يعيش المستشفى الإقليمي لعمالة إقليم مديونة، هاته الأيام، غليانا بسبب ضعف تقديم الخدمات الصحية لساكنة الإقليم الذي يحتوي على خمس جماعات نتيجة قلة الموارد البشرية مما جعل مجموعة من الأقسام الطبية شبه مغلقة في وجه الساكنة، باستثناء مصلحتي طب الأطفال التي تعمل بدون مداومة ليلية، والمستعجلات، نتيجة غياب الآلات والمستلزمات الطبية الضرورية.
ورغم المجهودات التي تقوم بها المديرية الإقليمية لوزارة الصحة بالإقليم من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجل توفير الخدمات الصحية للساكنة، إلا أنها تبقى ضعيفة أمام الحاجيات الصحية والاستشفائية الضرورية للمواطن المديوني، حيث نجد أن مصلحة المستعجلات تعمل على استقبال المرضى المصابين وإعادة توجيههم إلى مستشفيات الدارالبيضاء بسبب غياب الوسائل الطبية الضرورية، منها ما يهم المركب الجراجي، ونفس العملية بالنسبة لمصلحة الولادة حيث لا يتم استقبال إلا الحالات العادية التي يمكن توليدها عن طريق المولدة دون الحاجة إلى طبيب مختص، أما الحالات المستعصية فيتم نقلها إلى مستشفيات البيضاء ليبدأ فصل آخر من المعاناة، بعدما يتم رفض استقبالهم بدعوى أنهم يتوفرون على مستشفى إقليمي، هذا الوضع غير الصحي جعل ساكنة الإقليم تدخل في مواجهات مع الأطر الطبية التي وصلت معاركها إلى فضاءات المحاكم، بعدما تدخلت المصالح الأمنية بمديونة في أكثر من مرة، والتي دونت خلالها محاضر قانونية في الموضوع، ومن المهازل الطبية لهذا المستشفى الإقليمي والتي حكيت عن طريق لسان أحد المستشارين الجماعيين بجماعة المجاطية اولاد الطالب، خلال إحدى دوراته العادية، والتي خصصت نقطة في الموضوع خلال جدول أعمال الدورة عن الاختلالات التي يعرفها المستشفى والمعاناة التي تعرفها الساكنة، هو أن المستشار الجماعي نقل امرأتين على وشك الولادة في فترات غير متباعدة بسيارته الخاصة نتيجة عدم استقبالهم من طرف المستشفى، بدعوى أن ألم ’’المخاض’’ لم يصل بعد الى ذروته.
تبقى هذه الحكاية واحدة من حكايات هذا المستشفى العجيب التي يعجز اللسان عن سردها، والتي كانت آخرها عندما رافق أحد المستشارين الجماعيين أحد أقاربه لقسم المستعجلات ليلا ليتفاجئا بأن أحد الحراس هو من يستقبل المرضى ويدون أسماءهم بالسجل الطبي في غياب الطبيب المداوم ليقوم بعد ذلك بمهاتفة رئيس جماعته الذي حضر وقام بإخبار المديرة الإقليمية لوزارة الصحة، والتي حضرت على عجل من مدينة الدار البيضاء رفقة نائبها ليبدأ مسلسل البحث عن الطبيب المداوم ومدير المستشفى الإقليمي.
هكذا يدبر قطاع الصحة بعمالة إقليم مديونة الذي يعرف خصاصا مهولا في شتى المجالات، منه ما هو سوسيو اجتماعي ومنه ما هو اقتصادي.
