اطمئنوا، مازال فينا كثير من الاتحاد
جواد شفيق
ـ أسبوع مر على إلقائهم الخبيث والمشبوه للغم مسودة مشروع القانون الخاص، بتقنين فايسبوك وما والاه أو شابهه من وسائط ومنصات وشبكات التواصل الاجتماعي، وسط جو وطني موسوم بانكباب جماعي جدي بقيادة ملك البلاد، على الإيجاد المستعجل للعتاد والعدة اللازمين لمجابهة خطر كورونا الداهم، الذي تسلل إلى شرايين بلدنا وأجساد أبناء شعبنا.
ـ مسودة مشروع القانون هاته، كانت موضع مداولة ومصادقة المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 19 مارس 2020، ولم تلقَ كلقيط على قارعة الطريق إلا مساء 27 أبريل: (المسؤول السياسي والقانوني والتنظيمي الأول عن المجلس الحكومي، هو السيد رئيس الحكومة من برمجته إلى جدول أعماله إلى مداولاته ثم قراراته. وأعضاء المجلس الحكومي مسؤولون بالتضامن، وعملية إعداد مسودات مشاريع القوانين تكون أفقية بالضرورة، تشترك فيها عدة قطاعات حكومية، كلما تعلق الأمر بقانون سيمس قطاعا واسعا من المجتمع وليس فئة خاصة، هل يمكن والحالة هاته، تصور أن الوزير الاتحادي وحده، أعد المسودة وفرض برمجتها والتداول بشأنها والمصادقة عليها؟؟).
ـ ورغمه، وفيما تحلل الجميع من مسؤولياتهم الثابتة: مقترحين ومعدين ومتداولين ومصادقين، وفي زحمة و لهيب النفير العام، فقد تحلى وزير العدل بأخلاق المسؤولية، وأعلن تبنيه إعداد مسودة مشروع القانون… لعل أخلاق وضمائر بعضهم تستيقظ..” ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون .”س البقرة / الآية 42.
ـ لا تساور ذرة شك أحدا ممن عرف وجاور الأخ محمد بنعبد القادر، بأن للرجل قناعات ديمقراطية اشتراكية أصيلة، واختيارات حداثية عميقة، وانتماء اتحادي راسخ، توجهات وقناعات تتجاوز السياسي والإيديولوجي إلى الفلسفي.. فبنعبد القادر، الذي أعلن تجشم مسؤولية إعداد هذا القانون (المرفوضة بعض مقتضياته مبدئيا و دستوريا وحقوقيا ….واتحاديا)، هو نفسه بنعبد القادر الذي منذ توليه حراسة أختام المملكة، انبرى مرافعا ومدافعا عن أحقية بلادنا وشعبنا في مجموعة قانون جنائي عصرية، وضعية، ديمقراطية وحداثية تقدس الحرية. الحرية غير المجزوءة، حرية الفكر والتعبير والرأي والاعتقاد والتصرف في الجسد والانتماء والعيش ….و الفايسبوك.
وصفقنا له جميعنا.
وحينها كان الرميد، فارس حقوق الإنسان الجديد، يقضم أظافره حنقا وقلقا، لأن بنعبد القادر مسنود بحزبه الاشتراكي الديمقراطي والطيف السياسي والحقوقي الديمقراطي الحداثي، عزموا على محو ما تركه هو كوزير للعدل من أنفاس عتيقة وقمعية ، داخل ما ظل يعتبره قرآنا رميديا لا ياتيه الباطل…. حتى يقال بأنه قرر أن يبقى “رسولا” و ليس فقط وزيرا للعدل مدى الحياة .
هي بلا أدنى شك مطبات السياسة، وجميعنا يعلم حال وأحوال حكومة ما بعد البلوكاج التي ولدت حبلى بأحزمتها الناسفة الداخلية.
و لكل مطبة كلفة مؤكدة.!!
_ لم يتردد العقل و الضمير والوجدان الاتحادي منذ اللحظة الأولى لانفجار اللغم عن التعبير بغضب وقلق عن رفض مضامين المواد 14 \15\16 من مسودة مشروع القانون المسربة( المسودة التي كانت موضوع مداولة و مصادقة في المجلس الحكومي ل 19 مارس، و أنشئت لإعادة النظر فيها باعتبارها مسودة، بناء على مناقشات أعضاء المجلس ، لجنتان تقنية وسياسية وزارية) .
في هكذا نوازل، لا يستفتي الاتحادي مسؤولا ولا جهازا . يستفتي الاتحادي ضميره ووجدانه وعقله الاتحادي الباطن الخاثر العميق، الذي صهرته ستون سنة من الكفاح المسلح والسياسي والثقافي والاجتماعي والحقوقي والقانوني والمؤسساتي والديمقراطي، من أجل مغرب الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية .
ولهذا ، كان عاديا و طبيعيا أن يعلن كاتبنا الأول ذ ادريس لشكر،أن الاتحاد الاشتراكي لا ينهل مواقفه -تُجاه أية نازلة تطرح عليه- إلا من تراثه ومرجعيته ، وتألقت حنان في وصفه بقانون الكمامة، وكان حميد الجماهري بليغا في إيصال النفس الاتحادي العميق ، وحدد الحزب موقفه من القانون في كلمة عدد بلسان حاله واضحة فاضحة، ثم توالت بحرية كبيرة تفاعلات الاتحاديين والاتحاديات ببيانات وبلاغات وكتابات وتدوينات وصلت إلى حد المطالبة برحيل الوزير وسقوط القيادة الحزبية وترتيب الجزاءات، وبلغت الحماسة مبلغا من كثير اتحاديين سقطوا في الخديعة ورموا بالرضيع/ الاتحاد ، مع ماء الحمام/ القانون (دون خوف من أن تحل تنظيماتهم أو تطالهم المقصلة التي للرميد باع فيها) …و لكنها أجمعت على إعلان الموقف الاتحادي المتأصل ، الذي سيكون من الظلم والغبن والتضليل والتلبيس مجرد الشك في أن الاتحاديين كانوا سيتخذون ضده وعكسه : الاتحاد الاشتراكي حليف دائم للحرية .
