الفن في مواجهة الفاجعة رشيد باخوز نموذجا

موجودون باعتبارنا كائنات قابلة للتكيف، قادرة على تغيير جيناتها، وأن تتلبس أشكالا جديدة من الوجود، كائنات تحاصر الموت بالبقاء، سلاحنا تلك الرغبة المدفوعة باللغة الخفية القابلة للتمدد… لغة الإنسانية التي واجهت كل الجائحات والويلات والفاجعات.. لهذا ونحن نفكك لغة ألوان وأشكال هذا العمل الفني للتشكيلي رشيد باخوز، نقف إزاء تمثل للإنسانية في هيئة فتاة شابة يافعة، تنظر إلى نقطة تقع خارج الإطار؛ ناظرة إلى أفق يلزمنا الالتفاف إليه، لا يقع في مرمى أعيينا، وكم نحن غافلون عنه. حرة هي تلك الفتاة تضع قناع النجاة، في زمن عنوانه «كورونا»، وحش بيولوجي لا يتم مقاومته إلا بالأمل، المتجسد في تلك الألوان الدافئة، الأزرق بحر الأمل، الألوان التي تتكئ على الخلفية السوداء، عنوان المرحلة التي تتصف بـ»الفاجعة». عَيْنا الفتاة وملامحها التي تمتزج وقناع النجاة، تتحد وتلك الأحرف المجردة التي لا نكاد نستقرئها مهما حاولنا، حروف تتجاوز كل اللغات، أرخبيل ضبابي، إلى أن تغدو لغة إنسانية واحدة، عنوانها النجاة… فلننظر إذن، إلى أفق مختلف، أفق تلك الفتاة.
يصير الفن هو طوق النجاة الذي علينا التمسك به، في هذه الفاجعة التي لا تستثني أحدا. بل إنه «جهاز التنفس» الذي نتنفس به ونحن نقع يوما عن يوم في أعماق ظلمات هذه المرحلة الغامضة. فتتحول تلك الكمامة التي تضعها تلك الفتاة، التي نجهل اسمها وأصلها، إلى جهاز النجاة ونحن نخرج صوب الشارع، كأننا مجرمون متخفيون من رجال القانون، لكن لا نتخفى إلا من «وحش مجهري خفي» نجهل مكانه، إنه يترصدنا ويتربص بنا في كل مكان.. تتحد الفتاة، إنها نحن والكل، وتلك الهيئات الحروفية الممتدة، التي تصير كل الأحرف وكل اللغات، إنها مكمن اليقين والحقيقة، إن أدرنا الاقتباس من لودفيغ فتغنشتاين، من حيث إننا حضور متجسد للغة التي تفكر فينا وبنا، بالقدر نفسه الذي نفكر بها. لهذا فكل تلك الحروفيات المتعاليات، تغدو إحالة ودلالة جمالية على البعد الإنساني الذي يتحد ويتضامن للخروج من الفاجعة.
لم يخرج رشيد باخوز عن ملونته الاعتيادية، لكنه أقام في هذه اللوحة قفزة هامة في تجربته الصباغية، تتسم بالتوحيد بين التجريد والتشخيص والحروفية في الآن نفسه. ويا لها من مغامرة ستلقي بأنوارها في تجربته القادمة، التي تتسم بتمديد الحرف وتجريده من مقروئيته ما يحمّل العمل الفني بلاغة الاستعارة وإنسانية الأسلوبي، وعمق التعبير الذي يتكئ على التمثيل القادم من العالم المعاش.

* (شاعر وباحث
جمالي)


الكاتب : عز الدين بوركة *

  

بتاريخ : 23/04/2020