أكد المجلس الوطني للصحافة في تقرير له حول أخلاقيات مهنة الصحافة منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية، أنه تابع التغطيات والجهود التي يقوم بها الصحفيون ومختلف المنابر الصحفية من أجل أداء واجبهم الإعلامي المجتمعي، خلال هذه الظرفية الدقيقة التي يعيشها المغرب والإنسانية، بصعوباتها وتحدياتها الصحية.
وأوضح التقرير أن الأطر الطبية والسلطات العمومية وجدت نفسها في الخطوط الأمامية للتصدي لوباء كوفيد 19 ومواجهة التحديات المرتبطة بتفشيه، ووجدت الصحافة والصحفيين أيضا أنفسهم كذلك في الصفوف الأمامية لمواجهة هذا الوباء لتنوير الرأي العام وتحسيسه بمخاطره وأهمية التقيد بالسلوكات الوقائية والاحترازية وكذلك المساهمة في محاربة جائحة «الوباء الإعلامي» (infodemic) والأخبار الكاذبة أو المضللة التي تنتشر بشكل أسرع وبسهولة أكبر من هذا الفيروس، وتنطوي على نفس القدر من الخطورة.
ونوه المجلس الوطني للصحافة بقرار الصحافة الورقية الاستمرار في الصدور إلكترونيا وبالمجان، على الرغم من انعكاسات تعليق صدورها ورقيا وتوزيعها وشح عقود الإشهار، مستحضرة المصلحة العامة ودورها المجتمعي، رفقة المنابر الصحفية والإعلامية الأخرى، والانخراط في تنوير الرأي العام والمساهمة في التصدي للأخبار الزائفة ودورها الحاسم في المساعدة على اتخاذ قرارات مستنيرة، على اعتبار وظيفة الصحفيين البالغة الأهميّة في ظلّ حالة الطوارئ الصحيّة ودور الصحافة الأساسي في نقل المعلومات والأخبار التي تساعد الناس في تكوين الآراء بشأن ما يتهدد الصحة العامة وفي اتخاذ الخطوات المناسبة لحماية أنفسهم ومجتمعاتهم.
وسجل التقرير تفاعل وزارة الداخلية والمديرية العامة للأمن الوطني الإيجابي والسريع مع المراسلة التي كان قد وجهها لهما بخصوص تحرك الصحافيين للقيام بواجبهم المهني خلال حالة الطوارئ الصحية، حيث أعطيت التعليمات للمصالح المختصة بالسماح بالتحرك للصحافيين الحاملين لبطاقة الصحافة المهنية من أجل ممارسة مهامهم.
وعبر المجلس، في بلاغ صحفي سابق، عن إدانته لجوء بعض المواقع الصحافية إلى المتاجرة بموضوع وباء كورونا، حيث نشر أحدها تسجيلا مع سيدة في الشارع العام، يروج للخرافة ويبخس المعطيات العلمية حول المرض، بهدف تحقيق نسب أعلى من المشاهدة. كما نشر أحد المواقع صورة وهوية أحد الأشخاص الخاضعين للفحص، وهو الأمر المنافي لاحترام قواعد الخصوصية. بالإضافة إلى ذلك، سجل البلاغ سعي بعض المواقع إلى استغلال انتشار الوباء لتقديم تأويلات وتفسيرات وحكايات عن المؤامرات، لا تستند إلى أي أساس علمي، هدفها تجاري محض، يتعارض مع الرسالة النبيلة للعمل الصحافي. ولقد عبر المجلس عن شجبه لمثل هذه الممارسات، ودعا إلى التحلي بأعلى درجات يقظة الضمير المهني.
و سجل المجلس الوطني للصحافة، طيلة مدة حالة الطوارئ الصحية، العمل المهني الإيجابي الذي تقوم به الصحافة والإعلام بالمغرب إزاء جائحة فيروس كورونا، ومدى الالتزام والنضج الذي أبان عنه المهنيون، وذلك رغم الخروقات، التي تبقى على العموم معزولة واستثناء، بالنظر لحجم انخراط الصحافة المغربية وتغطياتها لكل ما يتعلق بالوباء. وقد رصد المجلس الوطني للصحافة، الخروقات وعرض أمثلة عنها في تقرير مفصل من أجل التنبيه إليها وطرحها للنقاش داخل الجسم الصحفي من أجل تعزيز احترام مقتضيات ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة.
