إذا كانت ضراوة الحرب ضد تفشي فيروس كورونا المستجد «كوفيد – 19»، قد كشفت عن استعجالية إعادة النظر في ما يخص أولويات توزيع الميزانية العامة السنوية للبلاد، والتعاطي مع قطاع الصحة من منظور مغاير، يستحضر طابعه الاستثنائي القائم، أساسا، على حماية «الصحة العامة «للمجتمع وجعلها قادرة على الاستمرار في الحياة، بعيدا عن حسابات الربح والخسارة ذات المرجعية التجارية الصرف، فإنها، بالموازاة، أعادت إلى «الواجهة» أسئلة متعلقة بالعوائق والإكراهات التي تحول دون أن تكتسب «أدوار» مكاتب حفظ الصحة التابعة للجماعات الترابية ، النجاعة المأمولة والمفيدة للجماعة والفرد في آن واحد؟
استحضارا لما تنص عليه المادة 83 من الفصل الثاني من القانون التنظيمي رقم 113-14، المتعلق بالجماعات، يتضح أن المكتب الصحي الجماعي هو بمثابة «الجهاز الأول في ما يتعلق بتطبيق القرارات الجماعية الخاصة بالمحافظة على النظافة والصحة العمومية»، كما أنه «يتكلف برفع التقارير التي تتضمن نتائج مراقبته، ولو بدون طلب من الرئيس»، وذلك كلما تبين وجود بعض «المؤثرات» التي يمكن أن تشكل «خطرا على سلامة وصحة المواطنين» أو في حالة وجود «تقصير من رئيس المجلس الجماعي في التدخل عن طريق إصدار مقررات طبقا للقوانين المعمول بها وتنفيذها باعتباره ممارسا للشرطة الإدارية في مجالي المحافظة على الصحة العامة والسكينة العمومية».
إنها «مهام جسيمة»، ولا شك، تلك التي أسندتها النصوص القانونية ذات الصلة لـ «المكتب البلدي لحفظ الصحة»، في سياق ضمان انسيابية أداء وتقديم خدمات القرب لمواطني هذه الجماعة الترابية أو تلك، تتجاوز القيام بـ «تدوين الوفيات في سجلات خاصة، وتسليم رخص الدفن ونقل الأموات وتسليم شواهد الوفاة ومحاربة الحشرات والكلاب الضالة..»، مهام، للأسف، تغيب ترجمتها الميدانية بالشكل الصحيح داخل أكثر من جماعة على طول امتداد جهات البلاد ال 12، تعلق الأمر بجغرافية الحواضر أو الأخرى المؤشرة على المجال القروي بنقائصه المتعددة الأوجه.
قصور شكل موضوع لقاءات رسمية عديدة، خلال السنوات القليلة الماضية، نذكر هنا – على سبيل المثال لا الحصر – بفعاليات يوم دراسي سبق أن نظمته المديرية العامة للجماعات المحلية بمقرها يوم الثلاثاء 11 دجنبر 2012، حول «الوقاية الجماعية وحفظ الصحة.. محور أساسي لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين»، توقفت خلاله بعض العروض عند مجموعة من «المشاكل» التي تعيق قيام مكاتب الصحة الجماعية – إن وجدت أصلا – بالأدوار المنوطة بها على أحسن أوجه، مسلطة الضوء على «النقص في التخطيط والموارد البشرية المؤهلة»، لافتة إلى أن «الإمكانيات المادية تكون في كثير من الأحيان متوفرة، لكن غياب الحكامة يظل مشكلا عويصا»، داعية كافة الأطراف المتدخلة إلى «العمل على إيجاد منهجية ناجعة لتدبير قطاع الوقاية وحفظ الصحة «في أفق» تدارك مواطن الخصاص المسجلة على أكثر من صعيد».
تشخيصات يتساءل المنشغل بأحوال المجتمع، ونحن نعيش في ظل «حالة الطوارئ الصحية»، عن جدوائية الكشف عنها ، بهذه المناسبة أو تلك، إذا لم يؤخذ أمر تفعيلها على أرض الواقع الحابل بـ «الأمراض» المختلفة، بالجدية والصرامة اللازمتين، وذلك في زمن المناداة بربط «المسؤولية بالمحاسبة»، علما بأن العديد من هذه المرافق الجماعية تعج بالكفاءات القادرة على تجويد والرفع من مستوى الخدمات المقدمة، والتي ينقصها، فقط، التقدير ورد الاعتبار من قبل المكلفين بمهام تدبير الشأن المحلي؟