كان الأمر طبيعيا، لأننا كنا نشبه أنفسنا فقط ..
وما كنا فالحقيقة كنديرو غير داكشي اللي كنعرفو نديروه .
– …و لكن ……لمن “كتعاود زابورك “، كانت هناك رياح أخرى،
غشت كثير أعين وعقول عن التمحص والتفحص، رياح سوداء رأت في السقطة (و لا نخجل من أن نسمي الأشياء بمسمياتها من باب النقد الذاتي المنتج لشروط محو هذا السوء فهم الحاصل ) فرصة .
و كأنه لم يكفهم كل ما أعلنه الاتحاد الاشتراكي، وكأنهم لا يعرفون الاتحاد الاشتراكي ، فقد ذهبوا رأسا إلى المطالبة برأس الاتحاد الاشتراكي وإعلان موت الاتحاد الاشتراكي. فجأة، بين إعلان ضمني عن عطالة حكومة ودعوة اتحادية إلى حكومة وحدة وطنية وإحساس أكيد بالهامشية و تسريبات وتهييجات لا أخلاقية، وترتيبات انتخابية و حزبية ضيقة ، صرنا الطاغوت والطاعون والجبروت و الظلم والقهر والفاشية والنازية والسطالينية والديكتاتورية والرجعية والظلامية…
و شوية و يقولوا علينا احنا اللي خلقنا كورونا!!!
زوجوا الاتحاد بمشروع القانون زواجا كاثوليكيا..ليقيموا له ولأصله وفرعه وفصه ونصه ونسله وماضيه وحاضره ومستقبله ورائحته وحسه وظله…. محاكمة طالبانية.!!
ثم التحق وبشكل مقزز الرفاق والأصدقاء والأشقاء والحلفاء والشركاء وما يسمى بالحركة الاتحادية وحتى الشعبية و العرشانية، والألوية الحمراء والخضراء ، وتحلقوا حولنا ، لاصوت يعلو فوق صوت المواطنة والحرية….هيا بنا نطفئ إحدى منارات الحرية والمواطنة..
آسفون …ليست نهاية مشوارنا هذه.
و نحن في الشهر الفضيل : عشّر الله خطواتكم…”و بيس الورد المورود” س هود / الآية 98.
_ ثم عدنا ، و جاءنا الخبر اليقين : سعد الدين العثماني، يطلب رسميا من مقرحزبه، من العثماني سعد الدين عندما يكون بمقر حكومته، أن يؤجل النظر في القانون بالنظر للظرف الوطني الكوروني ….
هذا الظرف الوطني كان قائما سيدي وفي ذروته، عندما
أطلقتم لغمكم وعكرتم هدوءه وإجماعه وشوشتم على سمفونيته الوطنية.
في هذا الظرف الوطني سيدي، يظهر رجل الدولة من غيره، والمسؤول من غيره، والوطني من غيره، وحتى المسلم من غيره( ما دام الظرف الوطني مصادفا لشهر الصدق و التغافر ….) .
هذا الظرف الوطني سيدي، لم يكن بحاجة أبدا إلى هذا المشهد السريالي…حيث انقلب كل شيء على كل شيء، و لم يعد أي شيء هو نفس الشيء.
من يقدر حقيقة الظرف الوطني سياسيا وحرمة الشهر دينيا ما كان له أن يكتم الشهادة وقد كان فاعلا و شاهدا…و يا حسرة رئيسا .
من يقدر الظرف الوطني وينظر إلى الأفق الوطني و يتصرف بصدق وطني لا يبتز وطنه ودولته ولا يسفه مؤسساته .
الظرف الوطني سيدي، لا يقبل أن تعود اللعبة إياها : مع الذئب ومع الراعي ومع النائحات… في الأغلبية وفي المعارضة، في الديمقراطية وضدها، في العصر وبغير شروطه ومستلزماته، في المؤسسات وفي الزوايا، في السياسة الوضعية وفي اللاهوت….
و أما أن تسحب أو تعطل القانون .
فقد حصل سيدي..و سحب نفسه هاربا من تنكركم له.
و لأن الفاس قد وقعت في الراس. .فيعسر كثيرا سيدي أن يصلح العثماني ما أفسده الرميد. “و لنصبرن على ما آذيتم ” س إبراهيم/الآية 15.
لقد أدى الاتحاد ثمنا غاليا ظالما بفعل المطبة التي وجد نفسه فيها بلا أدنى مقدمات…
مطبة ، على الاتحاد بمسؤولية وبشجاعة الأحزاب التي تحترم نفسها وناسها وتاريخها وجمهورها ، وتحترم التزاماتها الأخلاقية والقيمية وطنيا وأمميا والتي هي من طينته و هو من طينتها، أن يقف عندها ويرتب ما يجب ترتيبه عليها ، داخليا ولدى الرأي العام …ليواصل بكل وطنية معركة الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ومواجهة الرجعية والظلامية والشعبوية والعدمية .
نعم نستطيعها…
#اطمئنوا مازال فينا كثير من الاتحاد
فاس 5 ماي2020
الكاتب : جواد شفيق - بتاريخ : 08/05/2020