في المنتديات الاشتراكية… «المنتدى الاقتصادي، التطور الاقتصادي المغرب رؤى متقاطعة»
استمرارا لتخليد الذكرى الستين لتأسيس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتحت شعار المصالحة والانفتاح من أجل فتح أفق جديد يتوجه للمستقبل، نظم الحزب، أول أمس بالمكتبة الوطنية المنتدى الاقتصادي. التطور الاقتصادي المغرب رؤى متقاطعة»، بحضور نوعي وكمي من الأطر الحزبية والنخب الفكرية والعلمية المغربية وقيادة الحزب ممثلة في أعضاء المكتب السياسي يتقدمهم الكاتب الأول ادريس لشكر وأعضاء المجلس الوطني.
في تصريح للكاتب الأول للحزب، لجريدة «الاتحاد اشتراكي» الوطنية التي كانت حاضرة بقوة في هذا الحدث، أكد أن هذا المنتدى الاقتصادي يأتي في إطار تخليد الذكرى الستين لتأسيس الحزب التي قررنا فيها تنظيم منتديات فكرية وعلمية، من أجل تجديد الأفق الاتحادي، وطرح أفكار جديدة بنظرة استشراف لعدد من القضايا الجوهرية التي تهم مستقبل البلاد، مبرزا أن الحزب سينظم المنتديات الاشتراكية في عدد من المواضيع الأساسية، كالمنتدى الاقتصادي، ومنتدى يتعلق بالحريات الفردية الذي سيكون في مدينة فاس، والمنتدى المتعلق بالقضية الوطنية والوحدة الترابية، والمنتدى الاجتماعي واليسار والمنتدى المتعلق بالشأن الثقافي. وتهدف هذه المنتديات إلى إطلاق حوار وطني واسع بين كل الاتحاديات والاتحاديين ليساهم الجميع، وسيتم تجميع هذا المنتوج ليكون الأرضية التي ستنطلق منها اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب لإعداد المشروع المجتمعي للحزب خلال العشرية القادمة.
خلال هذا المنتدى، الذي أدار أشغاله المهدي المزواري عضو المكتب السياسي، أجمع المتدخلون الأربعة الأكاديميون المختصون في المجال الاقتصادي، على أن المغرب لا يتوفر على نموذج تنموي في الاقتصاد بالمفهوم العلمي المتعارف عليه، وكما يتم تدريس داخل أسوار الجامعات الوطنية والدولية، مبرزين أن النموذج التنموي الاقتصادي هو تنظيم اقتصاد يرتكز على منظومة مذهبية منسجمة مع العلم علما أن في علم الاقتصاد عدة مذاهب كالنموذج الرأسمالي الذي يحتوي هو الآخر على النموذج الكنزي، والنموذج الاشتراكي، مشيرين في نفس الوقت إلى أن الاقتصاد الوطني هو اقتصاد مركب، فيه الرأسمالية اللبيرالية وما قبل الرأسمالية، وفيه الكثير من الريع، وكل هذه المناطق les logiques تتصارع فيما بينها.
إدريس خروز: المغرب مطالب بالإنتاج
في سلاسل القيمة العالمية ذات الحمولة التكنولوجية العالية
قال ادريس خروز إن سؤال التنمية في المغرب، طرح منذ أواسط التسعينيات، حين عرفت الظرفية الاقتصادية انطلاقة هامة، وشهدت برامج متنوعة في مجالات الصناعة والسياحة والطاقة.
وأوضح خروز أن التشخيص بات معروفا بخصوص ما أنجزه المغرب منذ استرجاع الثقة مع حكومة اليوسفي ومنذ ذلك النفس التنموي الذي أعطى ما أعطى من إيجابيات وحمل ماحمل من إضافات وتطور في الصناعة والسياحة والتجارة واتفاقية التبادل الحر، وساهم في انفتاح الاقتصاد الوطني على العالم كما ساهم في توجه المغرب نحو القطر الافريقي:
وتساءل خروز لماذا نطرح إشكالية النموذج التنموي اليوم: هل لأنه وصل إلى محدوديته؟ وهل كان المغرب يتوفر على نموذج اقتصادي أصلا بقدر ما كانت له سياسات اقتصادية وبرامج قطاعية؟
واعتبر خروز أن التجربة المغربية تمكنت من التطور إلى مستويات إيجابية، حين توفرت على ما يسمى بالتعبئة الاقتصادية التي أعطت نتائج مهمة على مستوى التنمية الاقتصادية للبلاد ترجمت منذ 2012 بنمو اقتصادي بلغ في المتوسط %4,5 وذلك بفضل انفتاح الاقتصاد المغربي على الاقتصاد العالمي.