الالتزام بأخلاقيات المهنة ركيزة من ركائز الممارسة الصحفية، لكنه يكتسي خلال الكوارث والأزمات والجوائح أهمية قصوى، خاصة مع ما يمكن أن تسجله مثل هذه الأزمات من انتشار كبير للشائعات أو الأخبار الكاذبة أو المضللة. لذلك يعتبر دور الصحافيات و الصحفيين خلال جائحة كوفيد 19 محوريا، على اعتبار أن من شأن العمل الصحفي المهني والأخلاقي أن يساهم في إنقاذ الأرواح في حالات الطوارئ الصحية.
تتطلب المعالجة الإعلامية في مثل هذه الأزمات من الصحفي(ة) تركيزا وتشريحا دقيقا لمصادر الخبر وفحصا متأنيا لتوازنه واحتراما تاما لكل قواعد المسؤولية المهنية والأخلاقية والذاتية التي يتطلبها ذلك. فالممارسة الإعلامية في ظرف استثنائي مثل هذا الذي نعيشه تتطلب منا بالتالي جهدا خاصا وحذرا مضاعفا، لأن أي انزلاقات أو تجاوزات يمكن أن تكون لها انعكاسات على الأفراد والجماعات وعلى أمن وسلامة المجتمع.
من أجل ذلك قررت لجنة أخلاقيات المهنة بالمجلس الوطني للصحافة رصد خروقات ميثاق أخلاقيات المهنة الصادر بالجريدة الرسمية في 29 يوليوز 2019، وذلك من أجل تنبيه الزميلات و الزملاء لتفادي السلوكات غير الأخلاقية، خاصة في مثل هذه الظرفية، وتجويد أدائنا لمهامنا المجتمعية الأساسية، من خلال حلقات النقاش التي نعتزم تنظيمها مستقبلا حول أخلاقيات مهنة الصحافة، ومن بين ذلك خلال الأزمات.
وإذ تتضمن هذه الوثيقة أمثلة لخروقات رصدها المجلس وارتأى وضعها في تقرير مرحلي، إلا أن ذلك لا يلغي إمكانية البحث بشأنها من جديد من قبل لجنة الأخلاقيات، لترتيب ما يلزم، وفقا للمسطرة التأديبية والشروط والمقتضيات التي يتضمنها القانون المحدث للمجلس.
لجنة أخلاقيات مهنة الصحافة
1. منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية، يتابع المجلس الوطني للصحافة (من خلال لجنة الأخلاقيات والمصالح المختصة في إدارته) التغطيات والجهود التي يقوم بها الصحفيون ومختلف المنابر الصحفية من أجل أداء واجبهم الإعلامي المجتمعي، خلال هذا الظرفية الدقيقة التي يعيشها المغرب والإنسانية، بصعوباتها وتحدياتها الصحية.
2. لقد وجدت الأطر الطبية والسلطات العمومية نفسها في الخطوط الأمامية للتصدي لوباء كوفيد 19 ومواجهة التحديات المرتبطة بتفشيه، ووجدت الصحافة والصحفيين أيضا أنفسهم كذلك في الصفوف الأمامية لمواجهة هذا الوباء لتنوير الرأي العام وتحسيسه بمخاطره وأهمية التقيد بالسلوكات الوقائية والاحترازية وكذلك المساهمة في محاربة جائحة “الوباء الإعلامي” (infodemic) والأخبار الكاذبة و/أو المضللة التي “تنتشر بشكل أسرع وبسهولة أكبر من هذا الفيروس، وتنطوي على نفس القدر من الخطورة”، لأننا “لا نحارب مجرد وباء، بل نحارب سيلا هائلا من المعلومات المضللة”. لقد أصبح فيروس كورونا الجبهة الأولى لجميع المنابر الإعلامية والعاملين في القطاع في المغرب، على غرار نظرائنا في دول العالم، حيث تستمر الصحافة الوطنية والمحلية في أداء واجبها (مع اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية والوقائية الممكنة) وتخصص تغطياتها لكل ما يرتبط بالفيروس، في الجوانب الصحية والطبية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية…
3. ينوه المجلس الوطني للصحافة بقرار الصحافة الورقية الاستمرار في الصدور إلكترونيا وبالمجان، على الرغم من انعكاسات تعليق صدورها ورقيا وتوزيعها وشح عقود الإشهار، مستحضرة المصلحة العامة ودورها المجتمعي، رفقة المنابر الصحفية والإعلامية الأخرى، والانخراط في تنوير الرأي العام والمساهمة في التصدي للأخبار الزائفة ودورها الحاسم في المساعدة على اتخاذ قرارات مستنيرة، على اعتبار وظيفة الصحفيين البالغة الأهميّة في ظلّ حالة الطوارئ الصحيّة ودور الصحافة الأساسي في نقل المعلومات والأخبار التي تساعد الناس في تكوين الآراء بشأن ما يتهدد الصحة العامة وفي اتخاذ الخطوات المناسبة لحماية أنفسهم ومجتمعاتهم.
