الدكتورة رجاء مارسو، طبيبة عامة، نائبة رئيس جمعية الأيادي المتضامنة.. المنظومة الصحية بالمغرب توجد في قسم الإنعاش وتحتاج إلى من ينعشها
– من هي الدكتورة رجاء مارسو؟
– رجاء مارسو، تبلغ من العمر 39 سن، من مواليد مدينة تطوان، من أبوين ينتميان إلى أسرة التعليم، رزقا بثلاثة أبناء، بنتان وولد، ورجاء هي أوسطهما، متزوجة من زوج مهنته مهندس، لها طفلتان، إيناس تبلغ من العمر 11 سنة، وياسمين عمرها ست سنوات.
تطوان الحمامة البيضاء، شهدت مساري الدراسي إلى غاية الحصول على شهادة الباكلوريا، وانتقالي بعد ذلك إلى الرباط لمواصلة دراستي بكلية الطب والصيدلة.
طبيبة عامة، نائبة رئيس جمعية الأيادي المتضامنة، مستشارة بجمعية أطباء الصحة العمومية بتطوان، والتي تجمع الأطباء من جميع التخصصات على محور تطوان، المضيق، الفنيدق.
– كيف جاء اختياركم لدراسة الطب، وماهي المسارات التي قطعتموها بعد التخرج؟
-دراستي للطب جاءت ترجمة لحلم ظل يلازمني منذ الطفولة، فقد كانت أمنيتي على الدوام أن أصبح طبيبة، وهو اختيار شخصي نابع من قناعة بنبل المهنة.
وبالفعل بعد حصولي على شهادة الباكلوريا التحقت بكلية الطب والصيدلة بالرباط التي تخرجت منها في 2004، حيث جرى تعييني بعد المباراة بإحدى المناطق النائية التابعة لإقليم شفشاون بباب برّد، حيث لم يكن هناك سوى مركز صحي ودار للولادة، أما الموارد البشرية فقد كانت محصورة في «قابلة» وممرض، بإمكانيات ضعيفة وخصاص مهول، مقارنة بانتظارات الساكنة، ومع مرور الوقت وجدتني أتأقلم مع الوضع الجديد المغاير لما كنت أتخيّله عن الاشتغال في مستشفى تتوفر فيه كل المواصفات الضرورية، وقدّمت ما بوسعي رفقة زملائي انطلاقا مما كان متوفرا. بعد ذلك انتقلت إلى باب تازة، ليكون مجموع المدة التي قضيتها بين المنطقتين التابعتين لنفس الإقليم حوالي 5 سنوات ونصف، وفي 2010 انتقلت للعمل بمركز صحي حضري «الملاح» بتطوان.
– ما الذي حفّزكم على الاهتمام بالعمل الجمعوي وإيلاء الأهمية لوضعية المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين ببلادنا؟
– أؤمن بشكل كبير بقيمة العمل الجمعوي والتضامني، وكما أسلفت في التقديم فأنا مستشارة بجمعية أطباء الصحة العمومية بتطوان، التي ظلت تشتغل على التكوين المستمر لفائدة الأطباء، وتبرمج قوافل طبية لسكان جهة الشمال الذين هم في حاجة إليها، وبالتالي فإن الاهتمام بوضعية المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، لم يكن وليد الصدفة، بل هو استمرار لما كنا دائما نقدمه، إلا أن بداياته كانت من خلال جمعية إدماج المهاجرين المغاربة بمالاغا، التي أتوفر على أصدقاء بها، وهي الجمعية التي كانت تشتغل بشراكة مع جمعية الأيادي المتضامنة، وفي إطار مشروع لها يتمثل في مركز للإرشاد والتوجيه الذي أحدث بشراكة مع الوزارة الوصية على الهجرة، وبهدف إطلاق مبادرة لمساعدة هؤلاء المهاجرين بغابة بليونش، استفسرني أصدقائي عن إمكانية وجود طبيب «رجل» لمصاحبتهم في خطوتهم يقوم بفحص المهاجرين المستهدفين الذين سيتم التواصل معهم، فعبّرت عن استعدادي للقيام بهذه المهمة، ومن هنا كانت البداية في هذا المجال.
