من أين تأتّت لهن هذه الجرأة
في كشف المستور والمحرم والمقدس؟ كيف نزعن عن الرجل الشرقي آخر أوراق التوت التي يتدثر بها بداعي الأخلاق والتقاليد ليديم أمد سيطرته الاجتماعية والدينية والاقتصادية؟
نساء عربيات.. باحثات، كاتبات، شاعرات استطعن بأبحاثهن وكتاباتهن أن يعرين الرجل.. أن يسلبنه موقع القيادة ويستعدن دفة الحكي ليفتحن الحكاية من جديد بمنظورهن ، بأحاسيسهن، بقراءتهن لتاريخ من القهر والحجر.
أثارت كتاباتهن العديد من السجالات، بل قوبلت بالرفض والتكفير أحيانا
في مجتمعات تمسك بسلة الأخلاق والقيم ، فلم يزدهن هذا الاحتكار إلا إصرارا على اختراق
مناطق الظل والعتمة.
في هذه الحلقة، نستعرض أجرأ الكاتبات العربيات وما واجهته كتبهن من اتهامات وهجوم.
«ذاكرة الجسد» 1993، «فوضى الحواس»1997، «عابر سرير» 2003، «نسيان دوت كوم» 2009، «الأسود يليق بك» 2012، ديوان «عليك اللهفة» 2014 وإصدارات أخرى جعلت الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي تتصدر المشهد الروائي العربي، وهي الشهرة التي لم تتحقق لكثير من الكتاب والكاتبات استغرقت الكتابة وهمومها زمنا غير يسير من حياتهم. شهرة ألبت عليها البعض ممن شككوا في قيمتها الأدبية، بل في نسبة هذه الأعمال إليها في ما يذكرنا ببداية الكتابة النسائية العربية التي لم يستسغ الكتاب الذكور تكسيرها لسلطة الرجل على اللغة، لغة كان يحتكر ألفاظها ومعانيها.
اعتبر النقاد عملها الروائي الأول «ذاكرة الجسد» من أهم الاعمال الروائية في السنوات الأخيرة، حيث حظيت هذه الرواية بمتابعة إعلامية ونقدية جعلتها مثار جدل مع ما حققته من عدد مبيعات حسب إحصاءات معارض الكتاب العربي، كما تناولتها العديد من الدراسات والاطروحات الجامعية، واعتمدت للتدريس في عديد من الجامعات العربية والاوربية كالسوربون، ليون ، الجامعة الأمريكية بيروت..
كانت شهادة الشاعر الكبير نزار قباني حافزا للعديد من القراء لقراءة «ذاكرة الجسد «حين صرح أن الرواية دوخته وسبب الدوخة:» أن النص الذي قرأته يشبهني الى حد التوتر، فهو مجنون ومتوتر واقتحامي ومتوحش، إنساني وشهواني وخارج عن القانون… ولو طلب مني توقيع اسمي تحت هذه الرواية لما ترددت».
هذا الإطراء من شاعر كبير كنزار كان كافيا لانتشارها الإعلامي والأدبي رغم أن العديد من النقاد قللوا من القيمة الأدبية لما تكتبه، معتبرين أن كتاباتها تفتقد الى التخييل الروائي وأن ثلاثيتها «عابر سرير»، «ذاكرة الجسد»، «فوضى الحواس» لا تخرج عن سياسية التنميق والبهرجة والتناص، وأن رواية «ذاكرة الجسد» التي صفق لها الكثيرون لا تتضمن أية طروحات إنسانية واجتماعية ، باستثناء حب ضائع أو غرام مبتذل. كما اعتبر آخرون أن الشهرة التي تتمتع بها أحلام مستغانمي، خاصة وسط جيل الشباب شهرة دعائية في المقام الأول، ولا ترتبط بقدرات إبداعية بل تتعلق بمستوى وطبيعة الإنتاج الروائي المقدم في تلك الفترة، بالإضافة الى اشتغالها على الثالوث المحرم في العالم العربي: الجنس، الدين، السياسة، واستفادتها من علاقات زوجها جورج الراسي الذي قال عنه الطاهر وطار إنه من صنع نجاحها بسبب علاقاته ونفوذه.
بعد صدورها عمليها الروائيين «عابر سرير «، و»فوضى الحواس» استقطبت ثلاثية الجسد هاته اهتمام القراء والنقاد ما جعل البعض يعتبر نصوصهما استنساخا لروايتها الأولى «ذاكرة الجسد» في ما يعرف بتعالق النصوص.
في هذه الثلاثية احتل ثالوث الجسد، الانوثة، والذكورة مساحة كبرى ، وشكل هاجسا أساسيا في بناء النصوص ، كما طرحت فيها بتواز ثلاثية: الحب، الجسد ، الخيانة. هذا االتناول المكثف لكل ماهو طابو جعل الإقبال على قراءة رواياتها حسب منتقديها، الفيصل بعيدا عن فنية وأدبية نصوصها، حيث هاجمها الروائي الجزائري سمير قسيمي بشدة بعد صدور روايتها «الأسود يليق بك»، هجوم وصل حد الاتهام بالنصب والاحتيال الأدبي قائلا: أي جرأة تملكها أحلام مستغانمي لنشر عملها الموسوم «الأسود يليق بك» وتدعي قبلها أنها رواية. قرأتها ووجدتها ككتاب وضعته مراهقة لا تفهم الفرق بين الرواية والخاطرة، تصنع وابتذال لغوي وتوليد لغة و»سماطة» بالمعنى العامي….لقد جعلتني في هذه الرواية أندم على المال والوقت الذي بذلته في ما كتبته»، كما ربط كثيرون روايتها هذه برواية الكاتب الجزائري فريد بن يوسف «الأسود لايليق بك» الصادرة في 2010 ، من ناحية العنوان رغم اختلاف قصة الروايتين.
لا تهتم أحلام مستغانمي للواصفين أدبها بالابتذال قائلة: « أريد أن أحاكم ككاتبة دون تاء التأنيث، وأن يحاكم نصي منفصلا عن أنوثتي ودون مراعاة أي شيء»، رافضة تجنيس النص الأدبي وتبويبه على أساس النوع.