4. يثمن المجلس روح الوطنية و المسؤولية لدى الإعلام الوطني، و من بينها المؤسسات الصحفية المعنية بنشر وطبع وتوزيع الصحف والجرائد الورقية، التي استمرت في الصدور غم تعليق طبعها في 22 مارس 2020 .
. تجدر الإشارة في سياق هذه الفقرة إلى أنه لم تسجل أي حالات مؤكدة في العالم تثبت احتمالات تلوث الصحف أو انتقال الفيروس عن طريقها. على العكس من ذلك، استمرت الجرائد والصحف الورقية في الصدور في الدول الأكثر إصابة بكورونا، مثل إيطاليا وفرنسا واسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. وتجدر الإشارة كذلك إلى أن منظمة الصحة العالمية كانت قد اعتبرت أن “مخاطر الإصابة بالفيروس الذي يسبب مرض كوفيد-19 عن طريق طرد نُقل وشُحن وتعرض لمختلف الظروف ودرجات الحرارة، هي مخاطر ضئيلة.
5. يذكر المجلس الوطني للصحافة أيضا بأن عددا من الدول حول العالم اعتبرت الصحافة “خدمة أساسية” والصحفيين “عاملين أساسيين”، بشكل يسمح للصحافة والصحفيين بمواصلة عملهم الصحفي واستثنائهم من قيود التنقل، واعتبرت الصحافة في بعضها خدمة “طوارئ”. وفي نفس الإطار، واستحضارا للدور الأساسي للعاملين في وسائط الإعلام، شدد المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير على أنه “ينبغي للحكومات أن تمكنهم من مواصلة عملهم، بما في ذلك، عند الاقتضاء، تصنيف عملهم على أنه أساسي”.
6. لا يفوت المجلس الوطني للصحافة تسجيل تفاعل وزارة الداخلية والمديرية العامة للأمن الوطني الإيجابي والسريع مع المراسلة التي كان قد وجهها لهما بخصوص تحرك الصحافيين للقيام بواجبهم المهني خلال حالة الطوارئ الصحية، حيث أعطيت التعليمات للمصالح المختصة بالسماح بالتحرك للصحافيين الحاملين لبطاقة الصحافة المهنية من أجل ممارسة مهامهم.
أخلاقيات مهنة الصحافة خلال كوفيد 19 – خروقات متعددة، وإن كانت معزولة
7. مع انطلاق حالة الطوارئ الصحية، أوصى المجلس بضرورة الالتزام بأحكام ميثاق أخلاقيات الصحافة، الذي يتضمن كل القواعد والمبادئ المهنية والأخلاقية التي ينبغي أن تؤطر السلوك اليومي في العمل الصحافي، والتي يجب استحضارها في معالجة ومتابعة تطورات انتشار الوباء، لتجنب الأخطاء المحتملة.
8. عبر المجلس، في بلاغ صحفي سابق، عن إدانته لجوء بعض المواقع الصحافية إلى المتاجرة بموضوع وباء كورونا، حيث نشر أحدها تسجيلا مع سيدة في الشارع العام، يروج للخرافة ويبخس المعطيات العلمية حول المرض، بهدف تحقيق نسب أعلى من المشاهدة. كما نشر أحد المواقع صورة وهوية أحد الأشخاص الخاضعين للفحص، وهو الأمر المنافي لاحترام قواعد الخصوصية. بالإضافة إلى ذلك، سجل البلاغ سعي بعض المواقع إلى استغلال انتشار الوباء لتقديم تأويلات وتفسيرات وحكايات عن المؤامرات، لا تستند على أي أساس علمي، هدفها تجاري محض، يتعارض مع الرسالة النبيلة للعمل الصحافي. ولقد عبر المجلس عن شجبه لمثل هذه الممارسات، ودعا إلى التحلي بأعلى درجات يقظة الضمير المهني.
