شكرا على الثقة، السي عبد الرحمان!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

نشر‭ ‬مذكرات‭ ‬تازمامارت‭ ‬‮-‬‭ ‬افتتاحية‭ ‬شتنبر‭ ‬2003‮- ‬‭ ‬محاضرة‭ ‬بروكسيل‭ ‬ورسالة‭ ‬الاستقالة‮..‬

أشعر‭ ‬بأنني‭ ‬موزع‭ ‬بين‭ ‬لغتين‮:‬
لغة‭ ‬الرَّزية،‭ ‬والعالم‭ ‬يعرض‭ ‬علي‭ ‬حدادا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‮..‬
ولغة‭ ‬الشهادة،‭ ‬كي‭ ‬أقول‭ ‬بالبساطة‭ ‬المطلوبة،‭ ‬ما‭ ‬يقف‭ ‬دونه‭ ‬المجاز‮.‬
‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الشهادة‭ ‬أظل،‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬موزعا‭ ‬بين‭ ‬اللغتين،‭ ‬بين‭ ‬الرايتين‭.‬
‭ ‬وأنا‭ ‬مدين‭ ‬للسي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬بغير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الوضوح‭ ‬في‭ ‬الاعتراف،‭ ‬غيرِ‭ ‬سادر‭ ‬في‭ ‬البلاغة‮..‬
كانت‭ ‬لي،‭ ‬فرصة،‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الصدمة،‭ ‬أن‭ ‬أستعيد‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة،‭ ‬مثل‭ ‬انهمار‭ ‬شلال‭ ‬من‭ ‬الضوء‭ ‬والدمع،‭ ‬أربع‭ ‬لحظات‭ ‬غيرت‭ ‬الكثير‭ ‬في‭ ‬محيطي،‭ ‬وأيضا‭ ‬في‭ ‬قناعاتي‭ ‬وفي‭ ‬سلوكي‭ ‬الإعلامي‭:‬
‮-‬نشر‭ ‬مذكرات‭ ‬تازمامارت‭.‬
‮-‬الافتتاحية‭ ‬التي‭ ‬قلبت‭ ‬العالم‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬شتنبر‭ ‬2003،
‮-‬محاضرة‭ ‬بروكسيل‭ ‬2003‭ .‬
‮-‬ورسالة‭ ‬الاستقالة‭…‬
‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬قضية‭ ‬تازمامارت،‭ ‬مناسبة‭ ‬لكي‭ ‬أحيي‭ ‬أحمد‭ ‬أويحمان،‭ ‬الرجل‭ ‬المتفرد،‭ ‬على‭ ‬نضاله،‭ ‬نعم‭ ‬نضاله‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬الجريدة،‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬اليوسفي،‭ ‬وتنسيق‭ ‬إدارة‭ ‬التحرير‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬السي‭ ‬محمد‭ ‬شوقي‭ ‬وتدبيرها‭ ‬الإداري‭ ‬والمالي‭ ‬السي‭ ‬محمد‭ ‬ملوك،‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬نشر‭ ‬اليوميات‭ ‬التي‭ ‬قلبت‭ ‬مزاج‭ ‬الأمة‭ ‬وكشفت‭ ‬عن‭ ‬جحيم‭ ‬تحت‭ ‬المغرب‭ ‬الأقصى‭ ‬وفي‭ ‬كبد‭ ‬العائلات‭.‬
ولما‭ ‬حصلت‭ ‬الخبطة‭ ‬الصحافية،‭ ‬كما‭ ‬رأيناها‭ ‬أول‭ ‬وهلة،‭ ‬تبين‭ ‬لنا،‭ ‬بعد‭ ‬زمن‭ ‬يسير،‭ ‬أن‭ ‬سنوات‭ ‬الجمر‭ ‬والرصاص،‭ ‬تركت‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬تركته‭ ‬جمرة‭ ‬بين‭ ‬أيدينا‭…‬
في‭ ‬عز‭ ‬الموجة‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬بلغتها‭ ‬الحالة‭ ‬الذهنية‭ ‬للمغاربة،‭ ‬مع‭ ‬نشر‭ ‬يومية‭ ‬‮«‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‮»‬،‭ ‬لمذكرات‭ ‬المعتقل‭ ‬العائد‭ ‬من‭ ‬الموت،‭ ‬الفقيد‭ ‬السي‭ ‬محمد‭ ‬الرايس‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬تعالت‭ ‬أصوات‭ ‬العمق‭ ‬المخزني،‭ ‬وتحالف‭ ‬المركب‭ ‬الاستخباراتي‭ ‬القديم‭ ‬و»النعماء‮«‬‭ ‬الجدد‭ ‬وصناع‭ ‬السكتة‭ ‬القلبية،‭ ‬لكي‭ ‬يهاجموا‭ ‬نشر‭ ‬الكاتب‭ ‬الأول،‭ ‬الوزير‭ ‬الأول،‭ ‬مدير‭ ‬يومية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬لمذكرات‭ ‬معتقل‭ ‬سابق،‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬انقلابيين‭ ‬عسكريين‭ ‬ونقط‭ ‬مظلمة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬المستقل،‭ ‬في‭ ‬غياهب‭ ‬الصحراء‭.‬