-ألم يراودكم الخوف من طبيعة التصرفات وردود الفعل التي قد تلاقونها؟
– الخوف شعور طبيعي، خاصة ونحن سنتعامل مع أشخاص في وضعية صعبة، يتواجدون بغابة، لانعرفهم ولافكرة لنا عن طبيعة ردود فعلهم، ونحن مطالبون بكسب ثقتهم، كما أن المنطقة صعبة، وتعرف تواجدا للسلطات العمومية التي تحول دون التواصل معهم، وبالتالي كل هذه عوامل لاتبعث على الارتياح، لكن وبما أنني كنت ضمن فريق عمل، وبما أن القناعة راسخة بتقديم يد المساعدة لهذه الفئة من الأشخاص التي هي في حاجة ماسة لها، وهو مايدخل في إطار العمل الإنساني فلم يكن من الممكن أن أتقاعس وأتخلّف عن القيام بهذه المهمة الإنسانية الصرفة، ولن أدخر جهدا لمواصلة هذا العمل.
– كيف تم التفاعل رسميا مع القوافل الطبية والإنسانية التي برمجتموها؟
– خلال سنة 2014 أي لما تم تنظيم أول قافلة، التي كانت تروم تقديم الخدمات الطبية ومتابعة الوضعية الصحية للمستهدفين، وتمكينهم من الملابس والأكل وغيرهما، تم التعامل معنا من طرف السلطات المحلية المسؤولة بليونة، إذ تم تأجيل قافلتنا قبل أن يتم منحنا الموافقة لتنظيمها، وفي 2015 حصلنا على الموافقة دون أدنى مشكل، لكن في 2016، تم منعنا وألغيت القافلة، وفي 4 فبراير من السنة الجارية 2017، وبعد استيفاء كل المساطر الإدارية فوجئنا بالمنع ونحن بمكان تنظيم القافلة، في الوقت الذي لم نتوصل فيه بأي إشعار سواء بقبول طلبنا أو رفضه، إذ تم اعتراض سبيلنا من طرف السلطات العمومية، ومع ذلك شرعنا في الفحوصات، وبعد أن عاينا طبيا حوالي 30 مهاجرا، تدخل قائد المنطلقة لمنع إتمام القافلة بشكل قاطع، وهو ماحزّ في نفوسنا جميعا.
– خلال هذه القوافل كم هو العدد التقريبي للمهاجرين الأفارقة الذين كانت تأويهم الغابة؟
– الأعداد كانت تعرف تباينا، فأحيانا قد يتراوح عدد المهاجرين ما بين 300 و 400 شخص، وأحيانا يتقلص العدد إلى 100 أو أقل، مع الإشارة إلى أنهم يعيشون على شكل مجموعات بحسب الانتماء الجغرافي لبلدانهم.
– ماهي طبيعة الأمراض التي كنتم تشخصونها لديهم؟
– أمراض متعددة على رأسها الأمراض الجلدية، بالنظر إلى بيئة الغابة، الالتهابات الصدرية والتنفسية، وأمراض لها علاقة بالتغذية والنظافة، ووجود فطريات وجراثيم في الجهاز الهضمي، إلى جانب الأرق الذي يكون نتيجة لعدم النوم، في ظل غياب أجواء مطمئنة وغيرها.
– «ماما حاجّة» من أين أتى هذا اللقب؟
– هو لقب يطلقه هؤلاء المهاجرون على كل من يلامسون فيه الإنسانية والطيبوبة ويقدم لهم المساعدة من النساء، فتجدهم يناداونه بـ «ماما» ويضيفون «حاجة»، وهي التسمية التي يخاطبونني بها.
o ماهو رأيكم في المنظومة الصحية اليوم؟
n المنظومة الصحية هي في قسم الإنعاش وتحتاج إلى من ينعشها، بالنظر للخصاص الكبير في الموارد البشرية من أطباء وممرضين وإداريين، ونتيجة لوضعية المستشفيات التي تفتقد للتجهيز الكلي كما ينبغي، فنحن نشتغل في ظروف صعبة، ونحن من نكون في مواجهة يومية مباشرة مع المرضى، حين يكونون في حاجة لإجراء تحاليل غير متوفرة في المستشفيات، أو لأدوية ليست لهم القدرة على شرائها، فنحن من نضطر للتعامل مع هذه الحالات وليس الوزير الوصي على القطاع أو أي مسؤول آخر، فنلاقي اللوم والعتاب، الذي تتطور طبيعته وتختلف من شخص لآخر.
