«إنّ الاستشراق الذي أحاط به إدوارد سعيد في كتابه و عمل على فضح تورط مؤسساته الأكاديمية – التي يفترض أن تكون موضوعية- في أغراض سلطوية لايزال متواصلا إلى اليوم. فالخطاب الذي تغذى برؤى الاستشراق و تعدّد الاستشراق بدوره فيه و تشعّب كفيل بأن يقودنا إلى تحليل عميق لهذه لظاهرة»
تحدّث إدوارد سعيد منذ 1978 عن الاستشراق من موقع مناسب إذ عزّزت كل من الحربين العالميتين الأولى و الثانية نظرته التشكيكية للدراسات الاستشراقية. و قد طعّم هذا المشروع ببعض أفكار من سبقوه أمثال أنور عبد المالك[1] و استعان بأدوات و مناهج مختلفة منها المنهج البنيوي من خلال ميشال فوكو ليفضي به ذلك إلى تأسيس مرحلة فارقة نوعيا في تاريخ المبحث الاستشراقي .
لقد درس إدوارد سعيد الاستشراق باعتباره أسلوبا في الخطاب والتفكير و بالعودة إليه لم يكن المستشرق يهدف من خلال هذا الخطاب إلى الإعلام و التبليغ فقط عن هذا الشرق إنّما سعى أيضا إلى تكوين صورة جديدة عنه. و لم يفته الإشارة إلى كون هذا الخطاب مدعوما بمؤسسات و مفردات و جهات سلطوية مختلفة.
و سنستعيد من خلال هذا الثالوث في تاريخ الاستشراق الإدواردي المتمثل في ( خطاب – صورة – سلطة ) جملة من الأفكار الواردة في بحث إدوارد سعيد، دارسين العلاقات المختلفة بين مظاهر كل واحدة منها.
إنّ استحضارنا لمشروع سعيد لا يعود فقط إلى كونه “حدثا ” نقديا هاما للاستشراق بل دفعتنا رغبتنا في توسيع نطاق هذا المبحث إلى ذلك دفعا. إذ ألمع في مقدمة كتابه “الاستشراق” إلى مبحث هام يمكن التطرّق إليه و هو البحث عن البدائل المعاصرة للاستشراق. و نشير هنا إلى أنه رمى من وراء هذه التسمية إلى إيجاد حلّ يمكّن من دراسة الشرق دراسة تحررية بريئة من القمع و التلاعب على حدّ قوله. و في ضوء هذا التصور سعينا للبحث عن هذه البدائل التي تبيّنا في مرحلة ما – كما سيظهر لاحقا- أنها لم تكن تصحّح مسار الاستشراق إنما كانت تواصله. فلئن استبدل الجهاز الاصطلاحي بآخر من قبيل “الإرهاب” “الإسلام” مما أدى إلى تغير الخطاب شكليا إلّا أنّ المضمون الاستشراقي ظلّ متشابها. و لعلنا نعود هنا بطريقة غير مباشرة إلى تعريف إدوارد سعيد للاستشراق على أنّه طريقة في التفكير؛ القولبة و جعل الآخر موضوعا. إذ لم يعد الغرب ينظر إلى الشرق على أنّه “عالم ” و يحتاج من يمثله بل صار الآخر الذي يجب السيطرة عليه أو القضاء عليه .
و هنا يكمن لبّ التفكير مع إدوارد سعيد ، توسيع مشروعه و البحث عن البدائل المعاصرة التي ينتجها التاريخ و التاريخ الذي ننتجه الأمر الذي يؤكد لنا دائما أن الاستشراق واحد و متعدّد.
نزّل إدوارد سعيد الاستشراق ضمن دراسة الخطاب إذ اعتبره عملا بمنهجية فوكو في صياغة تاريخ أفكار جديد، خطابا متعدّدا متشابكا تكوّن في لحظة زمنية معيّنة بشكل أكثر بساطة و ظلّ يتجدّد و يظهر كلما احتدّت الحاجة إليه. إذ عرف هذا الخطاب الاستشراقي لحظات ” انفجار خطابي “[2] شرّع لها تحريض مؤسسي معيّن.
و تلحّ علينا أسئلة من قبيل “متى و كيف نشأ هذا الخطاب الاستشراقي؟” لرصد المواقع التي انطلق منها. فتكوّن الصيغ العبارية لكل خطاب تتأسس على بحث في هوية المتكلم و مجموعة المتكلمين التي لها حقّ امتلاك هذا النوع من اللغة [3].
مساجلات فكرية 15 : التفكير مع إدوارد سعيد: البدائل المعاصرة للاستشراق
الكاتب : ايناس النيغاوي
بتاريخ : 19/07/2017