في الوقت الذي يحذر فيه البعض من هجرة الأدمغة المغربية إلى الخارج، الظاهرة التي تنتشر على نطاق واسع في صفوف المهندسين والأطباء وخريجي المعاهد العليا، يفضل البعض الآخر تسليط الضوء على الكفاءات الشابة التي تلقت تكوينها في أرقى الجامعات والمدارس والمعاهد العليا بأوروبا، لاسيما في فرنسا، والذين يختارون العودة إلى المغرب أو يطمحون إلى ذلك.
ولعل دوافعهم تتعدد. فهي تتراوح بين ما هو شخصي وما هو مهني، لكنها تتقاطع جميعها عند رغبة المشاركة في الدينامية التي تشهدها البلاد خلال السنوات الأخيرة، مما يجعلها أكثر جاذبية في أعين هؤلاء الشباب.
وفي هذا السياق، استضافت العاصمة الفرنسية مؤخرا منتدى آفاق المغرب، وهو معرض التشغيل الرئيسي للطلبة الشباب المغاربة والأجانب والمهنيين المهتمين بالمغرب. وهو ما يشكل فرصة لمعاينة هذا التغير في التوجه لدى العديد من الشباب المغاربة الذين يستقرون في فرنسا، سواء أولئك الذين تخرجوا حديثا أو الذين اكتسبوا بالفعل تجربة جيدة.
وهكذا، كان هناك العشرات من الذين ارتادوا أروقة مختلف الشركات، والمجموعات من القطاعين العام والخاص، المغربية والأجنبية، الحاضرة في هذا المنتدى، بحثا عن كفاءات عالية التكوين في صفوف الجالية المغربية بفرنسا الراغبين في الحصول على وظيفة في المغرب.
فقد التقى في هذا المنتدى، شباب تخرجوا للتو، لكن أيضا البعض من ذوي الخبرة الذين اكتسبوا سنوات من التجربة في كبريات الشركات الفرنسية أو الأجنبية المتواجدة في فرنسا، حيث قام بعضهم باستكشاف سوق الشغل بالمغرب، في الوقت الذي جاء فيه البعض الآخر للبحث عن فرصة لحزم الحقائب والعودة إلى الوطن الأم.
وهكذا، فإن البعض يرغب في بدء مسيرته المهنية في المغرب، بمجرد الحصول على دبلوم، والبعض الآخر يرغب في الاستفادة من تجربته الغنية في فرنسا من أجل إعطاء دفعة لحياتهم المهنية، لكن هذه المرة في المغرب.
ففي تصريحات لوكالة المغرب العربي للأنباء، قام العديد منهم بشرح الأسباب الكامنة وراء هذا الاختيار. وعلى الرغم من اختلافها، فإن دوافعهم تتقاطع جميعها عند الرغبة في المساهمة في تنمية المغرب، مستفيدة من الدينامية التي تشهدها المملكة خلال السنوات الأخيرة.
ولعل هذا هو حال محمد، مدير مشروع رقمي بفرنسا، لكن أيضا مريم، موظفة في بنك BNP Paribas، أو حتى رشيد، خبير البحث والتطوير. ويقول محمد في حديث للوكالة «من الواضح أنني أود المساهمة في تطوير بلدي، وإبراز مهاراتي وتجربتي التي اكتسبتها من خلال التكوينات التي حصلت عليها، وذلك من أجل مصلحة بلدي ومصلحة اقتصادها، وانفتاحها وتطورها.
وإلى جانب الأسباب العائلية، فإن الجانب الاقتصادي له كل ثقله في اتخاذ هذا القرار، مسلطا الضوء على تطور الاقتصاد والفرص التي تفتح أمام الشباب، والتي «لا يمكننا أن نجدها بالضرورة في فرنسا».
أما مريم التي استقرت في فرنسا منذ عشر سنوات، فترغب هي الأخرى في تغيير المسار، والعودة إلى المغرب بحثا عن مستوى حياة أفضل، لكن وقبل كل شيء المساهمة في تنمية بلدها، فهي تعتزم في البداية العمل لدى شركة كبرى، قبل الانطلاق على المدى المتوسط في ريادة الأعمال.
من جانبه، يوضح رشيد الذي يتوفر على خبرة لمدة خمسة عشر عاما في فرنسا، أن الشركات المغربية الحاضرة في المنتدى تفتح آفاقا كثيرة للخريجين الشباب أو ذوي الخبرة الذين يتواجدون في فرنسا، قائلا إن المغرب بدأ يتطور بشكل جيد وهناك فرص تتجلى، بما في ذلك في مجال البحث والتطوير.
وتابع «بالنسبة لي أنا الذي يتمتع بخبرة طويلة في مجال البحث والتطوير، إنها لفرصة حقيقية من أجل التقدم في مسيرتي المهنية، وأفضل من ذلك الاقتراب من عائلتي».
ويتشاطر المشغلون نفس وجهة النظر، بمن فيهم خالد بنغانم، مدير الموارد البشرية لدى مجموعة «طاقة موروكو»، الذي شارك في هذا المنتدى من أجل إيجاد مرشحين محتملين لمشاريع مجموعته في المغرب. وهنا يقول «ما هو جدير بالملاحظة أن هناك الكثير من المرشحين المهتمين بالعودة إلى بلدهم. فهم يقدمون الأسباب نفسها (…) وهم يريدون جميعهم المشاركة في تنمية المغرب».
يشار إلى أن الدورة 24 لمنتدى آفاق المغرب، المعرض الرئيسي لتشغيل الطلبة الشباب والمهنيين المغاربة والأجانب المهتمين بالمغرب، انعقد يوم الأحد الماضي بباريس، مع التركيز بشكل خاص على إفريقيا.
وقد أضحى هذا المنتدى المنظم بمبادرة من جمعية مغاربة المدارس العليا والجامعات، موعدا لا محيد عنه بالنسبة للمهنيين من مختلف المشارب الراغبين في اغتنام الفرص التي يمنحها المغرب على مستوى التشغيل وكذا الاستثمار.
(و.م.ع)