9.في إطار مواصلة تتبع احترام الصحافة المغربية لميثاق أخلاقيات المهنة، رصد المجلس الوطني للصحافة مجموعة من الخروقات الأخرى لأحكام الميثاق ومبادئه، خاصة ما يتعلق بالتضليل والسطو واحترام الخصوصية والحق في الصورة والمعطيات الشخصية والتمييز والكرامة الإنسانية والطفل (تهم المسؤولية المهنية، المسؤولية إزاء المجتمع، والاستقلالية والنزاهة).
في البحث عن الحقيقة ومعالجة الخبر ومصادره
10. في أواخر مارس 2020، نقلت بعض المواقع الكترونية، من بينها مواقع تابعة لجرائد ورقية، فيديو كان متداولا على شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثات الفورية، منذ 18 مارس، يزعم توثيق تفريق الشرطة للمواطنين بالقوة العمومية، حيث يظهر الشريط عناصر بزي الشرطة يطاردون مواطنين ويحاولون ضربهم. تبين في ما بعد أن الفيديو لا علاقة له بالمغرب، بل يعود لأحداث تفريق مسيرة احتجاجية بالجزائر تم التقاطه نهاية فبراير من هذه السنة وأن الأمر لا يتعلق بالمغرب أو ما يحدث فيه.
11. يمكن تعدد الآراء و توازنها القارئ من تكوين رأيه بشكل مبني على معطيات متكاملة، لذلك يكرس ميثاق أخلاقيات المهنة ضرورة التمييز بين الخبر والتعليق بشكل واضح لتفادي الخداع، ونسوق هنا على سبيل المثال لا الحصر جزم أحد صحافيي صحيفة أسبوعية، منذ بداية الوباء، أن كورونا فيروس صنع في المختبرات وهو مؤامرة ضد البشرية، دون الاعتماد في مقاله الإخباري على أي سند علمي أو مصادر (علماء أو باحثين…). وكما هو مشار إلى ذلك في تقديم هذا التقرير، فقد سبق للمجلس أن شجب السعي إلى استغلال انتشار الوباء لتقديم تأويلات وتفسيرات وحكايات عن المؤامرات، لا تستند على أي أساس علمي ودعا إلى التحلي بأعلى درجات يقظة الضمير المهني بهذا الشأن. ولا تزال مجموعة من المواقع الإلكترونية تستمر في نشر مواد لنظريات المؤامرة، وصلت حد ربط ذلك بانقلاب على المغرب!
12. في سياق الحديث عن الانزلاقات المهنية وخرق القواعد الأخلاقية ومسؤليات الصحفيين في معالجة الخبر، وفي سياق مدى تناسق العناوين مع المادة الخبرية، يشيد المجلس بأغلب الصحف الورقية والالكترونية التي حرصت على استعمال عناوين إخبارية أو تقريرية أو مقتبسة، تتناسق في بعدها مع المواد الإعلامية التي وظفت من أجلها. إلا أن المجلس يتأسف، مع ذلك، لخروج عدد من المنابر التي رصدتها مصالحه، للأسف، عن هذه القاعدة، وذلك عبر وضع عناوين مثيرة لا تتناسب مع المادة الإخبارية والركون إلى التهويل والتضخيم والتعبير عن مواقف وأحكام قيمة لا توجد لها أية مبررات أو سند في نص الخبر، مما يمكن اعتباره انزلاقا مهنيا وخرقا للقواعد الأخلاقية وللموضوعية.
13. يسجل المجلس قيام بعض المواقع بسحب مقالات تبين لها أنها غير صحيحة أو أن تناولها كانت فيه تجاوزات غير مهنية، غير أنه لا بد من التنبيه إلى أن المهنية والالتزام بأخلاقيات المهنة لا تقتضي سحب هذه المواد فحسب، وإنما تسليط الضوء على التجاوز وتدارك الأخطاء وتقديم الاعتذار عن ذلك، مراعاة للمصداقية ومن أجل المساهمة في تطوير الأداء المهني. ويسجل المجلس في هذا السياق نشر أسبوعية ناطقة بالفرنسية لنقذ ذاتي بعد افتتاحية قالت المجلة إنها “لم تستوف متطلبات المهنة ومتطلبات أخلاقياتها” في ما يتعلق بمعالجة الخبر والتحقق من العناصر وتقاطعها. كما قدمت أسبوعية أخرى ناطقة باللغة الفرنسية اعتذارا عن خبر، تبين فيما بعد أنه عار من الصحة، استقته دون توضيح مصدره، مفاده أن سفير بلد عربي انتقد “تفاقم الوضع الصحي بالمغرب”. ونشرت الأسبوعية مقالا تتهم فيه السفير بالتحامل على المغرب، بعد ذلك قدمت اعتذارا للسفير ونشرت له ردا نفى من خلاله نفيا تاما ما قالته الأسبوعية المغربية.
