مسارات من حياة الشعيبية طلال.. 11- اكتشاف الموهبة

لعل الكتابة عن سيرة فنانة ذات ريادة زمنية وريادة فنية،اختلف الناس في أمرها، لشخصها وشخصيتها وإنجازاتها التي ذاع صيتها في الآفاق، حتى أصبحت المعارض العامة الدولية تخطب ودها وتتمنى أن تحتضن لوحاتها العجيبة ، تقتضي اعتماد مصادر ومراجع وطنية أو دولية موثوق بها، غير أنه، للأمانة، لا نتوفر سوى على مصدر واحد ووحيد غير مستقل وغير محايد، ألا وهو ابنها الفنان الحسين طلال، الذي لا يقدم إلا ما يلوكه مرارا وتكرارا عن سيرة الشعيبية لوسائل الإعلام أو بعض الباحثين، من غير إضافات مميزة أو إضاءات مثيرة تسعف في الوقوف على هويتها، منجزها التشكيلي وخصوصياتها الجمالية وإسهاماتها في الحركة التشكيلية العالمية.
سنحاول في هاته الحلقات تسليط الضوء-قدر الإمكان- على مسار الشعيبية الذاكرة الفردية، الذاكرة الجمعية ترحما عليها، واعترافا بأياديها البيضاء في سبيل جعل راية المغرب خفاقة في المحافل العالمية، وإسهاماتها في إثراء المكتبة الفنية الوطنية والدولية.

 

رأت الشعيبية في المنام، أن جماعة من الناس يقتربون منها، ويسلمون لها أوراقا وأقلاما ملونة.ولعل المقصود: الناقد الفني بيير كوديبير والفنان أحمد الشرقاوي والفنان أندري الباز.فهؤلاء زاروها بناء على دعوة صداقة من ابنها الفنان الحسين طلال.
جلس الجميع إلى المائدة، وتناولوا الكسكس ومن بعدُ احتسوا الشاي.وفي غمرة هاته الأجواء الحميمية، حيث الترحيبُ وتبادلُ المجاملات، وجدت الشعيبية الفرصة سانحة لإحضار إزار أبيضَ، وفي بعض رواياتها أوراقا وورقا مُقوّى، عليه بقعات وبصمات ولطخات متناثرة بشكل عفوي، وعرضت عملها على “اللجنة الثلاثية”، التي استحسنته.وأكد ابنها الفنان الحسين:” أنا لا أعرف شيئا عما رسمته والدتي غير أنها اقتنت الصباغة من محل عقاقير، وشرعت ترسم على علب كارطون كنت أضعها عندها”.
وكانت صداقة متينة تجمع الحسين طلال بالفنان أحمد الشرقاوي ابن مدينة أبي الجعد الذي يقيم في فرنسا طويلا.يقول الفنان طلال:” “أدخلني الشرقاوي إلى عالم باريس. كان فخورا بعملي، لدرجة أنه كلما قدمني لناقد فني كان يقول له: لقد أصبحنا اثنين بباريس، وقد عمل على تنظيم أول معرض لي هناك ومعارض أخرى من بعدُ، وقدمني لعشاق الفن البصري من الفرنسيين “. وكما فعل الشرقاوي مع الحسين، كذلك فعل مع أمه الشعيبية طلال، فقد استطاب رسوماتها الأولى وشجعها على المزيد، وساعدها على تنظيم معارضها في أوروبا خاصة فرنسا.
وتردد الشعيبية في كل نادٍ أن الناقد الفني والكاتب ومحافظ متحف الفن المعاصر بباريس الفرنسي بيير كوديبير، هو من له الفضل في اكتشاف موهبتها ، كان ذلك لما حضر للاطلاع على أعمال ابنها الفنان الحسين.
بعث إلي الفنان أندري الباز برسالة يقول فيها، “لو يتسع صدرك لحكيت لك أن علاقتي بالشعيبية الفنانة، تعود إلى 1962 بالضبط حيث كنت أنظم أول معرض لي بالبيضاء.في هذه الأثناء تلقيت دعوة من ابنها حسين طلال يلتمس فيها مرافقتي لرؤية رسمه.وبالفعل كان ذلك ورأيت أعماله التي لم يكن موضوعها شيئا آخر غير «المهرج».لما توثقت العلاقة بيننا، جعلت محترفي مشرعا في وجهه.في ذلك الإبان كانت الشعبية Tireuse de carte لم تكن تجرؤ على الرسم.ولقد اتفق يوما أن زرت حسين طلال رفقة الفنان أحمد الشرقاوي ومؤرخ الفنPierre Gaudibert،ورأينا جميعا رسومات لها. حلمت الشعيبية أنها رأت ملاكا يقف عليها ، ويقول”الشعيبية،هيا قومي ولوّني القصر”.و”الملاك” المقصود هو: أنا في الواقع.فأنا الذي مددتها بمستلزمات الرسم والصباغة ..كنت أرافق بداياتها باستمرار وأبين لها كيف تبدأ وكيف لاتخشى الأدوات أو ما يتفتّق عن ريشتها.كنت أبعث لها بمستلزمات الرسم من لندن،وأكثر من هذا لدي بعض لوحاتها الأولى والتي ليست في حوزة ابنها طلال حتى. وأنا-طبعا -مَن جعل معارفي من منظمي المعارض بفرنسا وانجلترا يقبلون على أعمالها ،حتى أصبحت أعمالها فيما بعد أكثر مبيعا.
وتوسم الرسام الألماني فيرنر كيردت في الشعيبية، فنانة واعدة فاحتضن موهبتها وشجعها كثيرا، فكان أول معرض لها سنة 1966 بمعهد غوته بالدار البيضاء، وقد بيعت فيه كل لوحاتها.
وشجع جيلبير الشعيبية كثيرا، وتوجه لابنها الفنان الحسين طلال قائلا قال: “الشعيبية يمكنها أن ترسم، وتتوقف بعد ثلاثة أشهر، وننسى الموضوع.. أو أنها ستستمر لتصبح فنانة كبيرة. في جميع الحالات، أحذركم من توجيهها”..
ومهما يكن الاختلاف حول من اكتشف –فعلا- موهبة الشعيبية ، فإن الحلم الذي رأت، ليس سوى للتأكيد على أن موهبتها ربانية، وأنه ليس من الصعب اكتشاف أثرها عليها.وأن الشعيبية إنما تحتاج لمؤثرين يبتعدون عن طريقة الإملاء أو التدخل أوالتلقين، لمؤثرين يتعهدونها بالرعاية والاهتمام بشكل يغير مسار حياتها للأفضل، لمؤثرين يقدرون إبداعها الاستثنائي واستعدادها الفطري.


بتاريخ : 21/05/2020