يعتبر المكي أكنوز، ذاكرة حية وأحد الباحثين القلائل في الفنون الغنائية والموسيقية الأمازيغية بالأطلس المتوسط، وأرشيفه الغني بالوثائق كان قد حمل بعض المجهولين ذات مساء إلى زيارته بمريرت تحت جنح الظلام لسرقته، ما خلف صدمة قوية لدى المعني بالأمر ومعه مختلف المهتمين ممن يعلمون جيدا بما يحتوي عليه هذا الأرشيف المتحفي من «تحف وكنوز»، والمكي أكنوز الذي يمتاز بعلاقات واسعة مع غالبية الفنانات والفنانين الأمازيغ، ويعد من حراس خزائن سيرهم وروادهم، ينتظر أن تعرف الخزانة المغربية عرض كتاب له حول الفنان الكبير محمد رويشة.
المكي أكنوز الذي لا يتوقف عن مشاركاته التلفزيونية وإسهاماته البحثية وفتح بابه للمهتمين والنقاد دونما أي احتكار، هو من الأعضاء البارزين ب «مركز روافد للأبحاث والفنون والإعلام» بخنيفرة، وفي هذا الحوار حاولت «الاتحاد الاشتراكي» في ضيافته استجلاء الكثير من الجوانب والهوامش ووجهات النظر المتعلقة بالفن والثقافة الأمازيغيين، حيث يقدم مقترحات وتصورات للنهوض بهذا المجال، ولا غرابة في أن الحديث مع هذا الباحث يطول أكثر من أي حوار محدود بالزمان والمكان، لكونه شخصا سياميا مع مجال اشتغاله، ولا تزيده الأيام إلا حيوية وإصرارا على مواصلة الاستغوار في تاريخ الموروث الفني والثقافة الشعبية لأمازيغ قبائل زايان والأطلس المتوسط.
p بداية، كيف كانت بداية الأغنية الأمازيغية بالأطلس المتوسط؟
n الأغنية الأمازيغية بالأطلس المتوسط جسدت عبر مسارها التاريخي الطويل نبض الإنسان الأمازيغي في اصطداماته مع واقعه، كما عبرت عن انكساراته وتطلعاته، وقد بدأت الأغنية الأمازيغية بالأطلس المتوسط بالأداء التقليدي الخام، وعلى المستوى الشعري انطلقت بأشكال أولية بسيطة ذات ألحان تلقائية عفوية، وبأدوات بسيطة إيقاعية، البندير، والمقص، الناي، ثم فيما بعد ستعرف بالآلات الوترية، ال?مبري المعروف»الوتر» ، وصولا إلى توظيف آلة الكمان «الكمنجة»، وللتوضيح هنا فإن آلة (الكمنجة) تسللت واقتحمت الجسد الموسيقي الامازيغي في نهاية القرن الثامن عشر، من بين الرواد الأوائل الذين عزفوا على هذه الآلة، المرحوم حدو أوويزة من قبائل آيت سيدي حساين، المنحدرة من ايت حديدو ازروفن، وكذلك المرحوم إبراهيم نهو، سيدي صالح، والشيخ امحند أعجمي، هؤلاء عاشوا في صمت وتنكر لهم التاريخ.
p بعض الرواد في الأطلس المتوسط عزفوا على آلة العود كيف تشرح ذلك؟
n آلة العود رغم أصالتها وبعدها التاريخي، لم تدمج في الأداء الموسيقي الأمازيغي بالأطلس المتوسط إلا في النصف الأول من القرن العشرين على بعض الأشياخ مثل: المرحوم مولود اوالبشير، المرحوم الشرقي، المرحوم بالخير، المرحوم حمو اليازيد، الفنان الباز بناصر، الفنان بومزوغ حمادي، عبد الرحيم ال?زولي، الفنان الغريسي، مصطفى غوبيد ..، والواضح أن الأغنية الأمازيغية بالأطلس المتوسط، كموسيقى تقليدية، لم تأخذ مأخذ الجد في الدراسات الموسيقية الحديثة والمعاصرة، فكان لها مكان الهامش كالعادة، رغم كونها مؤهلة لتكون مادة حقيقية تراثية لإنجاز دراسات علمية.