الأخبار الكاذبة والتضليل
14. عمد البعض إلى استغلال الهويات البصرية لمنابر إعلامية من أجل فبركة وإذاعة صور تنقل أخبارا زائفة أو مضللة ونسبها لهذه المنابر، في خرق سافر لأخلاقيات المهنة. وفي هذا السياق، نفت قناة ميدي1تيفي، في 5 أبريل 2020، بث خبر عاجل مفاده أن “الحجر الصحي بالمغرب سيمتد لشهر يوليوز 2020″، كما تداولت ذلك بعض الصفحات والتطبيقات على مواقع التواصل الاجتماعي. وليست هذه المرة الأولى التي يسجل فيها مثل هذا السلوك الخطير في هذه الظرفية، إذ سبق أن أعلن موقع هسبيرس، في 3 مارس 2020، عن استغلال البعض لهويته البصرية وتداول صورة مفبركة لمقال قيل إنه منشور على الموقع تحت عنوان “غلق جميع المدارس ابتداء من يوم الأربعاء بسبب تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا في المغرب” (كانت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي أكدت أن الخبر غير صحيح).
15. انخرطت بعض المواقع الإلكترونية في الترويج لإشاعات اكتشاف علاج كورونا بالأعشاب أو الوقاية منه وتقوية المناعة، بحثا عن البوز وغايات بعيدة عن رسالة الصحافة المهنية والأخلاقية، وعن صحافة التدقيق والتأكد من صحة المعلومات قبل نشرها (إحدى الفيديوهات سجل أكثر من 1,5 مليون مشاهدة)، خاصة بالنظر للخطورة الكبيرة التي يمكن أن يتسبب بها هذا الأمر على السلامة والصحة، قد تصل إلى الوفاة. وفي سياق متصل، حذرت وزارة الصحة من استعمال الأعشاب لمعالجة كورونا، مؤكدة أن ذلك قد يتسبب في ضرر بصحة الإنسان.
السطو
16. أقدمت عدد من المنابر الإعلامية على السطو على مواد صحفية لمنابر أخرى، دون الإشارة إلى مصادرها (وإن كان، وفقا لميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة، ذكر مصدر المواد الصحافية لا يبرر استغلالها إذا كان من شأن هذا الاستغلال أن يسبب ضررا لأصحابها الأصليين).
وقد وصل الأمر في الحالات التي جرى رصدها حد التحايل لإخفاء الهوية البصرية لمصدر هذه المواد. وفي هذا السياق، بثت الصفحة الرسمية لأحد أبرز المواقع الإخبارية الإلكترونية المغربية على إحدى منصات التواصل الاجتماعي، يوم الثلاثاء 24 مارس 2020، فيديو مباشر (LIVE) حقق أيام بعد بثه حوالي 550 ألف مشاهدة، أكثر من 15 ألف تفاعل (علامات الإعجاب…)، وأكثر من ألف تعليق، كما تقاسمه أكثر من 2000 شخص. الفيديو مصور بتقنية المباشر من شاشة التلفاز، بشكل يخفي الهوية البصرية للقناة الناقلة (مصدر المادة الصحفية). وعمل الموقع على وضع هويته البصرية الخاصة على الفيديو.
17. قام بعض الزملاء باستعمال مواد محررة و/أو مصورة لزملاء آخرين في المهنة ونشرها دون إذن منهم. وقد رصد المجلس أمثلة لهذه السلوكات غير الأخلاقية و”السرقة الصحفية”، التي حسم القضاء في بعض منها.
ويسجل المجلس في هذا السياق احتجاج وتنديد بعض الزملاء بنشر مقالات رأي باسمهم في مواقع إلكترونية من دون الحصول على إذنهم المسبق وموافقتهم الصريحة لإعادة نشر موادهم. ومن الأمثلة الأخرى التي جرى رصدها السطو على مادة إعلامية مصورة لجريدة الكترونية (من 30 دقيقة)، قام موقع محلي آخر بتحريفها وإعادة تركيبها في دقيقتين، بشكل غير سياق ودلالات الروبورتاج ومعالجته. كما نشر موقع جريدة ورقية مقالا اعتبره القائمون على جريدة إلكترونية “سطوا”، في إحدى فقراته إشارة صريحة إلى اسم الجريدة الإلكترونية (المقال سحب بعد ذلك من موقع الجريدة الورقية، ولا يعلم المجلس إن كان هناك اعتذار أو توضيح بهذا الشأن).