ولن‭ ‬يصدق‭ ‬أحد،‭ ‬أن‭ ‬محاولات‭ ‬كثيرة‭ ‬تمت‭ ‬لاستنطاقنا،‭ ‬بشكل‭ ‬مغلف‭ ‬داخل‭ ‬الجريدة‭.‬
كم‭ ‬من‭ ‬واحد‭ ‬كان‭ ‬يأتي‭ ‬بمبرر‭ ‬تقديم‭ ‬شهادات،‭ ‬لنكتشف‭ ‬أنه‭ ‬يسألنا‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يشهد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬حصل،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬أحدهم‭ ‬أقر‭ ‬لنا‭ ‬بأنه‭ ‬هنا‭ ‬لكي‭ ‬يسجل‭ ‬مواقف‭ ‬الناشر‭ ‬والمترجم،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يستدعيهما‭ ‬إلى‭ ‬مقر‭ ‬الاستنطاق،‭ ‬فالأول‭ ‬وزير‭ ‬أول‭ ‬ومدير‭ ‬جريدة،‭ ‬والثاني‭ ‬صحافي‭ ‬متعاون،‭ ‬فقط‭ ‬معه‭.‬
السي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬طلب‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬نبرر‭ ‬أسباب‭ ‬النشر‭ ‬والمعنى‭ ‬المهني‭ ‬والتربوي‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ذلك،‭ ‬وهو‭ ‬أكثر‭ ‬العالمين‭ ‬وأعرفنا‭ ‬بما‭ ‬يتحدث‭ ‬عنه‭ ‬الراحل‭ ‬الرايس‮…‬‭.‬
شرحنا،‭ ‬فاقتنع،‭ ‬أو‭ ‬بدا‭ ‬لنا‭ ‬ذلك،‭ ‬ولعله‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتعرف‭ ‬على‭ ‬قدرتنا‭ ‬في‭ ‬الحجة،‭ ‬والصدقية‭ ‬في‭ ‬القناعة‭ ‬والاعتقاد‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬خبطة‭ ‬صحفية‭ ‬ومهنية‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬بدأت‭ ‬فيه‭ ‬الصحافة‭ ‬تدخل‭ ‬غمار‭ ‬المنافسات‭ ‬القوية‭…‬
لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نضيف‭ ‬شيئا،‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬مدير‭ ‬جريدة‭ ‬تنشر‭ ‬غسيل‭ ‬العهد‭ ‬السابق‭ ‬للسكتة‭ ‬القلبية،‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬وزير‭ ‬أول‭…‬
ولن‭ ‬ننسى‭ ‬الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬قاده‭ ‬الراحل‭ ‬القادري،‭ ‬زعيم‭ ‬حزب‭ ‬الوطني‭ ‬الديموقراطي‭ ‬والمرحوم‭ ‬الخطيب،‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نعت‭ ‬الخارجين‭ ‬من‭ ‬الجحيم‭ ‬والمستفيدين‭ ‬من‭ ‬الإنصاف‭ ‬والمصالحة‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬ب‮«‬‭”‬الصلاكط‮«‬‭”.‬
كنت‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬الدوامة،‭ ‬في‭ ‬الطرف‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬الشط،‭ ‬أما‭ ‬السي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬لجة‭ ‬الدولة‭ ‬وعلى‭ ‬رأس‭ ‬الجريدة‭…‬
افتتاحية‭ ‬الزمن‭ ‬الرمادي‮..‬جرى‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬2002‭‬

وتشكلت‭ ‬الحكومة‭ ‬كما‭ ‬نعرف‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬المنهجية‭ ‬الديموقراطية،‭ ‬تلك‭ ‬الفكرة‭ ‬التي‭ ‬تفتقت‭ ‬عنها‭ ‬بلاغته‭ ‬السياسية،‭ ‬وهو‭ ‬أمام‭ ‬ملك‭ ‬البلاد،‭ ‬يخبره‭ ‬بأنه‭ ‬سيعين‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬منصب‭ ‬المسؤولية‭ ‬الحكومية‭ ‬الأولى‭…‬
