة للتفكير ،لا موضوعا للتكفير!
علينا أن ننتظر نتيجة العمل، والتي من المفترض فيها أن تجيب عن أكثر أسئلتنا حرجا: من قبيل: أي نموذج سياسي جديد للنموذج التنموي الجديد؟
أي موقع للمؤسسات والمحاسبة في بناء الشخصية السياسية القادمة* للمغاربة والمغرب؟
كيف سيحصل النقاش حول الثروة، وكيف يتم الجواب عن سؤال مكانها؟
كيف نبني المواطن الجديد، بعيدا عن كليانيات سياسية أوإديولوجية أو عقائدية تمارس الوصاية عليه، وتقبل بامتتثاله شرطا للنجاح السياسي؟
ما موقع كل الشبكة المؤسساتية الموجودة، في خضم التعامل مع مشكلة النموذج التنموي؟
هي أسئلة لا نستكثرها على أعضاء اللجنة والذين يوجد منهم من نتعلم منه يوميا التحليل والدراسة، ونتعلم منه إنتاج الأسئلة..
ولا نسأل أحدا منهم مثلا:هل تجوز ضريبة من ليس على وضوء؟؟
الدين اليوم، جزء من تفكير القيم، بل في قيم الاقتصاد لا شك في ذلك (ويكفي العودة إلى الدرس الافتتاحي لهذه السنة لأيام الدروس الرمضانية، حول ماكس فيبر والتدين وقيم النجاعة الاقتصادية والنموذج التنموي الجديد لفهم حيوية هذا الأمر..)!
غير أن التدين ليس شرطا في بناء تفكير سليم إزاء اللجنة، ومحاولة من هذا القبيل تعني أحد أمرين:
إما أن صاحبها يريد أن يقول للمعني بالأمر إنه غير ممثل في اللجنة، كتيار ديني سياسي، وهنا لا مجال لفتح أبواب التكهن والتخمين، ويجب أن يكون التفكير واضحا، والمقترح واضحا، والنقد واضحا..
وإما أن صاحب هذا الاعتراض، بلغة المحكمة يرى ان نتائج العمل، مطعون فيها منذ الآن بالاحتكام إلى تدين أعضائها، أو بأوضح العبارات: لا شرعية للجنة أعضاؤها ناقصو التدين، وعليه في هذه الحالة، أن يقر بأنه أعلم من أمير المومنين بشرعية من هذا القبيل!
أن يقول الأستاذ بنكيران إن اللجنة «تضم أشخاصاً متخصصين في التشكيك في الدين الإسلامي «، هو أمر لا يستقيم الاستناد إليه في محاكمة أعضاء اللجنة. لأنه بكل بساطة حكم غير مقبول البتة، إذ لا أحد من الأعضاء يمكنه أن يدعي علانية على الأقل أنه يشك في إسلام المغاربة ودولتهم وإمارتهم المؤمنة.. وكان لهذا الكلام أن يعتبر جملة اعتراضية لولا أنه دعا النقابيين في حزب يتولاه رئيس الحكومة إلى «الدفاع عن مبادئ الإسلام»، كما لو أن البروليتاريا المغربية مهددة في دينها وعقيدتها وليس في قوتها وأمنها وتنميتها..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 19/12/2019