18. ينبه المجلس إلى أن السطو على مقالات ومواد الزملاء الصحفيين، بالإضافة إلى كونه خرقا سافرا لأخلاقيات المهنة يستوجب التنديد والمساءلة، ويمكن أن يؤثر على صورة ومصداقية الصحفيين والمنابر الإعلامية التي يشتغلون بها، بشكل خاص، ومكانة الصحافة الوطنية لدى المواطنين، بشكل عام، علاوة على إخلاله وتأثيره على مبدأ التضامن والتآزر المفترض بين الصحفيين والسعي بشكل دؤوب إلى تعزيز أواصر الزمالة داخل المهنة، كما ينص على ذلك ميثاق أخلاقيات المهنة.
احترام الكرامة الإنسانية
19. أخذ موقع إلكتروني بتاريخ 21 مارس 2020 تصريحا من سيدة في وضعية إعاقة (إعاقة الصم والبكم) بشكل من شأنه أن يخرق مبدأ احترام الكرامة الإنسانية. وفي سياق متصل، سجل المجلس الوطني للصحافة نشر موقع إلكتروني، بتاريخ 24 مارس 2020، لتصويب واعتذار عن نشر فيديو “غير صالح” بعد أن تبين للموقع أن الحالة العقلية للشخص المعني بالفيديو “غير طبيعية”، وهو ما كان يجب الانتباه إليه قبل نشر الفيديو، خاصة بعد تحميله وتداوله الواسع عبر أحد تطبيقات المحادثات، وإن كان الموقع قد أعلن عن حذفه وسحبه من قناته.
التمييز والتحريض على العنف وتمجيده
20. نشر موقع إلكتروني، بتاريخ 20 مارس 2020، مقالا عن مهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء وعن “خطر نشرهم كورونا” بالدار البيضاء. يتضمن المقال أوصافا ومفردات، مثل “السرب’ و”الأسراب”، وصورا نمطية متعددة تشكل خرقا لأحكام ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة المتعلقة بالتمييز والتحريض على الكراهية وكذلك احترام الكرامة الإنسانية.
في سياق آخر، تضمن فيديو على قناة موقع إلكتروني، بتاريخ 19 مارس 202 (200 ألف مشاهدة تقريبا) تحريضا صريحا على استعمال العنف ضد مخالفي حالة الطوارئ، في حين نشر موقع آخر مقطعا يتهم خلاله مخالف حالة الطوارئ ب “الخيانة”، ويزيد “أقتلوا من لا غيرة له”، من لا غيرة له… “خاص موتوا حسن من حياتو”، من لا غيرة له… “خاصو الموت”.
21. يسجل المجلس تقديم أسبوعية مغربية لاعتذارها، خلال برنامج إذاعي بعد ما أثارته صورة على غلافها من استنكار واتهامات أسبوعا تقريبا بعد صدور العدد.
قبل ذلك، كانت المجلة قد نشرت بلاغا أوضحت من خلاله أنه لم تكن هناك أية نية على الإطلاق لإدانة أو وصم أي شخص كيفما كان لونه وأن الصورة كانت نتيجة “إهمال”.
حماية القاصرين
22. بشأن حماية القاصرين التي يكرسها ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة، يذكر المجلس، أمام توالي نشر فيديوهات وصور الأطفال، ومن بينها نشر مقطع فيديو لطفل مصاب بفيروس كورونا، أنه ينبغي في جميع الأحوال مراعاة المصالح الفضلى للطفل وإعطائها الأولوية على أي اعتبار آخر واجتناب كل ما يمكن أن يعرض الطفل لأي وصم أو أذى أو إساءة مدى الحياة. ومن أجل حماية حقوق الطفل واحترامها يتوجب على الصحفي(ة) طلب الإذن من الطفل والوصي عليه من أجل إجراء أي مقابلة صحفية أو تصوير فيديو والتقاط صور توثيقية عندما يكون ذلك ممكناً. ويجب أن يكون هذا الإذن مكتوباً كلما كان ذلك ممكناً ومناسباً. بالإضافة إلى ذلك، اعتبر ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة أن من مسؤوليات الصحافة الأخلاقية، حماية القاصرين وصورهم في قضايا حساسة اجتماعيا، ولا يجب أن يكونوا موضوع فيديوهات يتم استدراجهم لها بغرض الإثارة المجانية، أو يكونوا هدفا لأشرطة مصورة تتضمن العنف والميوعة وانحدار القيم الإنسانية، وإلا اعتبر ذلك إخلالا بأحكام الميثاق.
