هو أحد الصحافيين الشباب، الذين اتخذوا من الكاريكاتير وسيلة تعبيرهم الأساسية، ليمتطيه كتعبير فني ومادة صحفية دسمة، يخترق عبرها الخطوط الحمراء والصفراء، في تجاوز للمتواضع عليه أحيانا داخل الأعراف الصحفية المغربية. عماد السنوني هو أحد أجرأ فناني الكاريكاتور وأكثرهم شغبا، يلعب في أعماله على ملامسة الأوتار الحساسة والمشي على الحافة، إلى المنحدرات الزلقة لهذا الفن الذي يعتبره إحدى وسائل محاربة الفساد، والتعرية عن عوامل الخلل في المجتمع والسياسة، وهو إلى ذلك فنان تشكيلي وخريج المدرسة العليا للفنون الجميلة ..يفصح لنا هنا عن جزء غير يسير من سيرته الفنية، وعن آرائه في الساحة الفنية.
حدثنا عن بداياتك الأولى مع الرسم والتشكيل؟
لا يمكنني أن أحدد تاريخاً معيناً لعلاقتي بالفن، حيث كنت أرسم مند نعومة أظفاري، لرغبتي الجامحة في التعبير عن نفسي، ولتوجيه والدي الذي أعتبره معلمي الأول، فقد تربيت في أسرة فنية تعتني بالفن وتقدره، ومن هنا كانت مكتسباتي وتعلماتي الأولى والأساسية قد تلقيتها من طرف والدي، الذي ترعرعت في مرسمه وداخل مشغله، ما أكسبني نضجا وتملكا للأدوات التقنية، في وقت مبكر وهو ما جعلني لاحقا أطور مشروعي الجمالي في تركيز على الموضوع والتيمة أكثر منه على الأسلوب، وهو ما سينزاح بي للاشتغال على الكاريكاتور كمحترف، وهو الاحتراف الذي جعلني أكسر نصيحة والدي، والذي أخذ علي أن تظل علاقتي بالفن علاقة هاوٍ لا أكثر، حيث لم يرض توجيهي لدراسة الفنون الجميلة منذ مرحلة الثانوي، كما كانت رغبتي، ما جعلني أدرس الحقوق بعدها ومن ثم الالتحاق بالمعهد العالي للفنون الجميلة، بعدما أخذت استقلاليتي الكاملة في مغامرة أعرف مسبقا خطورتها، إلا أني خضتها لإيماني العميق بمشروعي الفني، وما أصبو إليه من خلاله.
متى انتقلت إلى فن الكاريكاتير؟
بشكل احترافي مند التحاقي بمجلة «بابوبي»، المختصة في الكاريكاتور، حيث أتيحت لي فرصة الاشتغال رفقة طاقم يضم طاقات فنية منفتحة ومتمرسة في الميدان، أما عن علاقتي بالكاريكاتور، فكانت منذ أيام الجامعة حيت كنت أنشر في بعض الصحف والمنابر الإعلامية، إلا أن محطة 20 فبراير كانت نقطة تحول أساسية في اشتغالي على الكاريكاتور، لا على مستوى تطوير الأسلوب أو الفكرة، حيث اتجهت رأسا إلى نقد الواقع السياسي، بلا كبير اهتمام بالخطوط الحمراء التي طالما طوقت فرشات فنانين كثيرين مبدعين في هذا الباب، كما أن التحاقي بالكاريكاتور وعملي المتواصل عليه جاء في مرحلة كنت أعيش فيها مقاطعة للملتقيات والمهرجانات التشكيلية، نظرا لبؤس المشهد وترسيخ تقاليد غير صحية فيه، من انتشار لفناني يوم الأحد ‹الفنانين المزيفين» أو الترويج الإعلامي غير المتخصص ثقافيا لعدد من العاهات الفنية إن صح التعبير، إلى جانب ضعف الحركة النقدية المصاحبة، ما يجعل المتلقي العادي يختلط عليه الحابل بالنابل، كما أني أملك احتراما كاملا للفن، ولما أعمل عليه من تبشير بقيم جمالية ونشر رؤى إنسانية، لهذا لا يمكنني أن أساير، من ترويج لموضة لوحات تزيينية الى أعمال تدخل في خانة الديكور أكثر من الفن، لهذا أخذت نفسي فترة كاملة جانبا، واتخذت الكاريكاتور فنا تعبيريا بامتياز، به كامل الطاقة التي أبغي الإفصاح عبرها.
إذن الكاريكاتور كان قطيعة مع أعمالك الصباغية؟
(مقاطعا) أستطيع أن أوضح لك – وأنت أحد المرافقين لتجربتي- أنه أعمالي التشكيلية لم تكن في جانب مهم منها تتجه نحو الفيزيقا مثلا، بل كانت منخرطة في هموم المجتمع باستعمال رموز صريحة، تدين السلبي داخله، إن طرحي لم يتغير أبدا فقط أبدلت الصباغة والفرشاة بالقلم والغرافيك الحاسوبي، والهدف واحد رصد الظواهر السلبية المعيبة في المجتمع من أجل محاولة علاجها.
ماذا أضاف العمل في «بابوبي» لعماد..؟
أولا العمل داخل مجلة ساخرة لا يعترف خط تحريرها بالخطوط الحمراء، ومن أساسيات اشتغالها تكسير الطابو، رفقة طاقم شاب متآزر، له رؤى متقاربة الإبداع هو حافزه الأول، داخل هذا المشروع الذي أعطى هذا المنتوج الفني الذي ترى إلى الخطوات الركيزة التي يخطوها بثبات وسط المشهد الصحفي، حيث صرنا نتلقى صدى طيباً ومشجعا جدا، فالأسلوب الساخر والصريح في تناول القضايا والمضمون المنتصر لقضايا الشعب والطبقات الواسعة من المجتمع المغربي. كما أن المجلة بإعطائها الأولوية للكاريكاتور تكون قد أولت هذا الفن قيمته الأساسية، كموقف لا كوسيلة وشكل قائم بذاته، لا يحتاج لنص مكمل، أو شيء مرافق، هو بالأساس ضد الفساد وأسلوب من أجل فضحه، وهنا نقطة الالتقاء التي جعلتني أنخرط بكليتي في هذا المشروع.
ما قراءتك للساحة التشكيلية المغربية؟
الساحة التشكيلية المغربية هي عبارة عن لوحة كاريكاتورية بامتياز، ابتداء من ظاهرة الفنانين المزيفين، والنقاد الذين يكتبون تحت الطلب، إلى لوبيات صالات العرض، وما إلى ذلك لكن الذي يحز في نفسي خاصة، هو تدني مستوى التكوين بالمدرسة العليا للفنون الجميلة، هذه المؤسسة التي تحتاج لإعادة هيكلة جذرية، حيث أنها تنتج لنا أنصاف متعلمين، وشهادتها التي عليك أن تقضي أربع سنوات في الجد والتحصيل من أجل الحصول عليها، ليس لها معادل معترف به، وهو ما ينعكس بالسلب على عدد من الخريجين. فإن كان هذا حال الفنانين الحاصلين على تكوين نصفه (تبجحا) بالأكاديمي، فكيف بالفنانين العصاميين. الساحة التشكيلية المغربية ليست أقل سوءا من الساحة السياسية المغربية للأسف حيث انتشار الفوضى والمحسوبية.