حفرت الشعيبية طلال اسمها في ذاكرة قاموس أكسفورد الدولي للإعلام بنيويورك المؤلف المرجعي، ”معجم تراجم الفنانين الأفارقة”. وقد دبجت بنت مدينة أكادير الناقدة ومؤرخة الفن والاختصاصية في تاريخ النساء أوزير غلاسيي مقالة بعنوان “مسار فنانة عالمية”، مما ورد فيه: ”لايختلف اثنان حول أن الشعيبية، هي أكثر الفنانين المغاربة شهرة في القرن العشرين، علاوة على أنها مصنفة ضمن كبار الفنانين العالميين على غرار ميرو، وبيكاسو، ومودغلياني على سبيل التمثيل لا الحصر، إنها -أيضا- الفنانة الوحيدة بالمغرب، التي حطمت أعمالها أرقاما قياسية في المزاد العلني الدولي..إنها العربية المتفردة التي تباع لوحاتها بنظام التسعيرة الدولية
.. وكما نقول: بيكاسو!.. نقول: الشعيبية!. وكما نسوّق بيكاسو، تعتبر الشعيبية الوحيدة التي تعرض جنبا إلى جنب معه في البورصة،وجماعو اللوحات، لايترددون من أجل اكتساب أحد أعمالها،في صرف ما فوق المليون” مثلما هو الشأن بالنسبة لكل لوحة من لوحتي”قريتي اشتوكة” و”ليلة الزفاف”، كما كتبت عنها سيريس فرانكو،وهي من أصول برازيلية، جمّاعة اللوحات، أنشأت مؤسسة للفن المعاصر،واستطاعت أن تحتضن معرض الشعيبية برواق “عين الثور” بباريس، الذي كانت تديره، مايلي: “.. فن الشعيبية بسيط، صاف، عفوي وأثيل.. صادر عن شخصية ساحرة، مفعمة بالحب والبهجة.. تعرف كيف تغني ألوان المغرب..بلا أدنى شك، هي أول وأشهر امرأة في الرسم المغربي”، وصرح الفنان البرازيلي مينيلاوسيت بمايلي: ” الشعيبية فنانة أثّرت عميقا في اتجاهي الفني لمّا كانت تنظم معارض لها بأمريكا اللاتينية وبمدينة سالفادور دوباهيا البرازيلية في الثمانينيات على وجه التحديد.ولا أملك إلا أن أثمن تجربة الشعيبية المرأة المغربية العالمية التي تنبض حيوية وعطاء منقطع النظير”. وكتب الناقد الفرنسي، لويس مارسيل، في مجلة “آرتونسيون” في عددها 19 شتنبر أكتوبر 2004، ونشرت المجلة على غلافها صورة الشعيبية، إلى جانب صورة سالفدور دالي: “عندما أنصت إليها وأراها ترسم، لا أتوقف عند التقدير حول الأطفال، الذين حرموا من الدراسة، لكن رغم ذلك صاروا علماء، وعباقرة ومبدعين وباحثين بقوة”.
اكتشف الألماني الكاتب والفنان فيرنر كيردت موهبة الشعيبية، وشجعها على عرض أعمالها في المعهد الثقافي الألماني كوته. وكانت فرحتها عارمة حين بيعت جميعُها. وفي نفس السنة أي 1966، عرضت في رواقين متتاليين: رواق متحف الفن المعاصر ورواق سولتيس بباريس.وبمزيد من الاهتمام، والإيمان بقدرتها على الإبداع، يتوسط لها كريدت من أجل العرض بألمانيا بفرانكفورت، وبالضبط في كوستكابينت، ورواق هانا بيكر فون راث.
تحسنت وضعية الشعيبية المالية والاجتماعية وتمرست كثيرا بالرسم والتشكيل.وأصبح تفكيرها منصبا على اقتناء بيت يتناغم ووضعها المستجد. هكذا انتقلت الشعيبية من خيمة باشتوكة (حيث اسرتها) إلى البيضاء ببيت متواضع بحي غوتيي (كانت تقيم فيه مع زوجها الطحان، الذي ينحدر من قبيلة أيت باسو بضواحي وارزازات)، ثم (مع ابنها) إلى بيت راق بشارع رابولي، يحمل اسمَها على لافتة مذهّبة، رقم 13، جعلته فضاء ثقافيا وقبلة أهل الفن والثقافة والمتذوقين والمعجبين بفنها من المغاربة والبلاد العربية، وقد زاره كل من الفنان لورد كاسترو، وكاماتشو واقتنيا بعض لوحاتها، كما زارته الباحثة والمتخصصة في الفن فلونتين فوغير .. والشاعر اللبناني والناقد الجمالي طلال حيدر،الذي روى: “وجدت بيت الشعيبية أكثر من محترف.إنه مشغل ورشة قائمة، الجدران، المطبخ، فسحة الدار، الخيمة الصيفيةوالشتائية،الشجر، باب القبة، جميع الأبواب، مامن مساحة صالحة لتستقبل اللون، إلا وملأتها الشعيبية رسما”. وكانت في الأغلب الأعم، تجلس على أريكة، والزوار يتحلقون حولها، وكانت تتلذذ بإلقاء طرائفَ على المسامع. كانت بسيطة وعفوية في سلوكها القولي والفعلي. يختلف مجلسها كثيرا عن المجالس التي تمارس فيها الرسميات والبروتوكولات.. والحركات والسكنات.. والكلمات الموزونة بميزان الذهب.