احترام الحق في الصورة والحياة الخاصة
23. خلال مواكبة منابر إعلامية لتدخلات السلطات العمومية وتوقيف أشخاص يشتبه في خرقهم لحالة الطوارئ الصحية، خاصة في الصحافة الإلكترونية، رصد المجلس في العديد من المناسبات عدم حرص عدد من المنابر على حماية صورة هؤلاء الأشخاص واحترام حياتهم الخاصة، بحيث كان بعضهم يظهر في بعض هذه الفيديوهات بوجه مكشوف أو بشكل يسمح بالتعرف عليه. حتى في الحالات التي كان فيها احتجاج وتعبير صريح عن رفض التصوير من الموقوفين، لم تأخذ جميع الاحتياطات لحجب ملامح الأشخاص المعنيين لاحقا خلال نشر مقاطع الفيديو.
24. في هذا السياق، ينبه المجلس أن هذه الحالات يمكن أن تؤدي إلى المساءلة وقد يكون فيها، بالإضافة إلى المس بالحق في الصورة، مس بمبدأ قرينة البراءة وتشهير بهؤلاء الأشخاص. ويذكر المجلس أن عدم احترام الحق في الصورة يعد خرقا لأحكام ميثاق أخلاقيات المهنة، إذا لم يكن مبررا بضرورة إخبارية أو مبررة موضوعيا بمصلحة عامة، ومسا بحق يكرسه الدستور المغربي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك حماية شرف الأشخاص أو سمعتهم من أي تدخلات أو مس صادر عن سلطات الدولة أو عن أشخاص طبيعيين أو قانونيين. هذا الحق قد يتقاطع في كثير من الأحيان مع الحق في حرية التعبير، لذلك يوصي المجلس بفتح النقاش في هذا السياق بشكل يمكن أن يفضي إلى دليل عملي خاص يستحضر الاجتهادات الدولية في هذا المجال، من بينها اجتهادات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بخصوص القضايا المتعلقة بالمادة الثامنة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان (الحق في احترام الحياة الخاصة) خاصة في علاقتها بحرية التعبير والصحافة.
خلاصات وتوصيات
25. سجل المجلس الوطني للصحافة، طيلة مدة حالة الطوارئ الصحية، العمل المهني الإيجابي الذي تقوم به الصحافة والإعلام بالمغرب إزاء جائحة فيروس كورونا، ومدى الالتزام والنضج الذي أبان عنه المهنيون، وذلك رغم الخروقات، التي تبقى على العموم معزولة واستثناء، بالنظر لحجم انخراط الصحافة المغربية وتغطياتها لكل ما يتعلق بالوباء. وقد ارتأينا رصد الخروقات وعرض أمثلة عنها في هذا التقرير من أجل التنبيه إليها وطرحها للنقاش داخل الجسم الصحفي من أجل تعزيز احترام مقتضيات ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة.
26. يحيي المجلس في هذا السياق التعبئة والجهود التي تبذلها الصحافة المهنية الأخلاقية (صحفيين ومنابر إعلامية) خلال هذه الأزمة، ويهيب بالصحفيين المضطرين للتنقل بالالتزام بتعليمات وإرشادات الوقاية، والحرص على الوقوف على مسافة آمنة، حتى لا يتكرر مثل ما وقع أمام مصحات خاصة، والذي يمكن أن يشكل خطرا على سلامتهم. كما يشدد على ضرورة توفير بيئة تمكينية للعمل الإعلامي في ظل هذه الجائحة، من خلال الحرص على ضمان وصول الصحفيين إلى المعلومة والحرص على توفير الحماية الضرورية لهم (توفير الأقنعة وغيرها من المستلزمات الوقائية، تعقيم المعدات، الدعم النفسي…).
27. يهيب المجلس بالصحفيين الحرص على نفس القدر من المهنية والحذر والتدقيق، حتى بمناسبة النشر على صفحاتهم الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي، والاستحضار الدائم لأدوارهم في المجتمع وسمعة المهنة والمنابر التي يشتغلون بها ، وللضوابط الأخلاقية التي يجب الالتزام بها، في كل مرة يتعاملون فيها مع أي معلومة بين أيديهم.
ويذكر المجلس في هذا السياق بواقعة تبادل البعض، ولو في نطاق ضيق، لللائحة المسربة للركاب الذين كانوا على متن الطائرة التي كانت تقل أول شخص أعلن عن إصابته بكورونا.