غير أن الباحث استطرد متسائلا عن الأسباب التي تجعل الاقتصاد الوطني اليوم، لا ينتج سوى قيمة مضافة ضعيفة مقارنة مع الاقتصاديات الصاعدة.
ومن بين الأسباب التي يراها خروز تقف خلف هذا الضعف كون الاقتصاد المغربي رغم تطوره، لم يكن مدمجا، ولم يكن يخدم التنمية على المدى الطويل، حيث لم يكن يخدم خلق فرص الشغل، وبالتالي مازلنا أمام بطالة وإن عرف معدلها تراجعا ملحوظا وصل إلى %9,6 حاليا، إلا أنها تظل مرتفعة بين الشباب والنساء.
وعزا أستاذ الاقتصاد هذا الأمر إلى مجموعة من الأسباب على رأسها انكماش مستوى التشغيل، الذي قلص من فرص الولوج إلى عالم الشغل، وسجل أن التشغيل النسائي مثلا تراجع من %33 قبل 1995 إلى %26 حاليا بما يعني أن المناصفة وإدماج المرأة، يظل مجرد خطاب وذلك لكون المرأة المغربية أصبحت تغادر سوق الشغل وسوق الإنتاج،وبالتالي نعيش اليوم واقعا يتميز بكون %50 من إمكانيات التشغيل المجتمع المغربي أصبحت في وضعية هشة. وتظهر المفارقة جلية في المستوى الثاني من المشهد، حيث إنه رغم ذلك فقد شهد المجتمع تحولات جذرية على المستوى الكمي والنوعي خصوصا على المستوى الهيكلي. ومن بين تجليات هذه التحولات، أن الشباب المغربي لم يعد يعيش طموحات وطنية صرفة، وإنما بات منفتحا على العالم. واليوم في 2019 هناك 44,8 مليون مغربي منخرطون في الهاتف النقال، ما يعني أن المغربي خاصة الشباب، لم يعد ينصت للسياسي المغربي والمنتج المغربي والمؤسسة المغربية فحسب، وإنما يتطلع إلى آفاق دولية كما أن 22 مليون مغربي متصلون بالانترنيت ومنخرطون في شبكات التواصل الاجتماعي، في حين أن هذا العدد لم يكن يتجاوز 4 ملايين سنة 2001 وهو ما بات يطرح إشكالية الإنتماء لأن الشباب لم يعد ينطلق من الواقع المغربي بل يسقط عليه مقارنات مع مايجري في العالم، وهو ما يخلق أزمة ثقة في المؤسسات والهياكل السياسية التقليدية، والتي لم تتمكن من مسايرة هذه التحولات التي تمت على الصعيد الدولي داخل الشبكات الإجتماعية، ما نتج عنه بعض المفارقات على رأسها تراجع الفقر المجرد في المغرب الى %1,4 والذي نقصد به الدخل السنوي الذي يقل عن 3300 درهم سنويا كما أن 7 إلى 8 مغاربة في المئة يعيشون وضعية هشاشة غير أن 50,4% يعتبرون أنفسهم فقراء، وذلك بسبب الفقر الذاتي الذي يشعر به المغاربة لأن مرجعية المواطن اليوم، لم تعد مرجعية مغربية صرفة وإنما مرجعية عالمية ومن بين المفارقات كذلك أن مغربيا من أصل 2 يشعرون بأنهم فقراء، وهو ما بات يستدعي حسب خروز ضرورة انخراط المؤسسات في الثقافة العالمية التي يعيش داخلها الشباب المغربي.
ونبه ادريس خروز إلى أن شابا من أصل 2 بين 19 و 24 سنة يعيشون وضعية عطالة وأن %50 من الشباب المغاربة يعيشون البطالة لمدة سنتين على الأقل، كما أن %22 من حاملي الشهادات المغاربة يعيشون مابين سنة إلى ثلاث سنوات من البطالة. ويتوصل سوق الشغل ب 350 ألف طلب شغل سنويا بينما الاقتصاد المغربي لا ينتج سوى 120 ألف منصب شغل كما أن 100 ألف مغربي يختار الهجرة إلى الخارج سنويا، وهو ما يطرح إشكالية لا تقل خطورة، ألا وهي إشكالية هجرة الأدمغة.
