إسبانيا المغرب:جو البحر والصحراء…

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

هناك جو خاص، فيه البحر والصحراء، بين المغرب وجارته إسبانيا. وأي حدث قد يقع في الصحراء، يؤثر فيه، تماما كما أن ما قد يحدث في البحر، لا بد أن يعكسه.
وقد اختارت وزيرة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسبانية، أرانشا غونزاليز لايا، في أول محطة ضمن زياراتها للخارج بعد تعيينها في منصب رئيسة دبلوماسية بلدها، أن تمعن النظر في الغيوم المصطنعة التي خيمت على سماء الأبيض المتوسط، وفوق مياه الأطلسي، بخصوص بسط الولاية القانونية المغربية على مجالنا البحري، ثم تبددها …
1- أول رسالة، لأول زيارة، بعد مصادقة البرلمان المغربي على قانوني بسط الولاية، هي أن إسبانيا الحاكمة ليس لها أي رهان قوة مع المغرب.
ومعنى ذلك أن الحرب التي خاضتها قوى اليمين، ورئاسة جزر الكنارياس، لا صدى لها في الأفق السياسي الرسمي لإسبانيا.
فقد كان حزب اليمين الشعبي وحزب فوكس المتطرف على يمينه يسعى لأن يجبر إسبانيا على العودة إلى أجواء الصراع بين الجارين المتوسطيين، بل العودة إلى أبعد من ذلك، إلى فترة الانتداب الاستعماري على جزء من المنطقة..غير أن الوزيرة نبهت بالأساس إلى أن العلاقات لا تخضع للمزاج السياسي أو بعد -السياسي، إنها قضية دولة، وقضية استراتيجية..
فالقضية ليست مزاجا انتخابيا ولا هي قضية رهان قوة..
بالتالي تبددت الغيوم.وعادت الأمور إلى ميزانها البحري، وإخضاعها لمنطق الحوار، وتبادل المصالح وتهدئة أوضاع، في منطقة تلتهب لسبب أو لغير ما سبب!
2- ما يهم البحر، يهم البر، ومن لا رؤية بحرية له لا رؤية برية له، لهذا فالسيادة البرية والبحرية سواء، وما قيل عن القضية الترابية والوطنية في الصحراء ينسحب على البحر أيضا.. ولقد لفتت الأنظار بالإحالة إلى ملف صحرائنا الوطنية، إلى موقفين اثنين متلازمين، يتجاوزان الرهانات الحزبية الداخلية:
1- ذكرت بأن موقف إسبانيا بشأن قضية الصحراء هو « موقف دولة، وليس رهينا بتغير الحكومات أو التحالفات «، ومعنى ذلك، فإن الذين راهنوا على أن يجعلوا من تحالف الاشتراكي العمالي مع بوديموس المناصر لأعداء وحدتنا، نقطة قوة ضدنا، عليهم أن يعودوا إلى التفكير من داخل منطق الدولة الإسبانية، الحامية لمصالحها مع المغرب، كما أن الذين يراهنون على جعل المواقف تتغير مع تغير الحكومات أن يقرأوا السجل من صفحاته الواقعية…
2- لم تستسلم الوزيرة إلى أي إغراء في التعويم، وذكرت بموقف واضح لرئيس حكومتها من القضية الوطنية، وجددت التأكيد على الموقف الذي عبر عنه رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث لم يتطرق لمسألة تقرير المصير.
وعلينا أن نعود إلى تطورات هذا الوضع الإسباني إزاء قضية تقرير المصير والاستفتاء وغيرهما، منذ بداية الصراع إلى حدود الساعة، وكيف تقرأ إسبانيا الأوضاع الحالية، بعيدا عن بقايا الاستعمار والحروب القديمة (وكنا اقترحنا على أشقائنا الجزائريين أن يحدوا حدوها وينضجوا موقفهم… ).
في الوضع البحري اليوم مجريات ومتغيرات، لا يمكن أن تترك المغرب في موقف 1982 عندما تم إقرار قانون البحار، كان لا بد من أن يسعى إلى ممارسة سيادته البحرية، في أوضاع متقلبة.
ولعل المغرب قد أطر بعقلانية ما أقدم عليه، ونذهب إلى حد القول إنه هيأ الشروط لموقف إسباني عقلاني ومتوازن إزاء موقفنا عندما وضع خطوته السيادية ضمن شرطها الدولي والإقليمي عبر ثلاثة مبادئ رئيسية، بعد ممارسة السيادة، تخص بسط الولاية القانونية للمغرب على كافة مجالاته البحرية:
** ترسيم الحدود البحرية الخارجية مسألة دولية قابلة للتفاوض.
**المغرب لا يحاول فرض الأمر الواقع الأحادي.
**تحيين الترسانة القانونية لملاءمتها مع قانون البحار.
والبحر المتوسط اليوم موضوع رهان قوة بحري كبير، والدول تتسابق إلى بحيرة الحضارة والأديان، تحدوها مصالحها في ما يشبه سايسبيكو بحري في المنطقة، ولربما علينا أن نقرأ مؤتمر برلين الحالي، كما قرأنا مؤتمر برلين السابق في 1885، وتوزيع النفوذ من جديد، مع نفس الدول تقريبا التي حضرت في المؤتمر الأول، والمؤتمر الثاني..ولا يمكن أن يبقى البحر، وسيادته، عرضة للتأويل، ومجالاته الداخلية والإقليمية والعليا، تخضع لموازين القوة المتدافعة في البحيرة …
وبهذا الموقف، الإسباني – المغربي، انتهت الأمواج والزوابع التي كانت تتلبد في الأفق.
هناك مثال يمكن تحضيره معا، في البر والبحر والجو، لا سيما وأن أمواجا كثيرا تلاطمت تحت جسور العبور بين الضفتين في ماض قريب…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 16/11/2020