عن الدور التاريخي «للنخبة »
عبد الله ركيز
إذا كانت هناك من نتيجة لتغييب الصعيد السياسي في تفكير وتحاليل النخبة السياسية المغربية،فستكون لامحالة،تلك القوة الضاغطة التي ستتسلح بها هذه الأخيرة في إنتاج ذلك الحشد الهائل من الغموض الذي سيكتنف أية محاولة منها،تتغيا فهم صيرورة المجتمع المغربي (كمحصلة لتناقضاته الداخلية أولا وبالأساس) واستيعاب آلية اصطفافه الطبقي،وتعيين صُعُد تجلي هذا الأخير،الواضح منها والمستتر،بشكل يسمح ببلوة التصور الأمثل وباتخاذ الموقف الأقوم،وبصياغة القول الأصح.
ولن نكون مغالين أوساقطين في حبال «الشمولية «المنبوذة» هذه الأيام ،إن نحن قلنا،أن الغموض المذكور بجميع حيثياته مردّه التالي:
1-أكثر من أي شيء آخر،سيادة نهج اقتصادوي في آلية التفكير المغربي الراهن.نازع إلى تبسيط ميكانيزم التطور الخاص (التبعي) بالمجتمع المغربي، وما أفرزه على مدى صيرورة تاريخية متكاملة،من تركيبة اقتصادية-اجتماعية معقدة،تقتضي قسرا،في سياق أي محاولة لاستيعاب أسباب وجودها وفهم أساس منطق تطورها. استبعاد أي تصور ينكر الوجود المستقل للوضع الذي أنتج هذا وذاك كله. وهذا وفاء على الأقل،للنهج الجدلي المدعى ذاته من لدنها.
وعلى سبيل العود إلى موضوعنا،سنقول بدون أدنى مواربة،إن سيادة النهج الإقتصادوي المذكور..
الأساسية،التي مازالت تنتعش لحد الآن في الحقل الفكر السياسي المغربي ذلك الرأي المستفحل،في تحقير»البورجوازية الصغرى» أو المتوسطة،ضدا على المنطق،المعطيات والوقائع الموضوعية التي تشهد في أدنى معانيها ودلالاتها،على أن هذه الأخيرة معطى تاريخي-اجتماعي وليس»فائضا سياسيا»،يجب البحث له عن «مستقرّ» اقتصادي و»دور» سياسي، كما يحلو لبعض التحليلات الإنتقائية القيام به كلما أبانت لها فطنتها السياسية،على «كساد»سياسي يطال دينامية الواقع.
2-أما المرد الثاني،فيرجع إلى ما تشهده حركة التقارب الطبقي من وتيرة متسارعة حادّة كنتاج ومحصلة لاستتباب المشروع البورجوازي التبعي بالوضع المغربي عموما،خصوصا بعدما تم إجهاض المشروع البورجوازي الوطني الشهير بعيد الاستقلال السياسي (أو ما تبقى منه) بشتى الأشكال وإلحاقه بالنتيجة بالمشروع الأول، على أن حركة التفارق الطبقي هاته-وهذا هو المدهش- وإن وسّعت من رقعة الإستغلال بحيث أصبحت تضمّ إضافة إلى الشرائح والطبقات الدنيا تلك الأخرى المتوسطة أو المحسوبة كذلك (وهو الحال الآن)،وجعلتها كلها موحدة في كفاح ديموقراطي عارم،فإن معطياتها المرئية بالعين المجردة المأساوية،لم تساعد إطلاقا النخبة الساسية-الفكرية المذكورة،ولو قيد أنملة للأسف،على إزاحة بعض الغموض (حتى لانقول كله) والتردد والضعف الرؤيوي الذي يشوب تفكيرها العام،على قاعدة الاستنتاج المبتذل والمكرور القائل ب»هشاشة الوضع الطبقي «.وغير خاف طبعا،أن مثل هذا القول،بقدر ما يعفي أصحابه من الأسئلة الشائكة ويضع عنهم وزر المسؤوليات المترتبة عن الإجابة عنها،بقدر ما يسعفهم أكثر في معايشة الوضع،على قاعدة المداهنة واللامبالاة ليس إلا.
3-وأما مرده الثالث،فيمكن إيجازه بالقول العام التالي:إنه فضلا عن تعقيد وصعوبة أية محاولة راجية تفكيك واقع ما يسمى ب»العالم الثاث»،ومنه المغرب الآن،بالنظر لعدم تخلص هذا الأخير لحد الآن من علاقة التبعية للنظام الإستعماري الناظمة لتطوره،وكذا مستتبعاتها الإجتماعية-الإقتصادية والسياسية (على رأسها بقاء رواسب الإستعمار الاقتصادية-الاجتماعية، البنيوية،الذهنية وأيضا السلوكية) في سياق من إنتاج وإعادة إنتاج حلقات «التخلف «و»التأخر» اللتين هما ضمان ديمومة هذه العلاقة ذاتها. فإن إشكال الديموقراطية-الحلقة المفقودة الأساس-في حضوره الدائم،وحضوره اليوم المؤرق،فَعل فِعْل الصدمة التي لم يستوعب جوهرها المغرب إلا متأخرا…رغم أن الفشالات في هذا المضمار،كانت تفرض عليه،في كل مرة على سبيل «إزالة آثارها « ،حشد جميع موارده الطبيعية والبشرية بشكل يجسّم حلا لهذا الإشكال عمليا.
وعليه والحالة هذه،وفي الوقت الذي كان من المفترض في النخبة الفكرية -السياسية المغربية،أن تضع قيد الدّرس والتّمحيص والمراجعة تلو الأخرى،هذه الأسباب والمسبّبات في ترابط حلقاتها جميعا مع حلقة الديموقراطية الأساس، فإن هذه الأخيرة شطحت-والبعض منها على الخصوص- نحو انتهاج سبيل (يسراوي)،غيب في انتقائية تامة نهج الديمقراطية كفكر وأسلوب من مسلكياته،قبل أن يغيبها في برامجه كإشكال…إن لم نقل ساهم ببعض من ممارساته العامة في تزكية الوضع بدل المساهمة في علاج إشكالاته الحقيقية.
الكاتب : عبد الله ركيز - بتاريخ : 08/06/2020