وبعد كل هذا التشخيص، خلص خروز إلى أن البرامج الاقتصادية في الصناعة والفلاحة والخدمات، تعاني من غياب التنسيق وضعف الالتقائية، حيث أصبح المغرب ينتج في بعض الصناعات كالسيارات والطيران، غير أنه لا ينتج بتاتا في مجال سلاسل القيمة العالمية ذات التكنولوجيا والمحتوى العلمي المرتفع.
ودعا خروز إلى ضرورة انخراط المغرب في الصناعات المنتجة للقيمة المضافة العالية والناتجة عن تخصصات علمية دقيقة، كما طرح الباحث إشكالية التربية خصوصا في مرحلة الطفولة قبل المدرسية وتتضمن التربية على القيم وعلى العقلانية والإبداع.
واعتبر خروز أن مشكلة التعليم في المغرب، تكمن في جزء منها في مستوى المكونين الذين يعتبر الباحث أنهم في حاجة إلى إيلاء أهمية خاصة لمسألة التكوين المستمر.
وعلى الرغم من كون هيئة التدريس في المغرب، عرفت تطورا نوعيا وكميا على مستوى التعويضات المادية، غير أن ذلك لم يقابله اهتمام بمستوى التكوين المستمر، وبالتالي لا يمكن أن نغير وضعية التعليم بإدماج أساتذة ومعلمين ضعيفي التكوين أو بدون تكوين أصلا، كما لا يمكن أن نغير عقلية المدرسة بدون تكوين أساتذة.
وتطرق ادريس خروز لإشكالية لغة التدريس في المغرب، وقال إن بلادنا لا تعرف حرب لغات بقدر ما تعاني من سوء تدبير المشكل اللغوي، مسجلا أن المغرب كان شجاعا حين أقر ازدواجية اللغة في الدستور.
وأوصى ادريس خروز بالاهتمام بالتعليم في الثقافات والمعارف العامة أو ما يعرف بالسوفت كيلز والتعليم الذكي، كما دعا إلى تطوير صناعات ثقافية تتحلى بالتجديد والإبداع والتنوع، للتعامل مع الواقع وليس مراكمتها كصندوق كمي.
وأخيرا، دعا خروز إلى ضرورة تعزيز الثقة في الدولة وفي المؤسسات، حيث أصبح المغاربة يفتقدون هذه الثقة، وهو ما يتطلب مجهودا خاصا في هذا الورش، كما دعا في ذات الوقت إلى ضرورة العمل على أوراش أخرى مثل تطوير الاقتصاد الرقمي واقتصاد المعرفة، بينما يتطلب تخليق الحياة السياسية والاقتصادية ضرورة محاربة الرشوة والفساد الإداري والعمل على تثبيت عوامل الاستقرار وبناء علاقات اجتماعية متماسكة مبنية على المواطنة والمسؤولية وهو ما يتطلب مرحلة انتقالية طويلة لكسب هذا الرهان.
المكي الزواوي: جزء كبير من معضلة التنمية في المغرب ناجم عن ضعف الموارد البشرية
بدوره اعتبر المكي الزواوي أستاذ الاقتصاد في جامعة محمد الخامس، أن هناك علاقة جدلية بين التنمية الاقتصادية وجودة الموارد البشرية، وأوضح كيف أن الثورة الصناعية وقيام الأنظمة والدول الحديثة والاقتصاديات الصاعدة، كلها قامت على قوة الموارد البشرية.
واعتبر الزواوي أن المغرب لا يمكن أن ندخله اليوم في مصاف الدول الصاعدة، وهو ما يبقى حلما لأنه لا يتوفر على المؤشرات اللازمة للدخول إلى نادي الدول الصاعدة.
وأوضح الزواوي أن العولمة سارت اليوم في طريق علوم المعرفة واقتصاد المعرفة، وهو ما جعل الامتيازات التي كان يتوفر عليها المغرب في بعض الصناعات، رغم أهميتها لم تعد كافية ما لم تتجه البلاد نحو تطويرمجال الذكاء والعلوم المستقبلية لتأقلم موارده البشرية مع التغيرات المتسارعة والقادمة مستقبلا.