من خلال تشخيص هذا الواقع المر وغير الصحي يطرح سؤال عريض لدى مجموعة من المهتمين وفعاليات المجتمع المدني والسياسي بالإقليم: ما جدوى تعيين مدير إقليمي على رأس هذا المستشفى الإقليمي إذا كانت جميع مشاكله تحل عن طريق المديرية الإقليمية لوزارة الصحة بمديونة والاكتفاء بإغلاق باب مكتبه في وجه شكايات المواطنين الذين يعانون من سوء الخدمات الطبية المقدمة؟
ومن إنجازات هذا المدير تقديم استقالته بتاريخ 11 أبريل 2019. وقد أرجعت مصادر الجريدة أسباب الاستقالة إلى تذمره من المديرة الإقليمية للقطاع التي افتتحت مصلحة طب الأطفال بالمستشفى الإقليمي دون توفير الآليات الضرورية والمستلزمات الكفيلة بإنجاح عمل هذه المصلحة، وفور توصل المسؤولة الإقليمية بطلب الاستقالة تم العمل بالمتعين في الموضوع حيث قامت بمراسلة المديرية الجهوية في شأن الاستقالة وبعد بضعة أيام سيتقدم المدير بطلب آخر يتراجع فيه عن الاستقالة دون ذكر السبب، مما يطرح سؤالا آخر عن الارتجالية والاستهتار بالمسؤولية التي تتطلب الكفاءة والحكامة واستحضار المصلحة العامة مع ربط المسؤولية بالمحاسبة.
كما قام المكتب النقابي الإقليمي لمديونة التابع للنقابة الوطنية للصحة المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية وبتنسيق مع المكتب الجهوي بتنظيم وقفات احتجاجية إنذارية، الأولى أمام مقر مندوبية وزارة الصحة بمديونة يوم الجمعة 10 ماي 2019 في الساعة الحادية عشر صباحا، والثانية أمام المستشفى الإقليمي بمديونة، مع إصدار عدة بيانات نارية تنذر من خلالها بالوضع الصحي الكارثي بالإقليم، ووعيا منه بأهمية القطاع العمومي وما يقدمه من خدمات لشريحة واسعة من المواطنين وبضرورة أن تقوم الإدارة بواجبها في تنفيذ البرامج الصحية بما يراعي كرامة الأطر الصحية ويضمن توفير عرض صحي يليق بساكنة مديونة، حسب البلاغ رقم 04 الذي أصدره المكتب النقابي خلال الوقفة الاحتجاجية، كما قام المكتب النقابي بإصدار بلاغ آخر بتاريخ 2019/10/14 طالب من خلاله المندوبية الجهوية للصحة بجهة الدار البيضاء- سطات بضرورة إرسال لجنة جهوية للتفتيش للوقوف على الاختلالات والتسيير العشوائي للمديرية الإقليمية للصحة بمديونة، مما جعل الوزارة الوصية تقوم بإرسال لجنة وطنية للتفتيش التي حلت بتاريخ 2019/10/16 بمقر المديرية الإقليمية والتي دام عملها ثلاثة أيام، حيث وقفت على حجم الكارثة التي يعرفها المستشفى الإقليمي بمديونة وعلى مجموعة من الاختلالات والعشوائية في التسيير، مما جعل الساكنة تتساءل اليوم، بعد مرور ثلاثة أشهر على حلول اللجنة، عن القرارات التي اتخذتها الوزارة الوصية والجدوى من هاته اللجنة في ظل الوضع الصحي الكارثي الذي مازال يتخبط فيه إقليم مديونة، مما جعل تجلياته تنعكس على المراكز الصحية بالإقليم والضغط الذي أصبحت تعرفه في غياب الموارد البشرية وندرة الأدوية المزمنة منها، مما فرض على العاملين بهذه المراكز الدخول في صراعات يومية مع المواطنين.
وأمام هذا الوضع وفي انتظار أن تتدخل الجهات المسؤولة عن القطاع الصحي، جهويا ووطنيا، لحل هذا المشكل جذريا بعيدا عن الحلول الترقيعية، عن طريق توفير الموارد البشرية ذات الكفاءة مع ضرورة تخصيص ميزانية التسيير، فإن الساكنة مطالبة بالبحث عن العلاج بمستشفيات الدار البيضاء خاصة الجامعية منها.