في ظل استمرار ارتفاع معدلات الإصابة والوفيات جراء كوفيد 19، تستعد بلدان شمال إفريقيا لرفع تدريجي لتدابير الحجر الصحي. في هذا الحوار الذي أجرته معه صحيفة «جون أفريك» يقوم أستاذ علم الأوبئة في الجامعة الأمريكية ماساتشوستس، الباحث يوسف أولهوط، بتحليل وتقييم مخاطر مثل هذا القرار.
وتشير آخر الإحصائيات إلى أن أكثر من 1700 حالة وفاة مرتبطة بوباء كوفيد 19 سجلت حتى الآن في القارة السمراء. وفي المغرب العربي ومصر ، و بمجرد ظهور الحالات الأولى، تم إطلاق مجموعة من التدابير لاحتواء الأزمة الوبائية، إلى جانب حظر التجول الصارم إلى حد ما. لكن التكلفة الاقتصادية لمثل هذه القرارات تقود الدول الآن إلى إعداد مخططات للتخفيف من هذه الإجراءات ورفع الحجر الصحي بداية من 4 مايو في تونس وربما قريبا في الدول الأخرى..
كيف تصف تطور منحنى الوباء في المغرب الكبير؟
إذا نظرنا إلى عدد الحالات المسجلة حتى الآن ، فإن منحنى تطور الوباء ليس مقلقا. لكن هذه الأرقام تظل خادعة ، لأنها تعتمد على قدرة الدول واستراتيجيتها في مجال الكشف والتحاليل . وبالتالي فإنه من غير المناسب الاعتماد على هذه الأرقام لرصد ونمذجة تطور الوباء لأنها غير دقيقة ومتحيزة.
وهذه ليست ملاحظة مقصورة على شمال إفريقيا فحسب، بل خاصية عالمية: هنا في الولايات المتحدة، يتم التقليل من عدد الوفيات من 5 إلى 10 مرات أو أكثر في مناطق معينة !! وفي شمال إفريقيا، سيكون من المفيد أكثر نشر عدد الإصابات التي ولجت المستشفيات، وهو مؤشر أفضل بكثير على حقيقة الوضع.
أنا شخصيا أهتم بالنماذج التي تقيس الفرق بين عدد الحالات المكتشفة وعدد الحالات الحقيقية. وفي هذا الصدد ، يبدو أن تونس و المغرب يبلوان بلاء حسنا، حيث تم اكتشاف 7٪ إلى 40٪ من الحالات الحقيقية بتونس، وكذلك المغرب حيث تم رصد 6٪ إلى 25٪ من الحالات. في المقابل، تظل كل من مصر والجزائر متأخرتين في اكتشاف الحالات.
ولكن هل يمكننا القول إن الوباء تحت السيطرة؟ أو أن المنطقة المغاربية في منأى عما يقع في أوروبا؟
من السابق لأوانه الحكم على هذا الأمر. كل ما يمكننا قوله الآن هو أن تونس والمغرب في حالة أفضل للكشف عن الفيروس. على المدى الطويل، للحفاظ على أكبر قدر من السيطرة على الوباء، مع أنه سيكون من الضروري زيادة هذه القدرة على الفحص. ومرة أخرى، لا ينبغي أن ننسى أنه لا أحد يعرف العدد الفعلي للحالات، لأنه لم يتم اختبارها جميعًا.
على سبيل المثال، هنا في ماساتشوستس، في بلدة تسمى «تشيلسي»، حيث توجد كثافة سكانية عالية تضم جاليات كثيرة من أمريكا الجنوبية وشمال إفريقيا، ورسمياً ، فإن أقل من 3 ٪ من السكان مصابون بوباء كوفيد 19 ولكن تم إجراء تجربة ، مع اختيار عشوائي للمارة في الشارع. فتبين من الاختبارات أن أكثر من ثلث هؤلاء مصاب بالفيروس . أي بمقدار أعلى بعشر مرات من النسبة الرسمية المعلن عنها. والمثير هنا، هو أن العديد من الناس ليس لديهم بالضرورة أوراق إقامة قانونية، وبالتالي يخشون تقديم أنفسهم للسلطات.