ويرى المكي الزواوي أن النتائج الأخيرة التي كشف عنها تقرير «بيزا» الذي وضعته «ocde» تضع المغرب في مراتب متأخرة، لأن هناك خسارة وتبذيرا كبيرا يتسبب في هدر الموارد البشرية في المغرب.
وبين الباحث الاكاديمي أنه من أصل كل 100 طفل يبلغ سن التمدرس ويدخل في الصفوف الابتدائية لا يصل منهم إلى الباكالوريا سوى الثلث،وأضاف أن مستوى التعليم الجامعي بدوره لا يقل سوءا، حيث أظهرت الدراسات والتجارب أن عشرات الآلاف من الطلبة في الماستر لديهم ثقافة عامة ضعيفة للغاية وعدد كبير منهم يفتقد إلى معلومات أساسية في التاريخ والسياسة والاقتصاد والجغرافيا، ما يجعل هذه النخبة المفترضة عاجزة في النهاية عن التفاعل الجيد مع التحولات التي يعرفها المجتمع.
وفي تحليله للوضع الذي آل اليه مستوى التعليم في المغرب، اعتبر الأستاذ الجامعي أن جودة التعليم تدهورت منذ عهد الحماية، حيث ظهرت أولى مؤشرات الضعف في أواخر الحرب العالمية الثانية، حين وصلت نسبة التمدرس بين الأطفال البالغين سن التمدرس %1 مقابل %7 في الجزائر وبعد الحرب العالمية الثانية وتحت الضغط الذي مارسته الحركة الوطنية، بذلت بعض الجهود لتحسين هذا الوضع، ومباشرة بعد الحصول على الاستقلال في 1956 وصلت هذه النسبة إلى %10 وكان التحدي في حكومات المغرب الأولى بعد الاستقلال هو البحث عن أساتذة وبيداغوجيين ليملأوا الفراغ الذي خلفه الاستعمار، وكانت نسبة التكرار في الصفوف الابتدائية جد مرتفعة سنة 1958.
وبعد هذه اللمحة التاريخية، خلص الزواوي إلى أن المغرب ظل دوما يفتقد إلى سياسة إرادوية واضحة في مجال التعليم، ومازال هذا الوضع مستمرا إلى يومنا هذا، حيث لا تتعدى نسبة الميزانية المخصصة للتكوين المستمر من ميزانية قطاع التعليم %0,1 مقابل %2,5 في عدد من الدول المشابهة لوضعية المغرب، هذا دون الحديث عن نسبة %5 وما فوق بعض الدول الاسكندنافية.
واستغرب الزواوي غياب «إلزامية التكوين المستمر» من القانون الإطار المنظم لمهن التعليم.
وكان الزواوي صريحا وصارما حين أنحى بجزء من اللائمة على النقابات لما وصلت إليه وضعية التعليم ببلادنا، حيث قال إن النقابات حاربت دوما هذه الإلزامية للتكوين المستمر مغلبة الدفاع عن مصالحها الفئوية على حساب المصلحة العامة للبلاد.
واعتبر الزواوي أن هم النقابات لم يكن يوما هو جودة التعليم، وجودة الأطر التدريسية، وهنا لابد من تسمية الأشياء بمسمياتها، حيث ينبغي أن تتوفر هذه النقابات على مايكفي من الجرأة السياسية للقيام بنقد ذاتي في هذه المسألة حتى تعم ثقافة الحقوق والواجبات لتسود المجتمع ككل.
ولحل إشكالية التعليم يرى المكي الزواوي أنه لابد من معالجة إشكالية تكوين المكونين أنفسهم، وهذا يقتضي ضرورة تعبئة جميع الطاقات والخبرات في المجتمع للقيام بهذا الدور ولو تطلب الأمر جلب خبراء من الخارج وكل هذا يتطلب جرأة سياسية.