28. يحي المجلس مبادرات التحقق من صدقية الأخبار، وتوثيق مصادرها وتصحيحها، عند الاقتضاء، التي انخرطت فيها عدد من المنابر، وكذلك انخراط الصحفيين أنفسهم، على صفحاتهم في شبكات التواصل الاجتماعي أو من خلال إطلاق هاشتاغات الصحفيين ضد الإشاعة… ويدعو إلى مأسسة مثل هذه المبادرات وتعزيز دور Fact Checking و مراقبة صدقية الأخبار داخل المنشآت الإعلامية.
29. يشجب المجلس الخروقات السافرة التي تسيء إلى الجسم الصحفي، ويدين ما يقدم عليه البعض من أفعال لا تمت للصحافة وقواعدها بصلة، مثل المعاملة اللاأخلاقية والحاطة من الكرامة التي تعرض لها مواطن بحار في فيديو بث على أحد المواقع المحلية بآسفي.
31. يسجل المجلس الجهود التي تبذلها السلطات العمومية من أجل التصدي لكل من ينتحل صفة صحفي، ويهيب بها العمل على تعزيز هذه الجهود، من خلال التأكد الدائم من حمل كل من يقدم نفسه على أنه صحفي، لبطاقة الصحفي المهني التي يمنحها المجلس الوطني للصحافة.
31. يسجل المجلس تعميم النقابة الوطنية للصحافة المغربية لدليل عملي بشأن كوفيد19 واحترام أخلاقيات مهنة الصحافة، ويدعو إلى إطلاق ورش ينخرط فيه جميع الفاعلين المعنيين، حول احترام أخلاقيات مهنة الصحافة وحقوق الإنسان (في علاقتها مع حرية الصحافة وميثاق الأخلاقيات) خلال الأزمات.
إعلام الأخلاقيات خلال الأزمات، خارطة طريق بالنسبة للجنة أخلاقيات المهنة والمجلس الوطني للصحافة
32. نظرا، للهفوات والتجاوزات التي لا زالت تتكرر في العمل اليومي للصحفيين، بالرغم من المجهودات المبذولة من طرف غالبيتهم، لا بد من العمل على تعزيز التوعية والتحسيس بالقواعد المهنية و الأخلاقية لترسيخ القيم والسلوكات الفضلى لدى صانعي الرأي العام.
33. من أجل ذلك، واعتبارا للخروقات التي يقدم هذا التقرير أمثلة عنها، سيضع المجلس الوطني للصحافة ولجنة أخلاقيات المهنة، خارطة طريق لتطوير الممارسات الإعلامية خلال الظروف الاستثنائية، تتضمن، على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:
• تكثيف اللقاءات مع الجسم الصحفي حول القواعد المهنية والأخلاقية؛
• تنظيم دورات تكوينية موضوعاتية يساهم في تأطيرها خبراء في تدبير الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ الصحية؛
• تنظيم ورشات تكوينية حول إعلام الأزمات والحق في الخصوصية وفي الصورة؛
• إعداد دلائل عملية، بتعاون مع المنظمات المهنية والمختصة، الوطنية منها والدولية، لفائدة الصحفيين حول بعض المواضيع والقضايا والظواهر الاجتماعية والسياسية والقانونية والبيئية، وغيرها، يكون الهدف منها تعميم وتبسيط تناولها إعلاميا من طرف المهنيين؛
• دراسة المعالجة الإعلامية خلال حالة الطوارئ الصحية من أجل تقييم أشمل وأعمق حول خصوصيات هذه التجربة الإعلامية الاستثنائية واستخلاص الدروس لتجارب إعلامية مستقبلية.
• تعزيز مؤسسة الرصد داخل المجلس الوطني للصحافة، من أجل التتبع اليومي للممارسة الإعلامية وتهيئ تقارير دورية في الموضوع؛
• العمل على تفعيل مشروع التربية على الإعلام، باعتبارها دواء لداء الفيك نيوز والأخبار الكاذبة والمفبركة والمضللة وغير الأخلاقية.
34 – يعتبر المجلس الوطني للصحافة، أن من بين أدواره الرئيسية التحسيس والتوعية بضرورة احترام أخلاقيات المهنة، لكن هذا لن يحجب تفعيل اختصاصاته لحماية المجتمع وسمعة الأشخاص وكرامتهم، في مواجهة الخروقات السافرة، وترتيب الجزاءات التي ينص عليه قانونه.