p هل يمكن للقصيدة الشعرية ثيفارث أن تكون شعرا مغنى كما يرى بعض المهتمين؟
n الشعر له صلة عضوية بالغناء والتصاقه السامي به، ذلك أن التراث الغنائي بالنسبة إلينا ليس شيئا آخر غير هذه العلاقة البنيوية بين القول الشعري والنسق اللحني والإيقاعي»، من حيث أن الشعر يزن بالغناء والغناء ميزان الشعر، طبعا هناك قصائد تصلح للغناء، والأمثلة كثيرة في شعر المرحوم حمو والغازي والحسين العزيزي ومحمد باجي وعمر الطاوسي، فإنها تصل إلى المتلقي من خلال صوت ولحن وجمل موسيقية، وإذا لم يكن الشعر واضحا الوضوح الكافي يتيه الموقف فيه، لهذا فإن اللحن يساعد على الانتشار السريع للأغنية أما الكلمات فهي وحدها تحمل مسؤولية بقائها، كما أن الطاقة الإيحائية لكلمات الأغنية هي التي تلهم العازف الحساس للطريقة التي تتعانق مع الكلمات في وحدة فنية منسجمة.
p بالمناسبة نسجل انتشارا واسعا للغناء الهابط والمبتذل بين الطبقات الشعبية، رغم كونه مجرد كلمات من ترابط ولا ذوق ولا روح فنية ولا معنى، ومع ذلك يعبأ في الأشرطة والأقراص ويتهافت عليه الناس؟
n ما يراه البعض هابطا، أعتبره أنا ظاهرة صحية ما دامت الأشياء تسمى بأسمائها، وهذا يتيح لنا اكتشاف مكامن الخطر بدلا من تغليف السموم على أنها أدوية، وكما يقاوم الجسم االأمراض وتبدو عليه مظاهر الحمى فيبادر بالعلاج، وقد ظهرت أغاني التهريج باسمها الحقيقي في مواجهة أخرى تخفي تهريجا بالسلوفان، ومن هنا علينا المبادرة بالعلاج، وللقائلين بأن الأغنية التراثية أخذت في طريقها للانقراض، أقول لهم هذا لا أساس له من الصحة لأن القطع الخالدة جذورها متينة وعميقة، والتي عُزفت بإحساس صادق ستظل خالدة.
p مستقبل الأغنية الأمازيغية العصرية، ما هو توقعك لها على ضوء الأصوات الغنائية الموجودة؟
n الأغنية العصرية ليس لها حاضر حتى يمكن أن يكون لها مستقبل، لأن طاقة المغني والسامع محدودة، وأضحى الاستماع الطويل للغناء مفقودا في هذا العصر الذي ساده القلق وانتشر فيه الوهم، واندفع الناس إلى الاستمتاع بالحياة في سرعة وانتهاز، وأصبحت الأغنية عبارة عن قطعة صغيرة لا تأخذ من الوقت أكثر من عشر دقائق، أما الشعر فقد نضبت سوقه وانفض عشاقه أمام سواد العشوائية والقذارة.
p أليست هذه النظرة بالغة التشاؤم؟
n لا أقول هذا من منطلق التشاؤم، وإنما من باب ملامسة الواقع المعاش هذه الأيام، حيث أصبحت الأغنية الآن مجرد تسلية ولَم تعد طربا.