على المستوى الثاني، تتجلى إشكالية ضعف جودة الموارد البشرية في سوء تنزيل الإصلاحات المقررة في قطاع التعليم على أرض الواقع، حيث إنه على الرغم من كون هذه الإصلاحات تبدو نظريا جيدة على الورق إلا أنه لا يتم تنزيلها بالشكل الأمثل. وعزا الزواوي ذلك إلى كون النخبة المكلفة بهندسة الإصلاحات والمكونة أساسا من رؤساء الأكاديميات والموظفين الكبار، تظل محكومة بإكراهات التسيير الاداري والتدبير اليومي لمشاكل هامشية لا علاقة لها بالمهمة الأصلية المنوطة بها كبناء المدارس الذي هو من اختصاص الجماعات الترابية في دول أخرى.
عبد العالي دومو: الدولة مطالبة بتفكيك أليات إنتاج الريع للمرور
إلى اقتصاد السوق
أما الخبير الاقتصادي عبد العالي دومو، فقد حاول تقديم تشخيص حول المعيقات التي تمنع البلد من تسريع مساره التنموي، محاولا قبل ذلك الوقوف عند الملاحظات المنهجية، التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند معالجة هذه الإشكالية، معتبرا أن النقاش حول النموذج التنموي ينطوي على كثير من اللبس، حيث يتم استعمال مجموعة من المصطلحات التي لا تفتقد الحمولة العلمية الخاصة بها. ومن أولى هذه الملاحظات أن النموذج التنموي الذي يتم تدريسه للطلبة نقصد به تنظيم اقتصادي يرتكز على منظومة مذهبية منسجمة مع استحضار أن في علم الاقتصاد هناك مذاهب اقتصادية متعددة كالنموذج الرأسمالي وداخل هذا النموذج تطور نموذج رأسمالي كنزي يرتكز على تدخل الدولة والنموذج الاشتراكي … إلخ.
وإذا أخذنا هذه النماذج، يقول دومو، وحاولنا قراءة الواقع الاقتصادي المغربي على ضوئها، سنجد أن المغرب لا يتوفر على أي منها حيث يفتقد المغرب إلى منظومة اقتصادية منسجمة.
ويرى دومو أن الاقتصاد الوطني هو اقتصاد مركب فيه قليل من الرأسمالية الليبرالية ويضم قليلا من المظاهر ما قبل الرأسمالية وفيه كثير من اقتصاد الريع، وبالتالي ليس هناك منطق واحد وإنما مناطق كثيرة تتضارب في هذا الاقتصاد المغربي، ولذلك عندما تتم قراءة المسار الاقتصادي للمغرب أول ما يطفح على السطح، هو هذه الوتيرة المتواضعة للنمو، التي لن تمكن المغرب من الإقلاع ولا تمكن من حل إشكالات التشغيل والفقر والهشاشة في المدن الكبرى والوسط القروي، هذه الوتيرة التي ارتفعت في العشرية الأولى من هذا القرن إلى حوالي %4 ولكن عندما نأخذها خلال العقدين الماضيين نجدها تتراوح بين %3 الى %3,2.
وقال دومو إن ملاحظة الواقع الاقتصادي المغربي ظاهريا، تكشف عن أنه اقتصاد عقاري غير منتج وليس اقتصادا رأسماليا صناعيا مثل ذلك الذي مكن العديد من الدول من الإقلاع، اقتصادنا يقول دومو يظل مبنيا على الفلاحة والعقار والخدمات أما السمة الغالبة على هذا الاقتصاد، فهي هيمنة الريع وليس قواعد السوق، حيث يتم إحداث أنشطة اقتصادية عبر امتيازات ممنوحة أو حماية عبر رخص أو تحفيزات إدارية أو ضريبية، وبينما يعتمد اقتصاد السوق على المنافسة وتكافؤ الفرص بين المقاولين والفاعلين والشباب وحاملي المشاريع وعلى الإبداع، يظل اقتصادنا المغربي مرتكزا على الريع.
