في ندوة «الشعبوية والخطاب الغربي حول الحكامة الديمقراطية» بأصيلة المختار بنعبدلاوي: الخطاب الشعبوي يحتمي بالخوف من الآخر بداعي رسملة الثروة الوطنية خوان دي ميغيل: لا فرق بين شعبوية اليمين واليسار المتطرف

تناولت الجلسات التفصيلية لموضوع ندوة «الشعبوية والخطاب الغربي حول الحكامة الديمقراطية» أول أمس الخميس بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بأصيلة، تأثير هذه التيارات التي تفتقد إلى مشروع مجتمعي متكامل يطرح بديلا لما يعانيه العالم اليوم من أزمات واختناقات في قنوات تصريف قضاياه السياسية والاقتصادية والتنموية، حيث طرح الخبراء المهتمون بالظاهرة تجليات هذا المفهوم مع ما يطرحه من صعوبات اصطلاحية تتغير حسب المناخات الاقتصاديات والسياسية للدول.

تناولت الجلسات التفصيلية لموضوع ندوة «الشعبوية والخطاب الغربي حول الحكامة الديمقراطية» أول أمس الخميس بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بأصيلة، تأثير هذه التيارات التي تفتقد إلى مشروع مجتمعي متكامل يطرح بديلا لما يعانيه العالم اليوم من أزمات واختناقات في قنوات تصريف قضاياه السياسية والاقتصادية والتنموية، حيث طرح الخبراء المهتمون بالظاهرة تجليات هذا المفهوم مع ما يطرحه من صعوبات اصطلاحية تتغير حسب المناخات الاقتصاديات والسياسية للدول.
ففي محور «الشعبوية والأزمة الأمنية بدول العالم» اعتبر حسن عبد الله جوهر، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت، أن موضوع الشعبوية ليس طارئا في النظام الدولي، فقد وجد تعبيراته منذ القديم وظهرت بوادره الفكرية في العالم الإسلامي مع الدولة الأموية، بعد اندماج الشعوب غير العربية في دولة الإسلام ما عمق إحساسا بالغبن لديها، مشيرا إلى أن الشعبوية الجديدة اليوم يمثلها البسطاء من العامة ممن يسهل استغلالهم للوصول إلى السلطة من طرف بروفايلات تتشابه في عدم امتلاك رصيد سياسي، وسيادة خطاب ديماغوجي يتوخى التشكيك في قدرة النخب الحاكمة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الشعوب.
من جهتها شددت أناستاسيا ليخاشيفا، المديرة المساعدة لمركز الدراسات الأوربية والدولية والباحثة بمركز دافيس للدراسات الروسية والأورو- أسيوية، على أن الشعبوية كانت لها محركات عدة، لعل أولها انعدام العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى مخلفات الحرب الباردة التي خلقت نوعا من أحادية القطب التي تطورت اليوم إلى تعدد الأقطاب، كما أن التعددية الديمقراطية وما تمنحه من فرص للمشاركة السياسية فتحت الباب على مصراعيه لدخول هذه التيارات التي أصبحت تشكل اليوم توجها سياسيا صاعدا في غياب النخبة التي تعمقت الهوة بينها وبين المواطنين، وغياب الفرص أمام الشباب والفجوة الحاصلة في الثورة المعلوماتية والتقنية، مما يطرح تمكين هذه الفئة سياسيا ومعرفيا باعتبارها الفئة الأولى المستهدفة من طرف هذه التيارات.
غالبا ما تحتمي هذه الخطابات بتضخيم نزعة الخوف والتوجس من الآخر الذي يسلب مواطني البلد حقوقهم ويقلل من فرص تمتعهم بها، وهو ما ركز عليه خوان لامبا دي ميغيل الذي اعتبر أن الخطاب الشعبوي المتصاعد في أوربا يتخذ من المهاجرين مادة للاشتغال ضمن مخططاته لاستمالة الناخبين الذين فقدوا الثقة في السياسيين، مضيفا أن هذا التيار، ورغم نجاحه في بعض دول أمريكا اللاتينية، إلا أنه بفعل سياساته الحمائية سوف يخلق أزمات جديدة لعدم توفر فضاء سياسي ديمقراطي بدون طابع نخبوي يعالج الأزمات الخاصة بالمهاجرين ويُمنّع العدالة الاجتماعية والحقوق.
دي ميغيل في تدخله أشار أيضا إلى أنه لا وجود لفرق جوهري بين شعبوية اليمين وشعبوية اليسار، فاليميني يعتبر أنه يمتلك الحلول والإجابات البديلة عبر خطاب شعبوي لا يأخذ بعين الاعتبار المناحي السياسية في علاقاته الدولية، بل يركز فقط على الداخل وانغلاق الخطاب الهوياتي أي التموقع في خندق معاداة الأجانب، فيما اليساري يركز على قضايا السلام وتأثيرات العولمة.