* البعض يتهم الموسيقى الأمازيغية بما لا يتلاءم مع عصر راكض الخطو، ترى ما مدى رأيك في هذا الكلام؟، أم أن الموسيقى الامازيغية تحمل خصائص ملاءمتها لحياة عصرنا المتسارع؟
* الذين يقولون هذا هم أجهل الناس بالموسيقى الأمازيغية، بل لعلهم أجهل الناس بالموسيقى عموما، والموسيقى الأمازيغية هي أوسع مما يتخيله الإنسان ميدانا في علم الطبقات والأوزان والألحان، وهي نبع سخي لكل الموسيقات التي لحقتها، وإن كان فيها شيء من الرتابة كما يزعم البعض فهذا مرده إلى ضعف المغني لا ضعف الموسيقى نفسها، وعلى أي حال لا توجد الرتابة إلا في أنواع الأغاني التي يتناولها المتطفلون على الميدان التي يردد فيها نفس اللحن في كل مقطع من الأغنية، ولنأخذ على سبيل المثال لا للحصر قطعة للشاعر المرحوم حمو والغازي «ثبرم الساعث ارعب ونا ورموثن» للحن وعزف وأداء المرحوم محمد رويشة، فهي عامرة بالألحان التي تتلون وتتغير في كل مقطع، والجميع يعلم بما بلغته الموسيقى الأمازيغية في عهد المرحوم محمد رويشة من السعة والتطور في إهابها ما جعلها عصية عن الاقتباس من الموسيقى الشعبية.
p هناك شبه إجماع على أن الأغنية الأمازيغية تجتاز أزمة ما، هل يكون سر هذه الأزمة هو افتقار الأغنية إلى الكلمات الموهوبة على حد بعض التحاليل الفنية؟
n أنا لا أعتقد بأن بقاء الأغنية راجع إلى الكلمات أكثر من رجوعه إلى اللحن والصوت الذي يؤديها، فكم من أغنية هزيلة اللفظ طيبة اللحن اشتهرت أكثر من الشهرة، وكم من قطعة غنائية جيدة اللفظ والمعنى ورديئة اللحن كتب لها السقوط، والرأي عندي أن يتحد اللفظ واللحن في صوت جميل يحسّن الأداء لإبداع الأغنية بالأطلس المتوسط، ولا أنكر أن معنى الأغنية له دخل كبير في تقدير السامع، فإن الإحساس الصادق التعبير والذوق الخالص كفيل بإرضاء من يستمع إلى الأغنية ولو نزل لحنها أو ضعف مؤديها.
p حادة وعكي صوت قوي غنت العديد من القطع الأمازيغية صحبة الفنان بناصر أوخويا، نريد أن نعرف من وجهة نظرك الأغنية أو الأغنيات التي كانت أكثر توفيقا فيها؟
n عندما تدخلني»بوفيهاَ « عامرا بأطيب الأطعمة وأشهى المأكولات فمن الصعب أن أجاوبك عن الصنف الذي كان أحلى مذاقا، كل ما شدت به حادة وعكي كان رائعا كما هو رائع عند الناس.
p ما قولك في موجة الأغاني الأمازيغية الحالية؟
n بصدق العبارة أصبحت أغنياتنا مثل وجوه اليابانيين متشابهة لدرجة أننا لا نفرق بعضهم عن بعض، حتى أن جانبا كبيرا من أولادنا أصبح يقبل على الأغاني الأجنبية بدون فهم كلماتها وذلك لإفلاس مغنينا في جذب اهتمامهم.
p يعلق البعض بعدم وجود أية إضافة في الساحة الفنية، ألا تشكل الأصوات الغنائية جزءا من الأزمة؟
n الأصوات المنتشرة جيدة بالتأكيد، ولكنها لا تكفي إطلاقا لجعل نهر الغناء يتدفق بالحيوية، ويقال إن المشكلة تكمن في عدم ظهور أصوات جديدة، ربما ولكن الواقع يؤكد أننا نمتلك أصواتا بالغة الجودة وكثيرة غير أنها مركونة بلا سبب مفهوم، ولا تقل عن الأصوات التي تُلِّح على آذاننا في الصباح والمساء، قل لي لماذا ألقوا في جب النسيان رابحة نجالوق، خدوج إدزر، توسيدانت آيت إسحاق، مونة الكينة، تبودر?ات، اوعنيني، قدور، باحسين، حساين هؤلاء كانوا عمالقة غناء خصب، فلماذا في غمار الضجيج تحجب أصواتهم، والمسؤول عن ذلك ليست شركات الإنتاج وحدها، بل أن الإذاعة والتليفزيون لهم نصيب أساسي من المسؤولية، حيث أصبح هذا الجهاز يعيش على الإنتاج الذي تقدمه له شركات الإنتاج les bo?tes de productions.