لم‭ ‬يكن‭ ‬السي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المهمة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سيقوله‭ ‬ملك‭ ‬البلاد‭ ‬للفقيد،‭ ‬إذ‭ ‬ذكره‭ ‬بأنه‭ ‬عبر‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يواصل‭ ‬المسؤولية‮..‬‭ ‬السي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬قال‭ ‬بأن‭ ‬الاتحاد‭ ‬ليس‭ ‬عاقرا‭ ‬وأن‭ ‬غيره‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يتحملها‮..‬
هذا‭‬‮«‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬المنهجية‮»‬،‭ ‬تبعته‭ ‬محاضرة‭ ‬بروكسيل‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬فبراير‭ ‬2003‮‬‭.‬
لم‭ ‬أكن‭ ‬أدرك،‭ ‬يوم‭ ‬نودي‭ ‬علي‭ ‬للالتحاق‭ ‬بالسي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان،‭ ‬في‭ ‬الطابق‭ ‬الخامس،‭ ‬حيث‭ ‬كنا‭ ‬نقارن‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬بطل‭ ‬رواية‭‬‮«‬‭”‬اولاد‭ ‬حارتنا‮»‬‭”‬،‭ ‬الجبلاوي‭ ‬بيه‭. ‬ولعله‭ ‬السي‭ ‬محمد‭ ‬بنزر‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬دعاني‭ ‬إلى‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬مكتب‭ ‬السي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬في‭ ‬الطابق‭ ‬الخامس،‭ ‬كان‭ ‬برفقة‭ ‬إدريس‭ ‬الكراوي‭ ‬يومها،‭ ‬وقد‭ ‬تحلقا‭ ‬حول‭ ‬طاولة‭ ‬وسط‭ ‬المكتب‭ ‬وبينهما‭ ‬أوراق‭ ‬عدة،‭ ‬منها‭ ‬أوراق‭ ‬المحاضرة‭ ‬التي‭ ‬احتضنها‭ ‬منتدى‭ ‬الحوار‭ ‬الثقافي‭ ‬والسياسي‭ ‬ببروكسيل‭.‬
وقتها‭ ‬كان‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نترجم،‭ ‬وليس‭ ‬لدينا‭ ‬غير‭ ‬أقلام‭ ‬وورق،‭ ‬وعلى‭ ‬الراقنات‭ ‬أن‭ ‬يساعدننا‭ ‬على‭ ‬رقن‭ ‬ما‭ ‬نكتب‭ ‬لكي‭ ‬يقرأه‭ ‬السي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭.‬
شرعنا‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬وكلما‭ ‬أنهينا،‭ ‬مصطفي‭ ‬النحال‭ ‬وعبد‭ ‬ربه،‭ ‬نقلناه‭ ‬إلى‭ ‬السي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان،‭ ‬لم‭ ‬يغير‭ ‬سوى‭ ‬عبارة‭ ‬واحدة‭ ‬كنت‭ ‬حاولت‭ ‬‮«‬مداراتها‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬فيها‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬مغرور‮»‬،‭ ‬لكنه‭ ‬أصر‭ ‬بلباقة‭ ‬بدون‭ ‬أن‭ ‬يقطب‭ ‬في‭ ‬وجهنا‭ ‬نحن‭ ‬المترجمون،‭ ‬لهكذا‭ ‬اقتراح‮.‬
ستنشر‭ ‬المحاضرة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬3‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬السنة‮..‬في‭ ‬جريدة‭ ‬‮«‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‮»‬‭ ‬بتقديم‭ ‬من‭ ‬عبد‭ ‬ربه‭ ‬الفقير‭ ‬إلى‭ ‬رحمة‭ ‬الباقي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يموت‭.‬
‭ ‬ختمها‮.. ‬وقتها‭ ‬بالقول‭‬‮«‬إننا‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أمام‭ ‬متطلب‭ ‬وطني‭ ‬يلزمنا‭ ‬بالانتظار‭ ‬سنتين‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬إمكانية‭ ‬تحقق‭ ‬الحلم‭ ‬في‭ ‬انتقال‭ ‬هادئ‭ ‬وسلس‭ ‬نحو‭ ‬الديموقراطية،‭ ‬ونتمنى‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬نفقد‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭ ‬ملكة‭ ‬الحلم‭ ‬والقدرة‭ ‬عليه‭.‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 04/06/2020