ونبه دومو إلى أن النقاش الدائر اليوم حول النموذج التنموي، يتم داخل منظومات مذهبية متعددة، وهو أول إحراج يقف أمام هذه اللجنة التي عهد إليها بمهمة إعداد النموذج التنموي ما يضعها أمام إكراه تعدد المقاربات وتعدد المذاهب التي ستقدم التشخيص والحلول حسب المصالح الفئوية، وبالتالي علميا سيصعب إحداث توافق في مجتمع تغلب عليه مصالح فئوية متضاربة، و يبقى الحل حسب دومو هو التحكيم السياسي الملكي الذي سبق أن حسم في مجموعة من الإشكالات كما حصل مع المخطط الأخضر حين تم تقييم نتائج هذا المخطط، وأمر بأن يتم توجيهه نحو تشغيل الشباب ورفع الطبقة المتوسطة الفلاحية بمعنى ان خيار الإنتاج الذي بني عليه المخطط في السابق وأدى إلى إعطاء أفضلية لبعض الطبقات الفلاحية على أخرى، احتاج إلى تحكيم ملكي، وهو نفس التحكيم الذي احتاج إليه المغرب في الحسم بين دعاة الدولة المركزية واللامركزية، حيث جاءت خطابات الملك لتحسم هذا النقاش وأعطت التحكيم لصالح تفويت الصلاحيات للجهات وتقريب الدولة من المواطنين.
الملاحظة الثالثة التي يريدها دومو هي هيمنة بعض المقاربات التكنوقراطية في النقاش الذي دار حول تطوير الاقتصاد والتي انصبت على انعاش الطلب الداخلي والخارجي حيث نادى بعضهم بقلب الآية عبر خلق اقتصاد مبني على العرض الصناعي والانتاجي بذل الطلب الذي ظل مهيمنا.
ويرى دومو أنه ينبغي أن تعالج قبل بعض المعضلات المؤسساتية التي افرزتها طبيعة السياسات المعتمدة والتي ظلت تغذي اقتصاد الريع وتمنع المغرب من إنتاج اقتصاد السوق الذي من شأنه أن يمكن البلد من الاقلاع، حيث ظلت الدولة ترعى باستثماراتها العمومية التحفيزات الموجهة نحو العقار والفلاحة والخدمات، وهي كلها قطاعات تحتاج إلى رخص، ما يعني أن الحد من اقتصاد الريع يستلزم تفكيك مكونات هذا الاقتصاد عبر حذف هذه الآليات وانتقد دومو غياب تكافؤ الفرص للولوج للعقار، بسبب هذه القوانين والتحفيزات الضريبية المجحفة كما انتقد عيوب وثغرات قانون الصفقات العمومية الذي يضرب مبدأ تكافؤ الفرص.
واعتبر دومو أن الصناعات الجديدة للمغرب كصناعة السيارات وصناعة الطيران وإن كانت تبدو متقدمة فإنها تخفي حقيقة لا يعرفها جميع المغاربة، وهي كونها ساهمت في إضعاف فرص الشغل في قطاعات أخرى كلاسيكية كانت تحتضن مئات الآلاف من مناصب الشغل.
وكشف دومو حقيقة صادمة حين أكد أن عدد مناصب الشغل الصافية التي أحدثها النسيج الصناعي خلال عشرين عاما الأخيرة لم يتجاوز 32.000 منصب، فأين نحن من 500.000 منصب التي وعد بها مخطط التسريع الصناعي في 2020 وأين هي 23 % من مساهمة الصناعة في الناتج الداخلي الخام.
وعزا الخبير الاقتصادي سبب هذه الاشكاليات إلى طبيعة السياسات العمومية نفسها، حيث إنه على الرغم من الاستثمارات العمومية الضخمة التي تبذلها الدولة والتي سمحت بها عمليات الاصلاح وعقلنة الموارد في مجال الضرائب غير أن المشكل في سياسة الاستثمار العمومي هو الشق التنفيذي.
ودعا دومو إلى عدم الخلط بين الدولة المركزية في الرباط التي تتمتع بنفوذ مالي وصلاحيات واسعة والدولة الترابية التي تفتقد إلى الموارد المالية والصلاحيات التنفيذية اللازمة لتنزيل البرامج.
وعلى الرغم من كون العاهل المغربي تطرق خلال 17 خطابا ساميا إلى ضرورة التسريع بإخراج جهوية متقدمة حقيقية فإن المغرب مازال يعاني من نظام ترابي مزدوج تهيمن فيه الدولة المركزية على 92 % من موارد الاستثمار فيما تتوزع %8 على مكونات الدولة الترابية من جماعات وجهات.
والنتيجة الناجمة عن هذا التركيب هي الخدمة العمومية الضعيفة مقابل كلفة إنفاق عمومي باهظة في ظل غياب هندسة حقيقية في مجال البرمجة.
