ساهم نصر حامد أبو زيد في وضع واحد من أكثر المناهج الفكرية كفاءة وموضوعية لقراءة التراث الإسلامي، وقاد صراعا شرسا ضد المؤسسة الدينية التقليدية التي عملت على تكفيره..
ولعل هذه القراءات السريعة في بعض أعماله ترتقي إلى مصاف رد الجميل لمفكر شجاع حاول أن يقي الأجيال العربية من الامتثالية والتزييف في الوعي والثقافة.
في تمهيد الكتاب يرى أبو زيد بأن القرآن نص لغوي يمثل في تاريخ الثقافة العربية نصاً محورياً وبذلك فمن الطبيعي أن تتعدد تفسيراته وتأويلاته، والتأويل ليس إلا الوجه الآخر للنص الذي يمثل آلية هامة من آليات الثقافة والحضارة في إنتاج المعرفة.
كما يرى المؤلف بأن السلفيين قاموا بدور هام حين واجهوا الزحف الصليبي فحافظوا على الذاكرة الحضارية للأمة وذلك بالحفاظ على ثقافتها وفكرها رغم ما فرضته هذه الاستجابة الحضارية من انسحاب للعقل العربي إلى الداخل والاعتصام داخل حدود علوم النص، ورغم أهمية العملية من الوجهة الثقافية إل أنها كانت تتم من منطق تصور ديني للنص صاغته اتجاهات الفكر الرجعي في تيار الثقافة العربية الإسلامية، وهو التصور الذي قام بعزل (النص) عن سياق ظروفه الموضوعية والتاريخية بحيث تباعد به عن طبيعته الأصلية بوصفه نصاً لغوياً وحوله إلى شيء له قداسته يوصفه شيئاً، وبهذا تحول القرآن من(نص) إلى (مصحف) ومن دلالة إلى شيء أو أداة للزينة وخصوصاً في فترة سيطرة العناصر غير العربية على حركة الواقع العربي الإسلامي.
والتحدي الذي يواجهنا اليوم، حسب الباحث، يفترض سلوك طريق آخر، يختلف عليه الباحثون طبقاً لاختلاف مواقفهم ووعيهم وسياستهم:
فالسلفيون المعاصرون يرون في العودة الكاملة إلى الإسلام وتطبيق أحكامه وتحكيمه في حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية-الطريق الأمثل، ويرد أبو زيد على أصحاب هذا الاتجاه بأنهم يتنكرون،في حقيقتهم وجوهرهم، لمقاصد الوحي وأهداف الشريعة حين يفصلون بين النص وبين الواقع وذلك بالمطالبة بتطبيق نص مطلق على واقع مطلق.
أما تيار التجديد، الذي يفكر في إعادة صياغة التراث للإبقاء على ما هو ملائم منه لعصرنا، فيرى أبو زيد بعض مخاطره خصوصاً إذا لم يستند إلى فهم علمي للتراث الذي هو ليس واحداً، فالتراث كما يراه- متنوع، متغير طبقاً لطبيعة القوى المنتجة له، إنه اتجاهات وتيارات عبرت عن مواقف وقوى اجتماعية وعن إديولوجيات ورؤى مختلفة.
ويرى الباحث أن مطلب التجديد على أهميته ووجاهته إذا لم يستند إلى فهم (علمي) للأحوال الموضوعية التي قام التراث على أساسها كفيل بأن يؤدي إلى تكريس أشد عناصر التراث تخلفاً وبذلك بحكم سيطرة أشد اتجاهات التراث رجعية وتخلفاً عليه لفترة طويلة، فمن جُبّة الإمام محمد عبدة، أحد دعاة التجديد، برز رشيد رضا، كما أن طه حسين والعقاد قد بدأا حياتهما مجددين على مستوى الفكر واللغة والآداب وانتهى كل منهما محافظاً رجعياً يقف في وجه تيارات التجديد التي انبثقت من أفكارهما الأولى، وعليه فإن التجديد على أساس إيديولوجي دون الاستناد إلى وعي علمي بالتراث لايقل في خطورته عن التقليد.
أما ما يقصده بالوعي العلمي فيقول بأنه الجرأة في طرح الأسئلة والبحث عن إجابات دقيقة وتجنب الإجابات الجاهزة التي يمتلئ بها تراثنا الطويل، وكذلك تجنب الحقائق المطلقة في هذا التراث اعتماداً على الحقائق المسنودة إلى النسبية الثقافية وتعدد الرؤى.
وعن (مفهوم النص)، كتابه الإشكالي هذا، فيرى بأنه يسعى لتحقيق هدفين:
الأول: إعادة ربط الدراسات القرآنية بمجال الدراسات الأدبية والنقدية لإعادة دراستها من منظور وعينا المعاصر لأن التراث مجموعة من النصوص تتكشف دلالاتها آناً بعد آن مع كل قراءة جديدة.
الثاني: محاولة تجديد مفهوم (موضوعي) للإسلام، مفهوم يتجاوز الطروح الإيديولوجية المختلفة في الواقع. ويرى أبو زيد إن تساءلنا ما هو الإسلام يكتسب مشروعيته من تلك الفوضى الفكرية التي تسيطر على المفاهيم الدينية في ثقافتنا نتيجة لاختلاف الرؤى والتوجهات في الواقع الثقافي المعاصر ونتيجة لتعدد الاجتهادات والتأويلات في التراث، وإذا كانت مثل هذه الاختلافات قد أدت في الماضي إلى نوع من(اللا أدريه) انتهت إلى تحريم التفكير ذاته وإلى إغلاق باب الاجتهاد فإن غايتنا من طرح السؤال الوصول إلى فهم (موضوعي) لماهية الإسلام.