اتبعت الشعيبية نظام حِمْية للحفاظ على صحتها وقوتها ونضارتها. في بعض الصباحات تركب خلف سائقها بسيارة جاكوار حمراء في اتجاه شاطئ عين الذياب. تترجل، تمشي.. تهرول بلباس رياضي خاص بها، علّ ذلك يسعف في التخفيف من بدانتها ويمنحها نفَسا للوقوف طويلا أمام اللوحة لتبثها ما يجيش في صدرها من مشاعر مُنوعة عن نزقها الطفولي وبوهيميتها، ويُتمها، واغتصاب طفولتها، وأمومتها، وترملها، وانعتاقها، ولهثها وراء سد الرمق، وحلمها،وغربتها الروحية والنفسية والذاتية .. عن الزمن الجميل: مسقط رأسها، عن الطبيعة، عن الناس البسطاء.
كان حلمها الأول أن تدخل عالم الرسم والتشكيل، وصار مبلغ حلمها – بعد أن حققت ذاتها وفرضت وجودها، وراكمت الثروة، وحصدت الشهرة- أن تكون سيدة من سيدات المجتمع، بل اسما من أسماء زماننا، يتخطى المحلية إلى العالمية.
لم تكتف الشعيبية بعرض لوحاتها في مختلف المعارض إن داخل المغرب أو خارجه، فقد قرّ عزمها على أن يكون لها رواقها الخاص وبأي ثمن، تعرض فيه هي وابنها، فكان ذلك سنة1984 بزنقة عمر السلاوي/البيضاء، وأطلقت عليه (ألف باء)، أي مبادئ الفن، الفن العفوي وأولياته، حيث يشْرُف الفنان العصامي بنفسه وليس بأحد أو جهة أو مؤسسة، زاده الموهبة وصدق فني وعاطفي ونفسي في إعطاء الأفضل في منأى عن القواعد والمعايير الأكاديمية والتوجيه والإملاء وكل تدخل لتعديل الإبداع أو تغيير وجهته. لقد صمتت الشعيبية دهرا، ونطقت أخيرا جهرا ولسان حالها يردد:
وإني وإن كنت الأخير زمانه
لآت بما لم تستطعه الأوائل
ولئن قدمت قبلي رجال فطالما
مشيت على رسلي فكنت المقدما
وتوافد الزوار على رواق (أ.ب) من كل فج عميق ليتملوا بلوحات الشعيبية وليقتنوها، ما دعا ابنها الفنان الحسين طلال لركن إبداعه جانبا ردحا من الزمن، والتفرغ كليا لإدارة أعمال الشعيبية.
كان لرواق “ألف باء” دور في التعريف بالشعيبية في المغرب، وكان لمعارضها”، برواق”نظر”، ورواق “الداوليز” و”13 فنانا معاصرا” بفندق منصور، وفي “البينال العربي الثاني” بالرباط، وبـ “دار أمريكا”، بطنجة وفاس والبيضاء والرباط ومراكش، بـ “المركز الثقافي الفرنسي”، ورواق “الخريف بالقصر الكبير”، ورواق “ماي بالقصر الكبير”، وبرواق “فريدريك دامغار” بالصويرة، وبـ “المركز الثقافي” بمراكش، وبرواق “باب الرواح” بالرباط.. تأثير سلبي على كثير من التشكيليين الأكاديميين المغاربة. ففي الوقت الذي يرفع الأجانب من قدر الشعيبية لإدراكهم قيمتها النفيسة، حتى إن الفنان العالمي كورناي،أهداها في انحناءة وبكل احترام واعتزاز وشاحا حريريا طبعت عليه إحدى لوحاته التعبيرية، نجد بالضد المقابل بني جلدتها يُتفّهون منجزاتها الفنية، وقد امتد حقد أكثرهم إلى المس بشخصها وشخصيتها. وظلم ذوي القربى أشد مضاضة..وكم من كفاءات لم يُعرف قدرُها، ويُرَد إليها اعتبارها، إلا بعد أن ينصفها التاريخ !