طارق المالكي: أهم توصيات مناظرة الجبايات غابت عن قانون المالية 2020
أما طارق المالكي أستاذ الاقتصاد، فقد حاول مقاربة الشق الاقتصادي للنموذج التنموي عبر طرح السؤال حول أي نظام جبائي في إطار النموذج التنموي، قائلا إنه ينبغي مراجعة النظام الجبائي في إطار النموذج التنموي الجديد لأن لا تنمية مستدامة دون اقتصاد قوي وسريع ومندمج ولا نمو اقتصادي سريع وقوي ومندمج بدون سياسة جبائية عادلة، داعياإ إرساء وتنزيل أسس نظام جبائي جديد قادر على توسيع القاعدة الجبائية ورفع التنافسية بين المقاولات ودعم القدرة الشرائية للأسر.
وانتقد المالكي غياب معظم التوصيات التي جاءت بها المناظرة الوطنية الأخيرة للجبايات عن قانون المالية لسنة 2020خاصة على مستوى وضع إصلاح جبائي عادل ومنصف وشمولي، معدداأسباب مشاكل النموذج الاقتصادي الحالي والمرتبط جزء منها بالسياق العام الدولي الذي كان له أثر على المغرب حيث عرف النمو في الدول الشريكة خاصة الاوربية انكماشا بين 1 % و %1,5 وهو ما كان له أثر سلبي على مستوى عجز الميزان التجاري للمغرب الذي تفاقم بشكل مخيف.
واعتبر المالكي أن وتيرة النمو الاقتصادي بالمغرب عرفت تدهورا كبيرا خلال العقدين الماضيين حيث نزلت من %5 في العشرية الأولى من القرن إلى أقل من %3 حاليا وهو ما جعل هذا النمو عاجزا عن خلق مناصب الشغل، حيث هبطت قدرة الاقتصاد على خلق مناصب الشغل إلى 10.000 بدل 30.000 في السنوات السابقة، منبها إلى أن %1,6 مليون شخص في المغرب يعانون من الفقر حيث لا يتعدى دخلهم اليومي دولارا واحدا، كما أن كل مغربي من أصل 8 يعيشون وضعية هشاشة بأقل من عشرة دولارات في اليوم، معتبراأن 80 مليار درهم من الاستثمار العمومي الذي تنفقه الدولة رغم أهميته، لا ينعكس إيجابا على حياة المواطنين ولا أثر له على خلق فرص الشغل.
وعدد المالكي مجموعة من العراقيل التي تقف أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب وعلى رأسها غياب التوزيع العادل للثروات الناجمة عن المحصول الضريبي، منتقدا العيوب التي تتسم بها مجموعة من الإجراءات الضريبية، والتي تجعل الدولة معتمدة بشكل كبير على الضرائب التي تنهك القدرة الشرائية للأسر، حيث سجل ارتفاع الضريبة على الدخل.
ومن ضمن إكراهات النظام الجبائي في المغرب، اشار المالكي إلى الاقتطاع الضريبي المرتفع جدا والذي يصل إلى %30 مما يحد من تنافسية المقاولات، كما أن %65 مكونة من 3 ضرائب تؤثر على القدرة الشرائية وعلى تنافسية المقاولات، مسجلا أن هذه الأخيرة تعاني من ضغط ضريبي ثقيل، كما أن المنظومة الجبائية في المغرب، لا تساعد على إنعاش التماسك الاجتماعي وتعميم التغطية الصحية وتوفير الحماية الاجتماعية لجميع المواطنين، ملاحظاأن النظام الجبائي الحالي يشجع اقتصاد الريع ويؤدي إلى انعدام الثقة في المنظومة الضريبية.
وعلى الرغم من كون المناظرة الوطنية للجبايات أسفرت عن 10 توصيات هامة للشروع في الإصلاح إلا أن أيا منها لم تترجم في قانون المالية 2020.
وأخيرا دعا طارق المالكي إلى إصلاح ضريبي يتجه نحو تعزيز القدرة الشرائية للأسر، وإقرار الضريبة على الثروة، والضريبة على الإرث، وخلق صندوق للتماسك الاجتماعي يمول من ضرائب خاصة، مطالبا بإصلاح الضريبة على القيمة المضافة، باعتماد 3 نسب عوض 5 نسب مع تخفيض الضريبة على المواد الواسعة الاستهلاك لدى الأسر المغربية.