لهذا السبب، أنا حذر بشأن الأرقام، وأعتبر أن العديد من التوقعات التي تستند فقط إلى الأرقام المنشورة تعد مجرد عملية مضاربة. ومن بين البيانات التي ينبغي أخذها في الاعتبار، أولا ، هناك عدد الوفيات ، والذي يعد منخفضا بشكل ملحوظ في المغرب العربي. هل يمكن تفسير ذلك بالهرم السكاني المكون في غالبيته من الشباب ؟ نعم ، هرم الأعمار يساعد على خفض معدل الوفيات بين الحالات المصابة، ولكن يجب علينا أيضا أن ننظر إلى جانب الإمكانيات والبنيات المتوفرة لرعاية المرضى. في الحالات التي اكتظت فيها المستشفيات، انفجر عدد الوفيات ، كما هو الحال في إيطاليا على سبيل المثال. وفي أوروبا، نأخذ بعين الاعتبار أيضا أن السكان أكبر. وأخيرا ، يعد الطقس أحد العوامل التي يهتم بها العلماء، وهذا يمكن أن يفسر تباطؤ انتشار الفيروس في المغرب العربي، لكن لا يمكن أن يفسر وحده أي نهاية للوباء.
ومع ذلك، هناك توضيح من الجدير التذكير به في ما يتعلق بالمعدل الذي ذكرته حول الوفيات ضمن الحالات المصابة، حيث يتم احتسابه بقسمة العدد الإجمالي للوفيات بسبب الفيروس على إجمالي عدد الأشخاص الذين تم تشخيصهم بهذا المرض. وهنا يبدو أن معدل الوفيات الحالي مبالغ فيه بسبب التحيز الإحصائي المسجل في هذا الباب، أي الفجوة بين الحالات الرسمية المعلن عنها والحالات الفعلية. فاليوم ، هذا الفيروس يقتل في المعدل 3 ٪ إلى 10 ٪ حسب البلد. ونحن واثقون في أنه بمجرد اختبارنا على نطاق واسع، ستنخفض هذه النسبة بين 0.4٪ و 1.2٪ .
بصرف النظر عن عامل العمر وربما المناخ، هل يمكن أن يرجع الفضل في هذا التباطؤ الوبائي إلى حكومات شمال إفريقيا؟
أجل ، فقد تدخلت الحكومات في وقت مبكر واتخذت إجراءات وقائية، قبل أوروبا بقليل، وعلى الرغم من التكلفة الاقتصادية التي يمثلها ذلك. وهذا ما وفر هامشا من الوقت. لكن من السابق لأوانه أن نقول إن المغرب العربي خرج من المعمعة. ماذا سيحدث بمجرد رفع هذه الإجراءات؟ أعتقد أن الخطر الكبير يكمن في موجة ثانية من الإصابة.
وهذا هو السبب الذي يحتم على الدول، عندما يكون عدد الحالات عند أدنى مستوى له، أن تعمد إلى مراقبة شاملة وفحص أدق للعثور على الأشخاص الذين كانوا على اتصال مع المريض وعزلهم قبل أن يؤثروا في أشخاص آخرين.
لن تكون هناك عودة إلى الحياة الطبيعية قبل العثور على لقاح. وأنا أعتقد أن أحد اللقاحات الأكثر تطورا في التاريخ هو لقاح النكاف les oreillons، الذي استغرق حوالي أربع سنوات حتى اكتمل. انا متفائل. سيكون العلماء قادرين على القيام بمواجهة أفضل بكثير لكوفيد -19 ، حيث يوجد 41 لقاحا حاليا في في مرحلة التطوير قبل الإكلينيكي المبكر ، و 6 في التجارب السريرية.
ماذا عن إمكانية تطوير مناعة جماعية؟
قبل ذلك، نحتاج إلى صورة واضحة عن واقع الوضع ومعرفة دقيقة بعدد الأشخاص الذين يحملون الفيروس. إذا كان العدد الفعلي للحالات أعلى بكثير من الأرقام الرسمية، فهذا يعني أن المصابين ، الذين لا يلجون المستشفيات اليوم ، ستتم إعادتهم إلى استعمال وسائل النقل والمكاتب وأماكن المعيشة الجماعية للمشاركة في الاقتصاد والعمل. ومع ذلك ، سيتطلب هذا اختبارات مصلية أكثر موثوقية بكثير مما هو متوفر في السوق اليوم.
ومن المرجح أن الفيروس سيضرب مرة أخرى في الخريف المقبل، وأننا سنتعلم كيف نتعايش معه في السنوات القليلة القادمة. و من بين الشكوك التي تحوم حول المناعة الجماعية : كم من الوقت يصبح المرء محصنا بعد الإصابة. بضعة أشهر في السنة؟ عشر سنوات ؟ عشرون عاما ؟ إذا كانت الأجسام المضادة الخاصة بك لا تحميك لفترة طويلة ، فإن الفيروس موجود لتبقى ، وستحتاج إلى لقاح فعال.