إذا سمحتم، أحب أن أسأل: كم عدد الأغاني الناجحة التي قدمتها قناة تمازيغت في السنوات الأخيرة من خلال ميزانيات باهظة التكاليف؟ وإذا كانت هناك محاولة جادة تريد إخراج الأغنية الأمازيغية من ازمتها، فلا بد أن تكون البداية من أجهزة الإعلام، في الماضي منذ عشرين سنة تقريبا كان هناك نظام مختارات الإذاعة، وبواسطة هذه المختارات شقت الأغنيات الناجحة والأصوات الغنائية المؤكدة طريقها، مثل أغنية «إناس إناس» للراحل محمد رويشة، أغنية «ربي ما يثعنيث ايول» للمرحوم حمو اليازيد، قطعة «ثيط ايذا يسران» للمرحوم بالغازي بناصر، قطعة «اقشمير» لرويشة عين اللوح اليوسفي….الخ، أما اليوم فدلوني على أغنية واحدة، ويبدو أن ميزانية الإذاعة في خبر كان، ولا داعي الآن للتعرض للشللية المستفحلة، إن الأوساط الفنية تعرف الآن بالاسم من هم حماة فلان ورجال فلان.
p ذكرت بعض الأسماء لفنانات أمازيغيات هل هي ألقاب حقيقية؟ وما مكانة الشيخة في المعجم الفني؟
n سؤال وجيه لو عدنا إلى معلمة المغرب (مادة الشيخ)، التي حررها المؤرخ الأستاذ أحمد توفيق، الجزء 16، هناك إشارة إلى المرأة التي يعترف لها بالقيمة وبالصفة النوعية كأستاذة روحية، ولكن مع المرحلة الكولونيالية في تاريخ المغرب، تدهورت صورة الشيخة بكيفية بنيوية مؤلمة وجارحة، وخصوصا ما يتعلق بإدارة الباشا التهامي ال?لاوي في مراكش وإصراره على وضع الشيخات والبغايا في مكان واحد، ومنتج عن ذلك من خلط ظلت له امتدادات مؤسفة خدشت الصورة البهية الجميلة لصناعة الفن، وكذلك عامل انتقال الشيخة من القبيلة إلى الخمارات والملاهي، فتغير أسماء الشيخات إلى أسماء قدحية هي نزعة تدميرية في جوهرها، فينمحي تماما الاسم الحقيقي ولا يبقى إلا اللقب بصورته المشوهة، بنزعة التبخيس والاستهزاء والسخرية.
وكل هذا يصب في إقصاء الشيخة عن طريق تدمير هويتها، سوف أعطيكم بعض الأسماء :عائشة تغزافت اسمها الحقيقي ناصيت عائشة، رقية نعمي اسمها الحقيقي غوبيد رقية، السعدية تشطوانت اسمها الحقيقي شأني السعدية، أمينة تبودر?ات اسمها الحقيقي امهاوش آمينة، نعيمة نكودة اسمها الحقيقي قشتالي نعيمة، فاطمة تيت?يت إسمها الحقيقي أمارش فاطمة› رقية الموسطاش، تعدادست، تشنيط، قرو اسمها الحقيقي يامنة اقرحون، فاطمة تفلوست، واللائحة طويلة.