وإذا كانت الخطابات الشعبوية مرفوضة في كل المجتمعات المنفتحة على التعايش والمحتكمة إلى القيم الإنسانية المشتركة، فإن حسن عبد الرحمان السفير الفلسطيني السابق ونائب رئيس والمدير العام لمجلس علاقات العالم العربي مع أمريكا اللاتينية والكرايبي، اعتبر أنها قد تكون أحيانا ضرورية لحشد الدعم للمشروع المجتمعي، مقدما المثال بمرحلة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية التي عانت من حالة تشرذم حاد بعد قيام دولة إسرائيل، إذ كان من الضروري – حسب حسن عبد الرحمان – أن يخاطب القادة الفلسطينيون الوجدان الفلسطيني عبر مبادئ الحرية، الكرامة، الاستقلال لتجميع الفلسطينيين حول قيادتهم، ليخلص إلى القول بأن الشعبوية ليست سلبية بالضرورة بالنظر إلى طبيعة المكان والزمان، وأن كل القوى المتصارعة اليوم تستعمل الخطاب الشعبوي أيا كان موقعها في اللعبة السياسية.
«تنامي الحركات الشعبوية : جدل الاقتصاد والسياسة»، بهذا المدخل أطر الأستاذ المختار بنعبدلاوي، رئيس مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية «مدى»، معتبرا في توصيفه للشعبوية، أنها نوع من الدورة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مشيرا إلى أن تعدد الشعبويات اليوم بعد ظهور أول تياراتها في روسيا في القرن 19، أصبح يضفي عليها نوعا من التشويش، ما يجعلنا أمام نوع من الشتات الاصطلاحي والذي لا يساعد على تحديد دقيق لماهيتها، مشيرا إلى هذه التيارات تنتعش في الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كما أنها لم تعد تقتصر على العداء للأرستقراطية التقليدية، ولكنها أصبحت اليوم في مواجهة النخب المنتخبة، في الديمقراطيات التمثيلية، والبيروقراطيات الإدارية، تطالب بسحب السلطة والنفوذ منهما وإعادتهما للشعب. كما أن الخطاب الشعبوي، يضيف بنعبدلاوي، يتسم بالاختزالية والغموض لأنه يبني حقيقته على جزئية بسيطة لأنه حين يعتمد على إسقاط الأنظمة القائمة لا يمتلك مشروعا ولا يقدم بديلا، بل يعمل فقط على تشتيت المشروعية السياسية بجعلها تتآكل، ويفكك البنيات المؤسسة القائمة ويشكك في مصداقيتها، من أجل غاية وحيدة هي الوصول إلى مقاليد السلطة. ولم تفت بنعبدلاوي الإشارة إلى وجود شعبويات بناءة وتتحقق في حالة وجود هذه التيارات ضمن مجموعات صغيرة تنخرط داخل تكتل واسع يملك إستراتيجية.
وللتدليل على فشل السياسات الاقتصادية الشعبوية، ساق بنعبدلاوي نموذح الأحزاب الشعبوية بأمريكا اللاتينية التي على الرغم من أنها أفضت في بداية تطبيقها إلى بعض المؤشرات الإيجابية الأولية، إلا أنها ما فتئت أن فشلت فشلا ذريعا، بسبب السياسات الحمائية التي تنهجها تجاه علاقاتها الاقتصادية الدولية، والتي أدت إلى تراجع الأسعار في الأسواق وارتفاع نسبة العجز التجاري بما ينجم عنه من زيادة تفقير الفقراء واتساع دائرة البطالة، واللجوء بالتالي إلى المؤسسات المالية الدولية ورهن القرار السيادي لهذه الدول، وهو الوضع الذي يدفع إلى التساؤل عن تكرار فشل هذه التجارب الذي لخصه بنعبدلاوي في عدم انبناء رؤيتها المجتمعية على المستقبل والتخطيط، ولكن على الانفعالات والغضب الشعبي بهدف الوصول إلى السلطة، بالإضافة إلى تضخم الذات وخطاب الهوية مع إسقاط الآخر المختلف من كل الحسابات بداعي رسملة الثروة الوطنية، ما يجعلها تتصرف خارج منظومة العلاقات الدولية.
ولتنسيب أثر الشعبوية وتقليل انعكاساتها، اقترح الأستاذ بنعبدلاوي ثلاثة مداخل حددها في:
-التسريع بعملية الانتقال من الديمقراطية التمثيلية إلى الديمقراطية التشاركية.
-الإسهام الكبير للجماهير في تفعيل المجال العمومي ( أخلاقيات الحوار وبناء التوافقات).
الاستثمار في نظام التربية والتعليم وتجديد القيم.


الكاتب : أصيلة: حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 15/07/2017