ومع ذلك، هل من الممكن الخروج من الحجر وتجنب موجة ثانية؟
في رأيي ، فإن أخطر شيء يمكن أن تفعله بلدان شمال أفريقيا هو محاكاة نموذج رفع الحجر الذي اعتمده جيرانها الأوروبيون أو الأمريكيون. السياقات مختلفة تماما.
إحدى الركائز لاستراتيجيات رفع الحجر تكمن في القدرة على الاختبار. حيث ينبغي اختبار أكبر عدد ممكن من الأشخاص، ومرات عديدة قدر الإمكان. لست متأكدا من وجود قدرة فحص واسعة النطاق في شمال إفريقيا. وبالنظر إلى المنافسة الدولية على الاختبارات – كل البلدان بحاجة إليها في نفس الوقت – ليس أمام دول المغرب العربي خيار سوى تعلم إنتاجها بنفسها ووضع إجراءات المراقبة الذكية.
هل هذه هي الطريقة الوحيدة لمراقبة انتقال الفيروس؟
في حالة عدم وجود فحوصات فردية ، من الممكن مراقبة انتقال الفيروس على المستوى الجماعي من خلال حلول ذكية وتصميم أدوات مخصصة. فقد خلص بحث جديد إلى أن آثار Sars Cov-2 يمكن العثور عليها في البراز الذي ينتهي في مياه الصرف الصحي. إذا كنت تراقب هذه المرافق ، يمكنك تقييم كمية الفيروس المتداولة. واتخاذ تدابير وقائية للتأكد من أن الوباء لا يواجه طفرة جديدة.
من الممكن أيضا أن يعمل الأطباء في شبكات للتواصل، حيث يقوم الجميع بالإبلاغ بسرعة عن عدد المرضى الذين يستقبلونهم كل أسبوع لمرض يشبه الإنفلونزا ، والذي يوجد بالفعل في معظم البلدان ، وهذا يسمح بمعرفة ما إذا كان عدد الحالات المشتبه بها في تزايد أم لا.
في المغرب، تستمر حالة الطوارئ الصحية حتى 20 ماي، مع فرض وضع قناع إلزامي في الأماكن العامة. هل يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك؟
في حالة عدم وجود لقاح، نحتاج إلى تغيير أنماط حياتنا بشكل جذري. على أساس يومي، وسيكون من الضروري ارتداء الأقنعة. وسيتعين على أولئك الذين يمكنهم العمل عبر الإنترنت من المنزل القيام بذلك لفترة من الوقت. وفي المدرسة، لا ينبغي السماح باكتظاظ الفصول الدراسية. أيضا ، يجب أن تعطي عملية التطهير أولوية لأولئك الذين ليس لديهم خيار سوى ترك منازلهم للعمل.
ويجب أن تكون إعادة فتح الحدود آخر جزء يتم اعتماده من هذه التدابير التخفيفية. في الوقت نفسه، هناك تحد كبير ينتظر الحكومات وهو التأكد، في حربها ضد كوفيد 19 ، من عدم ظهور فيروس آخر. ولذلك يجب أن تستمر اللقاحات الأخرى في تجنب الأوبئة الجديدة.
ألهذا ينبغي الاقتناع بالعيش لفترة طويلة في حالة تقييد الحركة؟
هناك ثلاثة عوامل تحكم انتشار الفيروس. أولا ، عدد الأشخاص الذين لديهم حساسية تجاهه ، وهو ما كان عليه الحال بالنسبة للجميع في البداية ، لأنه لم يكن أحد محصنا ضده. ثم قدرة الفيروس على الانتشار و التي تعتمد بشكل خاص على قابليته للبقاء تحت ظروف معينة. أي مدى احتمال إصابة الأشخاص الذين أتواصل معهم بالفيروس الخاص بي؟ وأخيرا ،عدد الأشخاص الذين أقابلهم. حيث إن القيود المادية والمسافة والحركة تؤثر على هذا الأخير من خلال تقليل معدل الاتصال. لذا ، فإنه كلما التقى عدد أقل من الناس ، كلما منعنا من الانتقال السريع للفيروس. لهذا السبب نحتاج إلى التركيز على ما يمكننا السيطرة عليه، وهو الابتعاد عن التجمعات، وتحديد المصابين والعزلة. وقد أثبت هذا الحل نفسه منذ اكتشافه في القرن الرابع عشر.