p على ذكر الفنانة عائشة تغزافت، كيف اعتقلت إبان سنوات الرصاص بخنيفرة؟
n عائشة تغزافت، زينب اوخثار، امارش فاطمة الملقبة بفاطمة تيت?يت، محمد مغني ، المرحوم لحسن أعشوش، باولي قدور، احساين بومية، المرحوم امحزون باسو نبعدي، وبالخصوص النساء عشن العذاب والسجن بكل أشكاله البشعة، وذقن المرارة والويلات إبان سنوات الرصاص، لا لشيء إلا أنهن غنوا بحنجرتهن الذهبية رثاء لمن حكم عليهم آنذاك بالإعدام فأخرستهما أيدي الجلاد كما أخرست غيرهما من قبل سوف اذكر بعض المقاطع من المرثية التي اعتقلوا على اثرها:
إِذْ إِمَانُوا ايْن? دْيِوِين غُورِي أزَال
إموث حمو أو رْ يِويض و?ا أمازير# موراس ضور امحزان إنضل أماس أورو?و
إِذْ إِمَانُوا ايْن? دْيِوِين غُورِي أزَال
لتروث اصفرو إدخْ إموث عبابو# ماني القوانس ماني لعسا ن س إيضور
كانت هذه القطعة أخر ما أدته عائشة تغزافت فاعتزلت الغناء، وفي هذه الفترة كان الغناء بالأطلس المتوسط قد أضحى محظورا، حيث قال الشاعر:
مسار نيخ ازلان اربي جمعي ذو رواس# إسا نايخ اغري نثشا عيشة ذو اعشوش
كما قالت الأستاذة فاطنة البيه مع الأستاذ يوسف في كتاب اطلسيات» نساء عشن الاختطاف والتعذيب والسجن بكل ألوانه البشعة، وذقن الويلات وعانين مرارة إقصاء المجتمع باتهامهن بالخيانة لمدة بدت لهن كالدهر، فهل تموت ذاكرتهن للأبد؟ وهل ينمحي وشم الجسد المعذب في العتمة؟ ولقد كان لك أستاذنا أحمد بيضي الفضل الكبير في إنجاز هذا الكتاب.
p هل لديكم ما تعلقون به على ما أثير عن خلافة الفقيد محمد رويشة؟
n الفنان العظيم حقيقة لا بد أن تتوفر له خاصية أن يكون منفردا بسمات لا يشاركه فيها أحد غيره، وإلا فقل لي من هو خليفة شارلي شابلن؟ ومن خليفة والت ديزني وسيسبل دي ميل… وليس في هذا إقلال من شأن الآخرين، فأوساطنا مليئة بفنانين كبار من دون شك، لدينا محمد مغني، اوخابا، عزيز امالو، زرزوقي عبد الرحمان، بوتمزوغت ونورالدين اورحو، جيلالي كنينو، بيمغرة محمد، اشيبان لحسن، موجان سعيد، المو حميد، وغيرهم كثير، ولكن محمد رويشة كان نسيجا خاصا، ليس بعزفه فحسب بل بكل مظاهر حياته، وبكل محتواه، لقد كان محمد رويشة ظاهرة خارقة ومنفردة، واحتمال وجود فنان عظيم مثله ليس مستحيلا، و لكن المهم أن يكون شيئا خاصا لا نسخة أخرى منه.