– حدث طبع مساركم؟
– كثيرة هي الأحداث الموشومة في الذاكرة، والتي تختلف تفاصيلها، وأكتفي بسرد 3 أحداث، الأول لحظة ولادتي لطفلتي، والتي كنت أتركها للذهاب إلى العمل وهي تبلغ من العمر 3 أشهر، لكني استطعت التغلب على الصعوبات بفضل دعم أسرتي لي.
الحدث الثاني، يتمثل في لحظة منع آخر قافلة لهذه السنة، هذا القرار الذي لم يكن كتابيا وإنما بقوة الواقع خلّف حزنا كبيرا في نفسي وألما لم أستطع تحمّلها فذرفت الدموع حرقة لعجزي عن تقديم المساعدة للمهاجرين الذين كانوا في حاجة ماسة لها ويترقبونها، بل وكانوا يتفاعلون مع الأحداث لحظتها بأصواتهم وهم يؤكدون أنهم مرضى.
والحدث الثالث، الذي يعتبر راسخا في ذهني، يعود لسنة 2011، حيث مورس العنف ضد الأطباء خلال شكل احتجاجي، فتم تهشيم عظام الكثيرين منهم، في مشاهد صادمة مؤلمة، تجعلنا نعيد طرح العديد من الأسئلة.
– ماهي ميولاتكم الفنية؟
-أنا من عشاق فيروز، ماجدة الرومي وكاظم الساهر، ومن يسبحون في فلكهم الفني. وفي مجال آخر أنا من عشاق الطبخ وإبداع «شهيوات» جديدة.
– آخر كتاب تطلعون عليه؟
– أقرأ حاليا كتاب «قيمة القيم» لمؤلفه المفكر والدكتور المهدي المنجرة، بعدما سبق وأن قرأته في وقت سابق، لكونه يستحق القراءة أكثر من مرّة، وباعتباره مرجعا يتطلب تمعنا أكبر.
– ماهي ملاحظاتكم الصحية المرتبطة بشهر رمضان؟
– للأسف خلال شهر رمضان نعاني كثيرا مع نوع من المرضى المصابين بداء السكري، الذين لايستمعون للنصائح ويصمون آذانهم عنها، ويقدمون على الصيام رغم تأثير ذلك على وضعهم الصحي، علما أن الرخصة الإلهية واضحة في هذا الصدد، كما أننا نقف على مجموعة من الأخطاء المرتكبة التي تهمّ التغذية والتي تترتب عنها العديد من الأمراض المرتبطة بالجهاز الهضمي.
– أمام المنع الذي تعرضت له قوافلكم هل ستتوقفون أم ستواصلون عملكم؟
– سنواصل بكل تأكيد مهمتنا الإنسانية، وسننظم قوافل طبية، ونعمل على توزيع المساعدات، كما أننا نفكر في نقل أنشطتنا إلى مناطق أخرى، بالمقابل نتمنى أن يكون التعامل الإداري معنا ومع مبادراتنا إنسانيا. إن مسؤولية مهمتنا الإنسانية تتعاظم كذلك من خلال الرسائل التي نتوصل بها من مهاجرين أفارقة عبروا إلى الضفة الأخرى، رسائل شكر وتقدير واعتزاز مفعمة بالمشاعر الإنسانية الجياشة، وهنا أستحضر لحظة انتقالنا كوفد يمثل الجمعية لزيارة عدد منهم أواخر شهر فبراير بعد ولوج فوج من سبتة لإسبانيا، فكانت الحفاوة التي استقبلنا بها بالغة وجد متميزة زادتنا إصرارا على أداء واجبنا.
– كلمة أخيرة؟
– ما أقوم به هو واجب بحكم مهنتي، واجب إنساني اعتبره ضرورة يجب أن اخصص لها وقتها، وما يساعدني على ذلك التشجيع الذي أجده من أعضاء الجمعية والفريق المتطوع، وزملائي في المهنة، وأتمنى من لله سبحانه وتعالى أن يوفقنا في خطواتنا.
إن الإحساس بلذة العطاء ليس في متناول الجميع، ولايمكن أن يلمسها ويتذوق طعمها إلا من عاشها، ووقعها على نفسية المتلقي لا يمكن كذلك أن يحس بها إلا من هو محتاج لمن تُمدّ له أيادي المساعدة، خاصة المريض وعابر السبيل والمحتاج …، علينا أن نساهم جميعا في زرع ثقافة التضامن والتآزر، وأن يكون كل ما هو إنساني قاسما مشتركا فيما بيننا جميعا.