p كيف تنظرون لعلاقة الدولة بالفن والفنانين الأمازيغ؟
n لا كرامة لوطن يُهان فيه الإبداع والفن الأمازيغي في ظل غـيـاب الجهات المختصة والرسمية، وفي مقدمتها وزارة الثقافة وفشلها الصادم المدوي من عدم القيام بدورها المهني والوظيفي والإنساني المناط بها لخدمة الفكر والمعرفة والثـقافة والفنون الأمازيغية، واستمرارها في سياسة التسطيح والتغييب والتهميش التي أصابت الجسد الإبداعي الأمازيغي بالخيبة، ما تسبب في توقف وإحباط واغتيال حركة الخلق والابتكار ومواكبة الرواد، وفي ظل هذه الظروف الصعبة القاهرة، أسمحوا لي أن أشعل شمعة في ظلام حالك دامس، بالقول إن الثقافة الأمازيغية هي هوية وحصانة ورسالة، لنقطع بذلك سبيل من يعتقدون أن الثقافة الأمازيغية هي مجرد جزئية ووجودها كعدمها،
لقد ورث المغرب عن تاريخه تراكماً ثقافياً وحضاريا، الأمر الذي جعله من أوائل الأقطار التي تعني بوجود وزارة الثقافة إكساب الشخصية المغربية تعريفاً بتاريخها وصيانة مقدرات هذا الوطن من تراثه ورعاية مكتسباته الإبداعية الناتجة عن عطاء أفراده، وهذه الأهداف جميعها استوجبت وضع سياسة ثقافية ترتكز علي محاور أساسية هي الرؤية الشاملة للكيان الثقافي المغربي ودوره في المجتمع، من حيث الثراء الثقافي الذي يحظى به المغرب بين بلدان العالم، ثم السياسة الثقافية التي لن تعطي ثمارها ما لم يتم إشراك الجميع، من مثقفين وأجهزة ثقافية، في تأكيد الانتماء والرقي بالتنمية الشاملة، سيما أن أي خطة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تظل هشة ما لم تستند إلى تنمية ثقافية جذرية.
ومن هذا المنبر، أوجه رسالتي لوزير الثقافة، على أن مشكلة القطاع الثقافي الأمازيغي بالدرجة الأولي تكمن في سؤال التسيير، والجواب عنه في تكنوقراطية القطاع على المستويين الوطني والمحلي، إذ يفترض أن تسند مسؤولياته إلي فنانين مبدعين ومثقفين، ولا يعقل أن نضع على رأس القطاع مسؤولا لا يقرض بيتا شعريا ولا يعرف مدرجا موسيقيا ولا دراية له بالركح، ولا يقرا كتابا ولا يناقش محاضرة، ولا يملك حتي عنصر الحب للفعل الثقافي، هؤلاء سيعجزون عن استقطاب الفاعلين في المشهد الثقافي، وعن بلورة مشهد ثقافي وطني يعكس الهوية الأمازيغية المغربية بامتياز في إطار واضح المعالم يحافظ على الموروث ويواكب التطورات العالمية، ونقترح على وزير الثقافة الالتزام بشعار (ثقافتنا هوية وحصانة ورسالة)، والعمل علي فتح قناة ثقافية تلفزيونية تهتم بالشأن الثقافي الوطني الأمازيغي، مع تأسيس أكاديمية وطنية للغة العربية وأخرى للغة الأمازيغية.
p كلمة أخيرة ؟
n أريد أن أقول لرواد الأغنية الأمازيغية بالأطلس، إن فن الأغنية الأمازيغية ينتظر منكم جهدا لتقويته ومواكبته، لأنه من أخطر الفنون تأثيرا في الجماهير، وإن دور شخصية واحدة مثل فعل الفنان، ربما يكون أخطر من دور المثقف (الكاتب)، وقد يجد البعض في هذا القول مبالغة، ولأول وهلة، ولكن عندما تتعمق الأمور فعلينا أن نسمي الأشياء بأسمائها، لهذا فلا بد من نقد متخصص ودراسات مستفيضة لهذا الفن البالغ الخطورة يتناسب مع أهميته القصوى في حياتنا الاجتماعية.
اما كبيرنا الذي علمنا سحر الفن، الفنان محمد مغني، فأنا أناشده أن يعكف لنا على كتابة مذكراته، كتابة عميقة لا تتناول مجرد الأحداث بالطول والواقع بل بالعمق والدلالة، وكيف استطاع أن يتبوأ قمة القمم، إن هذه المذكرات سوف تكون شاهدا على عصره بكل أبعاده السياسية والاجتماعية والفنية، وليس غير لمحمد مغني من الذكاء والخبرة والاقتدار وحضور الذهن من يستطيع ان يلقي لنا الضوء على هذا العصر، أناشده أن يفعل هذا قبل أن يفوت الأوان ويصبح المجال خاليا للأدعياء ومخترعي الأساطير كما حدث بعد رحيل محمد رويشة.